الفصل الواحد و العشرون

1.4K 21 2
                                    


*
في دار الحماية

تأخذ وضعية الجنين في تكورها حول نفسها على السرير .. تُفكر و تُفكر و دموعها متجمدة في اهدابها ..كفى بها استسلاماً .. نور معها و ليلى ايضاً و الهنوف تقول ان حامد بدأ يهدأ و يحُن .. جميعهم سيعودون .. نعم حتى والدها .. ليست وحيدة فـ نور معها تُصدقها و تدعمها و تُحاول اثبات براءتها ..و قالت ان زوجها منصور يبذُل جهده ايضاً .. لم يتخلى عنها احد !! و تلك الورقة تُثبت عفتها .. تثبت عذرية احلامها و براءتها .. هي لم تُلطخ شرفها كما يقولون .. هي طاهرة .. عروس طاهرة عفيفة و عذراء .. اذاً لِمَ تركها عريسها ليلة زفافها ؟؟ ترتجف كفيها و هي تُدخلهما اسفل قميصها .. نحو خصرها .. نحو ذلك الجرح الذي كاد يقتُلها .. لا لغزارته و انما من اليد التي لم تتخيل حتى في خيالها انها من الممكن ان تُؤذيها يوماً ... و لكن ذلك الجرح لا يساوي شيئاً مُقارنةً بجرح قلبها !!! اخرجت كفها و مدتها نحو عينيها .. تمسح بقايا دموعها .. لن تبكي !! فلتجد حلاً و لتجد جواباً لأحجيتها .. هي دائماً تُحسن الظن و تُصدق ما يُقال عليها بدون تفكير .. رُبما هُنا المشكلة !! لأنها ساذجة بريئة تُصدق دائماً ما يُقال لها فاستغلها احدهم و ضحك عليها .. و لكن لِمَ ؟ هي لم تضُر احداً يوماً لتُضر بهذه الطريقة الفظيعة
لم تشعر الا بيديها تمتدان نحو رأسها .. تتحسس خصلات شعرها القصير .. لتشُدها و تُقطعها .. و هي تحاول فك العقدة الغريبة التي داخلها .. التي كلما حاولت فكها تتعقد اكثر ...
لقد كانت فتاة طيبة ، حساسة ، متسامحة لأبعد حد .. و كثيراً ما كان يستغلها صديقاتها لطيبتها المبالغة فيها .. في المدرسة و عندما يكون لديها اختبار ما .. تأتي سهام لتُوصيها بتوصياتها المعتادة " طبعاً هالة ما يحتاج اقول لك .. كبري خطك و لا تغطين ورقتك .. خليها على طول على جنب .. و انتبهي لحركة اصابعي .. لأن بأشر لك على رقم السؤال اللي ابغاه .. و لا تقعدين تسوين نفسك تخافين .. اهمسي عادي .. غطي فمك و اهمسي لي .. تكفين تراني متوكلة على ربي ثم عليك "
تومئ لها ايجاباً و هي في قرارة نفسها غير راضية عن ما يحدث .. هي تذاكر و تتعب ثم تأتي سهام المهملة و تأخذ جهدها دون تعب .. و لكنها مع ذلك ترضى لان سهام صديقتها و تحب ان تتعاون معها و مع الجميع .. فتقول " طيب .. بس انتِ بعد لا تصيري حولة .. انا بكبر خطي و بقرب لك ورقتي و الباقي عليك "
ثم تأتي عائشة و هي تسحبها من يدها الاخرى " تكفين هالة .. ابي اجلس جنبك اليوم في الامتحان .. ما ذاكرت زين .. بليز ساعديني "
تقف محتارة بين سهام و عائشة .. و لكن سهام لا تسمح لها بالتفكير حتى .. ترفع صوتها في وجه عائشة و هي تسحب هالة من ذراعها " لا و الله .. اقول ضفي وجهك و كلي تبن .. ما نبغاك جنبنا .. هالة صديقتي و حبيبتي و جارتي ... و انتِ يعني ما نعرفك الا لما يكون عندنا اختبار ؟؟ .. مصالح بس !! "
تجيبها عائشة بانفعال " انا كلمت هالة .. ما كلمتك انتِ !! .. هالة اذا قعدتي جنبي بصير فيه تبادل بين اجوبتي و اجوبتك .. بتستفيدين مني صدقيني .. سهام خبلة و انانية ما بتستفيدي منها و لا شي "
ينشأ شجار بين سهام و عائشة و كلتاهما تتنازعان على هالة .. و على جهد هالة الذي بذلته في دراستها .. تـحاول هالة نزع الشجار فترفع صوتها و هي تقف ما بينهما " خلاص بقعد في الوسط .. و انتم وحدة على يميني و الثانية على يساري .. كذا تمام ؟؟ "
و في الامتحان .. تخاف هالة من المُعلمة و تنسى توصيات سهام .. و تتجاهل همس عائشة لها بسبب خوفها و ارتباكها .. و لانها من ملامح وجهها تُفضح .. و خوفها دائماً يتضح في ملامحها .. و لكنها تقاوم خوفها و تُقرب ورقتها يميناً لتراها سهام .. و لانها خائفة ، مرتبكة و غير ماهرة في مثل هذه الامور .. تكشفها المعلمة فتقول بصوتها المرتفع " كل وحدة عينها في ورقتها يا بنات !!! .. و انتِ يا هالة غطي على ورقتك "
بالرغم ان المعلمة لم تقل شيئاً مرعباً .. الا انها ارتعبت لمجرد سماع اسمها " و الله و الله و الله انا ما غشيت ... و اصلاً خلصت حل " .. تقوم مسرعة لتُسلم ورقتها .. تاركةً صديقتيها بدون ان تعطيهما شيئاً ... و بعد انتهاء الدوام .. تأتي سهام معاتبةً لها و هي تسحبها من ذراعها و ترفع صوتها بتأنيب " حليييت زفت ..ورقتي فاضية ما شفت منك الا سؤالين .. لييه تخاافين لييييه ؟؟؟ اففف قهرتيني جدد يا الخوافة .. ما منك فايدة .. صديقتي على الفاضي "
تقول بهمس ضعيف .. اذ ان شخصية سهام القوية و تسلطها يُرغم هالة بأن تشعر بالذنب " افف و انتِ ورى ما تذاكرين ... اف "
تشكي لنور ما حدث لها و ان الجميع يستغلها لطيبتها .. فتخبرها اختها بتأنيب " هذا اسمه غباء ما هو بطيبة ... قوي شخصيتك و لا تصيرين لهم ملطشة "
كانت دائماً " ملطشة " .. حتى في المنزل .. فسهام تُعطيها كتبها لتحل لها واجباتها بدلاً عنها بحُجة انها " لا تفهم شيئاً في الرياضيات .. و تحتاج مساعدة " .. تقوم بشغل وقتها بحل واجبات سهام بعد ان انتهت من مذاكرة دروسها و حل واجباتها و قد استغرق ذلك منها وقتاً طويلاً ... و بينما هي منشغلة في حل واجبات سهام .. تأتي ليلى و عينيها تتطايران شرراً و تقول " هالة .. وين قلم الحمرة حقي ؟؟؟ "
تجيبها بانشغال " مادري "
تصرخ ليلى " ما فيه غيرك !! ما احد يضيع اغراضي غيرك !! و الله انتِ .. انا متأكدة ان انتِ !! "
تتجاهلها فتزداد عصبية ليلى .. فتأتي و تتعارك معها .. ترمي الكتب التي بجانبها و تجر قلمها من يدها .. " تراها مو اول مررة يا غبية !! كل مررة تحوسين في اغراضي و تضيعينهم و اسكت لك !! تذكري بسسرعة و ينه !! قومي دوريه بسسرعة "
تشك في نفسها .. و انها ربما فعلاً تكون هي من اخذت قلم الحمرة .. فتقوم لتبحث عنه في الغرفة .. تبحث عنه مطولاً و لا تجده .. تخبر ليلى بذلك فتغضب .. و تذهب لتفرغ غضبها في اغراض هالة الخاصة .. فتعبث باغراضها و تبعثرهم على الارض انتقاماً .. تقول هالة بصوتها الباكي " اتركي اغراضي و الا بقول حق امي !!! "
كانت دائماً لا تستطيع الدفاع عن نفسها .. دائماً هي الأضعف من الجميع .. دائماً هي " ملطشة " الجميع .
لا تستطيع حل مشاكلها لوحدها حتى لو كانت بسيطة .. فتلجأ لوالدتها او نور .. او حامد
حتى حامد كانت تلجأ اليه .. و خصوصاً بعد وفاة والدتها .. لقد اصبح لطيفاً و مُتعاطفاً معها لاقصى حد ..يحاول دائماً ان يُؤنسها .. و يخرجها من جو الكآبة الذي كانت تعيشه حزناً على والدتها .. يأخذ بخاطرها و يسألها دائماً عن ما ينقصها .. يسمح لها بأن تخرُج مع صديقاتها .. ينزهها حتى دون ان تطلب .. حتى لو تذمرت الهنوف فهو يُخرسها .. و يجعلها هي في المقام الاول مُتجاهلاً زوجته ,
في احدى المرات .. حيث كانت ستخرج مع حامد بعد ان اخبرها بأنه سيـسافر معهم لمدة يومين في عطلة نهاية الاسبوع .. الى قطر ..و لكنها بعد ان جهزت اغراضها سمعته صُدفةً و هو يتحدث مع زوجته .. اذ ان الهنوف كانت تتذمر و تقول " يعني ما يصير اطلع انا و انت و ولدنا بروحنا !!! لازم وحدة من خواتك معنا .. انا ما صدقت ان ليلوه النشبة انخطبت و خلصنا منا .. تطلع لي هالة الحين .. ما يكفي ان في البيت و اربع و عشرين ساعة مقابلتهم ؟؟ قاعدين على قلبي .. متى بحس اني متزوجتك انت و بس .. مو متزوجتك مع اهلك .. مو حالة هاذي ما صااارت !!!! ابي وقت خاص لنا احنا و بس و من حقي !! "
تشعر بتأنيب الضمير .. تتضايق و تُغير رأيها .. فتُخبر حامد بأنها تذكرت ان لديها اختبار بعد يومين و يجب ان تستعد له .. يسألها " لييه ؟ طيب عادي احملي كتبك معك و ذاكري هناك .. انتِ من زمان تقولين ان ودك تروحي قطر .. كنتي متحمسة قبل شوي !! "
تقول مُكملةً كذبتها " لا .. ما اقدر اذاكر الا و انا في البيت .. انتم روحوا و انبسطوا ما عليكم مني "
يشعر حامد بخاطرها المكسور .. فيفهم انها سمعت كلام زوجته .. فيُؤجل تلك الرحلة بحُجة " هالة عندها اختبار .. اسبوع الجاي نروح ان شاء الله "
ثُم تبدأ تصرفات الهنوف المزعجة و هي ترمي كلاماً عليها كلما سمحت لها الفرصة .. " قاعدين على قلبي " " متى تتزوجي و اخلص " .. " يا جعلك اذا تزوجتي .. الله يرزقك بخوات زوج ما يتركونك في حالك .. و يناشبوك في كل شي " .. " اربع و عشرين ساعة مقابلتكم .. اففف " .. " مو عيب تخربين علينا وناستنا .. و تدخلين نفسك في خصوصيات زوج و زوجته .. حتى لو كان اخوك .. عيب !!! "
و كالعادة لا تستطيع الدفاع عن نفسها و تبرير موقفها .. و انها لا تقصد مضايقتهم .. و لا تقصد ان تكون شخص غير مرغوب به بينهم .. و لان الهنوف لا تترك لها مجالاً للتوضيح .
تنتزع خصلات شعرها من رأسها و تقطعها .. بسلوك قهري لا تستطيع التحكم فيه .. ثُم توقفت فجأة .. و كأنها وجدت شيئاً ما في ذاكرتها .. و خصوصاً عندما حان دور الهنوف في ذكرياتها ... في يومٍ ما .. لا تتذكر متى كان ذلك اليوم بالضبط .. بدت لها الهنوف في ذلك اليوم ، مرتبكة وكأنها خائفة ولكن من ما ؟ بدت لها غريبة اطوار وليست على سجيتها فما الذي حدث لها ؟
رفعت رأسها و اسندت ظهرها .. تُمسك بما قطعته من شعرها .. تجحظ عينيها و هي تحاول التذكر .. كانت هناك امرأة غريبة ايضاً .. امرأة شكلها لا يبدو مريحاً .. ذات شعر احمر و مساحيق غامقة على وجهها ناصع البياض .. ما كان اسمها تلك المرأة ؟؟ .. لا تتذكر .. تشعر بشلل في ذاكرتها .. شلل يمنعها من تذكر ما حدث في ذلك اليوم .. لقد اغمي عليها ايضاً في ذلك اليوم .. اومأت ايجاباً .. نعم لقد فقدت الوعي في ذلك اليوم .. و قد بررت ذلك بأنها كانت متعبة و تغذيتها سيئة بسبب انشغالها في مذاكرتها .. و لكن اين اختفت تلك المرأة المجهولة ؟؟ ... لقد قالت الهنوف انها عندما فقدت وعيها .. جاءت تلك المرأة مباشرةً لتخبرهم بذلك .. و لم يحدث اكثر من مجرد انها فقدت وعيها في الحمام و مباشرةً عثرت عليها الهنوف .. و هذا كل ما حدث ... هذا فقط كل ما حدث على حسب قول الهنوف ... و لماذا ستكذب الهنوف ؟؟ .. صحيح ان الهنوف احياناً تصبح متملقة .. و تظهر منها تصرفات مزعجة .. و لكنها لا تكرههم !! بالطبع هي لا تكرههم .. فهي انسانة طيبة و تحبهم .. هي زوجة حامد و ام محمود في النهاية ..تعيش معهم منذ سبع سنوات ..يعرفونها جيداً و يعرفون اخلاقها ....و قد اظهرت تعاطفاً كبيراً عندما توفيت و الدتهم و مرض والدهم .. كانت تتعاون معهم كثيراً .. فهي من تولت مهمة الطبخ عوضاً عن والدتهم المريضة و بعد ان توفت .. كانت تواسيهم و تظهر تعاطفها و وقفت معهم كما لو كانت اختاً لهم .. و بعد انهيار زفاف هالة .. كانت الهنوف اول من يزورها في المشفى .. لقد زارتها اكثر من ما زارتها اختها ليلى !! و صدقتها و تعاطفت معها و ساندتها قبل ليلى ايضاً ... فلماذا ستكذب الهنوف ؟؟؟؟
تتصادم الافكار في عقلها المشوش .. نفسيتها المحطمة و خيالها الحالم المُقيد في سرداب الظلمة و الضياع .. تتخلل أصابع يديها شعرها لتعاود نتفه و تقطيعه ...ترتب افكارها في مُحاولة عاجزة لفك تلك الأحجية التي تسكُنها .. العقدة العمياء التي كلما حاولت فكها تتعقد أكثر ..

و هل ينتهي الحُــــب ؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن