الفصل الثامن

374 8 0
                                    

تروح وتجيئ بنفاذ صبر من تأنيب والدتها لها فتظل
تزفر وهي تشبك يديها ثم تفردهما وبعدها جلست
بجوار والدتها وهي تضع كلا كفيها علي ساقيها وتقول :
يعني كنتي عايزاني نعمل إيه ياأمه ؟
أني كنت محروقة إن بت زي دي خدت مني حمادة
خطف كده .. لأ وقادرة يا أمه قومتهم كلهم عليا في لمح
البصر حتي خالتي سناء عوجت بقها وموقفتش لحمادة
وهو بيطردني .
إحسان بعصبية : عشان أنتي بت خايبة .. وهو في حد
يشتم حد في عقر داره وعلي الملأ ومش عايزة الكل
يقف معاها ..
حنان بنفاذ صبر : أيوووه بقي يا أمه يعني كنتي عايزاني
نقول إيه .. ها ؟
إحسان بخبث : القواله مالهاش فايدة .. خلصنا من
الموضوع ده خلينا نتكلموا في الأهم .
حنان بتعجب : اللي هو إيه يا أمه ؟!
إحسان بإبتسامة جانبية أظهرت جزء من أسنانها
المهترئة : جوازك من خالد ابن خالك .
اتسعت عيني حنان للمفاجأة .. هل تتحدث أمها جدياً
؟! واضح
أنه جاد جداً فأمها لا تمازح بموضوع الزواج أبداً ..
كادت أن تفتح فمها للإعتراض علي ماقالته أمها فكيف
بعدما حلمت بزواجها من حمادة لسنوات طويلة تُرسي
الدفة علي خالد وهل سيقتنع أحد بذلك .. حتماً
سيشكون بالأمر ولكنها أغلقت فمها مرة أخري ثم
إبتسمت بخبث .. نعم ستسعي هذه المرة بجدية بالغة
للإرتباط بخالد ولن تجعل إحداهم تقترب منه غيرها حتي
تكيد من دافعت عن صديقتها ..
همست بداخلها بغل وهي توجه نظرها للفراغ : خليها
تنفعك بقي ياست لوزة .. بكرة تشوفي إحساسك إيه
لما واحدة غيرك تاخد اللي كان عينيك عليه .
***
إعتدلت نوسة وهي ترتب ملابسها وتعيدها إلي مكانها
الصحيح علي جسدها ثم قالت بعدما نهضت وقد
أنتهت من وضع حجاب رأسها الواهي علي شعرها :
بنقولك إيه ياالسيد لازم تشوفلك صرفة بسرعة ..
الفرح مافضلوش كتير .. هنتفضحوا ياواد .
السيد بخبث : ماتخافيش يابت أني عارف هنعملوا إيه
.. وأبوكي هايعرف قريب كمان بس أنتي ما تبينيش
حاجة دلوقتي ؟
نوسة بعصبية ناتجة عن توترها : ياخويا أني لا بنبين ولا
بنيل بس قولي هنعرّفوه أمتي ؟
السيد بنفس الخبث : لأ أني اللي هنعرفوا كل حاجة
مالكيش دعوة أنتي ... ثم أنحني علي كتفها وهو يزيح
جزء من بلوزتها الصيفية ويلثمه بفمه ويكمل بحرارة : أني
مش عايزك تواجهيه أنتي .. أني اللي لازم نواجهوه
بجوازنا ونشوف رد فعله بنفسي .. ثم أعدل
عن كلمته الأخيرة سريعاً وقال : نقصد يعني أني اللي
ناخد رد فعله في وشي .
ابتسم فابتسمت وارتمت برأسها علي صدره بعدها
جلس بجانبها وأحتضنها بقوة وهو يمني نفسه بإقتراب
حصاد ثأره القديم من قدورة ثم قال لنفسه بصوت غير
مسموع إلا له : أما نشوفوا ياقدورة الكلب وشك
وأنت بتسمع مني أني أتجوزت بتك من وراك
وفضيحتك قدام عريس الغبرة بتاعك ..
***
أنتهت بياضة من ترتيب المائدة بمشاركة لوزة وسناء
وكلما أقتربت من حمادة نظرت له بترقب كما كان ينظر
لها تماماً .. جلست سناء وبجوارها لوزة ثم سحبت
بياضة المقعد الذي يجاور مكان جلوس محمد بخفة
وجلست .. نظرت لوزة وسناء لبعضيهما بدهشة
وبحاجب واحد ثم نظرا كلتاهما لمحمد فلم يجدا منه
إستجابة كالعادة فإستجابته دائماً لنفسه فقط .. سكبت
بياضة له القليل من الملوخية وهي تقول بفخر : أني
عايزاك تاكل وتقولي رأيك .. عمايل إيديا الحلوين دول .
لم ير أحد ابتسامة شفتيه ولكن من ينظر إلي عينيه
سيراها جيداً .. إبتسامة رضا فأخيراً بدأت تكون كما
يريدها أن تكون أو هكذا ظن هو ذلك !!
وضع الملعقة بداخل فمه بسعادة ولكنها لم تلبث لأقل من
الثانية حيث بصقها سريعاً من فمه بنزق وهو يقول : إيه
القرف ده ؟
بياضة بحزن : في حد يعمل كده في الأكل ؟ مش
عاجبك ماتقولش عليه قرف .
محمد بإشمئزاز مبالغ فيه مقصود : مش عاجبني .. بذمتك
دي ملوخية ترضي تحطيها في جوفك يا مفترية ؟
بياضة بعجرفة : ليه يعني ؟ هي التومة محروقة حبتين
بس خالتي قالتلي أنها ماتغيرش الطعم أوي يعني الله ..
ولا مش التومة ؟
محمد وهو يضع الملعقة بفمها بعنف ويقول : دوقي وأنتي
تعرفي .
ثم بصقتها هي الأخري بنفس النزق وبعدها أمسكت
كوب الماء لتشرب بعضه وهو يكمل : سكر وكمون
يامفترية علي الملوخية وعلي كده بقي حطيتي ملح
وكزبرة فين إن شاء الله ؟
نظرت بياضة للأسفل بخجل وعضت علي شفاهها
بحنق فهاهي خطتها الثانية فشلت بجدارة ولكنها أيضاً
حرجة أمام لوزة وسناء من ترقيع محمد لها بهذا الشكل
وهاقد وجد ما يضايقها به من جديد .
ظلت علي وضعها هذا ولما لم تجد إلا يديه تروح وتجيئ
علي أصناف الطعام الأخري رفعت رأسها بالتدريج
لتجده منهمك بالتلذذ بالطعام كله ماعدا الملوخية بالطبع
التي رفعتها لوزة من علي المائدة ليكون مصيرها الصرف
الصحي .
نظرت له مغتاظة منه فهو السبب فيما حدث فلولا أنها
تسعي لإرضائه وإستدراجه لموافقتها علي الخروج من
هنا لما كانت دخلت المطبخ من أساسه ووضعت نفسها
بصورة الأنثي الفاشلة بأبسط أمور ربات المنزل .. أما
هو فكان ينظر إليها من فترة لأخري برفع لحواجبه
وابتسامة جانبية سمجة يتعمدها لإغاظتها دائماً .. زفرت
بياضة وسئمت من الوضع ثم نهضت بعنف فأوقعت
مقعدها للخلف وتركته وذهبت لغرفتها غاضبة .
توجهت سناء بالحديث إلي محمد قائلة : أنت بتعمل
معاها كده ليه ياابني ؟ مش كفاية أنها لأول مرة تدخل
المطبخ وعلشان تعملك حاجة بتحبها .. يبقي لازم
تشكرها مش تكدرها كده .
محمد وهو ينتهي من طعامه وينهض : بنقولك إيه يا أمه
أني عارف أمور السهوكة بتاعتها دي .. ما يخيلش
عليكي الحبتين اللي بتعملهم دول .. أني هنعرف وراها
إيه من كل اللي بتعمله ده وعن قريب .. ده أني عاجنها
وخابزها .
ترك سناء تتخبط بكلماته ولكنها متحسرة علي أمور
القطط والفئران هذه التي تحدث بينهما .. من المفترض
أن محمد ناضج ولكنه أمام بياضة تراه دائماً طفل بعمرها
غير ناضج وعصبي وطائش .. هي أعلم الناس به كما تعلم
مدي أهمية بياضة لديه وعدم قدرته عن الإبتعاد عنها
وهذا مالا يعلمه هو أو لا يلتفت له لأنه بالنسبة إليه
وجود بياضة معه أمر خارج موضوع أي نقاش .
تنهدت سناء بقلة حيلة وقالت بهمس : ربنا يهديكوا
ياولادي .
جزت بياضة علي أسنانها بغيظ مما حدث بالخارج منذ قليل ولكنها لن تيأس وإذا فشلت بخطة فلديها أخري
وأخريات كثيرات .. نهضت من مكانها لتخرج وتقول
بتحدي : اللي مش قدنا ما يقفش في وشنا .
كان محمد يجلس بصحبة سناء يتحدث معها بأمور عمله
المتكومة لديه من أجل أمر آخر سري ويطلب منها أن
تدعو له لتيسير أموره عندها خرجت بياضة وعندما
وصلت لهما رفعت رأسها بكبرياء وزهو أمامه وتتركه
لتدخل المطبخ .. أما هو فيبتسم لطفوليتها التي يعشق
رؤيتها دائماً .. أنحسرت إبتسامته مرة أخري عند ذكره
لنفسه كلمة عشق .. ماذا دهاه منذ متي يعشق بها
أي شيئ ؟!! أغمض عينيه بقوة ثم فتحهما سريعاً
وعندما كاد أن يبدأ حديثه الخاص مع أمه أتاه إتصال
من خالد فقال لسناء : ده خالد أني هندخل نكلموه في
البلكونة أكيد عايزني في شغل .
نظرت سناء لظهره المنصرف وهي تهز رأسها يمني
ويسري من تصرفات ابنها المضطربة مع بياضة .
داخل الشرفة يقف محمد ويستند بجذعه علي سور
الشرفة وهو يتحدث مع خالد : ياعم بنقولك عماله تلح
عليا عشان نتجوزوها .. وأكيد أني مش هنعمل كده .
خالد بمشاكسة : وهي واحدة زيها محتاجة جواز ..
ماتخلص كده علي طول .
محمد بجدية حادة : جرالك إيه ياخالد .. ما أنت عارف
أني ماليش في الحرام ياعم وهو ده اللي مخليها مصممة
علي الجواز .
التفت محمد للخلف عقب إنتهائه من جملته فرأها تدخل
الشرفة وهي تحمل صينيه بها كوب من الشاي الساخن
جداً فينهي المكالمة مع خالد ثم يسألها بمداعبة : إيه ده ؟
بياضة بحنق : هيكون إيه يعني .. شاي .. علشان
تعرف بس إن أني عايزة نرضيك وعايزة نعوضك عن
الملوخية اللي بوظتها .
محمد بمرح : علي أساس أن الشاي مش بايظ يعني ..
متأكده أنك حطيتي سكر عليه ؟
زفرت بياضة بحدة وقالت : أنت هاتشربه ولا لأ ؟
هنمسك الكوباية كتير كده ؟
محمد بسماجة : وحد قالك تمسكيها .. أني مش هنشربها
مش ضامنك الصراحة .
بياضة بغيظ وقد وضعت الصينية علي السور ثم
أمسكت بكوب الشاي وقالت : لأ هتشربه مش
هنقف في المطبخ نعملك الشاي ونتعبوا فيه وأنت تقول
مش هتشربه ومش ضامنك .
وعندما كانت تعافر معه ليمسك بالكوب وهو يرفضه
ويبعده فجأة انسكب الشاي الساخن علي كف بياضة
ومعصمها فتأوهت بوجع .. أمسك محمد الكوب الفارغ
منها ووضعه علي السور ثم بلهفة أمسك برسغها برفق
وهو ينظر إليه ليري مدي الإصابة أمام نظراتها الزائغة
الحائرة المتعجبة بشدة من لهفته عليها وخوفه من
وجعها فاضطربت ولكنها تأوهت بشدة مما جعله يسرع
بها للحمام وإغراق يدها بالماء الفاتر ثم نادي علي أمه
ليطلب منها مرهم لترطيب الحرق وبعد ان أنتهي من
كل هذا وجدت بياضة نفسها تبتسم برضا لإهتمامه
المستحدث بها وبأوجاعها كما وجدت بعض الدقات
الدخيلة علي قلبها فمنعتها وبشدة من الإنفلات ..
تنحنحت ثم سحبت يدها من يديه بعصبية وهي تقول :
خلاص مابقتش توجعني .. خلصنا .
مال عليها محمد وهو يهمس بغيظ : خلصت روحك يا
بعيدة .. وقعتي قلبي .. بعد كده ماتعمليش حاجة مش
عايزها منك .. فاهمة .
شهقت بياضة من دعوته عليها فقالت بنفس الهمس :
بعد الشر عليا ولما أنت قلبك خفيف وبيقع بسرعة
عامل فيها جامد ليه ؟
كوّر محمد كف يده وكاد أن يرفعه علي وجهها ولكن أتاه
إتصال من ماهينار تطلب منه أن يأتيها للقاهرة الآن
وبسرعة .
ترك بياضة وحدها ثم طار من الشقة بلمح البصر وكأنه
لم يتواجد فيها من الأساس .. حزنت بياضة من تركه
لها لمجرد إتصال أتاه هكذا .. لحظة من الممكن أن يكون
من عمله أو صديق له بورطة .. أو من إمرأة !!!!!!!
وأنتي مالك ياحشرية .. مزعلة نفسك ليه ياختي خليكي
في مصيبة إيدك دي الأول .. هذا ما هتفت به لنفسها
بنزق وغيظ .
ولكنها لم تخلع عن عقلها فكرة أن يكون هروبه المفاجأ
من أمامها بسبب إمرأة أم لم تخلعها عن قلبها
؟!!!!!!!!!!!!!!
***

ريش نعام ( أحلام فريسيا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن