الفصل الثلاثون

27.8K 415 11
                                    

الفصل الثلاثون

جلس مازن إلى مائدة الطعام يتناول إفطاره بصمت مطبق, صمت فرضه على نفسه وعليها في الشهور الماضية مغلقاً أمامها كافة السبل للاقتراب منه وتوسل مغفرته.. ولا يدري كيف يمكنها انتظار تلك المغفرة وهي ما زالت تمتلك تلك الفكرة المشوهة عن التقارب بين الأزواج.. فكل مفهومها للتعامل معه هو الإغراء ثم الإغراء ثم الإغراء حتى وصل الأمر معه إلى مرحلة الابتذال, بل النفور.. فتعود للبكاء والانعزال لفترة قصيرة تليها مرحلة أخرى من تبني دور الزوجة المهتمة بشئونه.. فإذا لم تجد منه الاستجابة التي ترجوها ينتابها السأم والزهق لتعود إلى تقوقعها وانعزالها الاختياري, وفجأة يطفو الإغراء على السطح مرة أخرى.. وهكذا.. نوبات ومراحل أصبحت محفوظة ومكررة.. وبدأ في اعتيادها بالفعل.. ولكن الجديد هو ما تمر به منذ فترة.. وبالتحديد منذ انجاب دنيا لـ "عشق".. وهي تمر بحالة صمت غريبة, بل أنه يكاد يقسم بأنه لمح دموع حبيسة في عيونها.. تفلت أحياناً من سيطرتها فتتساقط بعضاً منها على وجنتيها.. كما يحدث الآن فتسارع لتمسحها قبل أن يراها, ولكنه تلك المرة أسرع بإمساك يدها قبل أن تصل إلى وجنتها ليسأل بفضول:

ـ ممكن أفهم ايه اللي بيحصل؟.. والدموع دي ليه؟

أجابت بخفوت:

ـ ما فيش دموع.. أنت بيتهيألك.. دي عيني دخل فيها حاجة!

أسقط يدها وعاد بظهره في مقعده ليسألها مرة ثانية:

ـ ليلة امبارح كنتِ بتعيطي في أوضتك.. أيوه سمعتك بالليل.. ودلوقتِ مش عارفة تتحكمي في دموعك.. عايز رد صريح ومباشر.. في ايه؟.. ايه اللي بيحصل معاكِ اليومين دول؟..

فاجئت نفسها قبل أن تفاجئه بنوبة بكاء هيستيرية.. ولم يعرف كيف يسيطر عليها.. تأملها بعجب.. فهو لم يرها تدخل في نوبة كتلك منذ زمن بعيد.. حتى عندما تركها حسن لم تنفعل بتلك الطريقة..

تنهد بحيرة وهو يعاود السؤال:

ـ ممكن افهم فيه ايه؟..

نظرت إليه نيرة من بين دموعها.. وبأعماقها صراعات عدة..

أتخبره بما تشعر به؟.. بالحيرة المريرة التي تعيشها؟.. فهي تشتاق له.. لغزله.. نظراته التي تحتويها.. حبه الذي منحه بلا حدود وهي كانت من الحمق لتعتبره من المسلمات.. تشتاق لكلمة طيبة منه, بل أنها حتى تشتاق لهمسة خاطفة.. لقرب حقيقي منه.. قرب لم تعد تعلم كيف تحققه؟.. فهي أضاعت بغبائها فرصتها لتكون الوحيدة في مملكته, بينما نجحت دنيا في تحقيق حلمه وأنجبت له "عشق" التي يتغنى برقتها وجمالها ونعومتها طوال الوقت.. لقد حاولت أن تسأله عنها.. فهي تعلم أن خطوة كتلك ستقربها منه وتهدم هوة كبيرة بينهما, ولكنها لم تستطع.. فقط لم تستطع.. حُبِست الكلمات على لسانها.. ولم تُخِرج حرفاً.. حاولت وضغطت على نفسها فكادت أن تصاب بأزمة قلبية.. فما شعرت به من وجع كان لا يحتمل.. فلجأت للانعزال والتقوقع.. فهي كانت تحتاج لوقت مستقطع لتستعيد أفكارها وتقرر خطوتها التالية.. تلك الخطوة التي يرفض هو مشاركتها بها, بل وينفر حتى من أي محاولة منها للتقرب منه..

متاهة مشاعر ( للكاتبة نهى طلبة مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن