لا يزال شريط الذكرى يُعاد علي ، ابتسامتها , نقائها ..قلبها الدافئ ، صوتها وحده كافٍ ليشعرني بالأمان
آه يا امي لِمَ رحلتي وتركتي خلفك قلباً يشكو لوعة الفراق ؟
تمرين عليَ في كل وقت كسحابة جميلة ولكنك سرعان ما تختفين !!
اود كثيرا ان تكونين معي هذه الليلة ليتك ترجعين
امي سأظل اتذكر واتذكر الى ان تحين ساعتي !!
تقف أمام المرآة كوردة بيضاء تتأمل ملامحها المغطاة بالمساحيق تحاول ان تخفي حزنها الدفين الذي لا يمكن ان يُنسى مهما طال الزمن
تحمل في يديها صورة الغالية "والدتها "وكأنها تعاتبها بعينيها الحزينتين كما لو كانت على قيد الحياة
فُتِح الباب ودخلت امرأة مُتزينة تتشابه مع العروس الحزينة بالملامح " هالة حبي يلا عشان تنزلين ما نبغى نتأخر "
لازالت هالة تتأمل صورة والدتها المرحومة ولم تلاحظ بعد دخول اختها نور الى الغرفة
لاحظت الحزن على ملامح اختها الصغرى لتتعاطف معها مُرغمة .. مر عامان على وفاة والدتهما ولكن القلب لازال يتفطر شوقاً اليها اقتربت منها وربتت على كتفها بهدوء : وش فيك ؟ توك تضحكين وش زينك ايش صار لك فجأة ؟
هالة بعين دامعة وكأنها طفل اضاع والدته لتوه : ابغى امي
ارتمت في احضان اختها و هي ترثي والدتها بشجن : وحشتني كثثيير تمنيتها معي في هاليوم يا نور ما أتخيل نفسي بدونها كانت دايما تتمنى تشوفني عروس وتفرح فيني بس ماصار
نور وهي تحاول ان تخفي حزنها : مايجوز الا تسوينه ياعمري ادعي لها بالرحمه وان ربي يجمعنا معها في الجنه
امي مابترضى انك تبكين عليها كذا وتخربين فرحتنا فيك
هالة: ليه تركتني وراحت اتخيلها معنا في كل دقيقة تشرف على تجهيزات العرس تحضني وتبكي وتقول اخيرا شفت هاليوم وتطمنت عليك ياريتها تجي بس اليوم وتروح بس اليوم
حاولت ان تبدو قوية .. تتماسك .. و ان لا تضعف و تتباكى هي الاخرى و تُفسد هذه الفرحة .. حاولت ان تقوم بدور الام كما عاهدت نفسها ان تكون .. امسكت بكتفي هالة وجعلتها تنظر اليها : هالة امي معنا هنا في قلبي و قلبك مستحيل احد يمحي ذكراها
امي تفرح لما تفرحين وتزعل لما تبكين كذا لاتخلين الحزن يتغلب عليك في حياة حلوة ومستقبل حلو ينتظرك اليوم انتي بتبدين اول المشوار مع زوجك لازم تكونين قوية وقد
المسؤولية... ، بتكونين في مكان بعيد عنا ولازم توازنين بين دراستك وبيتك تغمز لها :بس عاد مو تلهيك بريطانيا عنا كلمينا وطمنينا عن اخبارك
ابتسمت خجلاً :طبعاً مابنساكم.. و هذا كلام ؟
ابعدتها عنها و هي تُمازحها : والله لو ما نويصر وبنته جيت معكم .. ، تفقدت بإصبعها كِحلها الذي سال اسفل عينيها : اف الله يلعن بليسك خليتيني ابكي وسال هالكحل ، تأففت مرة اخرى و هي تتفحص وجه هالة : انتِ بعد مكياجك خرب .. رايحة اجيب علبة المكياج عشان اظبطه لك
همست هالة بإنصياع و هي تتمالك نفسها أخيراً : طيب
التفتت نور لتخرج ولكنها عاودت الالتفات مرة اخرى نحو هالة .. سرحت بتفكيرها لـ برهة .. لم تكن متقبلة ابداً لفكرة زواج هالة .. فبنظرها انها لازالت طفلة و لازالت تحتاج الى من يهتم بها و يرعاها .. لا تعتقد انها نضجت بعد .. و ان مسؤولية بناء اسرة امر اكبر من سنها .. لاسيما انها ستعيش في بلاد اخرى بعيدة .. و كيف لها أن تتحمل كل هذا دفعة واحدة ؟
ابتسمت بهدوء مُحاولة ابعاد تلك الهواجس عنها .. لقد كان قرار هالة في النهاية و لم يُجبرها احد عليه و يبدو ان نصيبها قد أتى باكراً .. برقت عينيها بنظرات الاعجاب نحو تلك السمراء بثوبها الابيض .. يتخلل شعرها تاج فضي محفوف بكرستالات ناعمة ..و رُفع شعرها بتسريحة انيقة تنسدل منها خصلات كستنائية الى اسفل نحرها .. ثوبها الابيض اظهر جمال جسدها النحيل ... لم تكن بذلك الجمال الذي يُبهر.. جمالها بسيط ولكن سُمرتها .. وجهها الكروي و ملامحها البريئة .. تجعلها جذابة كالمغناطيس .. قطبت جبينها و قالت :وش فيك تطالعيني كذا ؟ مضيعه شي بوجهي
شاكستها نور بكلماتها لتُثير خجلها العذري و تخفف عنها بمزاحها الثقيل بعض الشيء لترتفع ضحكاتهما
اقتحمت الغرفة فتاة أخرى مُتزينة ترتدي ثوب مزركش بذيل طويل .. و تحمل على خصرها طفلة صغيرة جِداً مُقارنةً بفستانها .. حيث بدت ضائعة داخله ..
وقفت ليلى ما بين اختيها و قالت بضجر : متى بتخلصون قرقرتكم ؟ ترى اتأخرنا ياحلوات.. وانتِ يا نوير ترى بنتك اقرفتني بريحة حفاظها
اتسعت عينيها و قد لاحظت خلل بسيط في المساحيق التي على وجهي اختيها .. لتقول بـمـبالغة : وش هالوجيييه ياخبلات المكياج سال على وجيهكم صارين مثل الخفافيش .. اقتربت منهما و هي تقول بتهويل : ياربي صدق تفشلوون وماينفع معكم لا مكياج ولاغيره
نظرت نور الى ساعة معصمها لتُدرك ان الوقت تأخر فعلاً .. قالت باستعجال وهي تأخذ طفلتها من ليلى : انتِ عدلي مكياج هالة وانا رايحه اغير حفاظ سارة واظبط مكياجي
ليلى و هي تتخصر بمُزاح : اوامرك يا ستي
نور : كلمتي حامد عشان يأكد على البوفيه ؟ مانبي ننحرج قدام الناس
ليلى :ايوا وكل شي جاهز في القاعة دحين
نور : والطقاقة والمصورة ؟
ليلى : صار لك ساءلتني الف مرة وقلت لك انهم على الساعه ثمانية راح يكونون في القاعه
نور بقلق واضح : ووش بعد؟ ياربي مانكون نسينا شي
ليلى : خلاص نور لا تقلقين نفسك كل شي راح يكون اوكي بس انتِ روحي شوفي بنتك ومكياجك لا نتأخر
نور :أي صح والله اني بديت انسى نفسي
خرجت و هي تهز طفلتها التي بدأت بالتباكي .. واغلقت الباب خلفها و هي تُراجع جميع تجهيزات الحفل في عقلها
ضحكت ليلى :هههههههههه ماتلاحظين انها صايرة تعاملنا كأن في معسكر وهي بس تتأمر علينا
هالة وكأنها ستعاود البكاء : فديتها تبي تغطي مكان أمي بس مو قادرة
ليلى : انت هيه هيه خلصتي من نوير والحين بتبتدين فيني مابي اسمع شي واجلسي خليني اشوف علبة الالوان الا فوجهك
جلست بانصياع على الاريكة ..اغمضت عينيها لتترك ليلى تُباشر بتعديل مافسد من مكياجها .. تشعر بالتوتر والخوف و مشاعر غريبة عليها بمجرد التفكير بأنها ستمشي على ذلك الجسر وحدها الى ان اتصل الى منصة الزفاف .. تراقبها اعين الجميع .. فهي فتاة خجولة نوعاً ما وتشعر بأن الخوف سيبتلعها عندما ستكون مع سلطان في غرفة واحده فهي لم تعتاد عليه ابداً وعقلها لايستطيع تذكر ملامح وجهه جيداً فقد كان لقاؤهما الوحيد اثناء "النظرة الشرعية "حيث كانت تجلس بجوار والدها غير قادرة ان ترفع رأسها من شدة الخجل ..اقتحم عقلها شعور مُرعب مُفاجئ .. اليس ما تقوم به و ذلك القرار الذي اتخذته بكامل قناعتها محض جنون ؟؟؟
فتحت عينيها و قالت بصوت غليظ :ليلى انا متوترة واحس اني بموت من الخوف
ليلى : لا عاد كله ولا العروس لا تنزعج
هالة :والله جد ابي تخلص هالليله وبس
ليلى وبنظرات خبيثه :تخلص وبس هااا هااا
تحركت من مكانها مغتاظة من كلام ليلى الذي يحمل معنى آخر :وجع اصلا انا مادري وش تقصدين
ليلى : اثبتي فمكانك لاقمت الحين ولعنت خيرك انا ذابحة عمري اعدل لك المكياج وانت تهايطين
هالة: اف طيب .. اردفت بنبرة طفولية :بس والله متوترة احس بخوف وفرح وزعل وكل شيي
ليلى : عادي لاتتوترين ولاتزعجين نفسك افرحي ليه انتِ كم مرة بتتزوجين ؟ كلها مرة وحده انبسطي وفلي امها وماعليك من أحد
هالة : انتِ قبل خمس شهور كنت محلي كيف قدرتي تظبطي اعصابك وماتخافين ؟
ليلى :ومن قالك ما كنت خايفة ؟والله كنت بموت بس انا مانيب خبلة مثلك اعرف كيف اتأقلم مع الوضع بسرعه اكملت ممازحة :ايه والله قبل خمس شهور وانتِ على طول غرتي علي حتى في العرس مناشبتني
هالة:ههههههههههه وججع
ليلى بمُزاح : ايوا اضحك ياعم وماتفتحش للهم باب
تنهدت : يارب انها تعدي على خير تخيلي اني اطيح على الكوشة؟
ليلى : هههههه عادي تصير في أحسن العائلات
هالة : والله كان اعمل حالي ميته
ليلى : هههههههههههههههه الله يرجك
هالة :بتوحشوني كلكم انتِ ونور وبنتها سوير وابوي واخوي ومرته وحمودي مادري كيف بقدر اعيش من دونكم
ليلى :واحنا بعد ياعمري بس تدرين وش احسن مافي موضوع سفرك ؟
هالة : وشو ؟
ليلى : انك بتسافرين وبتبعدين عن ام زوجك والغثة والنشبة
هالة تضحك : حرااام عليك اصلاً خالتي ام سلطان طيوبه
ليلى : مالومك ماتدرين وش يعني نشبة ام الزوج الله لا يراويك بس وش عليييك بتكونين مع سلطان حبيب القلب وحدكم مافي أحد ينكد عليكم ولا أحد يدخل عليكم عرض
رفعت يدها من وجه هالة : كِذا خلصت بس مو تشغلين حنفياتك مرة ثانيه ياساندريلا
هالة بجدية : ليول كيف كان شعورك يوم عرسك ؟
ليلى :طبعا كنت متوترة وخايفة كِذا مثلك بس ما اخفي عنك اني كنت في قمة سعادتي
هالة : طبعا لأنك كنتِ تعرفين يوسف من قبل قعدتي فترة بعد ماتملكتي مش مثلي
ليلى : افهم من كلامك انك مش مبسوطة ؟ وكان ودك تتملكين بعدين تعرسين ؟
هالة : مدري بس أنا مو متعودة عليه والامور كلها صارت بسرعه وورا بعض
ليلى : انا اللي بسألك الحين كيف هي مشاعرك اتجاه سلطان ؟
هالة : أحس اني مرتاحة له وفي نفس الوقت خايفة منه بس هو يعني زين ابوي يقول كذا وحامد يقول ان رجال والنعم فيه حتى زوجك يقول انه كان يعرفه قبل فأنا متطمة يعني
بدت مضحكة وهي تحاول ان تشرح مشاعرها فقد احمر وجهها كالعاده
ليلى :هههههه ماعليك من ابوي وحامد ويوسف انا ابغى رايك انتِ
هالة : مدري احس افهي بقووة لما افكر فيه يعني احسن شي انه اطول مني عشان اقدر البس كعب على راحتي وانه مسومر عشان لايقولون ان زوجها ابيض منها وفيه لحية خفيفة لأني ما احب الرجال يكون وجهه مثل البلاطة
ليلى : الله وأكبر هذا كله وانتِ تقولين ماشفتيه زين
احمر وجهها أكثر وانزلت رأسها بخجل
ليلى :ههههههههههههههه طيب خلااص لا تذوبين
لفت انتباههم صوت قوي من الاسفل ويبدو ان أحدهم اغلق الباب وكأنه يريد ان يقتلعه من مكانه
شهقتا مفزوعتان
ليلى : بسم الله مين هذا الي ناوي يكسر الباب ؟
هالة بتفكير : يمكن اخوي حامد وابوي او عمتي موضي
ليلى : رايحة اشوف وراجعة لك باساعدك في لبس العباية لا تخربين تسريحتك
خرجت ليلى تاركةً العروس تغوص في افكارها العقيمة مُجدداً
جلست على سريرها تتأمل باقة الورد الحمراء في يديها و بدأت .. تحلُم !!
تفكر بمن اقترن اسمها باسمه .. مشاعر مختلطة مضطربة لا تستطيع تفسيرها ولكنها كأي عذراء مُرهفة الاحاسيس .. تحلم بأن تكون الزوجة الجميلة التي يعشقها زوجها حيث لم يعرف و لم يرى فتاة اجمل و ارق منها ... و ان تتوج حياتهما بالسعادة الابدية وتعيش كما الاميرات وهو سيحقق لها احلامها ويبعدها عن الاحاسيس الحزينة وسيكون لهما اطفال كالملائكة يضيفون لحياتهما لوناً آخر وستدرس الطب ايضاً وستكون طبيبه اسنان مخلصة كما كانت تحلم دائماً .. و حُلم " الابتعاث " الذي كان ممنوعاً و مُحرماً في السابق اصبح الآن حقيقة بسبب سلطان " المصباح السحري "
و ستعمل بنصائح نور لكي توازن ما بين دراستها و زواجها .. بمجرد التفكير بالمستقبل تشعر بالارتياح ويتراقص قلبها فرحاً وكأنها الطائر الذي سيحلق هذه الليلة .
فتح باب غرفتها الآن .... باب الامنيات
والدها ، نور ، ليلى ، حامد و زوجته الهنوف و ابنهما حمودي و الطفلة سارة
ينظرون اليها وتبادلهما النظرات بابتسامة
والدي الغالي يا فخري وتوجته تاجاً على راسي يا افضل رجل عرفته .. يا حبي الأول .. كنت دائماً تشعرني بأنني اميرتك فقد كنت دائماً تحاول ان تنفذ لي ما اريد .. و بحنانك و حبك و ايضاً قسوتك الدافئة جعلتني مُمتنةً لك ما حييت
والدي صغيرتك كبرت الآن ولكن مهما كبرت فستبقى صغيرتك ومدللتك لا اعرف ماذا اقول وأي الكلام يجزي في حقك عزيزي ؟
انتقلت عينيها الى اخيها السمين حامد ..لتواصل سرد مشاعرها : اخي لطالما شعرت بأن هنالك سند خلفي يحميني من عثرات الطريق .. اخي كثيراً ما افسدت خصوصياتك و مُمتلكاتك بشقاوتي وكنت توبخني وأضحك أشعر بشيء من الخجل المُتأخر نحوك الآن
نور اختي الكبرى .. كنتِ دائماً معي تنصحينني و تخافين علي .. تحرصين على توجيهي للطريق الصحيح.. لم اشعر بالوحدة ابداً بوجودك فقلبك كـ اتساع السماء يحتويني دائماً
ليلى صديقتي و بئر اسراري لن انسى ابداً ضحكاتنا مقالبنا مع نور وحامد ضجيج ضحكاتنا تعليقاتنا السخيفة و خلافاتنا الحلوة التي لا تنتهي ستظلين اقرب انسانة الى قلبي
الهنوف حسناً لم اتقبلكِ في البداية و ارغمت نفسي على تقبلك من أجل حامد ولكنني اكتشفت في ما بعد ان خلف غرورك قلب طيب وشخصية رائعة .. سعيدة جداً لأنك دخلتي الى عائلتنا
حمودي .. حبيبي من كنت أنا عمته عالم الطفولة الجميل الذي لا يعرف التعب والسأم
سارونه : يا قطعة الحلوى ارى فيك ملامح أمي وأشعر بأنك هدية من الله لتخفف عنا فقد امي
عائلتي أحبكم وأحبكم و أحبكم
و لا يمكن لأي شيء ان يفرق بيننا ولاحتى بريطانيا هههه
وانطلقت الى أحضان والدها مطأطئة رأسها بخجل وترتسم على وجهها ابتسامه تزيدها تألقاً .. تريد ان تودعه وتتزود من حنانه فقد حان الرحيل
وو استفاقت من أحلامها الوردية بصفعة مؤلمة لم تكن بالحسبان من تلك اليد الحنونة التي لم تعرف منها الا الحب والعطف !!!!!!!!!!
اضمحلت ابتسامتها ورفعت رأسها بذهول شديد وعيناها تحدقان بوالدها بغرابة ويدها تتحسس خدها بغير تصديق
ما الذي حدث ؟ هل يعقل ان تكون هذه الصفعة من والدي ؟
لمَ ملامحك يا والدي قاسيه هكذا .. انا سأرحل الآن الا تريد توديعي ؟
ادركت ان وجهه يبدو شاحباً غاضباً وملامحه محتدة .. و ظهرت تجاعيد وجهه كما لم تظهر من قبل .. عيناه تلمعان و .. هل كان يبكي ؟
تحرر من صمته و هو ينظر اليها بوعيد : يا خسارة تربيتي فيك !! انا ربيتك عشان تلعبين بشرفي يالكلبة
كانت كلماته نابعة من قلب يحترق ولكنها لم تكن مفهومة بالنسبة لها .. تغيب عقلها عنها و لم تشعر الا بدموعها الحارة تنساب على وجنتيها وتجر كحل عينيها :يُبه !! وش قاعد تقول ؟ والله انا ما
لم تستطع اكمال كلامها اذ انها تلقت صفعة أخرى كانت كفيلة بأن تهوي بها على الأرض
رفع صوته بنبرة باكية : أنا ربيتك عشان تلعبين فشرفي ؟ما احترمتي شيبتي وكبر سني يالواطيه
لم تصدق ما تسمعه اذنيها هل هذه الالفاظ من والدها ؟
بدا ذلك مستحيلاً لها .. هل تحلم مُجدداً ؟ هل هذا هو الوجه الأسود من احلام اليقظة ؟
وزعت نظراتها لمن كانوا يقفون قرب الباب .. ليلى .. نور و الهنوف
لم انتن صامتات ؟ لم لا تدافعون عني ؟ لم ملامحكن حزينة ؟
أخبروني ما هو ذنبي ؟ الم يحن موعد زفافي ؟
و لكنهن بتجاهل مُتعمد اتجهن نحو ابو حامد الذي خر على الارض وهو يندب وينتحب
ليلى و هي تُمسك بذراعه . : يُبه عشاني قوم واهدى وسم بالرحمن
اجابها بصوت مخنوق كمن يحتضر :كيف أهدى و اختكم وطت راسي !! فضحتني قدام الا يسوى والا مايسوى ماراعت شيبتي وكبر سني .. هاذي آخر تربيتي لها ؟ انا شرفي ينحكى فيه في المجالس ؟
نور وهي تبكي :يُبه .. لاتسوي فروحك كذا .. تكفى الله يخليك
ادارت ليلى وجهها لهالة .. و بدت مُختلفة عما كانت قبل قليل .. مُختلفة و كأنها اخرى .. لتقول بأسف :حسبي الله ونعم الوكيل فيك حسبي الله ونعم الوكيل فيك
جحظت عيني هالة .. لتتلعثم و هي تقول : وش فيه ليلى ؟ وش فضيحته ؟ وش قاعد يصير ؟؟
صرخت ليلى وسط بُكائها و هي تُلقي ظرفاً على وجهٍ بلل بالدموع : شوفي وسخك يا مسودة الوجه !! الله يلعنك !!
التقطت الظرف بيدين ترتجفان و فتحته بسرعه وأخرجت ما بداخله من اوراق او .. صُور !!
اقشعر بدنها و ارتعدت اطرافها واختفت تعابير وجهها في صدمة .. لقد كانت صورها !! صورها وهي في حالة مُخزية مع شاب و ملابسها شفافة وشبه عارية
القت الصور من يدها وانفلتت منها صرخة قوية هزت كيانها : هآذي موو أنااا مووو أناا والله مو اناا مستحيل تكون أناا نوور تصدقينران هاذي أنا ؟؟ نوور ليه ماتدافعين عني؟ نوور !!!
نور و صدمتها جعلتها تنطق بكلمات لا تستوعبها : بس ياقليلة الحياا مابي اسمع صوتك بس الله ياخذك الله ياخذك
اخذت تبكي وتصرخ بكل جوارحها فقد ثبتت التهمة عليها الآن لم تستطع التبرير والدفاع فالجميع ضدها ولا أحد .. لا احد يريد سماعها
و والدهم كان يبكي بحرقة ينتحب و هو يشعر بالخزي و العار يُحول شرفه المزعوم الى رماد
كيف لمثلها ان يفعل ذلك ؟ كيف لذلك الوجه البريء ان يكذب ؟ وكيف لتلك العيون ان تخون؟
أهذه طفلته ؟ من كانت تنام على يديه ؟ أهذه تربيته ؟
الهنوف كانت واقفه متسمرة لا تعرف مالذي يجب فعله الآن فصدمتها استحوذت عليها
تذكرت ابنها كيف استطاعت بصعوبة اقناعه لينام ولا يشهد أحداث هذه الليلة السوداء
وزوجها !! أه أجل اين ذهب زوجها !! كان يقف بجانبها منذ دقيقة ولكن اين ذهب الآن؟
التفتت ورائها و هي تتلفت يُمنةً و يُسرى : حآآمد حآآمد وينك ؟؟
انطلقت تبحث عنه في ارجاء المنزل بخوف وهلع خائفة ان يفعل شئ لا يحمد عقباه كانت ستنزل من الدرج وفاجأها بقدومه مسرعاً وعيناه تشتعلان بغضب
امسكت يده : حامد وش بتسوي ؟ حامد ؟
ابعدها عنه بقسوة .. بدى كمن غُيب عقله عنه و هو يقول : فضحتنا هالبزر .. و أنا اللي بنظف اللي عارها
شهقت بقوة وهي ترى ماخُبئ في جيبه ولم تستطع ان تمنعه من الصعود للغرفة
هرول داخلاً الى الغُرفة حيث استقرت نظراته المُلتهبة نحو اخته .. او غريمته !! متعلقة برجل والدها تبكي وتصرخ وترجوه أن يصدقها او على الاقل يسمع تبريرها !! تقدم حامد إليها وركلها ببطنها بلا أي شفقة
صرخت بألم مدوي: آآآآآآه
رفعها من مقدمة شعرها وأخذ يصفعها بصفعات متتالية على وجهها وهي حتى لا يمكنها الصراخ
وأفلتها من يده وانهال عليها بالضرب مجدداً بدون أي رحمة وهو يشتمها بأبشع الألفاظ
نور وليلى امسكتاه من يده محاولتان ايقافه
نور : حامد خلاص والله بتموت يكفي حامد
ليلى : حامد الله يخليك خلاص لاتوسخ ايدينك فيها
حامد ابعدهما عنه غير مكترث بصراخهم ورجائهم له ان يتركها فليس في باله شئ الا ان يغسل العار
والدهم لم يستطع التحمل أكثر ..ولم تعد ركبتاه بمقدورها ان تحملانه اكثر .. خارت قواه وسقط على الارض مغشياً عليه
التفت الجميع اليه برهبة .. الفتاتان صرختا بقوة وحامد القى العروس الجريحة من يده والتفت الى والده
و بين بكاء ليلى و ذهول حامد و انين هالة .. استوعبت نور اخيراً الموقف لتتصل بالإسعاف علها تتدارك الموقف
دقائق و خرج الجميع ليتركوا العروس السمراء تأن وحدها
أغلقت عيناها وسط أنين و وجع كان قلبها يبكي قبل عينيها وفستانها الابيض فستان الفرح يلتف على جسدها وكأنه يحاول ان يخنقها و كأنه الكفن !!
احلامها دُهست امام عينيها بلا رحمة وشوهت الليلة التي قد اسمتها "ليلتها" و " ليلة العمر " ولم يعد هناك شخص يدعى ب"سلطان" وانتهى كل شيء جميل ..كل شيء تبخر !!
مرت ساعات طويلة و لم يتوقف ذلك الانين .. لم تستفق من كابوسها بعد .. وفي كل ثانية تمر تختنق أكثر
"يا رب ان كان هذا حلماً فلينتهي بسرعه "
سمعت خطوات واهنة تقترب منها و ظل أسود انعكس على بياض فستانها .. اقترب منها بجسده الضخم ونزل الى مستواها .. نظر اليها بهدوء
هالة بصوت متقطع : حامد ابوي كيفه ؟
وكأنه لم يسمعها غرس السكين في خصرها وتلون ثوبها بل حلمها بالدم وسكن ذلك الأنين
أخرج السكينة من جسدها و ذهب ....تركها ورده بيضاء تنزف !!
أليس من المفترض أن تكون هذه الليلة مكللة بالورد والريحان ؟! ليلة جميلة و لا تُنسى ؟
اذاً لم العروس ملقاه على الارض ؟ لم ثوبها الجميل ملطخ بالدماء ؟
ماذا فعلتي ؟! ما هو ذنبك ؟
وخلف هذه المأساة
يد تلعب بالخفاء.. دمر كل شيء واخرج نفسه منها مثل اقتلاع الشعرة من العجين
وها هوَ يضحك مستهزئاً وفخورا بما قد اقترفت يداه
أنت تقرأ
و هل ينتهي الحُــــب ؟
Romanceعندما تمر بموقف سيء ,حادث مؤلم ,ستحاول ان تتجاوزه بهدوء, ان تسيطر عليه او ان يخفف عنك احدهم, ان ينتهي بك الأمر الي نسيانه وأنها فترة وستمضي ولكن ماذا لو كان ذلك الموقف سيقلب حياتك رأساً على عقب وان لا تعود الحياة بعده كما كانت تتلبسك تهمة بشعه...