الفصل الثالث عشر....شراسة ...بلا سبب

10.2K 299 0
                                    

عاد مارك من رحلة العمل مختلف تماماً... حاولت سالي أن تتجاهل أمر سفره المفاجئ الذي لم يبلغها به، لكن ما لم تستطيع تجاهله هي تلك الطريقة المتباعدة التي أصبح يتعامل معها بها، و كأنهما عادا لنقطة البداية أو ما قبل البداية، غضبت... أليس هو من طلب الهدنة و توسل لي لأعيد سالي ابنة عمته التي كان يمازحها و يعاملها بارتياح؟، ذلك الوغد أيظن أنها آلة يمكنه أن يتحكم به كما يشاء!!!، لكنها عادت و أنّبت نفسها... لماذا تغضب؟؟؟ سوف تتعامل معه بالمثل، على قدر معاملته لها سوف تبادله المعاملة دون زيادة أو نقصان.
لاحظ مارك الارتباك الذي سببه لسالي عندما عاد واجم الأسارير يتحدث معها بكلمات معدودة... لم تفهم ما يحدث لكنها بعد فترة قصيرة بدأت تتكيف معه، تمزح معه عندما يمزح معها، تبتعد عندما يبتعد، و كأنها آلة تتعامل معه بنفس درجة تعامله معها و الغريب أن هذا لم يرضيه، لابد أنه على وشك الجنون، ألم يكن هذا ما أراده؟؟؟... لكنه كان يشعر بالألم و هو يراها تتعامل بدفء حقيقي مع الجميع... دفء غير ذلك الذي تصطنعه لتمازحه ، اشتاق إلى ابتسامتها الحقيقية التي تضئ عينيها الرائعتين.
بمرور الأيام اقتنع مارك بعدم جدوى الحواجز الذي يضعها بينه و بين سالي لأنه بالرغم من الرسمية التي يقحمها إقحاما بينهما إلا أنه ما زال يرى كل تفصيل رائع متعلق بها و هذا خطير و غير مقبول فهو خارج الخطة البائسة التي رسمها قبل بالزواج منها... يجب أن يصمد حتى مرور ستة أشهر على زواجهما و بعدها سوف يكون جده ملزماً بإخباره بمكان فيكتوريا و وقتها يمكنه أن يتخلص من عذابه دون أن يتورط في أي شئ مع سالي.
***
قال باتريك بهدوء جعل مارك يريد أن يسدد له لكمه: - لا فائدة مما تقوم به، فكما أرى لم تفتك أي تفصيلة بخصوص زوجتك التي تخبرني بكل غضب و مرارة أنها رائعة... لا أفهم لماذا لا تترك دفاعاتك السخيفة و تقع في حبها؟
- و فيكتوريا؟
قال باتريك بلا مبالاة: - فلتذهب إلى الجحيم يا رجل.
قال مارك بشراسة:- لا... لا أحد يخدعني و ينفذ بجلده... لا أحد، يجب أن أجدها و أعرف لماذا فعلت ذلك، أريد أن أجعلها تدفع ثمن وضعها لي تحت رحمة جدي.... صمت قليلاً ثم قال بعدما أصبح أكثر هدوءاً: - و بعيداً عن فيكتوريا لا أظن أن هناك مستقبل لي مع سالي.
سألت باتريك باستنكار: - لماذا؟
- سوف أقع في حبها... ثم ماذا؟ سوف نرزق بأولاد؟ ثم نرمي بهم في المدارس الداخلية...فننتج نسخ مصغرة من جدي العزيز لكنها ستكون متشربة بإحساس عدم الأمان اللعين.
تنهد باتريك بيأس: - أحيانا يخيل لي أنك أغبى من أن تملك شركتين ناجحتين بهذا الشكل.
مارك ساخراً : - ناجحتين و مفلستين
- لا تخرج عن الموضوع، خوفك من الالتزام سوف يطاردك دوماً و سوف يفسد حياتك... سالي ليست والدتك عش حياتك و اغتنم الفرصة قبل أن يضيع عمرك و وقتها سوف تتحول إلى ريتشارد فوكس آخر تملؤه الحسرة على فقدان المرأة الوحيدة التي أحبها.
- توقف عن تحليلي نفسياً فانا لست ذلك الطفل المعذب الذي ينتقم من مستقبله بسبب ماضيه المظلم، كل رجال عائلتنا مصابين بداء المرارة المفرطة و أنا لن آتي بطفل لهذا العالم و أكتب عليه أن يعيش ذات الواقع .
فكر مارك في كلام باتريك... إنه محق، إن إستراتيجيته في التعامل مع سالي خاطئة، التجاهل لا جدوى منه أمام قوى تلك الفتاة ذات الابتسامة الخلابة، لابد من خطة أخرى ليحدث شق بينهما لا يصلحه ابتسامة أو مزحة أو حتى إحدى تلك النظرات التي تقطر دفئاً.
***
لم يعرف مارك من أين يبدأ... يجب أن يجرحها و يدفعها إلى القتال معه، عملها... إنها تحب عملها، قد تكون هذه بداية جيدة لخطة التدمير الذي اعتمدها تلك الليلة التي أخذ يفكر فيها بيأس ليخرج من بؤسه، لم يكن يعرف أنه بنجاح تلك الخطة سوف يكون بائساً أكثر من ذي قبل، كانت سالي تجلس كعادتها أسفل شجرته، توجه باتجاهها ثم جلس بجوارها: - كيف حالك؟
ابتسمت له: - بخير... كيف حالك أنت؟ هل بدأت الشركة تتماسك بعد النكسة التي ألمت بها؟ أعلم أن ثلاثة أشهر ليست بالمدة الطويلة لكن...
لم يسمع باقي حديثها... نظر لها و تساءل هل حقاً مر على زواجهما ثلاثة أشهر؟ لم يشعر بتلك الأشهر الثلاث، سحب نفسه من أفكاره و قال: - إنني أحاول.
ربتت على كتفه: - لا تتوقف عن المحاولة... سوف تعود الشركة أقوى من قبل، حتى أنني قد أذهب و أقدم في تجارب الأداء و من يعلم قد تكتشف بداخلي مغنية عذبة الصوت.
نظر إلى يدها الصغيرة التي استقرت على كتفه ثم إلى شفتيها اللتان رسمتا أعذب ابتسامة، ثم قوى عزمه: - سالي... أريد أن أطلب منك طلب.... تنحنح، لا هذا ليس طلب...
تساءل بغضب... لماذا تتصرف بهذا اللطف يا مارك؟
نظرت له منتظرة أن يكمل جملته ثم حثته: - أي طلب يا مارك؟
مال قليلاً مبتعداً عنها فسطت يدها من على كتفه، قال: - في الواقع انه ليس طلب... أعني أنني أتوقع منك أن تنفذيه دون نقاش.
قالت مازحاً: - تقصد أنه أمر؟ أخبرني يا زعيم ما هو هذا الأمر؟
- أريدك أن تتركي عملك.
في البداية تعاملت سالي مع طلبه على أنه مزحة لكن ما أن أدركت أنه يتحدث بجدية حتى هبت واقفة و أسقطت الدفاتر القابعة في حجرها: - ماذا؟ ماذا تقول؟ ما هذا الهراء عن زوجة مارك فوكس التي لا يجب أن تعمل؟ أي نوع من المزاح السخيف هذا؟
وقف مارك بدوره و قال بحدة: - إنه ليس مزاح... لقد كنت متساهلاً معك منذ البداية و لا يجب أن يستمر هذا الهراء... لا أعتقد أنك بحاجة إلى هذا العمل.
- و من أنت لتعتقد؟... أنا لن أترك عملي من أجلك.
صر على أسنانه بغضب: - من أنا؟ لا تدعيني أذكرك من أنا يا سالي.
أخذا يصيحان في وجه بعضهما البعض ، قامت سالي بلملمة دفاترها و غادرت بعد أن صرخت بوجهه أنها سوف تترك عملها في أحلامه فقط.
لكنها في النهاية اضطرت أن تترك العمل عندما وجدت المديرة تعطيها أوراقها مع صرف لطيف لها من المدرسة، لم تحدث ضجة بعد أن رأت وجه المرأة المسكينة التي بدا لها أنها استغنت عن خدماتها رغماً عنها... هل ستستخدم سلطتك ضدي؟ حسناً يا مارك فوكس؟، لم تعود للمنزل و أخذت أوراقها و ذهبت إلى أقرب مدرستين لكن وجدت نفس الرد، لابد أن مارك لعب أوراقه جيداً.
عادت للمنزل و هي تشعر أن رأسها سوف يطير من فوق كتفيها من الغضب، تأخر مارك في العودة من العمل على غير العادة، إذا كان يأمل بأن تنام قبل عودته فهو يحلم، ما أن دخل الغرفة وجدها تجلس على السرير و قد احمر وجهها حتى قال: - مازلت مستيقظة؟ غريب لقد تجاوزت الساعة الثانية عشر.
وقفت: - بفضلك ليس علي أن أنام باكراً فلا عمل ينتظرني غداً.
خلع سترته و رماها على أقرب كرسي: - لقد حذرتك ألاً تتحديني يا سالي.
- إذن فأنت تعترف أنك فعلتها... لا أعرف ما وراء رغبتك في تركي لعملي لكن اعلم أنك إذا أردت زوجة خاضعة فلن تحصل عليها.
قال بإحباط :- صدقيني كل ما أريده منك أن تبتعدي عن طريقي... أريدك أن تعتني بجدي و تعوضي ما فاته مع عمتي سيلينا، غير ذلك لا أريد منك شئ.
خلع ربطة عنقه و قميصه و طوحهما ثم ارتمى على الكنبة: - و الآن إذا انتهيتِ دعيني أنام فانا في غاية الإرهاق.
صعدت إلى السرير و هي تلعن و تتحدث عن الرجال أصحاب العقول المتعفنة الذين يحتاجون لعنة من السماء لتخلص البشرية منهم، لم تستطيع النوم يومها و هي تفكر في الهجمة الغريبة الذي شنها مارك ضدها... لماذا يهتم الآن بعملها من عدمه، حسناً... من الجيد أنه لا يعرف بأمر قصصها.
***
حاولت سالي أن تتجنب مارك بقدر الإمكان... كان يتصرف كـ دُب غاضب يمكنه أن يطيح بمن يقف في طريقه، عندما سألته والدته في أحد الأمسيات عن عمله أخبرها بهدوء: - لا شأن لأحد بعملي اللعين، و طالما لا تهتمين به حقاً فلا تسأليني عنه مرة أخرى.
تفاجأ الجميع برده الذي رغم هدوؤه إلا أنه كان قاسي و وقح و يتعارض مع طبعه، فكرت سالي... إنه رجل مرير لكنه كان دمث طيب الخلق، ليلتها اقتحمت عليه غرفة المكتب: - هل تواجه مشكلة في الشركة؟
رفع رأسه ففوجئت به يرتدي نظارة طبية زادت من عمره و أعطته مظهر جذاب...تأوهت بإحباط، لماذا يبدو أكثر جاذبية مع مرور الأيام، تكاد تجزم أنه سيبدو شيطان وسيم حتى و إن نبتت له قرون، ابتسمت عندما تخيلته بقرنين أعلى رأسه لكن ابتسامتها اختفت عندما قال بحدة: - هل وجود مشاكل في شركتي سوف يسليكِ بهذا الشكل؟... أخشى أنني سوف أفسد عليكِ متعتك.
قالت بارتباك: - لا... لقد كنت ابتسم لـ.... قاطعها: - أنا لم أسألك السبب... لا أريد أن أعرف.
جلست و قد انتابها الغضب: - لا تصرخ بي بهذا الشكل... وقف و ضرب بيده على المكتب: - إن لم تعجبك طريقة حديثي لا تأتي و تتحدثي معي... عملي ليس شأنكم كما أن طريقة حديثي ليست شأن أحد، يمكنكم أن تتجنبوني بكل سهولة.
و هذا ما حدث ... تجنبه الجميع كأن به وباء، لكن سالي رغم غضبها منه كانت تبقى حوله و كأنها وجدت عذر لتصرفه كوغد و قررت أن تصبر عليه وهذا ما دفع أعصابه إلى حافة الانهيار إلى أن جاءت المواجهة الكبرى بينهما.
كانت سالي تشذب العشب في الحديقة عندما ناداها خالها: - سالي... تعالي لنتحدث قليلاً يا عزيزتي.
بدا القلق على خالها و هو يتحدث عن تصرفات ابنه مؤخراً: - أعترف أنني أحياناً لا أفهم ابني فهو يشبه إلى حد ما أبي، لكنه في الشهرين الماضيين لم يكن هو، لم يكن يوماً فارغ الصبر يهاجم الجميع كما يفعل الآن.
- لا أعرف ما به يا خالي إنه يتعامل مع الجميع بشراسة غير مبررة... في البداية غضبت منه لكنني تخطيت غضبي، لابد أن الشركة تستنفذ طاقته و خوفه من فشله أمام جدي و أوليفيا يمكنه أن يفعل به أكثر من ذلك... مؤكد أن العمل يستنفذ أعصابه، يجب أن نتحمل غضبه أكثر من ذلك.
ربت على خدها ثم احتضنها:- يا إلهي كم أحبك يا فتاة... إنك صورة عن سيلينا الحبيبة شكلاً و مضموناً، لقد أورثتك شكلها الرائع الجمال و قلبها الكريستالي الرحيم.
ابتعدت قليلاً لتنظر إلى عيني خالها التي ترقرقت الدموع فيهما ثم عادت و ضمته بقوة: - يا إلهي... إنه قلبك أنت الرحيم، إنك مختلف عن رجال عائلة فوكس بشكل غريب كأنك وردة نبتت في وسط الأشواك.
ضحك لتشبيهها فضحكت هي الأخرى و وقفت على أطراف أصابعها و قبلته على خده قبله طفولية صاخبة، كان مارك يقف من البعيد يشاهد هذا المشهد العاطفي و شعر بالدم يفور في رأسه، هل يجب أن أخنق تلك الفتاة لتتوقف عن كونها رائعة بشكل يجلب الألم إلى قلبه... هل يجب أن يحاول قتلها لتتخلى عن تفاؤلها و توسمها الخير فيه و في كل من حولها، أكرهك يا ريتشارد فوكس على توريطي مع هذه الفتاة و لسوف أجعلك تدفع الثمن بعد أن أجد فيكتوريا.
***
كان يبحث عن مفاتيحه في الأدراج عندما وجد مجموعة أوراق بعد القليل من محاولة فك خطوطها أدرك أنها قصة... مسودة قصة، دخلت سالي لتجد مارك يمسك بأوراقها، خطت بسرعة و انتزعتها من يده: - ماذا تفعل بأوراقي؟
- ما هذه الأوراق؟ هل هي من كتاباتك؟ تبدو قصة للأطفال.
بعد أن وجد أوراقها لم يعد يفيد الإنكار، حسناً سوف تخبره، ما الذي يمكنه أن يفعله؟: - أجل... أنا أؤلف قصص للأطفال من سنوات و هي تلقى رواجاً في العديد من الدول... هل اسم "سان وايت" يعني لك شئ؟ قد تكون صادفت إحدى قصصي صدفة في احد المكتبات، أنا أكتب باسم مستعار، استوحيته من اسم "بياض الثلج".
كانت تنظر له بترقب تنتظر رده... ما لا تعرفه تلك الجنية أنه اشترى العديد من كتبها كهدايا من قبل، و هي في الحقيقة لطيفة و مشهورة جداً، لكنه لن يدعها تعرف هذا، سألها بحنق: - لماذا لم تخبريني بذلك من قبل؟ كل ما أخبرتني به أنكِ معلمة أطفال.
- أنت لم تتيح لي الفرصة لأخبرك؟
سألها ساخراً: - حقاً؟ و كيف ذلك؟ هل كنتِ تنتظرين مني أن أخمن و أسألك هل أنتِ كاتبه قصص أطفال ذات رواج عالمي و تحقق مبيعات عاليه؟
- و هل كنت تنتظر مني أن آتي لأخبرك بعملي و أنت تكيل لي التكشيرات الواحدة تلو الأخرى كأنني حاولت قتلك؟
احتدا على بعضهما البعض حتى وصل صراخهما للجميع و اقتحم ريتشارد الغرفة غاضباً: - يجب أن توقفا هذا الصراخ أيها الأرعنان... لقد تجاوزنا منتصف الليل أيها المجنونان ماذا حل بكما؟
التفتا له ليقولا في وقت واحد :- لا شئ.
تفاجأ الجميع عندما انتزع مارك الأوراق التي كانت سالي تمسك بها و مزقها بغضب، شهقت سالي بصدمة ثم صرخت به: - ماذا فعلت أيها اللعين؟ ماذا فعلت... طارت لتحط بقبضتيها على صدره، أخذت تكيل اللكمات له و هي تصرخ باكية: - لماذا فعلت هذا؟ لماذا مزقت قصتي أيها الغبي الأرعن القاسي عديم القلب... أنا أكرهك.
تركها مارك تسدد كله كل ما شاءت من اللكمات كأنه يعاقب نفسه على ما قام به و بعد أن انتهت من ضربه و انهارت عند قدميه و قد اهتز جسدها بالبكاء، خرج صافقاً الباب خلفه.
عاد فجراً ليجد الأوراق الممزقة كما تركها أرضاً لكن الغرفة كانت خالية من سالي، لابد أنه نجح أخيراً في ما أراده... لقد كرهته.

‎أنت بذاكرة قلبي -  للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن