في ساعة مُتأخرة قُبيل الفجر ، في فيلا حديثة الطراز تقع في منطقة نائية ، يُمسد بكفه اصابع كفه الأُخرى ناظراً بتجهم نحو تلك المرأة المُتصابية ، تقف امامه و تبتسم في وجهه ، أخذ يدقق في ملامح وجهها ، آثار إبر البوتكس واضحة على وجنتيها و تركت اثراً مُبالغاً فيه ايضاً على شفتيها ، وجهها عبارة عن وجه مُرمم بالكثير من عمليات التجميل ، أخذ يتساءل في نفسه .. كم عدد عمليات التجميل التي خضعت لها لتبدو بهذا الشكل المُتصابي ؟ لا يعلم بالضبط كم تبلغ هذه المرأة من العمر و لكنه متيقن بأنها و حتماً قد تجاوزت الأربعين ، ابتسم بسُخرية و هو يتمادى في تخيلاته .. يُفكر بأنها رُبما تجاوزت الخمسينات ايضاً او رُبما هي في اوائل الستينات او ربُما ... ، انفلتت منه ضحكة صغيرة و هو يميل برأسه الى الأسفل
نظرت إليه بإزدراء ، أبعدت خُصلات شعرها الحمراء عن وجهها و اقتربت منه و هي تقول بملل : انت و بعدين و اياك !! المشكلة انك في وضع ابداً ما يسمح لك تضحك !!!
رفع رأسه و هو يضع كفه على فمه ، يُخفي ابتسامته بشكل يلفت به نظرها ، و ينظر اليها بنطرات مُتحدية : لا سلامتك بس مفعول البوتكس بدا يختفي و يذوب .. الحقي على نفسك لا يبان المستخبى
رمقته بنظرات حادَّة ثم التوت شفتيها باستخفاف ، وزَّع وليد نظرات السُخرية منها الى باقي الغُرفة ، نظر الى الرجل الأسود عريض المنكبين ، طويل و مفتول العضل و ذو بُنية ضخمة ، يرتدي بدلة رسمية و يقف بجمود امام الباب ، رمقه وليد بنظرة سريعة من الأعلى الى الأسفل ثم التفت لـ خيال و هو يضحك : و هذا اللوح الواقف هنا وش له ؟ تطورنا و صرنا نجيب حارس شخصي بعد !!
نظر اليه الرجل الأسود بنظرات حادة ، تحذيرية ، ابتلع وليد ريقه و قد ادرك ان هذا الرجل قادر على تحطيم رأسه بضربة واحدة ، صمت و استدار بعينيه عنه ،
ابتسمت خيال و هي تُحدق في وليد ، قالت بُخبث : و بعدك تتمسخر ؟ هه اتمسخر على نفسك أولى .. ثقتك الزايدة بنفسك ضيعتك .. و الا مين انت عشان تتجرأ و تهدد و تقول كلام انت مو قده .
سكنت ملامحه و اختفت ابتسامته اللعوب ، أخذ ينظر اليها بتأهب و اهتمام ينتظرها ان تُكمل ، لقد صدقت توقاعتُه ، فخيال لم تنسى انَّه هددها يوماً بطريقة غير مُباشرة عمَّا يعرفُه من أسرارها ، كعادته يتهور في لحظة طيش و لا يُثمن الكلمات التي يتفوه بها ، ينسى نفسه و يتحدث بكُل ثقة و تسلية بدون ان يحسب حساباً للعواقب التي قد تنتج من وراء هذه اللا مُبالاة ، لقد وقع في مصيدتها .
جلست على الكُرسي الذي أمامه و هي تُكمل كلامها بُكل راحة : خلينا نتحاسب وليد .. عارفة انك فاهم وش اقصد ، والا ليه كل هالمُكالمات و الرسايل اللي وصلتني .
قال ببرود و هو يُرجع ظهره الى الوراء ، ليسنُد ظهره على الأريكة بارتياح في جلسته : اخلصي و قولي اللي عندك و بدون هالمُقدمات ، أكمل باستهزاء : وش نوع البلوى اللي اسمها هالة ؟
نطق اسمها بكُل استخفاف و سُخرية و هو يتصنع الا مُبالاة ، بينما يُدرك في قرارة نفسه انَّه وقع في ورطة قد لا يخرُج منها سليماً هذه المرة ، جاءه صوت خيال الذي يحمل نبرة اندهاش خفيفة : و من وين عرفت اسمها ؟
لم يُجبها ، بقي يُحدق امامه بشرود ، لقد عرف اسمها من تلك القيادة الذهبية المُعلقة على نحرها ثم سقطت منها و بقيت معه ، بينما تحوم خيال حوله بتوجس ، تضُيِّق عينيها نحوه بنظرات شاكَّة ، التفت وليد اليها و هو يُخرج تلك القيادة من جيبه ليَرفعها في وجهها بلا مُبالاة ، استوعبت خيال السبب و هي تقرأ الأسم المُعلق على القيادة ، تراجعت الى الخلف و هي تبتسم بمَكر ، أمسكت بجهاز التحكم لتوجهه نحو شاشة التلفاز المُنتصبة على طاولة خشبية نهاية الغُرفة ، ابتسمت و قالت : خلينا نتحاسب وليد .
نظر اليها وليد بعدم فهم ثم استدار نحو صخب التلفاز ، يرى نفسه في موجز ليلة عابرة قضاها مخموراً كعادته ، رفع حاجبه و التفت لضحكات خيال بعدم فهم لِمَ يحدث .. ما الذي يدفعها لتصويره و هو في مواضع حميمية مع فتاة رخيصة مُخدَّرة ؟ لقد أدرك انَّه وقع في لُعبتها و لكن ما تلك اللُعبة ؟ و ما دوافعها و ما قصدها و لمَ تلك الفتاة بالذات ؟
التفت لها ببرود ظاهري يُتابع ضحكاتها الكريهة المُتتالية ، كانت تتلذذ برؤية تسجيل مسرحية انجزتها بإتقان ، و اقتلعت نفسها من تلك الجريمة مثل اقتلاع الشعرة من العجين ، و لبسَّت جريمتها وليد التي لاءمت التهمة مقاسه ، و لتلقنه درساً على وقاحته الأخيرة معها .. ليعرف حدوده و ليعرف مع من يتعامل و ليعرف جيداً من تكون خيـال .
أنت تقرأ
و هل ينتهي الحُــــب ؟
Dragosteعندما تمر بموقف سيء ,حادث مؤلم ,ستحاول ان تتجاوزه بهدوء, ان تسيطر عليه او ان يخفف عنك احدهم, ان ينتهي بك الأمر الي نسيانه وأنها فترة وستمضي ولكن ماذا لو كان ذلك الموقف سيقلب حياتك رأساً على عقب وان لا تعود الحياة بعده كما كانت تتلبسك تهمة بشعه...