استيقظ مارك ليجد سالي قد اختفت من الجناح و تركت له ملحوظة تقول أنها اكتفت من تمثيل دور العروس السعيدة و أنه سيجدها في المنزل، تساءل... عن أي منزل تتحدث؟ لكن تساؤل لم يدم طويلاً لأن عينيه وقعت في أسفل الورقة على ملاحظة " قصدت بالمنزل... منزلي... منزل العائلة حيث أنتمي" إنها تقول له ضمنياً أنها لا تنتمي له... لا يعرف لماذا شعر بالضيق لذلك، الم يكن هذا ما أراده عندما رمى في وجهها خطابه الطويل بالأمس، يجب أن يسرع بالذهاب إلى القصر ليعرف ردة فعل جده عندما رأى سالي تعود من الفندق في الصباح الباكر.
توقع أن يرى جده و هو ينفث ألسنة اللهب كتنين غاضب، توقع أن يجد والده ينتظره في حديقة القصر ليؤنبه بنبرة رحيمة مثله، توقع أن يجد سالي تعتكف في غرفتها، لكن لا شئ مما توقعه حدث، يبدو أن حياته تخرج عن كل ما توقعه منذ دخلتها ابنة عمته.
قالت والدته و ابتسامته شماتة تزين وجهها:
- لا أعرف كيف يفكر شباب هذه الأيام لكن لم أرى في حياتي عروس تترك زوجها في الفندق صباح أول يوم لزواجهما.
نظر مارك إلى سالي التي ابتسمت ابتسامة واسعة لكنها لم تخفي الشحوب الذي غطى وجهها:
- إننا أكثر عصرية... لقد اختلف الزمن كثيرا يا خالتي... أليس كذلك يا عزيزي؟
يعلم أنه سبب ما يحدث لكنه كان يرغب في أن ينقض عليها و يهزها ليزيل ذلك التعبير البارد عن وجهها، هز رأسه بصمت بينما قال جده:
- لن أناقش ما تقومان به... افعلا ما يحلو لكما.
سأل ديفيد ابنه:- هل ستعيشان معنا أم في شقتك؟
أجابت سالي بسرعة و قد اهتز القناع البارد الذي تسلحت به للحظة:- سوف نمكث هنا.
هز مارك رأسه مرة أخرى دون أن يتكلم، ثم نظر لها بغضب لكنها تجاهلت نظراته و أخذت تحدق في وجهه ببرود.
***
حاول مارك طوال اليوم أن يخلق حوار بينه و بين سالي لكنها كانت تكتفي بالرد بكلمات قصيرة، عندما جاء الليل دخل الجناح الذي خصصه لهما جدهما فوجدها ترتب بعض الأغطية على الأريكة المقابلة للشرفة، تجاهل ما تفعله و قال بتردد:
- بالنسبة لما حدث اليوم...
قاطعته:-لا أريد أن أتحدث عن هذا الأمر
رفع يده بنفاذ صبر:- هل ستستمرين بمعاقبتي.... قاطعته مرة أخرى بحدة أكبر:
- أعاقبك؟ ما الذي تتحدث عنه بحق الجحيم؟
اتسعت عيناه و هو ينظر لها... الجحيم؟، من هذه الفتاة التي تتحدث عن الجحيم؟، قال:
- ألا ترين أنكِ بتصرفك هذا تشعرينني بالذنب؟
قالت ببرود استفزه:- عن أي ذنب تتكلم؟
تقدم و انتزع منها الوسادة التي كانت تمسك بها و ألقاها جانباً:
- أنظري لي و أنتِ تتكلمين... هل تريدين أن تقنعيني أن تصرفك هذا طبيعي؟
قالت بابتسامة واسعة حملته على الرغبة في خنقها:- جداً... طبيعي جداً
نفضت يديه عنها و استدارت لتكمل عملها و قد أولته ظهرها:
- لقد كنت محق في ما قلته سابقاً... منذ أن التقينا و قد نشأت بيننا صداقة جميلة لذلك لا أريد أن أفسدها بأي شجارات أو أمور أخرى
التفتت له فجأة و أكملت:
- من الجيد أنك كنت صادق معي و أوضحت لي طبيعة علاقتنا... باستثناء تلك القبلة الأسطورية على المذبح لم تخدعني في شئ...و لقد أوضحت سببها في نفس اليوم، ابتسمت ابتسامة واسعة:
- لا تقلق... لن أُبدي أي ردة فعل هستيرية... تزوجنا لأسباب خارجة عن المألوف و بما أنني دخلت هذا الزواج طواعية يجب أن لا أعترض على شئ.
كانت تتكلم بهدوء و ابتسامة رائعة تزين وجهها لكنه كان يشعر بالغضب من نفسه لأنه أقحمها في خطته لتصفية حسابه من فيكتوريا إنها لا تستحق ذلك أبداً، كما أنه غاضب منها لأنها تجعله يشعر بالوضاعة أكثر و أكثر كلما تصرفت كأن شيئاً لم يكن، انتهت من ترتيب الأغطية و قالت:
- الشئ الوحيد الذي يمكنني أن أعاتبك عليه هو تلك النظرة المتشفية التي تسببت لي بها من والدتك
قال معتذراً:- أنا آسف
- لا يهم... يبدو أنني سأواجه الكثير مما لم يمر بي من قبل... أظن أنني يجب أن أتقبل ذلك منذ اللحظة التي دخلت حياتي بها
نظر لها بتساؤل:- و ما الذي يعنيه ذلك؟
توجهت إلى السرير:
- لا شئ... لقد رتبت لك فراشك على الأريكة و إن لم تناسبك يمكنك أن تنام أرضاً و لا تفكر أن تنام في غرفة أخرى... أنا لست مستعدة أن أكون محور الأقاويل في القصر بالإضافة إلى والدتك التي لن تدع أمر نومنا منفصلين يمر مرور الكرام.
عض على أسنانه بقوة ليمنع نفسه من لذهاب إليها و خنقها بالوسادة، ارتمى على الأريكة بإنهاك و فكر و هو يسخر من نفسه " و أنا الذي كنت أفكر طوال اليوم في ترتيبات نومنا في غرفة واحدة و أتساءل كيف ستتعامل مع الأمر" تصور أن ترتبك... تُبدي الخجل، لكن لم يكن يتصور أن تبدي ردة الفعل العملية تلك!!!، راوده مرة أخرى ذلك الإحساس الغير مريح أن سالي تغيرت كثيراً بين ليلة و ضحاها
***
استيقظ مارك ليجد سالي تركت له ملاحظة تخبره فيها أنها ذهبت لعملها، في البداية لم يستوعب لكنه ما لبث أن رمى الورقة ساخطاً، الآن سوف يضطر أن يواجه الجميع وحده و يقدم المبررات عندما يعرفون أن عروسه خرجت للعمل ثاني أيام زواجهما.ز
كان الكل ينظر له بوجه جامد، حتى والدته التي تصور أنها ستبتسم بسعادة لما حدث، كانت تنظر له بغضب و نظراتها تقول "هل أنت رجل؟"، لم يكد يمس طعامه و تركهم ذاهباً إلى شركته، ما أن رآه باتريك حتى ابتسم:- هل سرقت زوجتك الجميلة النوم من عينيك؟
أجابه بحدة:- توقف عن هذا المزاح و اذهب لعملك.
- ما هذا المزاج العكر أيها العريس الوسيم؟
التفت مارك له بعينين تقدحان شرراً:- إذا أردت أن تخسر وظيفتك استمر بالكلام
تراجع باتريك و هو يكبت ابتسامته و خرج من الغرفة.
لم يستطع مارك أن يركز في عمله إلا بعد أن قرر أن يتجاهل ما يحدث مع ابنة عمته و يدع الأيام تهدئ ما حدث، ذكّر نفسه كثيراً أنه تزوج منها ليجد فيكتوريا، قد تكرهه عندما تعرف لكنها سبق و قالت أن كل ما بينهما صداقة، كل ما عليه فعله أن لا يدع الأمر يتجاوز تلك الصداقة و إن كان قد بدأ يشك في أمر تلك الصداقة فعلاقتهما بالكاد تصل إلى حد العداء
***
كانت سالي سارحة على غير عادتها حتى أن أكثر من طفل كان يحاول لفت انتباهها لما يقول، زفرت بقنوط " عليك اللعنة يا مارك حتى وظيفتي التي هي كل حياتي بدأت أهملها بسبب التفكير في هراء حياتي معك" وضعت التفكير جانبا و بدأت بالاهتمام بطلابها لكن صورته و هو نائم بإنهاك و قد سقط نصف جسده من على الأريكة كانت تهاجمها من وقت لآخر، اعترفت لنفسها أنها رغم إدعائها أمامه أن كل شئ على ما يرام لكنها في الحقيقة لا تشعر بأنها بخير أبداً، فتفسير مارك لما حدث عند المذبح و إن كان من وجهة نظره فوري إلا أنه بالنسبة لها تأخر كثيراً فقد قطعت آمالها شوطاً كبيرا قبل أن يعترضها بخطبته العصماء التي ألقاها على مسامعها في الفندق، لكن يجب أن تتعامل معه كمجرد ابن خال تتشارك معه غرفة في ظروف استثنائية.
أثبتت الأيام لسالي أنها لن تستطيع أن تعود لتكون ابنة عمته التي تمازحه و تحدثه في كل شئ، كان غضبها من مارك يزداد يوما عن يوم فالآن لا تستطيع أن تكون زوجته التي تتعامل معه بعاطفيه و لا تستطيع أن تكون صديقته التي تتصرف معه بعفويه، التزمت الصمت و ابتعدت عن الكل، تتناول طعامها في صمت و تغادر الغرفة بسرعة لتنكب على دفاتر تلاميذها، ثم تنام أو تدعي النوم قبل أن يدخل مارك الغرفة و تستيقظ قبل أن يستيقظ لتذهب إلى المدرسة قبل رؤية أي أحد من سكان القصر.
استمرت على هذا المنوال لمدة شهر، كانت تقرأ في عيون الجميع اعتراضهم على ما تفعل، و كانت تعلم أن لكل منهم سببه لكنها تجاهلتهم و هي تفكر بأنها تفعل ذلك لتحمي قلبها.
***
صرخ مارك في صديقه:
- لم أعد أعرف من تلك الفتاة التي أعيش معها؟
ربت على كتفه:
- أنت السبب يا صديقي... إنك لا تعرف ما تريد.
اعترض بحدة:
- بل أعرف... أريد أن تعود سالي ابنة عمي، تلك الفتاة التي ضحكت معي بعد أن ظنتني لصاً...سالي التي خلصتني من جدي عندما كان يريد أن يجبرني على اصطحابها في جولة في الشركة... سالي التي.....
صمت عندما وجد باتريك ينظر إليه و ابتسامة تسلية على وجهه، صرخ به:
- امسح هذه النظرة المستفزة عن وجهك
- أنا لم أقل شئ لكنك بدوت لي في مزاج عاطفي يا صاح... لم أعرفك للحظة.
ركله مارك في ساقه:
- اذهب و إلا قفزت عليك و خنقتك... إنه خطئي لأنني أتحدث معك في هذا الأمر.
وقف باتريك و كست ملامحه جدية مفاجئة:
- اسمع... إذا أردت أن ترتاح صارحها...أخبرها أنك تريد أن تسترد علاقتكما الودودة بدلاً من ذلك الجفاء الذي يسود بينكما و افهم منها ما الذي تفكر به و لماذا تتصرف بتلك الطريقة...سوف أذهب إلى مكتبي إذا احتجت أي استشارة تجارية أو عاطفية صديقك في الخدمة.
خرج مسرعاً عندما أمسك مارك فتّاحة الرسائل و ألقى بها في اتجاهه
***
ترك مارك الشركة مبكراً، فهو يعلم أن سالي تتعمد النوم باكراً قبل أن يصل للمنزل، وجدها تجلس تحت شجرته منهمكة في بضعة أوراق:
- مرحباً يا آنستي... هل حصلت على درجة جيدة؟
رفعت رأسها بحدة ثم جمعت أوراقها بسرعة و وقفت:
- لقد عدت قبل موعدك اليوم.
- نعم فأنا أريد أن أتحدث معكِ و كلانا يعلم أنني لن أتمكن من ذلك لو تأخرت عن التاسعة مساءاً
كانت تعلم أنه يلمح إلى نومها المبكر لتتجنبه لكنها ادعت الجهل و قالت:
- ها أنت وجدتني... ما الذي تريد التحدث به معي؟
أشار إلى يديها اللتان تقبضان على الأوراق بقوة جعدتها:
- عن هذا.
نظرت إلى يديها:
- ماذا؟
- ألا ترين كيف تتوترين في حضوري؟
قالت بحدة:
- لا أظن أن هذا الموضوع الذي تريد أن... قاطعها:
- بل هو الموضوع الذي أردت أن أحدثك فيه بالضبط...أريد أن اعرف أين ذهبت ابنة عمتي التي كانت ودودة معي منذ المرة الأولى التي تقابلنا فيها؟ تلك الفتاة التي بعد أول ركلة سددتها لي عندما ظنتني لصاً أصبحنا أصدقاء.
كبحت سالي ابتسامة كانت على وشك أن ترتسم على وجهها عندما تذكرت تلك الحادث، أكمل مارك بقوة:
- أين تلك الفتاة التي كنت أتكلم معها بكل راحة؟ لقد تحولت إلى فتاة متجهمة لا تبدي مشاعرها لأحد.
نظرت له قليلاُ و همت بقول شئ ما لكنها تراجعت و تركته و ذهبت، ناداها إلا أنها لم ترد عليه، لاحظ ريتشارد أن حفيديه يحدجان بعضهما بنظرات قاسية و فشلت كل محاولاته لإشراكهما في حديث ما، كالعادة انتهت حفيدته من تناول طعامها قبلهم و انسحبت، بعد خروجها من غرفة الطعام رمى مارك فوطته على الطاولة و لحق بها و قد بدا أنه على استعداد للشجار
***
قبل أن تدخل تحت الأغطية كان مارك يقتحم الغرفة و يصرخ بها:
- لم يكن ينقص المشهد إلا أن تسكبي كوب الماء في وجهي و تشتمينني أمامهم.
قالت بنفاذ صبر:- ما الذي تتكلم عنه الآن؟
- سالي هل تريدين أن تدفعيني للجنون؟ أولاً تتركيني دون أن تردي علي و الآن تتصرفين كأن جلوسنا على مائدة واحدة دون أنا نتبادل كلمة شئ عادي... لماذا نحن في حالة شجار دائم بحق الله؟
قالت ببرود دفعه على التقدم منها بغضب:
- أنا لا أتشاجر مع أحد أنت الذي يلاحقني و يصرخ في وجهي... هل تبحث عن الشجار يا مارك؟ إذا كنت كذلك اعلم أنني لن أعطيك الفرصة.
أمسك بكتفيها و هزها بقوة:- من أين تأتين بهذا البرود؟
صر على أسنانه و هو يقول:- لا تقنعيني أن هذه أنتِ... تبدين كإنساني آلي، أين سالي.... قاطعته و هي تدفعه عنها:- لا تستمر بسؤلك السخيف هذا...أين سالي؟ أين سالي؟... لقد ذهبت سالي تلك...ذهبت بلا رجعة فلا تسأل عنها و تعايش مع سالي التي أمامك الآن.. و الآن ابتعد عن طريقي أريد أن أنام الآن لأستيقظ قبل موعد المدرسة.
أنت تقرأ
أنت بذاكرة قلبي - للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره)
Romanceكل حقوق الملكيه خاصة للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره) ملخص "أنت بذاكرة قلبي" تزوجته بناءاً على طلب جدها الذي طلبت منها والدتها قبل أن نموت أن لا تعصي له أمراً، تزوجته و كل ما يجمعها به مودة تكنها فتاة لابن خالها الطيب، كان زواج يسوده التوتر و الصراعا...