يقود سيارته سالكاً ذلك الطريق الطويل الى الكويت .. خفف من سرعة سيارته لتنساب الذكريات الى عقله .. متى كانت اول خطوة انجرفت فيها رجليه الى طريق العتمة و الظلام .. ليتسبب في ايذاء نفسه في النهاية و يقع في شر اعماله .. و يتسبب في ايذاء فتاة لا يعرف عنها شيئاً .. و متى سقطت اول قطرة خمر في فمه .. متى ؟؟
كان وليد طفلاً سعيداً مُدللاً .. محبوب من جميع من حوله..
فوالدُه بالرُغم انه كان غريب أطوار الا انه يُدللـه كثيراً و لا يقسو عليه أبداً .. علاقته معه عفوية و عميقة جداً لدرجة انه احياناً لا يشعر ان سامي والدُه بل هو أقرب الى أحد أصدقاءه .. اما والدتُه .. فهي مُتعلقة به كثيراً و تهتم به و تخاف عليه و بشكل مُبالغ به .. دائماً ما تُكرر عليه انه أجمل و اذكى و افضل و اروع طفل في العالم .. و انه صبي لا مثيل له .. لذلك كان وليد واثق من نفسه لدرجة كبيرة .. و تلك الثِقة لا يستطيع ان يهزها أحد .. و لكن حياته و هو طِفل بالرُغم انها سعيدة و مريحة .. الا انها كانت غريبة بعض الشيء .. كثيراً ماكانت تمُر عليه مواقف لا يفهمها و أحداث تتجاوز مستوى تفكيره فلا يستوعبها .. و السبب الاول و الاخير لتلك الغرابة هو والدُه او صديقه سامي غريب الأطوار !!!يتذكر عِندما يعود والده الى المنزل و في ساعة مُتأخرة من الليل .. كان في ذلك الوقت لم يتجاوز الخامسة من عُمره .. يستيقظ من نومه على أثر ضحكات والده و بُكاء والدته .. يطُل على والده من طرف الباب المفتوح نِصفه .. يقف ببراءة يُحدق اليه بعدم استيعاب .. كان سامي وقتها شاباً ساخراً يُحب المُزاح بطبعه .. و ذلك ما يجعل وليد يتعلق به و لا يخافُه أبداً .. خرج من الغُرفة و هو يبتسم في وجه والده الذي يقف عِند باب غُرفة والدته " فطوم " .. يضحك و يتحدث بغرابة : فطومي افتحي الباب .. و هيلة يا رمانة و الحلوة زعلانة .. ،
ثُم يضحك و يُكمل دندنة و هو يسخر بصوتٍ عالٍ .. بالرُغم من ان وليد لم يفهم شيئاً الا انه ضحك ببراءة فوالده مُضحك و حتى لو كانت نُكاته سخيفة ..الا انه مُضحك و " دمه خفيف " .. التفت سامي لابنه الذي يجُره من قميصه و هو يضحك .. رفعه سامي ليُقبله و هو غارق في ضحكاته يقول بصوت هازل : حبيبي ولدي ..
لا يُكمل جُملته تلك الا و هو يترنح في وقوفه .. ليُسقط وليد من ذراعيه على الارض ... يتأوه وليد الصغير بألم .. فتفتح فطوم الباب بوجهٍ غاضب و ملامح باهتة من أثر البكاء .. تحمل وليد بين ذراعيها و تعود لغُرفتها بسُرعة و تُغلق الباب و تُقفله بسُرعة .. بينما لازال سامي يضحك في الخارج .. يتأمل وليد والدته و هي تجلُس على سريرها بدون ان تنطُق بِكلمة .. لم يكُن يعلم ما بِها و لكنه ادرك انها حزينة .. من قطرات الماء التي تسيل على وجنتيها .. يقترب منها بتوجس و يقول : فطومي وش فيك ؟
لا تُجيبه .. فيجُرها من طرف ثوبها و يقول : ماما .. ماما .. يُمه .. فطومي .. ماما .. فطـو
تصرُخ في وجهه : خلاص وليد !!
يبتعد عنها بـ صدمة .. و ملامحه البريئة تبهُت بخوف .. تُلاحظ عليه والدته ذلك .. فتقترب منه و تحتضنه .. تمسح على شعره بـحنان و تقول : آسفة حبيبي .. يلا ماما انت نام الحين ..
يُطيعها بعدم فِهم ليركب على سريرها و يتغطى باللحاف و هو يُحدق بِها بخوف .. تُسرع مُبتعدةً عنه الى الحمام الداخلي للغُرفة .. ينتظرُها بملل .. ثُم يقوم من السرير .. ليتبعها .. يضع اذنه على باب الحمام .. ليصلُه صوت نحبيها و بُكاءها .. يعقد حاجبيه الخفيفين بعدم استيعاب لِم يحدث .. يستدير للصوت الاخر .. الصوت المُناقض لصوت والدته .. كان صوت بُكاء والدته مُنخفض تُحاول كتمه لكي لا يصل الى مسمعيه .. اما صوت والده .. فكان مُرتفعاً بصخب ضِحكاته .. و هو يُغني و يُدندن بكلمات أغنية قديمة .. يقف في المُنتصف .. ما بين باب الحمام و باب الغُرفة و هو يتساءل في نفسه .. لِمَ والداه مُتضادان في كُل شيء !!
لم يستطع كبح فضوله .. لينطلق الى الباب .. و يُدير مفتاحه .. فتح جُزءً منه ليستطيع ان يرى والده من خِلاله .. كان يجلس على الاريكة او يستلقي عليها .. و لازال يُدندن : عبرت الشط على مودك .. عبرت الشط على مودك
يقترب وليد اليه و هو يبتسم .. يُحب والده و يُحب نُكاته .. و يُحب صوته الجميل و هو يُغني .. تزيغ عينيه نحو الطاولة .. نحو قنينة طويلة غامِقة اللون .. و بِجانبها كأس ببقايا سائل شفاف .. وليد باستفتسار : سامي وش هذا ؟
سامي و هو بين الضحك و الهذيان : هذا عرق ..
وليد باشمئزاز .. و قد فهِم ذلك المُصطلح بمعنى آخر : يييع
يرفع سامي جسده قليلاً ليعتدل في جلسته و يقول بضحكة : امزح امزح .. هذا عصير تفاح .. اقصد اقصد ..موية اييه موية .
يقوم من مكانه ليفتح القنينة و يرفعها نحو فمه .. لينجرف داخلها الى فمه بسُرعة .. و يتسرب بعضٌ منه على شفتيه .. ينظُر وليد نحو الكأس .. و بفضول تملكه يُمسك الكأس ليتذوق بقايا ما كان فيه .. تتغير ملامحه البريئة باشمئزاز من ذلك الطعم الاذع .. يفتح فمه ليبصق مافيه .. ثُم يُخرج لِسانه بحركة طفولية تعني التقرُف ..: حااار و يحرق .. بابا انت كيف تشربه ؟
لا يُجيبه والده و قد طار ما تبقى من وعيه في الجُرعة الاخيرة التي ارتشفها .. يرمي بجسده على الاريكة .. و يُدندن و يُغني بعقلٍ غائب .. يجلس وليد بجانبه ليضع رأسه في حجره ..و يُدندن بتلك الاغاني التي يُغنيها والده .. و التي حفظها وليد عن ظهر قلب بسبب كثرة ترديد والده اياهم .. " هيلة يا رُمانة " و " عبرت الشط على مودك " .. يُغني بصوته البريء الذي لا يُضاهي صوت والده بجماله .. الى ان يتراءى له وجه والدته في ظلام المكان .. فتنتشله من حضن والده بسُرعة : ليش ما تسمع الكلام .. مو انا قلت لك تناام !!!
يضحك والده و هو يقول : فطومي حبيبتي .. يا بلوى !!
فطوم بقهر : الله ياخذك .. يا حقييير .
تُسرع الى الغُرفة و تُنزل وليد .. ثُم ترتدي عباءتها و تحمل شنطتها على كتفها .. تُمسك كف وليد .. لتجره معها .. يمشي و هو يقول باستغراب : ماما وين بنروح ؟
فطووم : اشششش لا يسمعنا ابوك .
تنظُر الى سامي بتوجس و تراه هادئاً مُعمض العينين ..فتنطلق مُهرولةً قاصدةً الخروج .. يقشعر جسدها و هي تشعُر به يتبعها .. و سُرعته تفوق سرعتها .. يلتفت وليد نحوه بصدمة .. تتسع عيناه بذُعر ..و هو يرى والده يُمسك والدته من مُؤخرة رأسها .. تصرخ فطوم .. و تُفلت كف وليد من كفها .. بينما يتراجع وليد الى الوراء برُعب و صدمة من منظر والده و هو يجُر امه من شعر رأسها .. ثُم يُسدد اليها لكمات على وجهها فتصرُخ .. ينجرف وليد ليختبئ اسفل الاريكة .. كـفأر مذعور .. و هو يتساءل في نفسه .. لقد كان والده يضحك منذ قليل .. مالذي قلب صورته اللطيفة الى هذه المُرعبة ؟ .. و صوت صُراخ امه يخترق اذنيه .. و صوت والده و هو يشتمها و يُكرر من قول : انتِ بلوى و طاحت على راسي !!
أنت تقرأ
و هل ينتهي الحُــــب ؟
Roman d'amourعندما تمر بموقف سيء ,حادث مؤلم ,ستحاول ان تتجاوزه بهدوء, ان تسيطر عليه او ان يخفف عنك احدهم, ان ينتهي بك الأمر الي نسيانه وأنها فترة وستمضي ولكن ماذا لو كان ذلك الموقف سيقلب حياتك رأساً على عقب وان لا تعود الحياة بعده كما كانت تتلبسك تهمة بشعه...