أخذ مارك يذعر الغرفة ذهاباً و إياباً، التفت لجده و والده: - لقد اتصلت بي فيكتوريا و أخبرتني أنها ستخبر سالي بكل شئ و منذ ذلك الوقت و أنا اتصل بسالي لكنني لا أستطيع الوصول لها.
قفز على الهاتف عندما رن، تناهى إلى سمعه صوت فيكتوريا: - سوف أخبرك ما سبق و أخبرتك به... إن لم أستطيع أن أحظى بك فلن يحظى أحد بك، لقد أخبرت عزيزتك بكل شيء.... لا... في حقيقة الأمر لم أخبرها بشيء فما أن وجدتني أنتظرها في مرآب السيارات كما حدث منذ أكثر من عامين حتى تدفقت كل ذكرياتها الماضية، لابد أنها في طريقها إليك.
أنقطع الخط قبل أن يستطيع أن يقول كلمة، قذف الهاتف إلى الجدار فتناثر إلا قطع صغيرة، صاح ريتشارد:
- ماذا حدث؟
التفت له مارك بغضب: - لقد كانت فيكتوريا.
أغلقت ريتشارد عينيه بإعياء بينما سأل ديفيد: - ماذا حدث؟
نظر مارك إلى الفراغ: - إنها تعرف... سالي تذكرت كل شئ.
التفت إلى الباب فجأة عندما ظهرت سالي بالباب، تقدم منها خطوة فتراجعت و رفعت يدها في حركة دفاعية أصابته بالمرارة: - لا تقترب مني... قلت لك لا تقترب... لقد أتيت لأخبرك بشيء واحد... لقد انتهى دوري في حياتك و هذه المرة لن أعود لك و لن أنسى ما فعلته بي... لن أنسى ما فعلتموه بي جميعاً... سوف أتذكر حتى آخر لحظة في عمري... سأتذكر و لن أسامحكم ما حييت.
حاولت أن تتماسك لكن دموعها انهمرت و قالت بصوت باكي:- لن أسامحكم ما حييت.
تذكرت الطفل الذي كان بداخلها و الذي حل محله آخر قد يتم القضاء عليه هو أيضاً... طفل مارك الذي لا يريده، وضعت يدها غريزيا على بطنها و رفعت عينيها لتلاقي عيني مارك المذعورتين:
- دعيني اشرح له.
قالت قبل أن تستدير و تتجه إلى الباب: - ليس هناك حاجة للشرح... لقد مللت من الرجال الذين يديرون ظهورهم لنسائهم ما أن يشعروا أن هناك مسؤوليات و التزامات... لكن للأمانة أنت لست منهم لأنني لست امرأتك و لم يربطني بك سوى ورقة... إنه زواج مهزلة و لا يجب أن تتحمل تبعاته في أي وقت... سواء في المرة الأولى أو الثانية.
في خطوتين وصل إليها قبل أن تفتح الباب و أمسك بها قائلاً بحدة كأنه يطحن الكلام بين أسنانه: - لن أتركك ترحلين... تلك المرة كنت غبياً بما فيه الكفاية و تركتك لكنني لن أدعك تغيبين عن عيناي اللعينتان حتى تهدئي و بعدها يمكنك أن ترميني بالرصاص أنا و ريتشارد لكن قدماكِ لن تطأ خارج هذه الفيلا اللعينة... هل تفهمين؟
كان صوته يتعالى حتى بلغ حد الصراخ ، صرخت بهستيريا و هي تحاول كيل الرفسات و اللكمات له:
- دعني... دعني... حاولت أن تفلت من يديه لكنه تشبث بها بقوة، بعد القليل من المقاومة تراخت ذراعاها فجأة و غابت عن الوعي بين ذراعيه، ضمها إلى صدره بذعر كأنها يتأكد أن الحياة لم تغادر جسدها المتراخي ثم حملها و صعد بها إلى غرفتهما.
تملكه الذعر عندما صاحت مايا أن السيدة سالي تعاني من نزيف...ظهرت صورتها و هي تضع يدها على بطنها و هي تتحدث معه في ذهنه... هل يعقل أن تكون حامل؟، أسرع بحملها إلى أقرب مستشفى و هو يشعر أن حياته تنفصم عراها و أنه لن يستطيع إحكام يده عليها، إن حياته مع سالي تنسل من بين أصابعه كالرمال، كلما ظن أن أحكم قبضته عليها تسربت من مكان آخر.
***
فتحت عينيها لتجد نفسها في غرفة بيضاء بدت أنها غرفة مشفى، رفعت رأسها قليلاً فرأت مارك يذرع الغرفة بسرعة كأسد حبيس في قفص، عندما انتبه إلى أنها استفاقت أسرع إليها و جثا بجوار فراشها و أمسك بيدها، كانت تشعر بأنها تحولت لحطام...أغمضت عينيها بإرهاق و قالت و دموعها تنساب من طرف عينيها المغلقتان بقوة: - لن أسامحك مهما حييت... مهما حييت.
أجهشت بالبكاء و أعرضت بوجهها عنه بألم، ترك يدها و وقف يتأملها و قد اعتصر الألم محياها قبل أن يخرج من الغرفة، استند إلى الحائط و قال لوالده بضعف: - لقد أفاقت لكنها ترفض أن تقع عينيها علي حتى... مجرد رؤيتي تؤلمها يا أبي.
ربت ديفيد على كتف ابنه بقوة: - كل الأمور سوف تكون على ما يرام يا بني... نحمد الله أنها بخير هي و الجنين، كل شئ يمكن إصلاحه.
تمتم: - أتمنى ذلك يا أبي .
دخل ديفيد و هاله ما أصاب ابنة أخته من ضعف... آلمه أكثر ما رآه في عينيها اللتان كانتا تشعان بالحياة يوماً ما، نظرت له بعينين فارغتين، جلس بجوارها على الفراش و احتضنها بقوة و قد انهمرت دموعه، أسندت رأسها في تجويف كتفه و قالت بإرهاق: - آه يا خالي... لا تعلم كم اشتقت لوالدتي، كم كنت أتمنى أن تكون هنا و تضمني لها كما تفعل الآن.
شعرت به يشد ذراعيه حولها فاندست فيه أكثر... كم هو رحيم قلب خالها، قالت بصوت مبحوح: - لا أعرف كيف تنتمي إلى هذه العائلة القاسية يا خالي... إنك لست مثلهم... لست مثلهم.
أبعدها ديفيد بلطف عنه و مسح دموعها: - كفانا بكاءاً يا صغيرة... أريدك أن تسمعيني جيداً، هل تثقين بالخال ديفيد؟
أومأت برأسها باستسلام فبدت له كطفلة صغيرة، سألها مرة أخرى: - هل ستثقين بما أقوله لكِ؟
- أكثر مما تتصور يا خالي.
- لن أتحدث عن اتفاقية جدك مع فيكتوريا ثم اتفاقه مع مارك لأنني سوف أدعه هو يتحدث عن الأمر بنفسه... كل ما أطلبه منكِ أن تدعيه يخبرك كل شيء و ثقي أنه هذه المرة سوف يقول لك كل الحقيقة، كل ما سأخبرك به هو حالة مارك بعد اختفائك... بعد أن خرجت حاول اللحاق بك لكن ريتشارد منعه و أخبره أنك سوف تهدئي و تعودي... أنت تعرفين طريقة تفكير جدك الغريبة ففي الوقت الذي كان مارك على حافة الانهيار كان ريتشارد يمنّي نفسه أن ما حدث أزمة عابرة لكن عندما مر اليوم دون أن تظهري جن جنون مارك و تشاجر مع جده مشاجرة اضطررت أن أتدخل فيها أنا و سلفستر و جون... لكن كان على وشك خنق جده.... شهقت سالي: - ماذا؟
- كما قلت لكِ... انقض عليه كالمجنون و عندما أبعدناه عنه كان ريتشارد على وشك الانهيار، أخبره مارك أنه عندما يجدك و يجعلك تسامحينه سوف يأخذك بعيداً عن فيلته العفنة، لم أرى ابني في هذه الحالة من قبل، كان يصرخ طوال الوقت و يحطم كل شيء في طريقه ، ازداد جنونه عندما مرت أيام على اختفائك أبلغ كل مراكز الشرطة و المستشفيات و أخذ يدور بالشوارع بحثاً عنكِ، أعلم أنه آذاكِ بتلك الاتفاقية السخيفة لكنه أحبك و كان يخشى أن يخبرك بها.
- مارك يخشى شيء؟... لا يمكنني أن أتصور هذا.
- جميعنا كنا نظن مثلك... لم يكن لمارك نقطة ضعف من قبل، حتى فيكتوريا التي كان يخبرنا مراراً و تكراراً أنه يحبها و سوف يتزوجها، لم يسأل أحدنا نفسه لماذا لم يتمم قط ذلك الزواج، لقد كانت فيكتوريا كما قال لي أبي مرة... كرت يلوح به في وجوهنا علامة على التمرد، إثبات لجده و والدته انه ليس لعبة بين يديهما و أن بإمكانه أن يفعل ما شاء وقتما يشاء... لكنه لم يحبها قط، أنتِ من أحبها...تزوجك بناءاً على اتفاقية رخيصة؟ أجل... لكنه أحبك أكثر من أي شيء في الحياة يا ابنتي.
***
لم تستطع النوم و هي تفكر في ما قاله لها خالها... لقد صور لها حالة مارك بعد غيابها بطريقة جعلتها تشعر أنه يهيم بها، كانت تتمنى لو تصدق هذا حتى تستطيع مسامحته على ما مضى لكنها لم تستطيع، لقد أخفى عنها ما حدث مرتان و لم تعد تستطيع أن تثق به بسهولة، في النهاية غفت و هي تحاول تصور مارك و هو يبحث عنها بجنون و تتمنى أن تثبت لها الأيام ما سمعته من خالها.
استيقظت لتجد جدها نائم بجوار سريرها، استيقظ عندما تحركت... رغماً عنها شعرت بالشفقة تجاهه عندما رأت وجهه الشاحب و تجاعيد وجهه التي تراكمت فوق ملامحه كأنها تريد طمسها، لم تصدق أنها تحدثت حتى سمعت صوتها: - كيف حالك يا جدي؟
شعرت بانتعاش الأمل داخل عينيه إثر سؤالها، لم يجبها لكنه تشجع و جلس على طرف فراشها، مد يد مرتعشة و التقط يدها: - لقد أخبرني ديفيد أنك على استعداد لسماعي.
أومأت برأسها بهدوء، فقال: - لا أعرف من أين أبدأ... أعلم أن كل ما حدث غلطتي، كنت أظن بعجرفتي المعهودة أن بإمكاني أن أرسم حياتكما معاً، لكنني صدقاً تصورت أنكما ستجدان السعادة معاً.
أطرق برأسه و أخذ ينظر إلى كفها الرقيق القابع بين يديه، رفع عينيه فجأة و نظر إلى عينيها الواهنتين:
- لقد راقبت حفيدي و هو يقع في حبك و ينسى اتفاقيتنا...أتعلمين؟.... لقد مرت الستة أشهر و لم يسأل عن فيكتوريا، كان يحاول أن يُنجح زواجكما الذي تم للأسباب الخاطئة بسببي، كنت أرى صراعه الذي كان يحاول فيه إخبارك بالحقيقة.
سألته: - لماذا لم يخبرني إذا؟... لقد مر على زواجنا ثمانية عشر شهراً و بعد أن فقدت الذاكرة أمضينا معاً ثمانية أشهر أخرى.
قال بيأس: - كان يخشى فقدانك...كان يخشى أن تختفي من حياته بعد أن أصبحتِ أغلى ما فيها، حتى أتت تلك الليلة التي فجرت فيها فيكتوريا كل شيء و بعدها هروبك الذي حوّل حياتنا للجحيم.
- عندما وجدتموني و قد فقدت الذاكرة، لماذا لم يخبرني مارك بالحقيقة يا جدي؟ لماذا لم يخبرني أحد؟
اختنق صوته: - عندما فقدتِ الذاكرة انتابتنا صدمة كبيرة... قرأت ألم مارك الرهيب عندما رآكِ تنظرين له دون أن تتذكريه، لم يصدق أن تنسينه تماماً، ثم تعاظم ألمه لأنه شعر بأنه آلمك للحد الذي دفعك لمحوه من حياته...كان يريدك أن تتذكرينه و في نفس الوقت يخشى اللحظة التي تعرفين ما حدث فيها و تختفين مرة أخرى، الثمانية أشهر التي تظنين أنه كان يستمتع باستغفالك فيها كانت كلها عذاب على ذلك الولد... دفع فيها ثمن كل شيء فعله و لم يفعله معكِ.... صمت قليلاً ثم وضع يده على خدها برقة لم تعهدها فيه، رقة جعلته أشبه لخالها ديفيد: - لقد اعتبرنا فقدانك للذاكرة فرصة لنكفر عمّا فعلناه بكِ يا طفلتي... هل تمنحينا... أو على الأقل تمنحي مارك السماح؟

أنت تقرأ
أنت بذاكرة قلبي - للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره)
Romansكل حقوق الملكيه خاصة للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره) ملخص "أنت بذاكرة قلبي" تزوجته بناءاً على طلب جدها الذي طلبت منها والدتها قبل أن نموت أن لا تعصي له أمراً، تزوجته و كل ما يجمعها به مودة تكنها فتاة لابن خالها الطيب، كان زواج يسوده التوتر و الصراعا...