الفصل الرابع عشر

1.8K 32 0
                                    




تجلس ليلى على طرف السرير مُطبقة شفتيها في صمت بائس ، رفعت عينيها الى نور التي تفوقها بؤساً ، تضم ركبتيها الى صدرها و تُحدق في الفراغ ، ضاقت ملامح ليلى و هي تنظر اليها ، قامت بهدوء و جلست بجانبها و هي تُحيطها بذراعها ..قالت بمواساة : طولي بالك نور ..اصلاً هو اكيد في النهاية ما بيتحمل مسؤولية سارة لوحده و برجعها ..، ابتسمت محاولةً تسليتها : اصلاً من يقدر يتحمل بنتك ؟ انا اذا خليتيها عندي تطلع لي قرون من دلعها و شغبها ..ما بالك هو الرجال ...اكيد ما بيتحمل .
نور بصوت مخنوق : هو ماعنده صبر عليها واكيد بتأذيه ..، سرح خيالها اليه ، و هي تتخيل وضعه مع سارة ، يُنومها ، يغير ملابسها و حفاظها و يُحممها ، يسرح شعرها و يُطعمها ، يتحمل بكاءها ليلاً و شغبها نهاراً ، انفلتت منها ضحكة صغيرة لا تناسب ملامحها البائسة ، ابتسمت ليلى لها : ههههههه اكيد تخيلتي نفس اللي تخيلته ..اصلاً مافيه رجال يقدر يتحمل مسؤولية طفلة كاملة لوحده .
رجعت نور لبؤسها : اكيد اخذها لأخته .
ليلى : اللي اعرفه ان اغلب اهله في جدة .. و الا قصدك هاذي اخته رانيا اللي عندها عيال كثير ..كم عندها خمسة و الا ستة ؟
نور : ستة ..و كلهم صغار جابتهم ورا بعض .
ليلى : يعني المسكينة كافي عليها عيالها ..بعد تتحمل عيال غيرها ؟ حتى لو بتساعده فيها ما بتقعد تساعده طول عمرها .
نور : مادري عنه ...بس هاذي اخته طيبة كثير وما استبعد تسويها .
تنهدت ببؤس ، ثم تعلقت عينيها في عيني ليلى بشجن : بس عندي احساس انه بيرجع ..يعني ليلى مو معقولة عشرتي لهالدرجة سهلة عنده ؟ و لهالدرجة ذكرياتي تهون؟ .. منصور صحيح جلف و ثقيل و شايف حاله ..بس هو في داخله مو كذا ..هو بس يكابر .. ومستثقل انه يرجع و يكلمني و يتنازل عن قراره بهالسهولة ..بس عندي احساس انه بيرجع ، انا دائماً متعودة اني احسن ظني فيه مهما صار .. هو بتصرفاته المتناقضة عودني على كذا .
وضعت ليلى رأسها على كتف نور و هي تقول برجاء : اتمنى يصدق احساسك .. اتمنى .

فتحت الهنوف الباب سريعاً بعد ان طرقته ، وقفت تنظر الى ملامحهن البائسة ، مغلوب على امرها ، تحتقر نفسها لأجلهن و لكنها لن تفضح نفسها بعد كلِ ما حصل ، لن تعترف و تؤدي بنفسها الى التهلكة ، ستلعب دور زوجة الأخ المُحبَّة و تُحاول مواساتهن علَّ ضميرها يكُف و لو قليلاً عن تأنيبها ، علَّ داخلها يستريح و ذنوبها تصغُر ، اقتربت منهن و جلست بجانبهن على السرير ، وضعت كفها على ساعد نور و هي تقول بابتسامة : اخوك بروح يكلم منصور اليوم ..لا تضايقين نفسك و يكفي كآبة ...ان شاء الله حامد يأثر فيه .
قالت ليلى بقلق : الله يستر .. يا خوفي حامد يكسر فكه و بدل لا يحل الموضوع يطينه زيادة
عقدت نور حاجبيها و هي تُفكر بهذا الاحتمال بينما هتفت الهنوف باعتراض : لا لا تقولين كذا ... تفاءلوا وش هالبؤس اللي انتم فيه ؟ ..انا وصيت حامد يهدى و يكلمه بعقل وما يعصب .. ان شاء الله ما فيه الا الخير و ترجع المياه لمجراها و ترجعين لزوجك يا نور .
ليلى و هي تنظر لنور : و بترضين ترجعين له بهالسهولة لو فرضاً قال برجعك ؟ انا من رايي لا ترجعين له الا بشروطك .. يتركك بهالطريقة الخايسة و تسكتين له ؟
صمتت نور و هي تنظر امامها بعبوس ، ضربت الهنوف كتف ليلى و قالت بزجر : لا تشيشينها مو ناقصين ...طبعاً بترضى ترجع له ..ابو بنتها و بينهم عشرة عمر .. واذا قال برجعها بترجع له و هي ساكتة .. بلا شروط بلا خرابيط .. ناقصين مشاكل حنا .
ليلى : و كرامتها ؟ المفروض ما نرضى ترجع له كذا و كأنا ميتين عليه و نترجاه عشان يرجعها .. حاصل له اصلاً وحدة مثل نور .
الهنوف : اقول انطمي بس و ابلعي لسانك .
تستمع اليهن نور و هي غارقة في همها ، قالت بكبرياء جريح : انا اللي يهمني بنتي و بس .. اذا ما جابها حامد لي اليوم بكون لي تصرف ثاني معه .
الهنوف بسرعة : لا برجعها لك ان شاء الله.. برجعها .
رفعت نور جوَّالها بعد ان رن ، نطرت الى شاشته و قالت بقلق : هاذي ياسمين ... الله يستر لا يكون في هالة شي .
قامت من مكانها لتخرج و تجيب على مكالمتها ، قامت ليلى لتتبعها بقلق و لكن الهنوف امسكتها من ذراعها لتوقفها ، استدارت ليلى لها : نعم !!!
الهنوف بنبرة شك : وانتِ وش عندك اشوفك مكثرة قعدتك عندنا هاليومين .. لا يكون متزاعلة مع زوجك انتِ الثانية بعد ؟
ليلى باستغراب : لا ..ليه هالسؤال ؟
الهنوف بخفوت : بصراحة من تطلقت نور و انا احاتيك .. خايفة تصيرين مثلها ..خصوصاً ان ام زوجك ما هي هينة .
جلست ليلى بجانبها و كلامها يدور في رأسها ، قالت بنفي : لا .. يوسف يحبني و انتِ شفتيه بعينك كيف كان واقف معنا .. و هو دايم يقول لي ان اللي صار ما يهمه و مايغير شي في نظرته لي و في علاقتنا .
الهنوف : بس لا تنسي ان امه عقربة و تراه يعرفها قبل لا يعرف خشتك .. و طبيعي جداً تأثر عليه
صمتت ليلى فجأة و هي تتذكر ان يوسف لم يُجب على مُكالماتها الاخيرة له منذ ساعات ، اخذ كلام الهنوف يؤثر على عقلها بخوف ، امسكت بجوالها لتُجري مكالمة مع يوسف لتُكذب تلك الافكار التي راودتها .
جاءها صوته بعد لحظات : هلا ليلى
ليلى بحزم : انت وينك فيه ؟ ليه ما رديت على مكالماتي لك ؟ لا وكنت مسكر جوالك بعد و كأنك تتعمد تتجاهلني
تفاجأ يوسف من هجومها عليه دُفعة واحدة ، قال بامتعاض : وش فيك معصبة ؟ كنت نايم و عشان كذا سكرت جوالي .
ليلى بعدم اقتناع : طيب .. انت وينك فيه الحين ؟
يوسف : في البيت .. تبين امر آخذك الحين و الا ؟
ليلى بعد تفكير : لا .. بقعد معهم الى الليل بعد ..نور متضايقة و تحتاجني
يوسف بلا مُبالاة : على راحتك ... واذا تبغين تنامين عندها بعد ما في مشكلة
صمتت ليلى لبُرهة ثم قالت بغصة : كأنك تدور الفكَّة مني ؟
يوسف بسخرية : و انتِ كأنك تدورين اي سبب تزعلين عشانه ؟
ليلى بقهر : لا .. و باخذ برايك و بنام عند اهلي مثل ما تفضلت ..و بكرة اذا لا سمح الله جيت على بالك تعال مرني .
تنهد بنفاذ صبر : ايه على راحتك .. يلا بسكر الحين باي
انزلت ليلى جوالها من اذنها و هي تضغط عليه بعصبية ، الهنوف و هي تنظر اليها بعدم رضا : غبية انتِ ؟ و ليه تقولين له انك بتنامين عندنا بعد ؟ روحي لبيت زوجك و عن الهبال ... لا تعطين لخالتك فرصة عشان تلعب بعقل ولدها و تقلبه ضدك
ليلى بثقة : يوسف يحبني و كلام امه ما يأثر فيه
الهنوف : اختك بعد تقول ان زوجها يحبها .. و في الاخير طلقها و ما سأل يا غبية انا خايفة عليك عشان كذا اقولك هالكلام .. انتبهي لزوجك لا يطير من ايدك
انزلت ليلى رأسها و هي تُفكر في كلامها و تأخذ به بالاعتبار ، جاءت نور اليهم و ملامحها شاحبة بغرابة ، قالت ببهوت : هالة امس انهارت و قامت تصرخ و هي الحين في المستشفى .
شهقت الهنوف بخوف بينما قامت ليلى من مكانها و تمسك بيد نور بتوجس : وش فيها ؟ وش صار معها ؟
نور بشجن : تقول ياسمين .. انها ما تجاوبت مع الطبيبة النفسية و تجاهلت علاجها و ادويتها فزادت حالتها .
الهنوف بصدمة : يا حسرتي عليها يعني صارت متخلفة ؟
نظرت لها نور بغضب من كلمة " متخلفة " رفعت صوتها بغيظ : المتخلف تفكييرك ... يعني البنت بعد كل البلاوي اللي صارت لها اكيد بتتعب نفسيتها ..انقلبت حياتها فوق تحت ، وجهت نظراتها الغاضبة نحو ليلى : و كلنا تخلينا عنها و كأنها مو انسانة .. ما احد وقف معها منكم ، و هي في حياتها كلها ما بعدت عنا و متعودة على دلالنا و اهتمامنا و فجأة فقدت كل شي .. و ماتبغون نفسيتها تتعب بعد ؟
انزلت ليلى رأسها و قد غاصت عينيها بالدموع ، اكملت نور كلامها بذات اللهجة الغاضبة : اساساً بعد اللي صار كلنا تعبت نفسيتنا و نحتاج لاستشارة نفسية حالنا من حالها .. ، ركزت نظراتها على الهنوف و هي تُكمل : و أولنا حامد .. تحول لواحد مجرم و صار مجنون رسمي .

و هل ينتهي الحُــــب ؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن