تتوسط الشمس كبد السماء لتُفرق بوهجها السُحُب البيضاء حولها ، تُرسل اشعتها العمودية عليه ، حيث يتوسط هو طريق الشعور و الا شعور ، هو اختار ان لا يشعر .. كان يقف امام صراخها كالأصم ، جامد لا يُحرك ساكناً ، كانت تصرخ و صراخها مدوي ، لقد انفجرت انهياراً في وجهه ، صرخت و صرخت الى ان فقدت صوتها .. و كان يتابعها بعينيه مذهولاً ، و كان من شدة ذهوله كالتمثال ، لا يشعر ب شيء و كأنه لا يسمع ذلك الالم المنسكب في انينها و كأنه لا يرى انهيارها و ضعفها ، كانت تصرخ و كأنها تطلب النجدة ... هو اختار ان لا يشعر و لكن لِمَ يقف الآن امام هذا المبنى الرمادي الشاهق الذي يحمل اسم عائلته ؟ " مستشفى الزاهر التخصصي " ، يقف على عتباته و ينظر الى وجوه الناس المبهمة التي تدخله و تغادره في صمت ، هل جاء ليتطمأن عليها بعد ان انهارت بسببه ؟هل دافعه الفضول ام الشفقة ؟ هل هو الحاح الأسئلة التي لم يجد لها جواباً ام ان صراخها جعل ضميره يصحى ؟ هل لأن صراخها لازال يرن في عقله منذ البارحة الى الآن فأشفق عليها ؟ ام ان ذلك فقط زاده فضولاً فوق فضوله لمعرفة سرها ؟
هو دائماً في منتصف كل شيء ، منتصف الشعور و الا شعور .
ارتد خطوتين الى الوراء بعد ان دفعته مروة بكفيها على صدره ، نظر اليها ببرود ، كانت مستترةً بعباءتها السوداء و حجابها ، وجنتيها محمرتين و ترمقه بنظرات تشتعل بحدة الغضب ، ترسل اليه عيناها عتاباً و لوماً ، قالت باستياء : البنت طلعت مريضة و تعبانة نفسياً .. الحين هالضعيفة فيها حيل تلاحقك يا الغبي ؟
التزم صمته البارد ، و هو يتصنع لا مبالاة عالية الدقة ، دفعته مروة مجدداً و هي تصرخ في وجهه : كيف خليتني اشاركك في حقارتك ؟ انا الحيوانة اللي صدقتك .. خليتني اضر بنت مسكينة ما لها احد ...انت بغبائك خليت حالتها تزيد .. مجنوون ما عندك احساس .
امسكها من مرفقيها ليُوقفها من دفعه مجدداً : مروة نزلي صوتك لا تفضحينا قدام الناس .. انا ماكنت ادري انها مريضة .
رفعت صوتها مجدداً : اتركني .. انا مادري ليه كل مررة اركض وراك عشان اساعدك و اصحح اغلاطك .. و اصدقك و اتعاطف معاك بعد .. و انت ما تستاهل كل ذا .. كل مررة تثبت لي انك مجرد واحد ضايع و معدووم المسؤولية .
شد بيديه اكثر على مرفقيها ، و هو يرمقها بنظرات حادة محاولاً اخراسها بها ، قالت بنفور : اتركني !!
تركها فابتعدت عنه ، قالت و هي تبتعد : ابوي ينتظرك في المستشفى ... روح له في مكتبه .
استدار ينظر اليها و هي تبتعد . تعبر الشارع المزدحم بحذر ، التفت الى المبنى الشاهق امامه ، ينظر الى الكتابة الزرقاء الضخمة اعلاه ، " مستشفى الزاهر التخصصي "
*
دخل منزله يتتبع الضجيج المنبعث من غرفة المعيشة ، كان ذلك ضجيج التلفاز بالاضافة الى صوت والدته المتذمر محدثةً بناتها ، " امس طول الليل كانت عندهم و اليوم من صباح الله خير راحت لهم بعد ... شكلها سالفة اختها كايدة .. ياليت اخوكم يحط عقله في راسه و يسوي مثل ما سوى عديله و يطلقها ... عايلة ما تشرف ان نناسبها .. يا الله لا تبلانا "
قالت هنادي باعتراض " بس يوسف واضح متمسك فيها .. يمه ليلى مالها دخل في اختها و..
قاطعتها والدتها " مادري على ايش متمسك فيها ياحسرة .. ما انكر انها جميلة بس اخلاقها صايرة خياس ..مع الوقت بدت تظهر على حقيقتها .. غرنا شكلها مع الاسف "
هنادي : يمه مو لهالدرجه ... ههههههه انتِ بعد ما تقصرين فيها .. علطول مناجرتها على الطالعة و النازلة ... اكيد بتقلب علينا و هذا اسلوبك
اعترضت سهام بصوتها المرتفع : لا يا هنادي ..انتِ ما شفتيها و هي تصارخ على امي و كأنها اصغر عيالها ... من حقها امي تحقد عليها .
كان يوسف يستمع اليهن من خلف الباب ، ابتسم بسخرية على وضعه المزري ، و هو الذي يُحاول ان ينشغل بمشاكل اهم من مشاكل امه مع زوجته ، اوضاعه المادية تنحدر للأسوء و هو يحاول ان يُصفي ذهنه ليجد حلَّاً يرفع فيه دخله الشهري ، ليس لأجله هو .. بل لأجلهن ، لأجل احتياجاتهن و طلباتهن الزائدة و لكي لا يشعرهن و لو للحظة بالنقص و انهن اقل من غيرهم ، و لكن لا احد منهم يشعر بما يُعانيه ، و لا احد منهم يُقدر جهده و تعبه الذي يبذله لهن ، هو لا يريد منهن شيئاً سوى ان يكففن عن هذه المشاكل و المشاحنات و ان ينتهي هذا الصراع السخيف ، ليُريحوا رأسه و لو قليلاً من مشاكلهن التافهة في نظره ، و لأن صبره بدأ ينفذ و قدرة تحمله حقّاً انتهت و بلغ السيل الزبى .
دخل بهدوء وهو يتنحنح ليشعرن بوجوده ، علهن يكففن عن اغتيابهن لليلى و يصمتن احتراماً له على الاقل .
سهام بمرح : بسم الله ماتنطرى .. لو احنا طاريين مليون احسن .
رنا و هي تقترب من يوسف لتهمس له : صار لهم ساعة يحشون فيك و في زوجتك .
قال و هو يقرص خدها : و انتِ ليه ما دافعتي عني و سكتيهم ... يحشون فيني قدامك و تسكتين ؟
ضحكت : اصلاً هم ما عندهم سالفة غيرك انت و ليلى .. و انا ما اقدر عليهم .
ابتسم لها بود ثم رفع رأسه ينظر لسهام و هنادي الاتي تتاهمسن و الابتسامة تشق وجهيهما ، رفع صوته : انتم وش اللي قلبكم على ليلى ؟ مو على اساس انها صديقتكم و تجنن و ما احلاها و روح اخطبها .. نسينا ؟
هنادي : هاذي قاعدة رسمية في كل بيت خليجي .. اهل الزوج و مرت الولد مستحييل يكونون على وفاق تام مهما حاولت .. خصوصاً ان كانوا يعيشون في نفس البيت .
هز رأسه بأسف و استياء ثم القى بجسده على الاريكة بجانب والدته ، تنهد بتعب و هو يفتح اول زرين من ثوبه ،
لولوة بامتعاض و هي تنظر اليه : وينها المسعدة ؟؟ بعدها في بيت اهلها ؟
اومأ بالايجاب و هو ينظر امامه بشرود ، اكملت والدته : ايه احسن ..خلها تخيس عندهم .. و لا تروح تجيبها
التفت لها و قال بنبرة يائسة مُتعبة : يمه و بعدين معك ؟ يعني لمتى ؟ ما مليتي من هالكلام ؟
لولوة بعتب : هذا عشاني افكر فيك و في مصلحتك .. هذا عديلك منصور طلق زوجته و ارتاح من مشاكلها .. هذا و هو تربطه فيها بنت بعد .. بس طلع عاقل و طلقها وما اهتم .. وانت يا حسرتي عليك ..بعدك على البر ما يربطك فيها لا عيال و لا شي .. ليه كل هالعناد ؟
رفع صوته : ما عندي سبب مقنع عشان اطلقها ..البنت تحبني و تسمع كلامي و مقدرة ظروفي .. و عاطيتني حقوقي كاملة .. ليش اطلقها ؟
صمت و قد انتبه الى نظرات اخواته الفضولية نحوه ، فقد توقفن سهام و هنادي عن حديثهن الجانبي و اخذن ينظرن نحوه بتمعن ، و استدارت رنا عن التلفاز ، و اتجهت انظارها نحوه و هي تضع كفيها على خديها و تستمع الى حديثه بحماس واضح في عينيها ، قال بهدوء : رنا .. اركبي فوق في غرفتي .. و افتحي الكبت بتلاقين كيس صغير افتحيه بتلاقين علبة .. افتحيها و الشي الي داخلها لك .
قامت من مكانها و ابتسمت ابتسامة صفراء : حلووة التصريفة .. يعني قول قومي ادلفي فوق و انتهينا .
ضحك عليها بخفة ، ثم التفت لسهام و هنادي : يعني رنا فهمت و قامت .. انتم الكبار وش وضعكم ؟
قمن من الاريكة بتململ و هن يتأففن ، قالت سهام قبل ان تخرج : اصلاً امي تقول لنا عن كل شي ... ما تفرق سمعنا الحين او لا .
تابعهن بعينه الى ان ابتعدن و اغلقن الباب ، امسك جهاز التحكم ليُطفئ ضجيج التلفاز ، قال و هو ينظر لوالدته : يُمه و اذا منصور طلق نور .. المطلوب مني اقلده يعني ؟ .. لهالدرجة شايفتني ماعندي شخصية .. و امشي على افعال غيري ؟
لولوة : انا ما قلت كذا .. بس اللي اقصده ان هو اللي عنده منها بنت طلقها .. وانت اللي مايربطك فيها شي
قاطعها : تربطني فيها عشرة يا يمه .. و انا لو كان لي نية اترك ليلى .. كنت تركتها من اول .. تذكرين يُمه ؟ تذكرين لما خطبتيها لي من وراي .. انا وقتها كنت اقدر اعترض و اكنسل الخطبة من اساسها .. بس عشانك وافقت اكمل وما تركتها .. عشانك انتِ قلتي لي ان ليلى احسن من اختها .. و لأنك مدحتيها و قلتي انك تتمنيها لي من زمان ...و لأن ما حبيت احرجك و احرج نفسي بعد ما صار الموضوع رسمي ..و الحين بكل سهولة جاية تقولين اتركها ؟ بس لأنها ما عادت تعجبك مثل قبل ؟ و كأن ليلى مو انسانة و كأني انا لعبة في ايدك .
زمت شفيتها بضيق وهي تستمع اليه ، قالت بوجوم : انا تهمني مصلحتك .. وما احب احد يحكي علينا .. احنا مو مضطرين نتحملها بعد اللي صار لهم .. بكرة اذا جاكم عيال بتظل عيبة خالتهم تلاحقهم .. و هالشي ما ارضاه لك .
قال بملل : يُمه انا الكلام اللي عندي قلته .. قرار الزواج كان قرارك انتِ .. بس قرار الطلاق ما هو في ايدك بعد . .. انا اللي اقرر اطلقها او لا .. زوجتي و حياتي و انا حر فيهم .
اخرج هاتفه من جيبه وصوت رنينه قد اعتلى ، مرر اصبعه على شاشته ليرفض تلك المكالمة التي كانت من ليلى ، قام من مكانه و هو يختم كلامه : و لو سمحتي يُمه خفي على ليلى شوي و فكوني من مشاكلكم ...كأنكم في حرب ..انتم تضايقونها و هي تنكد علي عيشتي بصياحها .. ، اكمل بسخرية يائسة : وانا مثل المهرج احاول اضحكم و اضحكها .. و ياليته باين في عينكم بعد .
خرج و هو يقصد جناحه ، اخرس رنين هاتفه برفض مكالمة ليلى ثم اغلاق الهاتف بالكامل ، لا يريد ان يسمع شيئاً ، فلتبقى ليلى عند اهلها و لتبكي عند اختها هناك ، و ليرتاح هو و لو قليلاً من كآبتها .
*
رائحة العقاقير عابقة في تلك الغرفة البيضاء ، تقف ياسمين بجانب السرير الابيض الذي يحتوي هالة ، تنظر لهالة النائمة عليه بأسى ، تمسح على شعرها بحنان ، كانت هالة قد خضعت لدواء يجعلها تفقد وعيها لساعات ، و ابرة مُغذي تنغمس في ظاهر كفها لتمد جسدها بسوائل و املاح تحتاجها ، تفقدت ياسمين وجه هالة الشاحب بعينيها ، تلوم نفسها بأنها لم تفسر اضطراب هالة الواضح بأنه من تجاهل الادوية ، و عدم الاستجابة لكلام الطبيبة ، و تلوم نفسها اكثر بأنها لم تكن حريصة عليها بأن اخذتها للقصر بدون التأكد من وضعها النفسي اولاً ، تعجنت ملامح ياسمين بغضب و هي تتذكر عندما كذبت عليها مروة لتجعلها تخرج من المشغل ، لتساعد وليد الذي يريد ان ينفرد بهالة ، سمعت صدى صرخاتها من بعيد ، توقفت حينها لبرهة لتستوعب ان ذلك الصراخ ينبعث من خلفها ، و من مشغلها ، رجعت تهرول اليها و لكنها تأخرت ، كانت هالة تجلس منهارةً على العشب الاخضر ، ينتفض جسدها بشكل مُخيف و صراخها قد هدأ ليحل محله انين مؤلم ، كانت تبدو و كأنها في حالة احتضار .. تجلس بجانبها مروة التي تُحاول تهدئتها و يقف وليد صامتاً يُراقبها ، كيف يجرؤ ؟ و ماذا يريد من فتاة مسكينة كهالة ؟ ، انقبضت اصابعها على عباءتها بقهر و غل ، كانت قد حذرته مُسبقاً بأن يترك هالة و شأنها و لكنه لم يكترث و قد تفاقمت حالة هالة الآن بسببه ، اخذت تُفكر به و هي تتمنى لو بإمكانها قتله .. كيف استطاع ان يؤذي فتاة ضعيفة عليلة لا حول لها و لا قوة ؟
*
دخلت الى غرفتها المُظلمة ، استلقت على سريرها وعينيها تغوصان في ظلام الغرفة دون ان تُبصر شيئاً ، الظلام يشبهها ، يُشبه عُقدتها النفسية التي التصقت فيها منذ طفولتها ، عندما اغتيلت براءة طفولتها على يد شخص عديم الانسانية ، روحه مريضة و شهواته شاذة ، كانت في السابعة .. ما الذي اغراه في جسدها البريء ليفعل بها ما فعل ؟ ، لقد اصابها بعقدة عمياء لازالت تسكُنها ، عقدة تلتف حول انوثتها فتشوهها ، تسرق منها الفطرة التي خُلقت عليها ، لقد اصبحت مُعقدة مشوهة .. شبيهة بالصبية قلباً و قالباً بسببه ، صراخ هالة الذي سمعته بالأمس و حالتها المُنكسرة ذكرتها بنفسها ، هي ايضاً عندما كبرت و ادركت ما فعله انس بها في صغرها صرخت باعتراض و صراخها كان يُشبه صراخ هالة ، كانت في الرابعة عشر من عمرها ، كان يوماً بدايته مثل كل الايام ، تتذكر ذلك اليوم جيداً ، كانت ترتاد ذات المدرسة مع اختها الريم ، اصرت عليها الريم بأن تعود معها الى المنزل ، استجابت لها ليس لأنها اصرت عليها بل لأنها في الاصل قد اشتاقت لوالدتها التي لم ترها لشهور طويلة ، كانت دائماً تُخفي ذلك الاشتياق و تكتم احتياجها الشديد لوالدتها في قلبها و لا تُظهره كبرياءً ، كانت في الرابعة عشر من عمرها و في عمر حساس تزداد به الحاجة للام اكثر من اي شخصٍ آخر ، دخلت للمنزل مع الريم لتُقابل والدتها التي بدلاً من ان تستقبلها بالأحضان ، استقبلتها بشتائم تعني بها والدها و عمها و اخيراً هي ، كانت تقول لها بصوتها العاتب الجاف : و اخيراً تذكرتي امك ؟ عاجبتك القعدة عند عمك .. لأنه مخليك على راحتك في كل شي ... ايه وش يبغى فيك ؟ مو هو لهف حلالك و ورثك و خلص و الحين يسوي نفسه يحبك و ماخذك بالاحضان المنافق .
قالت مروة باعتراض : انتِ اللي ما تسألين عني يمه .. حتى ما تكلفين نفسك تتصلين لي و تسألين عن اخباري ... حتى لو كان كلامك صحيح و عمي اخذ ورثي فما يهمني ... اهم شي انه يحبني عكسك .
رفعت خلود صوتها : غبية .. روحي عن وجهي مع هالمنظر المقرف ... الله يلعن الساعة اللي جبتك فيها ... الله يلعنك و يلعن ابوك .
ضاقت ملامحها و انزلت رأسها تكتم انفعالها و تحبس دموعها ، كثيراً ما تتساءل في نفسها ، لماذا تكره امها والدها و تلعنه حتى و هو ميت يرقد في قبره ، حتى بعد ان فارق حياته لم يسلم من شتائمها و دعواتها .. كيف تشتمه و الميت لا تجوز عليه الا الرحمة ؟ كانت تُفسر تصرفات والدتها القاسية عليها بسبب انها تكره والدها المتوفى لسبب مجهول لا تعرفه ، سألت عمها مرة و نفى و تهرب من سؤالها و لم يُجبها ، و لكن خلود دائماً و بشكل ملفت تكرر عليها تلك الكلمات الجارحة " يا غلطة عمري " ، " الشاذة " و " بنت الكلب " .. لِمَ كل هذه البغضاء لها و لوالدها المُتوفى ؟
ابتعدت مع الريم التي تُواسيها و تخبرها بأن امها لا تقصد ، كانت الريم لا ترى امها الا ملاكاً حنوناً و تفسر قسوتها اتجاه مروة بانها حب و خوف بسبب تصرفات مروة الوقحة و لسانها الطويل و بسبب تشبهها بالاولاد ، قالت الريم بلا مبالاة : ظلي عندنا اليوم للعصر على الاقل .. عشان يمديك تذاكرين لي درس الرياضيات و درس العلوم .. انا ما افهم في هالمواد و انتِ شاطرة فيهم .
مروة : و انتِ بتظلين طول عمرك غبية و تستغلين ذكائي
ضحكت الريم ثم ذهبت مع اختها الى غرفتها ، جلسن يستذكرن دروسهن مع اخذ فسحة من الشجار البريء بين كل فترة ، تسلل صوت كريه من خلف الباب الى مسمعيها ، كم تكره و تتقزز من ذلك الصوت و صاحبه ، كان يقف خلف الباب يُمثل الأدب و البراءة امام اخته الريم ،: شلونك يا مروة .. من زمان ما تجين عندنا
صرخت بشكل هستيري : من سمعت صوتك المقرف ضاقت احوالي ... الله ياخذك .
ضحك : الله يسامحك ... شفتي يا الريم اختك قد ايش تحبني و تحترمني ؟
ضحكت الريم : ايه وااضح مررة .
قال بهدوء و هو لازال يقف خلف الباب يُمثل الاحترام و الاخلاق و انه يغض ببصره عنها بوقوفه خلف الباب بينما باطنه شيء اخر : ريوم ابوي تحت يبيك ..بتطلعون مع امك الحين .
قامت الريم بسرعة : معليش مروة بس نسيت ان اليوم بابا واعدني نطلع نتغذا برا مع ماما .. ضروري اطلع باي
امسكتها مروة من يدها بعنف : لا والله و ليه ما علمتيني من قبل .
الريم ترفع كتفيها بلا مبالاة : نسييت .. يلا الحين بطلع بابا ينتظرني
وصلهم صوت انس : عادي مروة انا اوصلك لبيتكم اذا تحبي
بدأت مروة بالارتجاف بشكل لا ارادي ، و قشعريرة عنيفة سرت في جسدها من مجرد تخيل فكرة انها قد تبقى معه في مكان واحد بمفردها ، قالت بارتباك : لا .. انا بكلم السايق وهو جاي لي الحين .. وانت روح انثبر و لا تخليني اشوف وجهك .
خرجت الريم من الغرفة ، و بدأت مروة بجمع كتبها و دفتاترها بسرعة لتهرب و تلحق بالريم ، التقطت عباءتها لترتديها و لكنها التفتت برعب الى انس الذي دخل الى الغرفة و اغلق الباب خلفه ، انتفض جسدها بخوف شديد و هي تراه يعطيها ظهره ليقفل الباب ، اندفعت نحوه وهي تضربه على ظهره بجنون : افتتح البااب .. اتركني ارووح ... يا حقير و ش تبي مني ؟ وخر بسرعة وخر
استدار لها وقال و هو يبتسم : خلاص راحوا ما ينفعك لو صارختي
امسكت بطرحتها لتُغطي بها شعرها ، وهي تتذكر كلام والدها عندما امرها بأن تلتزم بحجابها لأنها كبرت ، راقبها انس و قال بضحكة : متى اخر مرة شفتك فيها ؟ والله زمان عنك ...سنين و انتِ تتهربين مني .. بس طحتي يا مريو و ما احد سمى عليك
مروة بصوت مرتجف : انا كبرت و صرت اتحجب الحين ... حرام كذا .. ابوي ما يرضى
انس : و وليد اللي اربع و عشرين ساعه معه وش وضعه ؟ حجابك عن ناس و ناس يعني
مروة بثقة : وليد اخوي
قال بسخرية : دام كذا .. اجل انا بعد اعتبريني اخوك
ضحك هو يقترب منها : عموماً شكلك و انتِ محجبة اجمل ... على الاقل تبينين انك بنت ههههههه .. مع انك حتى وانتِ بشكلك الغريب ذاك تجذبيني
ابتلعت ريقها ، تحاول السيطرة على ارتجافها ، تبحث بعينيها عن اي شيء يمكنها ضربها به ، و لكن الغرفة كانت فقط مليئة بالدمى القطنية و الدفاتر و ادوات الزينة و لا شيء آخر ، سقط نظرها على قنينة عطر طويلة على التسريحة ، نظرت اليه و هو يقف امامها و تطوف عينيه على جسدها بنظرات مقززة ، اندفعت بحركة سريعة نحو التسريحة لتسحب تلك القنينة ، و لكنه ايضاً كان سريعاً اذ حاصرها بجسده العريض مقارنةً بجسدها الصغير و هو يقف ملاصقاً لها و يمسك بيدها المرفوعة نحوه وهي تحاول ضرب رأسه بقنينة العطر التي في يدها ، قال باستهزاء : ما تتوبين عن هالحركات يا مجرمة .. لا تخافي ما بسوي لك شي بس بقولك كلمتين و بمشي .
صرخت في وجهه و هي تحاول مقاومة قوته : شييل ايدك الوسخة عني ... لا تلمسني .
تشعر بالدوار و الغثيان من قربه لها ، و عندما لامست بشرة كفه ساعدها احست بنيران تحرقها ، و كأن يده شعلة من نار تُحرق داخلها قبل ظاهرها ، بدأت بالتعرق و الرغبة بالغثيان تزداد ، قال بابتسامة : تذكرين لما كنتِ طفلة .. تذكرين لما قلتي لي اعلمك الفرق بين البنت و الولد و انا علمتك .
قالت بصراخ : لا .. بس اذكر الصحن اللي كسرته على راسك الغبي .. و الدم اللي غطا وجهك وقتها .
قال بغضب : طيب على طاري الدم ... تذكرين نقطة الدم الي طلعت من تحتك لماا
ابتسم بخبث في وجهها المذعور ، كيف تتذكر تلك الليلة وهي من الاساس لم تنساها ؟ تسكن داخلها مثل كابوس يستوطن عقلها و لا ينتهي ، اكمل كلامه و ملامحه تحتد : ترى مافيه احد بيستر عليك و بيرضى فيك غيري ... نقطة الدم هاذيك تعني انك انتهيتي و قدرك انكتب لي و بس .
تركها بعد افلتت قنينة العطر من يدها ، و تناثرت شظاياها على بلاط الغرفة ، تحرك بؤبؤي عينيها بحركات سريعة غير مستوعبة لما يقوله لها ، و هو يسرد عليها حقائق تجهلها ، كان بكلماته القذرة يصف لها و يشرح انها لم تعد عذراء ، و ان نقطة الدم الصغيرة تلك ربطتها به الى الابد .
وقفت تنظر اليه بصدمة اقوى من ان تستوعبها ، فكلامه كان اكبر من مستوى تفكيرها ، خرج من الغرفة بعد ان قال : بجي يوم و غصباً عليك بتزوجك و بتصيرين لي .. بس اكبري شوي و اعقلي .. مو مستعد اتزوج بزرة .
ثم انها بعد كلامه ذاك ، سقطت في دوامة من التساؤلات ، رجعت الى منزلها و اخذت تبحث في شبكة الانترنت عن معنى كلامه و تحاول ان تتحقق من صحته ، و تفاجأت بمعلومات للمرة الاولى تفهمها و تطرأ عليها ، و لكن نقطة الدم تلك كانت صغيرة جداً ... و هل شيء صغير كذلك يمكنه ان ينهي حياتها و يجعلها منبوذة الى الابد .. هل يعني ذلك ان مصيرها ارتبط بأنس حقاً ؟ و مستقبلها هو انس و لا غيره ؟ ستتزوج انس و شعور الاختناق ذاك يبقى ملازماً لها الى الابد ؟ هي لا تستطيع ان تتشارك معه حتى الهواء ، لا تستطيع تحمل حتى نظراته و لمساته التي تبعث في روحها الغثيان .. فكيف تعيش معه ؟
شعرت حينها بأن الظلام يحاصرها من كل جانب ، و صوت صراخ يضج في اذنيها ، التفتت بذهول حولها تبحث عن مصدر ذلك الصراخ الموجع ..و تفاجأت بأن ذلك الصراخ كان مصدره حنجرتها .
اشعلت ضوء الغرفة ، صراخ هالة البارحة ذكرها بصراخها في ايام مراهقتها ، و لكنها تعالجت الآن من تلك الحالة المرضية التي مست روحها و اعصابها .. هي بخير الآن فوالدها لم يتركها ، تفهم حالتها و عرضها لطبيب نفسي مختص عالج نوبات الصراخ التي كانت تراودها كلما تذكرت انس و تلك الحادثة ، و لكن سامي لم يعرف السبب الحقيقي لتلك العقدة ، لقد فسرها بأنها بسبب قسوة والدتها عليها و هي في سن حساس فلم تتحمل ، لم يخطر في باله و لو للحظة .. ان مروة لم تكن الا ضحية تحرش ، ضحية اغتيال طفولة بريئة و الجاني هو اقرب الأقربين ، فعولجت الاعراض و بقيت العقدة داخلها الى الآن ... ربما تأقلمت معها بشكل او بآخر و لكنها لازالت تسكنها و تشوهها
انتهى
أنت تقرأ
و هل ينتهي الحُــــب ؟
Romanceعندما تمر بموقف سيء ,حادث مؤلم ,ستحاول ان تتجاوزه بهدوء, ان تسيطر عليه او ان يخفف عنك احدهم, ان ينتهي بك الأمر الي نسيانه وأنها فترة وستمضي ولكن ماذا لو كان ذلك الموقف سيقلب حياتك رأساً على عقب وان لا تعود الحياة بعده كما كانت تتلبسك تهمة بشعه...