الفصل الخامس عشر

1.8K 34 1
                                    





في ساعة مُتأخرة قُبيل الفجر ، في فيلا حديثة الطراز تقع في منطقة نائية ، يُمسد بكفه اصابع كفه الأُخرى ناظراً بتجهم نحو تلك المرأة المُتصابية ، تقف امامه و تبتسم في وجهه ، أخذ يدقق في ملامح وجهها ، آثار إبر البوتكس واضحة على وجنتيها و تركت اثراً مُبالغاً فيه ايضاً على شفتيها ، وجهها عبارة عن وجه مُرمم بالكثير من عمليات التجميل ، أخذ يتساءل في نفسه .. كم عدد عمليات التجميل التي خضعت لها لتبدو بهذا الشكل المُتصابي ؟ لا يعلم بالضبط كم تبلغ هذه المرأة من العمر و لكنه متيقن بأنها و حتماً قد تجاوزت الأربعين ، ابتسم بسُخرية و هو يتمادى في تخيلاته .. يُفكر بأنها رُبما تجاوزت الخمسينات ايضاً او رُبما هي في اوائل الستينات او ربُما ... ، انفلتت منه ضحكة صغيرة و هو يميل برأسه الى الأسفل
نظرت إليه بإزدراء ، أبعدت خُصلات شعرها الحمراء عن وجهها و اقتربت منه و هي تقول بملل : انت و بعدين و اياك !! المشكلة انك في وضع ابداً ما يسمح لك تضحك !!!
رفع رأسه و هو يضع كفه على فمه ، يُخفي ابتسامته بشكل يلفت به نظرها ، و ينظر اليها بنطرات مُتحدية : لا سلامتك بس مفعول البوتكس بدا يختفي و يذوب .. الحقي على نفسك لا يبان المستخبى
رمقته بنظرات حادَّة ثم التوت شفتيها باستخفاف ، وزَّع وليد نظرات السُخرية منها الى باقي الغُرفة ، نظر الى الرجل الأسود عريض المنكبين ، طويل و مفتول العضل و ذو بُنية ضخمة ، يرتدي بدلة رسمية و يقف بجمود امام الباب ، رمقه وليد بنظرة سريعة من الأعلى الى الأسفل ثم التفت لـ خيال و هو يضحك : و هذا اللوح الواقف هنا وش له ؟ تطورنا و صرنا نجيب حارس شخصي بعد !!
نظر اليه الرجل الأسود بنظرات حادة ، تحذيرية ، ابتلع وليد ريقه و قد ادرك ان هذا الرجل قادر على تحطيم رأسه بضربة واحدة ، صمت و استدار بعينيه عنه ،
ابتسمت خيال و هي تُحدق في وليد ، قالت بُخبث : و بعدك تتمسخر ؟ هه اتمسخر على نفسك أولى .. ثقتك الزايدة بنفسك ضيعتك .. و الا مين انت عشان تتجرأ و تهدد و تقول كلام انت مو قده .
سكنت ملامحه و اختفت ابتسامته اللعوب ، أخذ ينظر اليها بتأهب و اهتمام ينتظرها ان تُكمل ، لقد صدقت توقاعتُه ، فخيال لم تنسى انَّه هددها يوماً بطريقة غير مُباشرة عمَّا يعرفُه من أسرارها ، كعادته يتهور في لحظة طيش و لا يُثمن الكلمات التي يتفوه بها ، ينسى نفسه و يتحدث بكُل ثقة و تسلية بدون ان يحسب حساباً للعواقب التي قد تنتج من وراء هذه اللا مُبالاة ، لقد وقع في مصيدتها .
جلست على الكُرسي الذي أمامه و هي تُكمل كلامها بُكل راحة : خلينا نتحاسب وليد .. عارفة انك فاهم وش اقصد ، والا ليه كل هالمُكالمات و الرسايل اللي وصلتني .
قال ببرود و هو يُرجع ظهره الى الوراء ، ليسنُد ظهره على الأريكة بارتياح في جلسته : اخلصي و قولي اللي عندك و بدون هالمُقدمات ، أكمل باستهزاء : وش نوع البلوى اللي اسمها هالة ؟
نطق اسمها بكُل استخفاف و سُخرية و هو يتصنع الا مُبالاة ، بينما يُدرك في قرارة نفسه انَّه وقع في ورطة قد لا يخرُج منها سليماً هذه المرة ، جاءه صوت خيال الذي يحمل نبرة اندهاش خفيفة : و من وين عرفت اسمها ؟
لم يُجبها ، بقي يُحدق امامه بشرود ، لقد عرف اسمها من تلك القيادة الذهبية المُعلقة على نحرها ثم سقطت منها و بقيت معه ، بينما تحوم خيال حوله بتوجس ، تضُيِّق عينيها نحوه بنظرات شاكَّة ، التفت وليد اليها و هو يُخرج تلك القيادة من جيبه ليَرفعها في وجهها بلا مُبالاة ، استوعبت خيال السبب و هي تقرأ الأسم المُعلق على القيادة ، تراجعت الى الخلف و هي تبتسم بمَكر ، أمسكت بجهاز التحكم لتوجهه نحو شاشة التلفاز المُنتصبة على طاولة خشبية نهاية الغُرفة ، ابتسمت و قالت : خلينا نتحاسب وليد .
نظر اليها وليد بعدم فهم ثم استدار نحو صخب التلفاز ، يرى نفسه في موجز ليلة عابرة قضاها مخموراً كعادته ، رفع حاجبه و التفت لضحكات خيال بعدم فهم لِمَ يحدث .. ما الذي يدفعها لتصويره و هو في مواضع حميمية مع فتاة رخيصة مُخدَّرة ؟ لقد أدرك انَّه وقع في لُعبتها و لكن ما تلك اللُعبة ؟ و ما دوافعها و ما قصدها و لمَ تلك الفتاة بالذات ؟
التفت لها ببرود ظاهري يُتابع ضحكاتها الكريهة المُتتالية ، كانت تتلذذ برؤية تسجيل مسرحية انجزتها بإتقان ، و اقتلعت نفسها من تلك الجريمة مثل اقتلاع الشعرة من العجين ، و لبسَّت جريمتها وليد التي لاءمت التهمة مقاسه ، و لتلقنه درساً على وقاحته الأخيرة معها .. ليعرف حدوده و ليعرف مع من يتعامل و ليعرف جيداً من تكون خيـال .

و هل ينتهي الحُــــب ؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن