الذكريات كائنات لا تموت إلا بموتنا ، وعلى الرغم من ألمها إلا أنها أكثر وفاءً من أصحابها ، أكثر بقاءً من أوطانها ، أكثر وجعاً من رحيـل من تركوها وحيدة ، هي أشياء لا تنام ، لا تهدأ ،لا تنسى ...
تفرض نفسها في كل حين ومع كل نبضة .
*مقتبس
*
فوضى ..و لا شيء سوى الفوضى .. بالرغم من التأنيب المستمر الذي تتعرض اليه من والدتها الا ان هالة لازالت تُصر ان تبقى فوضوية
كتُب وأقلام متناثرة في كل بقعة من أرضية الغرفة ..و ملابس و أوشحة مرمية على السرير و لازالت ترمي عليه المزيد ... كانت أكبر هموم هالة هي دراستُها و مُعدلها الدراسي و أن تبقى في المركز الأول دائماً ..تُحب ان تُواكب الموضة في ملابسها و تسريحة شعرها ..تُحب الموسيقى الكلاسيكية و الرسم و الألوان الفاتحة .
هي فتاة بسيطة هادئة و عادية تُشبه الكثير من الفتيات .
داهمت والدتها عليها خلوتها .. شهقت من منظر الغرفة الفظيع و بدأت بتأنيبها المكرر الذي حفظته هالة عن ظهر قلب
" حسبي الله على بليسك !! متى بتكبرين ؟ انا ما ادري بكرة اذا تزوجتي و جا نصيبك كيف بتدبرين عمرك و انتي عايشة بهالفوضوية !!
أخرجت لسانها بشغب .. و وقفت أمام امها بدلال : أنا ارمي من هنا و أرتب من هنا .. برتبها يُمه لا تحاتين
اقتربت منها و طبعت قبلة بريئة على وجنتها : و لا تزعلي انتي يا قمر .. كم ام حامد عندنا ؟
اجابتها امها بإمتعاض : ايه اضحكي علي بهالكلام ..تعالي تغذي قبل لا يبرد الاكل .
اومأت بالإيجاب و تبعت والدتها تاركةً فوضى الغرفة خلفها
كانت كل ما تحاول ان تكون مرتبة و نظامية لتسعد والدتها ..تستمر على الترتيب لمدة يوم وخمس دقائق ثم ترجع للوضع القديم .
اتجهت نحو غرفة الطعام .. تستغرب الظلام و الهدوء الغريبان الذان يملآن المنزل .. أين ذهب الجميع ؟
انقشع الظلام فجأة و تقافزات أمامها بالونات ملونة و قصاصات ورقية صغيرة ثم هُتاف بصوت ليلى : ـ surprise
عائلتها يُحيطون بـ قالب الكعك الوردي المغطى بسبعة عشر شمعة .. و هدايا مُغلفة و محمود الصغير يجلس في حضن والده ليُصدرا صوتاً مزعجاً من بوق ورقي في فاهيهما
ضحكت : اصلاً كنت أدري
يُهنيها الجميع نور و الهنوف و ليلى و والدها محمود " كل عام و انتِ بخير يا حبيبة أبوك "
و يقول حامد " بسرعة تعالي طفي هالشموع جعنا نبي ناكل " و يردد إبنه وراءه " يلا بسرعة نبي ناكل "
وأطفأت شمعة عيد ميلادها السابع عشر ..ليُصفق لها الجميع و ام حامد تحتضن إبنتها بدلال
و أعطتها نور كيساً : هذا الفستان عجبني واحسه حلو عليك .. شوفيه اذا مو مقاسك عشان ابدله
التقطته منها و أخرجت ما بداخله .. فكان ثوباً أحمر اللون .. قصير و تتوسطه " فيونكة " كبيرة .
قالت بإعجاب و هي تُعاين الثوب على جسدها : واااو مررة حلو .. تعرفيني أحب ذا اللون .
نور بابتسامة : تلبسينه بالعافية
قدّمت لها ليلى هديتها : هاذي الهدية مني أنا وأمي افتحيها
أخذتها هالة بلهفة وفتحتها وكان سلسال رقيق من الذهب معلق عليه أحرف اسمها ، قالت بفرح : مررة حلو عجبني ، احتضنت اختها وهي تقول : احبك ليول
ضحكت عليها ليلى : اهم شي تحافظين عليه مو تضيعينه
ام حامد تؤيدها : أي حافظي عليه .. أعرفك فوضوية و بسرعة تضيعين اغراضك
هالة : بحافظ عليه مابضيع
اخرج ابو حامد محفظته : أنا ما افهم في الهدايا وفي هالسوالف ، مد عليها مبلغ من المال : خذي هذا واشتري به اللي تبغين هدية مني
قبّلت رأس والدها : مشكور يُبه الله لا يحرمني منك
التفتت الى حامد الذي يجلس بجانب زوجته يتناول طعامه : و انت ؟؟؟ وين هديتي بسرعة طلعها
ابتلع لُقمته و قال ضاحكاً : ههههههه ما جبت لك شي
هالة : اقول بسرعة طلعها
حامد :ههههههههههههه والله ما جبت لك شي ... امك وابوك و خواتك عطوك .. انتي ماتشبعين من الهدايا
هالة : لا ما أشبع .. وماراح اتنازل عن الهدية ، التفتت الى الهنوف : وين هديتك انتي و زوجك !!
الهنوف تضحك : هههههههه تفاهمي مع اخوك ... أنا مالي شغل
اقتربت من شقيقها و صرخت في أذنه : انت كيف تنسى ؟؟
حامد : خلاص يالبثرة ..اختاري دولة من دول الخليج وانا باوديك نهاية الاسبوع
هالة بفرح : أي الحين تعجبني
*
ذكرى أخرى في يوم آخر
تنبطح على السرير و هي تشعر بالغثيان .. بينما يتفرج أختيها على التلفاز .. تحتضن هالة الوسادة وعينيها غارقتين في شاعريَّة ،اما ليلى تحدق في الشاشة و تبتسم لا إرادياً ، مسلسل تركي رومانسي مليء بالمشاعر .. تتأثر ليلى و هالة به و تنظر نور نحوهما بسخرية .. يا ليت الحياة الواقعية تُشبه المسلسلات و يا ليت المشاعر تظهر بذات الطريقة و ذات العفوية .. قالت نور بغيظ : المفـروض أخلي منصور يتفرج على هالمسلسل لعَّل و عسى ينفع معه !
لم يُعرن كلامها أي اهتمام فهُن في قمة إندامجهن و الأحلام الوردية تُحيط بهن من كل جانب .
بينما تُقاوم نور نوبة الغثيان التي هاجمتها من جديد .. غابت عن الشقة يومين بحجة مرض أمها .. تمنت لو يتصل و تسمع منه " اشتقت لك " او على الأقل رسالة نصية تحمل كلمات الاشتياق .. لن يُكلفه ذلك الكثير .. لو أنه يُفاجئها بقدومه اليها و هو يحمل الورود كما يفعل هذا الممثل داخل التلفاز .. لن يُكلفه ذلك الكثير !!
شعرت بيد ترتبت على ظهرها و تمسح عليها .. التفتت لتجد والدتها تجلس بجانبها ..تضع العباءة على رأسها و تحمل حقيبتها اذ يبدو انها تستعد للخروج : يُمه نور .. اشربي هالعصير يخفف من اللوعة و يفتح نفسك على الاكل .
رفعت ظهرها و اخذت العصير : شكراً يمه
والدتها بحنان : وش فيك ؟ صاير بينك و بين زوجك شي ؟
تنهدت نور : مشاكل تافهة كالعادة ..انتي لا تشغلي بالك يُمه
ابتسمت لها ام حامد : شكلي بكلمه و بقول له ليه مزعل بنتي ؟ تبغيني أكلمه ؟
ضحكت نور : ههههههههه لا مش مزعلني مافيه شي
ضربتها على كتفها بخفة : هههههه طيب انا طالعة الحين .. و انتي ارجعي الليلة لبيتك مايصير تتركين الرجال لحاله أكثر من كذا .
خرجت والدتها و التفتت نور نحو التلفاز .. لماذا الاحلام كانت أجمل من الحقيقة ؟ أحلام العزوبية بفارس الأحلام كانت أجمل .. يا ليتها بقيت تحلُم الى الأبد !! سحبت جهاز التحكم لتُطفئ هذا المسلسل الذي يكاد يفقع مرارتها : يكفـي هالمسلسل كله رومانسية فاضية وأصلاً بعيدة عن الواقعية .. صياعة وقلة أدب
التفتن حولها و هتفن : حراااام عليك !!
التقطن منها الجهاز بصعوبة .. بينما كانت هالة تُجن : بيطلب يدها للزواج !! بيطلب يدها للزواج لا تخربين المقطع تكفين أبغى اشوف !!
التقطته منها و وقفت امام التلفاز و قالت بإحباط : خربتي علينا المشهد .. كنت ابغى اشوف ردة فعل توبا
ليلى بخيبة : وأنا كنت ابغى اشوف انجين وهو يلبسها الخاتم
هالة وهي تنظر الى نور بحقد : وجع نـور يعني وش دخّلنا احنا في مشاكلك انتي و منصور وش دخَل المسلسل ؟
ليلى : مريـضة .. هذا يسموه مرض .. ماتقدر تشوف أحد مستانس ومبسوط وهي لا
نور : أي ما اتحمـل اشوف رومانسيتهم الزايدة .. وابو الشباب اللي عندي الرومانسية في جهة وهو في جهة ثانية
هالة : واحنا وش دخلنا ؟ خربتي علينا الجو
نور : بكرة تتزوجون وتنصدمون من الواقع المر
ليلى باعتراض : لا حبيبتي .. مو شرط يكونوا ازواجنا المستقبليين مثل زوجك
هالة : أي أنا عن نفسي ما بوافق الا على واحد اسمر وطويل وحليو واهم شي يكون يشبه انجين
ضحكت نور بقوة : هههههههههه غبيات
وعدن الى متابعة المسلسل وأخذت نور تشغل نفسها بصحن المكسرات والحب الشمسي الذي أمامها ..
هالة وهي تنظر الى نور : ارتحتي الحين ؟ خلص
قامت ليلى من مكانها لتجلس بجانب نور وتشاركها في صحن المكسرات ، و تبعتها هالة .. نظرت نور في وجوههم و تذمرت " مشكلته ما يعرف يغازل و لما اصارحه يقول عني سطحية و متأثرة بالأفلام وهاذي حركات مراهقين يترفع حضرة جنابه يسويها "
ليلى : حاولي تغيريه شوي شوي .. خلي المبادرة تجي منك انتِ عوديه على الكلام الحلو شوي شوي يتعلم منك
نور : ههههههه المشكلة اني ما خليت كلمة حلوة ما قلتها له .. يعني ما أناديه الا بحبيبي و يا عمري بعد قلبي ويا شمعة حياتي ومافيه فايدة
هالة وهي تبصق قشور الحب الشمسي : ههههههههههههه حلوة شمعة حياتي عجبتني ، في أحد ينادي زوجه شمعة ؟؟ ههههههههه
ليلى وهي تضرب هالة بخفة : خلاص ياغبية .. ماتشوفين اختك متضايقة
فضفضت أكثر : مرة كنا نتابع فيلم اجنبي واسوي نفسي ميتة على البطل لأنه رومانسي وهو يطالعني مثل الجماد بدون احساس .. و مرة مسكت ايده واحنا طالعين اسوي فيها رومنسية ...قام سحب ايده مني بعصبية و أن هو ما يحب مرة تمسك ايده ف مكان عام و عيب و ما اعرف ايش .. و اذا عصب يتحول لواحد ثاني .. ما اقدر حتى اكلمه واتفاهم معاه ..ويسمعني كلام مثل السم ..وبعدين اذا هدى يجي ويقول ان مو قصده وان هذا طبعه وأنا لازم اتحمله يقال له يراضيني الحين .
اكملت و هي تكاد تبكي " في ذكرى زواجنا زينت الشقة كلها ورود وبالونات و كيكة وموسيقى واروح الصالون و اتزين .. وفي الاخير يجي من الدوام ويطالع فيني وفي المكان و يضحك و يتمسخر .. وقتها ما قدرت أمسك نفسي رحت الغرفة و بكيت "
هالة بحماس : و بعدين ؟
نور : ولا شي جا على انو يراضيني وان المفروض ما ازعل و ان هو يمزح لأن مو متعود و ان انا حساسة و دلوعة و أبالغ ...وقام يجاملني ويقول ان عجبه بس واضــح ان يجامل . .. ومن يومها حرمت اسوي له شي
كان كلامها يثير ضحك هالة حيث تحاول كتم ضحكتها بصعوبة بينما ليلى تحاول نصحها
ليلى : معليش طولي بالك عليه اهم شي انه يحبك وهذا طبع فيه يمكن هو مو تعود يعبر عن مشاعره
نور : احياناً اشك ان ف حياته احد غيري و اموت قهر لما اتذكر انه طول يومه في المستشفى مع هالممرضات ..بس فتشت جواله و ما لقيت شي
هالة : لا حوول .. رجعت حليمة لعادتها القديمة
ليلى : و بعدين معك نور .. بعدي هالأوهام عنك لا تخربين حياتك بايدك .. الحين لو شافك وانتي تفتشين جواله مثل المرة اللي فاتت وش بسوي فيك ؟
صمتت فليس لديها تبرير مقنع لما تقوم به و لكنها حقاً متضايقة و تشعر بالخيبة و التفاهة بسببه .. نظرت نحو هالة التي وضعت رأسها على بطنها و هي تتلمسه : لا تزعلي نفسك عشان النونو لا يتأثر .. تناقشتي مع منصور عشان الاسم و الا لسا .. رفعت راسها لنتظر نحو اختها و تقول برجاء : اذا بنت أبغى أنا اللي اسميها طيب ؟؟
نور بامتعاض : مو خليني اقول له أول .. للآن ما عنده خبر عن حملي .. خبرت الكل الا هو من القهر اللي فيني .
نظرن نحوها بذهول .. ليلى : من جدك و الا استهبال ؟
نور: ايه من جدي .. كنت بقول له و تهاوشت معه و بطلت
ابتسمت لها ليلى و هي تقوم : خليني أظبطك .. اقص اطراف شعرك و أصبغه و البسي شي جديد و اكشخي .. و الليلة خبريه بحملك أكيد بيفرح .
قامت معها هالة ليبدأن بحماس بتزيين نور و تغيير مظهرها
*
في المستشفى ، تستلقي على سرير بعد ان انتهى الطبيب من معاينتها ، مرَت سنة كاملة منذ أن اكتشفت مرضها الخبيث، الخلايا السرطانية التي تنتشر في جسدها بسرعة ، لتموت هي ببطء ، وبعد رحلة العلاج الطويلة أخبرها الطبيب للتو بهذا الخبر الصاعق ، لم يتبقى لها إلَا أيَام معدودة لتعيش ، أيَام قليلة تفصلها عن ملاقاة ربها ، أيَام قليلة تفصلها عن فراق أحبتها ، زوجها الغالي محمود ، ابنها البكر حامد ، نور ، ليلى و هالة ، ستتركهم للزمن ، ستتركهم وديعة عند الله الذي لا تضيع عنده الودائع .ـ
كان ابو حامد يحدث الطبيب بعصبية وغير تصديق ، أمَا هي فاستسلمت للأمر الواقع ، ثم جاء منصور حيث كان يعمل في المستشفى ذاته ، وحاول أن يفهم عمه و يواسيه ، وأن لا حل سوى ان يقبل بما كتبه الله .ـ
ام حامد نادت منصور ليجلس بجانبها ، وجاء وجلس على الكرسي بجانب السرير ، ولا يعرف ما عليه قوله ، خاصة انه يحب ام زوجته ويحترمها ويعتبرها في مثابة ام له ، ام حامد بابتسامة : لا تقول لنور .. ما ابغى احد من اولادي يعرف
منصور : بس ياعمتي لازم نور تعرف ..اذا سألتني وش اقول لها
ام حامد : قول لها ان انا بخير وبديت اتعافى ... ما ابغى اموت وانا اشوف الحزن في عيونهم
تأثر بكلامها ، وسقطت دمعة من عينه مسحها سريعاً ، طمأنها قائلاً : ان شاء الله اللي تقولينه بصير
*
تنظر نحو عقارب الساعة التي تُشير نحو السابعة مساءً .. عادت الى شقتها مع السائق .. بالغت ليلى في تزيينها و أعطتها ثوباً جديداً من ثيابها .. ثوب فسفوري مُلفت للنظر ..و قصت أطراف شعرها و صبغته بدرجة أفتح قليلاً.. و زينت وجهها بالمساحيق .. كحل أسود عريض و حمرة على الشفتين و بودرة وردية للوجنتين .. بالإضافة لبعض الحلي و الاكسسوارات على ساعديها و عنقها .
ملَّت من الإنتظار و مراقبة الساعة .. لقد تأخر بعض الشيء .. ثُم أنه أيضاً لم يتصل ليسأل عنها .
و قد كان منصور في طريقه الى الشقة .. لقد تأثر كثيراً مع ام زوجته .. و أحزنه خبر تفاقم مرضها و الأصعب انه سيضطر أن يكذب على نور و يُمثل عليها بأن والدتها بخير و هذا ما لا يُجيده ..لذلك لم يتصل لها و قرر انه سيتركها في منزل والدها ليلة أخرى .. و لكنه تفاجأ بصوتها عندما دخل الى شقته .
" قواك الله حبيبي "
نظر نحوها باستغراب : انتِ متى جيتي ؟
اقتربت منه ليتضح فارق الطول بينهما و أمسكت بساعديه لتقف على أصابع قدميها لترفع بطولها قليلاً و تطبع قبلة ناعمة على خده : جيت مع السواق ..ما اشتقت لي ؟
جاملها بابتسامة خفيفة : الا اكيد اشتقت لك .. بس قلت يمكن ودك تظلين مع امك أكثر
قالت بهدوء : وش صار مع امي ؟ اليوم موعدها
قال وهو يتجنب النظر الى عينيها وتلوح في عينيه نظرة شاردة: الحمد لله صارت احسن .. بدت تستجيب للعلاج و بتتحسن
ابتسمت بود : الحمد لله يا رب ... كنت حاسَة ومتفائلة ان ربي بيشفيها
ابتعد عنها متوجهاً للغرفة ..امسكت بكفه و هي تشعر بالإحباط اذ انه تجاهل مظهرها و لم يُعلق ...نظر نحوها : وش فيك .. تبغين شي ؟
قالت بارتباك : أبغى اقول لك شي .
عقد حاجبيه باستغراب : وش عندك ؟
ابتسمت و هي تضغط على كفه : تعال نجلس
جلسا على الكنبة و صمتت نور للحظات و هي تفكر بكلمات جميلة تخبره بها عن حملها بينما كان زوجها ينظر نحوها ينتظرها ان تتكلم... التصقت به و وضع هو يده على خصرها تلقائياً ...قالت بمرح : ما قلت لي وش رايك ؟
أجابها : رايي في ايش ؟
قالت وهي تحرك شعرها بدلال : ما تشوف فيني شي متغير ؟
نظر اليها بتفحص وهو يحاول ايجاد الاختلاف الذي تقول عنه ، قال بحيرة : ما اشوف فيك شي متغير
قالت وهي تقترب منه أكثر : شوف طلع فيني زين .. ما لفت انتباهك شي ؟
قال بنفاذ صبر : لا .. من تزوجتك وهذا انتِ نفسك ماتغير فيك شي
تغيرت تعابير وجهها و بان الإحباط عليها : مو معقول منصور .. كيف ما انتبهت اني قصيت شعري و صبغته ؟
بعد جملتها ، لاحظ حقاً أن شعرها أصبح أقصر من السابق، و أن لونه الكستنائي قد صار أفتح بدرجات ، قال بعدم مبالاة : أي الحين انتبهت
احمَرت اذنيها وبدا عليها الضيق ، كيف لا ينتبه أنها تخلصت من شعرها الطويل الذي كان يصل الى نهاية خصرها ، وهي التي كانت تريد مفاجأته بتغيير شكلها ..وهو حتى لم ينتبه ، وعندما انتبه لم يعلق و لو بكلمة .ـ
تحدثت بامتعاض : طيب قول شي ، قول لي نعيماً او مثلاً تغيرتي حبيبتي صرتي احلى ، قول لي رايك
منصور باستخفاف : صرتي أحلى
حاولت أن لا تتضايق و ان لا تُعكر صفو مزاجها.. فهذا هو منصور وهذا هو اسلوبه منذ أن عرفته ..
قام من مكانه : بس خلاص هذا اللي تبغين تقو
قاطعته بسرعة : لا .. اجلس فيه شي ثاني بعد
جلس بجانبها مجدداً بملل : وش فيه بعد ؟
رمت برأسها على صدره
و أغمضت عينيها وهي تتخيل ردة فعله عندما يعرف بحملها ، حتماً سيفرح ، فقد أخبرها مسبقاً برغبته في ان يرزقا بطفل ، أمسكت بكفه ووضعته على بطنها ، قالت بشاعريَة : منصور أنـا حامـل
لم تتغير تعابيره .. لازال جامداً يُحدق في رأسها ..لم يتفاجأ ، فهو يعرف مسبقاً بحملها ، ليس غبياً لكي لا يلاحظ تأثير الحمل عليها ، الغثيان و انقطاع الطمث و المُقويات التي تتناولها منذ مدة ، ليس أبلهاً لكي لا يلاحظ كل ذلك : ايه أدري انك حامل .. وفي الشهر الثالث بعد
رفعت برأسها ، ونظرت اليه بذهول : كيــف !!!!!ـ
منصور : شايفتني غبي قدامك ؟ ترى احنا عايشين مع بعض ..اكيد بلاحظ التغيرات الي صايرة فيك ..ومن ذكائك الزايد تاخذين مواعيدك في المستشفى اللي انا فيه .. وتكذبين وتقولين انها مواعيد لأسنانك .. وأنا عارف انها مواعيد حمل بس ساكت وامشيها لك بمزاجي
نور بازدراء : طيب مافيه شي تقوله لي في هالمناسبة السعيدة ؟
لم تتغير نبرته الجافة و هو ينطق بـ : مبروك
نهضت و قد تحملت الكثير و لم تعد تستطيع ان تتحمل أكثر : مو معقول الجفاف والقحط اللي انت عايش فيه مو معقول
دخلت الى الغرفة وأغلقت الباب بقوة ، كيف لخبر حملها الأول أن لا يؤثر فيه ؟ حتى لو كان يعرف من البداية ، كان عليه أن يبدي و لو القليل من التفاعل ، لا أن يقول لها بكل برود " مبروك " وكأن الأمر لا يخصه و لا يعنيه .ـ
قام من مكانه وهو يتعوذ من الشيطان وهو يردد في نفسه بحنق " زعلت !! بكل سهولة زعلت !!! على طول تزعل لأتفه الاسباب ، يعني لازم أمثل اني متفاجئ عشان ترتاح "
دخل الى الغرفة و كانت تمسح المساحيق من وجهها ، و يداها تتحركان بعصبية واضحة ، وقف بجانبها و قال : وش المطلوب مني الحين ؟
تجاهلته وهي على وشك البكاء ، امسك بذراعها بقسوة ونظر الى وجهها : وش فيك ؟؟ لما أكلمك لا تتجاهـليني
نظرت اليه وانفجرت في وجهه : يعني لهالدرجة ماعندك احساس ولا مشاعر ؟ وأنا اتوقعت انك بتفرح وبتطير من الفرح .. و انت وكأن شيئاً لم يكن
انت اصلاً شكلك ماتحبني .. أنا الغبية أحبك مثل المجنونة وانت لا حاس فيني ولا داري عني .. اسلوبك الجاف معي يقتلني .. يعني الحين فيه واحد يحب زوجته و تقوله انها حامل و ما يقول غير مبروك .. و ما تبغاني ازعل بعد ؟؟ انت ما تحبني حتى لو كنت تحبني ماتحبني كثر ما أنا احبك
توقفت عن الكلام ، لأنه أسكتها بقبلة عميقة ، حارة أطبقت شفتيها ، ارتخت أعصابها واستسلمت لذراعيه التين تعتصرانها بقوة ، بينما دقات قلبها تتضاعف و تتضاعف ،
ابعدها عنه و قال و هو ينظر في عينيها : اكيد فرحت أول ماعرفت بحملك .. أنا اول ما تأكدت من حملك سجدت سجدة شكر لله ... تصدقت بنية أن تقومي لي بالسلامة و يتمم ربي عليك حملك .. كيف ما احبك يالغبية ؟ أنا الدنيا ماهي بـ سايعتني من أول ما عرفت انك حامل ... بس هذا طبعي وانتِ تعرفيه يا نـور ..أنا مو مثلك .. أنا ما اعرف اعبر عن مشاعري بنفس طريقتك .. وأكثر من مرة قلت لك هالكلام
لم تجد كلاماً لترد عليه به ، استسلمت لحضنه ، وهي تعيش لحظات رومانسية بطريقته هو .ـ
بعد أن هدّأ عناقه أعصابها ، وكل ذلك العتاب انمحى من قلبها ، تستلقي على صدره بينما يداعبها هو بلمساته ، قالت بود : أحبك منصور
ابتسم لها : أدري انك تحبيني .... انتِ و سارة حياتي كلها
رفعت برأسها لتوجه اليه نظراتها الثاقبة : ميـن سـارة ؟؟؟
سرح في تعابير وجهها التي تغيرت واحتدت فجأة ، قالت بنبرة شك : لا يكـون وحدة من الممرضات اللي معك ؟ سويتـها يا منصور وتزوجت علي ؟
انفجر ضاحكاً وهو يحاوطها بذراعه ، قالت والغيرة تسحق احاسيسها : لا تضحك .. بسرعة قولي ميـن سارة ؟؟
تعالت ضحكاته أكثر ، حتى أن عينيه دمعتا من فرط الضحك ، ضربت على صدره وهي تضغط على أسنانها : مين هالخايسة اللي اسمها سارة ؟؟ بسرعة قولي مين ؟؟
منصور وهو يحاول ان يمسك ضحكاته : لا تغلطي على بنتي
صمتت لبرهة ، ثم استوعبت أنه يعني ب "سارة " الجنين الذي تحمله : يعني كنت تقصد الجنـين !!!
منصور : هههههههههه يعني ما تبغين تسمينها على اسم امك ؟
نور : ما فكرت في الاسم من قبل .. ليش لا تستاهل الغالية .. بس يمكن يطلع ولد
منصور وهو يغمز لها : حتى لو ولد عادي نجرب مرة ثانية ، أكمل وهو يضرب رأسها برأسه بخفة : ههههههههه متى بتنتهي عقدتك مع الممرضات ؟
نور : عمرها ما بتنتهي يعني ليش يكونوا ممرضات ليش ما يكونوا ممرضين ؟
منصور : مستشفى ابوي هو عشان يصير كل شي على كيفي ترى مب أنا اللي اخترت يكونوا ممرضات .. وخلاص غيري الموضوع لا تنكدين علينا
قالت بدلال وهي تحاوط رقبته : وش اسوي أغار عليك ... كررت عليه السؤال للمرة المليون ربما : منصور تحبني ؟
قال وهو غارق في تفاصيلها : كم مرة سألتي هالسؤال ؟
نور : أدري تحبني بس ليش ماتقولها ؟
منصور : ما أقولها لأنها واضحة ... واضحة مثل ما اشوفك الحين
حتى لو لم يكن يجيد التغزل بها ..لا يستطيع اخفاء حبه لها ، كان حبه لها دائماً ما يفضحه الاهتمام .
أنت تقرأ
و هل ينتهي الحُــــب ؟
Romanceعندما تمر بموقف سيء ,حادث مؤلم ,ستحاول ان تتجاوزه بهدوء, ان تسيطر عليه او ان يخفف عنك احدهم, ان ينتهي بك الأمر الي نسيانه وأنها فترة وستمضي ولكن ماذا لو كان ذلك الموقف سيقلب حياتك رأساً على عقب وان لا تعود الحياة بعده كما كانت تتلبسك تهمة بشعه...