تجلس ليلى على طرف السرير مُطبقة شفتيها في صمت بائس ، رفعت عينيها الى نور التي تفوقها بؤساً ، تضم ركبتيها الى صدرها و تُحدق في الفراغ ، ضاقت ملامح ليلى و هي تنظر اليها ، قامت بهدوء و جلست بجانبها و هي تُحيطها بذراعها ..قالت بمواساة : طولي بالك نور ..اصلاً هو اكيد في النهاية ما بيتحمل مسؤولية سارة لوحده و برجعها ..، ابتسمت محاولةً تسليتها : اصلاً من يقدر يتحمل بنتك ؟ انا اذا خليتيها عندي تطلع لي قرون من دلعها و شغبها ..ما بالك هو الرجال ...اكيد ما بيتحمل .
نور بصوت مخنوق : هو ماعنده صبر عليها واكيد بتأذيه ..، سرح خيالها اليه ، و هي تتخيل وضعه مع سارة ، يُنومها ، يغير ملابسها و حفاظها و يُحممها ، يسرح شعرها و يُطعمها ، يتحمل بكاءها ليلاً و شغبها نهاراً ، انفلتت منها ضحكة صغيرة لا تناسب ملامحها البائسة ، ابتسمت ليلى لها : ههههههه اكيد تخيلتي نفس اللي تخيلته ..اصلاً مافيه رجال يقدر يتحمل مسؤولية طفلة كاملة لوحده .
رجعت نور لبؤسها : اكيد اخذها لأخته .
ليلى : اللي اعرفه ان اغلب اهله في جدة .. و الا قصدك هاذي اخته رانيا اللي عندها عيال كثير ..كم عندها خمسة و الا ستة ؟
نور : ستة ..و كلهم صغار جابتهم ورا بعض .
ليلى : يعني المسكينة كافي عليها عيالها ..بعد تتحمل عيال غيرها ؟ حتى لو بتساعده فيها ما بتقعد تساعده طول عمرها .
نور : مادري عنه ...بس هاذي اخته طيبة كثير وما استبعد تسويها .
تنهدت ببؤس ، ثم تعلقت عينيها في عيني ليلى بشجن : بس عندي احساس انه بيرجع ..يعني ليلى مو معقولة عشرتي لهالدرجة سهلة عنده ؟ و لهالدرجة ذكرياتي تهون؟ .. منصور صحيح جلف و ثقيل و شايف حاله ..بس هو في داخله مو كذا ..هو بس يكابر .. ومستثقل انه يرجع و يكلمني و يتنازل عن قراره بهالسهولة ..بس عندي احساس انه بيرجع ، انا دائماً متعودة اني احسن ظني فيه مهما صار .. هو بتصرفاته المتناقضة عودني على كذا .
وضعت ليلى رأسها على كتف نور و هي تقول برجاء : اتمنى يصدق احساسك .. اتمنى .فتحت الهنوف الباب سريعاً بعد ان طرقته ، وقفت تنظر الى ملامحهن البائسة ، مغلوب على امرها ، تحتقر نفسها لأجلهن و لكنها لن تفضح نفسها بعد كلِ ما حصل ، لن تعترف و تؤدي بنفسها الى التهلكة ، ستلعب دور زوجة الأخ المُحبَّة و تُحاول مواساتهن علَّ ضميرها يكُف و لو قليلاً عن تأنيبها ، علَّ داخلها يستريح و ذنوبها تصغُر ، اقتربت منهن و جلست بجانبهن على السرير ، وضعت كفها على ساعد نور و هي تقول بابتسامة : اخوك بروح يكلم منصور اليوم ..لا تضايقين نفسك و يكفي كآبة ...ان شاء الله حامد يأثر فيه .
قالت ليلى بقلق : الله يستر .. يا خوفي حامد يكسر فكه و بدل لا يحل الموضوع يطينه زيادة
عقدت نور حاجبيها و هي تُفكر بهذا الاحتمال بينما هتفت الهنوف باعتراض : لا لا تقولين كذا ... تفاءلوا وش هالبؤس اللي انتم فيه ؟ ..انا وصيت حامد يهدى و يكلمه بعقل وما يعصب .. ان شاء الله ما فيه الا الخير و ترجع المياه لمجراها و ترجعين لزوجك يا نور .
ليلى و هي تنظر لنور : و بترضين ترجعين له بهالسهولة لو فرضاً قال برجعك ؟ انا من رايي لا ترجعين له الا بشروطك .. يتركك بهالطريقة الخايسة و تسكتين له ؟
صمتت نور و هي تنظر امامها بعبوس ، ضربت الهنوف كتف ليلى و قالت بزجر : لا تشيشينها مو ناقصين ...طبعاً بترضى ترجع له ..ابو بنتها و بينهم عشرة عمر .. واذا قال برجعها بترجع له و هي ساكتة .. بلا شروط بلا خرابيط .. ناقصين مشاكل حنا .
ليلى : و كرامتها ؟ المفروض ما نرضى ترجع له كذا و كأنا ميتين عليه و نترجاه عشان يرجعها .. حاصل له اصلاً وحدة مثل نور .
الهنوف : اقول انطمي بس و ابلعي لسانك .
تستمع اليهن نور و هي غارقة في همها ، قالت بكبرياء جريح : انا اللي يهمني بنتي و بس .. اذا ما جابها حامد لي اليوم بكون لي تصرف ثاني معه .
الهنوف بسرعة : لا برجعها لك ان شاء الله.. برجعها .
رفعت نور جوَّالها بعد ان رن ، نطرت الى شاشته و قالت بقلق : هاذي ياسمين ... الله يستر لا يكون في هالة شي .
قامت من مكانها لتخرج و تجيب على مكالمتها ، قامت ليلى لتتبعها بقلق و لكن الهنوف امسكتها من ذراعها لتوقفها ، استدارت ليلى لها : نعم !!!
الهنوف بنبرة شك : وانتِ وش عندك اشوفك مكثرة قعدتك عندنا هاليومين .. لا يكون متزاعلة مع زوجك انتِ الثانية بعد ؟
ليلى باستغراب : لا ..ليه هالسؤال ؟
الهنوف بخفوت : بصراحة من تطلقت نور و انا احاتيك .. خايفة تصيرين مثلها ..خصوصاً ان ام زوجك ما هي هينة .
جلست ليلى بجانبها و كلامها يدور في رأسها ، قالت بنفي : لا .. يوسف يحبني و انتِ شفتيه بعينك كيف كان واقف معنا .. و هو دايم يقول لي ان اللي صار ما يهمه و مايغير شي في نظرته لي و في علاقتنا .
الهنوف : بس لا تنسي ان امه عقربة و تراه يعرفها قبل لا يعرف خشتك .. و طبيعي جداً تأثر عليه
صمتت ليلى فجأة و هي تتذكر ان يوسف لم يُجب على مُكالماتها الاخيرة له منذ ساعات ، اخذ كلام الهنوف يؤثر على عقلها بخوف ، امسكت بجوالها لتُجري مكالمة مع يوسف لتُكذب تلك الافكار التي راودتها .
جاءها صوته بعد لحظات : هلا ليلى
ليلى بحزم : انت وينك فيه ؟ ليه ما رديت على مكالماتي لك ؟ لا وكنت مسكر جوالك بعد و كأنك تتعمد تتجاهلني
تفاجأ يوسف من هجومها عليه دُفعة واحدة ، قال بامتعاض : وش فيك معصبة ؟ كنت نايم و عشان كذا سكرت جوالي .
ليلى بعدم اقتناع : طيب .. انت وينك فيه الحين ؟
يوسف : في البيت .. تبين امر آخذك الحين و الا ؟
ليلى بعد تفكير : لا .. بقعد معهم الى الليل بعد ..نور متضايقة و تحتاجني
يوسف بلا مُبالاة : على راحتك ... واذا تبغين تنامين عندها بعد ما في مشكلة
صمتت ليلى لبُرهة ثم قالت بغصة : كأنك تدور الفكَّة مني ؟
يوسف بسخرية : و انتِ كأنك تدورين اي سبب تزعلين عشانه ؟
ليلى بقهر : لا .. و باخذ برايك و بنام عند اهلي مثل ما تفضلت ..و بكرة اذا لا سمح الله جيت على بالك تعال مرني .
تنهد بنفاذ صبر : ايه على راحتك .. يلا بسكر الحين باي
انزلت ليلى جوالها من اذنها و هي تضغط عليه بعصبية ، الهنوف و هي تنظر اليها بعدم رضا : غبية انتِ ؟ و ليه تقولين له انك بتنامين عندنا بعد ؟ روحي لبيت زوجك و عن الهبال ... لا تعطين لخالتك فرصة عشان تلعب بعقل ولدها و تقلبه ضدك
ليلى بثقة : يوسف يحبني و كلام امه ما يأثر فيه
الهنوف : اختك بعد تقول ان زوجها يحبها .. و في الاخير طلقها و ما سأل يا غبية انا خايفة عليك عشان كذا اقولك هالكلام .. انتبهي لزوجك لا يطير من ايدك
انزلت ليلى رأسها و هي تُفكر في كلامها و تأخذ به بالاعتبار ، جاءت نور اليهم و ملامحها شاحبة بغرابة ، قالت ببهوت : هالة امس انهارت و قامت تصرخ و هي الحين في المستشفى .
شهقت الهنوف بخوف بينما قامت ليلى من مكانها و تمسك بيد نور بتوجس : وش فيها ؟ وش صار معها ؟
نور بشجن : تقول ياسمين .. انها ما تجاوبت مع الطبيبة النفسية و تجاهلت علاجها و ادويتها فزادت حالتها .
الهنوف بصدمة : يا حسرتي عليها يعني صارت متخلفة ؟
نظرت لها نور بغضب من كلمة " متخلفة " رفعت صوتها بغيظ : المتخلف تفكييرك ... يعني البنت بعد كل البلاوي اللي صارت لها اكيد بتتعب نفسيتها ..انقلبت حياتها فوق تحت ، وجهت نظراتها الغاضبة نحو ليلى : و كلنا تخلينا عنها و كأنها مو انسانة .. ما احد وقف معها منكم ، و هي في حياتها كلها ما بعدت عنا و متعودة على دلالنا و اهتمامنا و فجأة فقدت كل شي .. و ماتبغون نفسيتها تتعب بعد ؟
انزلت ليلى رأسها و قد غاصت عينيها بالدموع ، اكملت نور كلامها بذات اللهجة الغاضبة : اساساً بعد اللي صار كلنا تعبت نفسيتنا و نحتاج لاستشارة نفسية حالنا من حالها .. ، ركزت نظراتها على الهنوف و هي تُكمل : و أولنا حامد .. تحول لواحد مجرم و صار مجنون رسمي .
أنت تقرأ
و هل ينتهي الحُــــب ؟
Romansaعندما تمر بموقف سيء ,حادث مؤلم ,ستحاول ان تتجاوزه بهدوء, ان تسيطر عليه او ان يخفف عنك احدهم, ان ينتهي بك الأمر الي نسيانه وأنها فترة وستمضي ولكن ماذا لو كان ذلك الموقف سيقلب حياتك رأساً على عقب وان لا تعود الحياة بعده كما كانت تتلبسك تهمة بشعه...