الفصل الرابع ...ابن الخال

11.1K 334 1
                                    


ما أن انتهى مارك من عمله حتى توجه إلى شقة فيكتوريا ليطلب منها أن تتوقف عن مهاتفته في منزل جده... فيكفيه ما يشعر به من ضغط الأعمال لتأتي و تسبب له المشاكل مع جده...تشاجر معها ثم غادر منزلها غاضباً، شعر انه لا يريد أن يعود لشقته الفارغة و التي اشتراها فقط ليثبت لوالدته أنه مستقل و أنه غير موجود تحت قدميها متى تذكرت أن لها ابن و ذلك يحدث فقط عندما تحتاج منه شئ، توجه إلى منزل العائلة و هو يشعر بغضب تجاه كل من حوله... جده و والدته المصران على التدخل في رغباته و يدفعانه بجنون ليتخلّى عن أعماله الخاصة و الانضمام إلى أعمال الأسرة و من فيكتوريا التي بالرغم من علمها بموقف جده منها إلا أنها تصر على استفزازه بكل الطرق...عندما وصل إلى المنزل لمح أحد يقف تحت شجرة السنديان الخاصة به و التي يحب أن يجلس تحتها مفكراً... حتى هذه المتعة حُرم منها، نظر في ساعته... لقد تأخر الوقت، من يكون ذلك الشخص الجالس هناك... تقدم منه و تفاجأ بصرخة أنثوية... لقد ظنته الفتاة لص...سارع ليكممها لكي لا يوقظ صراخها سلفستر و الذي بدوره سيوقظ كل من في المنزل، عندما أخذت ترفس و تتلوى بين يديه انهمر شعرها كالشلال في كل مكان... ياله من شعر و كأنه سيل من العسل الأسود، لم يستطع أن يتبين وجهها وسط كل هذا الشعر...عندما ابتعد عنها لم يتمالك نفسه من أن يبعد شعرها عن وجهها ثم وقف متسمراً...إنها صورة طبق الأصل عن خالته سيلينا لكن بملامح ملائكية و عينان عسليتان حملهما الخوف على الاتساع فبدتا له كأنهما تشعان ضوء أصفر باهر... تراجع خطوة إلى الوراء كأنه يبتعد عن مجال مغناطيسي و سألها باستنكار:
- من أنت؟
للحظة ظنت سالي أنها من طرح السؤال عليه فقد كانت تتساءل عن هوية ذلك الرجل الذي بدا لها انه خرج من أحد القصص الخرافية:
- أنا سالي.
- سالي؟... من أين أتيت يا سالي؟
بعد أن سألها السؤال نهر نفسه... كأنه ولد مراهق صدمته رؤية فتاة جميلة، عاد صوته إلى صلابته:
- من أنت يا سالي؟ و ماذا تفعلين في بيتي؟
غضبت من طريقته في التحدث معها... حملها غضبها على أن تفيق من الصدمة فقالت بحدة:
- منزلك؟... إنه منزل ريتشارد فوكس و على حسب علمي أنت لست ريتشارد.
أحست أنه تصلب ما أن سمع كلامها... يبدو أنها لمست وتراً حساساً هنا...فهمت سبب تصلبه عندما قال لها:
- أنا مارك فوكس... حفيد ريتشارد فوكس... و كونه منزل جدي لا يمنع أنه منزلي أنا أيضاً.
سارعت لتقول:
- أعتذر... لم أقصد لكنني لم أعرفك في البداية لو عرفت أنك مارك لم أكن لأقول هذا الكلام.
ابتسمت ابتسامة ودودة زادت من إشعاع عينيها... حتى أنه كاد يطلب منها أن لا تبتسم و مدت يدها:
- أنا سالي ابنة عمتك سيلينا.
نظر إلى يدها الصغيرة قليلاً ثم مد كفه ليحتوي يدها:
- ابنة عمتي؟ بعد هذا العمر الطويل.
أجابته بشرود:
- نعم...بعد هذا العمر الطويل.
بعد أن ترك يدها نظر لها ملياً فأحست بالخجل:
- لا تقل لي أن ملابسي غير مناسبة فأمي دوماً كانت تقول لي هذا.
داعبت شفتيه شئ يقارب الابتسامة:
- بالعكس... أرى أن ملابسك جميلة فقد مللت من رؤية ملابس نوم النساء التي ترسل دعوة صريحة للرجل... مللت منها لدرجة أصابت نفسي بالغثيان.
احمر وجهها إزاء كلامه الصريح... إنه صريح بشكل مرير قالت بسرعة:
- لا تقلق يا ابن الخال... معي سوف تنسى الغثيان فسوف ترى مختلف أنواع الدببة و القطط على ملابسي.
قهقه ضاحكاً فأحست أن قلبها فوت دقتين، سألها و مازالت الضحكة تداعب عينيه:
- كم عمرك يا سالي؟
- بالرغم انه سؤال لا يجب أن يطرح على امرأة إلا أنني سأتساهل معك ...
صمتت قليلاً ثم سألته بفضول:
- كم تتصور عمري؟ خمن؟
نظر لها ثم نظر إلى بيجامتها و إلى شعرها المنتشر حول وجهها بلا انتظام بطريقة محببة:
- تسعة عشر.
ضحكت فعادت عينيها لتشعان:
- بعيد جداً عن الرقم المطلوب... إنه سبعة و عشرون.
نظر لها بعدم تصديق فضحكت بقوة، قال لها:
- الآن عرفت سبب توبيخ عمتي لك على هذه الملابس... يوماً ما يجب أن تكبري.
قالت بحزن:
- يخيل لي أنني أسمعها و هي تقول لي هذا الكلام... إنك تكرر كلامها.
نظر إلى عينيها و قد انطفأ النور منها... عمته... لقد ماتت ، أمسك يدها مواسياً:
- لم أكن أعلم... آسف إن ذكرتك بها.
- لا عليك.
تركت يده و نظرت له... انه فارع الطول بصورة غريبة... ابتسمت فسألها:
- لما هذا الابتسامة يا ابنة العمة؟
- لا أتصور كيف تكون بهذه الهيئة و هذا الجسم و تنعت بالصبي و فوق ذلك الغصن الشارد.
أنهت كلامها ضاحكة و فكرت انه من الممكن أن يوصف بشجرة بلوط ضخمة أو بحديقة شجر كاملة لا بغصن.
ابتسم:
- لابد أنه كلام جدي.
- يبدو أنها ليست المرة الأولى.
- نعم فجدي لن يتغلب يوماً على مرارته لأنني .....
صمت ثم كست وجهه جدية مفاجئة غيرت ملامح وجهه:
- لن أضيع وقتك في حديث لن يفيدك بشئ... إنها المرة الأولى التي نلتقي فيها... لابد أنك تفكرين بأنني ممل و ثرثار.
- لا أبداً.
كم رغبت أن يكمل كلامه عن جده لتعرف سبب كرهه الرهيب للانخراط في عمل العائلة لكنه تحول فجأة إلى شخص متجهم كالذي أمرها بخشونة أن تتوقف عن المقاومة لكي لا تؤذي نفسها.
صحبها إلى المنزل و ألقى عليها التحية قبل أن يتركها متوجهاً إلى غرفته:
- سعدت بلقائك يا سالي.
ابتسمت ثم أمسكت بطرف قميصها و انحنت مازحةً:
- السعادة لي يا سيدي.
ضحك:
- أراكِ غداً.
- أراك غداً.
صعدت السلالم راكضةً و هي تشعر بالسعادة لأن مارك لم يكن مثل والدته... إنه يجمع بين صلابة جدها و بين ود خالها بالإضافة إلى جزء كبير من المرارة المستترة تحت كلامه و التي لن ترتاح حتى تعرف سببها... يالك من رجل مركّب يا ابن الخال.

‎أنت بذاكرة قلبي -  للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن