الفصل الثالث

3.3K 49 6
                                    


في داخلي أُحجية , عجزت حلها


دار الرعاية الاجتماعية للفتيات
الدمام - المملكة العربية السعودية

ومرت الأيام , وأصبح هذا المكان هو سجني , وحدي بقيت , جسد بلا روح أصبحت , ما عاد هناك شيء يُفعل , عمري يمضي ولكن دمعي الدامي لم ينتهي بعد , كيف امكنهم نسياني وتركي ؟ وكأني لم اعني لهم شيئاً ؟ هل كلماتهم ووعودهم وقبلاتهم لي كانت كذباً ؟ وهل ينتهي الحب ؟ هل حقَاً ينتهي الحب بهذه السهولة ؟

لم اتصور يوماً ان هذه ستكون نهايتي , وفي هذا المكان الكئيب , سأُسجن مع تعاستي الى الأبد ,
لم أعد اؤمن بالبشر ولا بالحب ,لم يعد احد يعنيني ,بالرغم من كثرة الناس الذين يعيشون معي هنا , الى أن الوحدة تسكن كل زاوية مني ,اشعر وأن العالم كله قد انهار , وأنا تحته
كل يوم , منذ الصباح الى ان تغيب الشمس وأنا اقبع في هذه الغرفة الضيقة المليئة بالأسرة المتراصَة ببعضها ,يوجد بها نافذة واحدة في أعلى الجدار ,لا استطيع حتى النظر منها ,

هوازن ,شمس ,غلا ,حصة وجواهر ,فتيات منبوذات مثلي , يشاركنني هذه الغرفة ,لا اعرف عنهم شيئاً سوى أن اهلهم تخلو عنهم تماماً كما حصل لي ,

- هالة , وقت الغذا يلا بسرعة قبل لايخلص

لم اجبها , بقيت صامتة كعادتي ,ولماذا الطعام ؟ لقد فقدت شهيتي من كل شيء
اقتربت مني وهي تهزني : انتِ من جيتي هنا وما أكلتي شي أبد لا تموتين من الجوع
اموت ؟! اعتقد انني مت حقاً , فلم يعد لحياتي أي معنى , ان لم يكن هذا موتاً فما الموت ؟
ابتعدت عني , وهي تتأفف وتحدث نفسها , وبقيت أنا على هذا السرير , احاول فك الاحجية التي تسكنني , اجلس محدقة في الفراغ وكأنني بومة
شعرت بها وهي تقترب مني مجدداً ,وهي تقدم لي طبقاً من الأرز : أنا جبت لك الاكل هنا , أنا بعد اول ما جيت هنا ماكنت احب آكل تحت
ضربت ذلك الطبق بيدي , فسقط على الأرض وتحطم , شهقت بقوة : لييه ؟ حرام لا تكفرين بالنعمة
جثت على ركبتيها وهي تحاول جمع حبات الأرز المتناثرة على الأرض , وأنا انظر اليها , اشفق عليها ,لماذا تكترث بي ؟
جاءت فتاة أخرى وهي تلقي اللوم عليها : خلاص يا غلا , ماعليك منها , هاذي شكلها مو صاحية
غلا : كسرت خاطري , من جت للدار وهي ما اكلت شي
هوازن : خليها عنك , أكيد وراها بلوى والا شجابها لهنا ؟ اتركيها وتعالي بخلص وقت الغذا وانتِ ماكليتين شي
واخيراً خرجن عنِي , لا أريد احداً ,يجب علي حل تلك الاحجية داخلي , احتاج الهدوء , الهدوء التام


,


تجلس في المقعد الخلفي من السيارة , شاردة تنظر الى النافذة , تفكر في تلك الفتاة التي جاءت مؤخراً الى الدار , ابنة خالتها "هالة " التي تعرفها الآن للتو , فلم تكن تربطها علاقة قوية بخالتها المتوفاة ولا بناتها , عدا نور , فقد كانت تربطها بها علاقة بسيطة بحكم دراستهما معاً , ترتسم في مخيلتها تلك الملامح الحزينة مجدداً , العينين الواسعتين التي تلمعان بشيء من الكآبة , فقط بالنظر الى تلك العينين , يمكنك ان تشعر بذلك الحزن الدفين داخلها , وكأن عينيها تتحدث , تذكرها تلك الملامح بشخص عزيز عليها , تلك الذكرى تدفعها للمجيء لعملها بانتظام , عملها التي كانت تهمله ولا تأتي اليه , الا في اوقات فراغها , اصبحت تنهض صباحاً كل يوم , للتفقد تلك الفتاة ,التي تجلب لها الذكريات

و هل ينتهي الحُــــب ؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن