الفصل الثاني عشر

2K 29 1
                                    




ارتدت عباءتها الكحلية المزخرفة بزخارف بسيطة و انيقة ، تسير في غرفتها الواسعة و هي ترتب لباسها برواق ، نظرت الى وجهها في المرآة لكي ترتدي حجابها الكحلي وتغطي خصلات شعرها المصبوغ داخله ، نظرت الى انعكاسها ... لقد تغير شكلها و بشكل ملحوظ .. تغيرت و اختفى ذلك الشحوب .. واختفت تلك الحبوب الصغيرة التي كانت تشوه جبينها ..اصبحت تهتم بنفسها و مظهرها كثيراً الآن .. بالغت في شراء الكريمات و مستحضرات العناية بالبشرة ،منذ زواجها الى الآن صبغت شعرها ثلاث مرَّات ، تبالغ في التسوق و خزانتها الضخمة مليئة بألبسة و مشتريات لم تستخدمها بعد ، لقد اصبحت مختلفة .. فرق شاسع بين ياسمين المسكينة الكئيبة ابنة الدار التي تخلى عنها اهلها و هذه التي تقف امام المرآة الآن ، ياسمين الجديدة ، ياسمين زوجة سامي الزاهر رجل الاعمال المعروف و صاحب المستشفيات الشهيرة المنتشرة في المملكة .
تبالغ بالاهتمام بمظهرها لأنها كانت محرومة من هذا الشيء طيلة حياتها السابقة ، كانت محرومة من اشياء كثيرة و فجأة حصلت على كل شيء ، كانت سجينة في بيت اخيها مضطهدة لا رأي لها و لا كلمة ، تسمع الاوامر من اخوتها و تنفذ ما يقوله زوجاتهم و تتقبل اهاناتهم بكل ذل ، ثم انتقلت لدار الحماية لتُسجن هناك ايضاً ، ربما ارتاحت من ذل اخوتها و قسوتهم و لكنها كانت ايضاً سجينة ، ترتدي ملابس قديمة مهترئة و تخجل من مظهرها و شكلها في الجامعة في ايام دراستها ، رفعت رأسها بكبرياء فكل ذلك البؤس انتهى الآن ، فسامي لا يقصر عليها في شيء و تعيش معه كالأميرة ، هو حتى اخبرها بأنه يثق بها و بأخلاقها و لا داعي لتخبره في كل مرة انها ستخرج من البيت ، فهو مشغول في عمله و يقضي اغلب يومه خارج المنزل ، فلا داعي ان تخبره بخروجها في كل مرة و هو يثق بها ، و هي تشعر انها ملكت بثقته الدنيا ، لم يثق احد بها من قبل ، لا احد .. الجميع كان يحرمها من تلك الثقة و يُنظر لها بانتقاص ، و هو الآن يقول بأنه يثق بها !! ابتسمت بعمق من داخلها ، هو لا يعلم ما تعني تلك الجملة بالنسبة لها .
التقطت حقيبتها الثمينة ، و ارتدت نظارتها الشمسية الباذخة ، و هي تستعد للذهاب لعملها ، خرجت من جناحها و مشت بهدوء نحو الدرج ، لاحظت تصاعد دخان من مكان ما خلف الاريكة ، اقتربت وهي تغطي انفها بكفها بتقزز من رائحة السجائر ، رفعت ناظريها لترى مروة وهي تستلقي على الاريكة و تدخن سيجارتها باسترخاء ، ابتعدت عنها بسرعة ، هي تتجنب مروة مثل ما تتجنب وليد بل و ربما اكثر ، فمظهر مروة الشاذ يجعلها تنفر منها بل و تخافها ايضاً .
نزلت للأسفل وهي تقصد الخروج
شعرت بوجود سامي في الغرفة المجاورة للباب الخارجي ، سمعته يتحدث في هاتفه بلغة اجنبية لم تفهمها ، اقتربت من الباب تطل عليه بابتسامة ، تحدث قليلاً بالهاتف ثم اغلقه و دسه في جيبه ، قالت ياسمين بمرح : صباح الورد
بادلها الابتسام و هو ينظر لها بود : يا صباح الياسمين .
جلس على الكرسي و امتدت يده للطاولة امامه ليتلقط كوب القهوة ، ارتشف منه رشفة و قال : على وين طايرة ؟
ياسمين : على الدوام .
سامي : طيب تعالي افطري معي .. عاجبك كذا افطر لحالي ؟
رفعت نظارتها الشمسية عن عينيها الى مقدمة رأسها ، جلست على الكرسي المُجاور له و قالت : مع ان كان مالي نفس افطر ... بس لمَّا شفتك انفتح نفسي .

و هل ينتهي الحُــــب ؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن