تجلس واضعة قدماً فوق قدمٍ وتقول بنفاذ صبر :
بنقولك إيه يا أمه كفاية لحد كده بقي حلم بالثروة أني
عايزة نتجوز .. وبصراحة في واحد شافني في فرح البت
سماح وكلمني أنه عايز يتجوزني وأني مرتحاله .
لقد كانت تتمني لإبنتها أن تتزوج من العائلة حتي لاتخرج
ثروتها وثروة أبناء عمومتها بعيداً عنهم وتتشتت ولكن
القدر أتي بكلمته الأخيرة .. محمد تزوج ببياضة ولا
يطيق حتي كلمة من أحد عليها ولو كانت صحيحة ..
وخالد فقد إستطاعت لوزة بمهارة قناص أن تقلب
موازين عقله وقلبه باتجاهها وأعلن عن قرار إرتباطه بها
بعد إنتهائها من دراسة هذا العام وليكن عقد القران بعد
إنتهاء الدراسة نهائياً فأهم ما يريده لها مستقبل منظم
ومشرق بتعليم ممتاز بجانب أولاد يشبهونها .. نظرت
لإبنتها فزادت حسرتها " ماذا ينقصها فهي ذات حسن
وجمال ونسب أصيل فلماذا إذن حظها هكذا خارج
عن رجال العائلة .. تنهدت ثم نطقت بكسرة نفس :
خلاص يابنتي مش هنوقفوا حالك أكتر من كده ..
حددوا ميعاد وهنستنوه .
أما المعلم قدورة فبعد يومان من إبتعاده عن منزله لم
يتهاون في حفلات المجون والخمر حتي أنه تهور بأخذه
لحبة منشط حتي لايفتضح أمره مع نساء حفلاته ولكنها
كانت ثقيلة علي قلبه فأصيب بسكتة قلبية ولم يستطع
أحد إنقاذه فهربوا من الشقة ودفنته سعاد دون دموع
فيكفيها ما تدمعه حين تزور إبنتها بمشفي للأمراض
العقلية والنفسية بعد إصابتها بلوثة بعقلها نتيجة مافعله
السيد من إنتقام ..
***
يقف بمقدمة باب الغرفة وقد أتفق لتوه مع ماهينار علي
ما سيفعله عندما تدخل هي وفريد غرفة رجال الأعمال
والوقت الذي ستخرج هي من هذه الغرفة قبل القبض
علي فريد ومن معه .. حتي أنها قالت له كيفيه هروبهم
من هذا الفندق حتي لو حاصرتهم الشرطة ففريد كان
يحترس من غدر أي شخص به ولا يستبعد منهم
ماهينار نفسها .. زفر ليُخرج شحنة توتره من إحتمال
فشل العملية ثم دعا الله أن تتم علي خير ويعود لزوجته
سالماً وسعيداً بإتمام ما شغل باله منذ شهور طويلة ..
أجري إتصال بخالد ليعرف أين هو الآن .. لقد أتصل
به حين خرج من شقته مسرعاً للفندق وأخبره أن
ميعاد العملية هو تمام الساعة الثانية عشر ليلاً ..
طمأنه خالد بأنه أجري اتصالاته بأفراد الشرطة المُتفِق
معهم علي إتمام العملية بعدما أستعان بمساعد وزير
الداخلية المعروف عنه نزاهته بالمهنة وأختار
له بعض عناصر الشرطة الموثوق بهم وبشرف مهنتهم ..
فعمليات السطو علي رجال الأعمال العرب ماهي إلا
زعزعة للأمن الداخلي للبلد فكان لابد من تدخل سري
لهذه الجهة الأمنية ..
أنهي اتصاله بخالد الذي أكد علي إقتراب وصوله للفندق
المذكور ثم أجري اتصال آخر إلي رئيس النيابة بالمحكمة
التي يعمل بها محمد فقد كان علي إطلاع بأن محمد يتابع
هذه القضية مرة أخري بسرية تامة حتي عليه أيضاً فقد
حاول مراراً أن يعرف إلي أي مدي وصل بمعلوماته
ولكنه لم يخبره إلا بالفتات حتي أنه لم يخبره عن
تعاون ماهينار معه إلا الآن ثم أغلق الخط ..
في مكان آخر يُجرَي إتصال سريع فأجاب قبل أن يقتحم
الغرفة كما هو مخطط ثم أغلق الهاتف مغتاظاً غاضباً
ومهدداً بالإنتقام ولكنه لن يتراجع عن إتمام العملية أبداً ..
وفي مكان آخر أيضاً تجلس علي الفراش تستعيد ما مر
بها معه طوال سنوات حياتها منذ عرفته .. لقد كان
رفيقاً بها وهي صغيرة كان ومازال يعرف نكهة الجيلاتي
التي تحبه .. حتي أنه يعرف الألوان التي تفضلها فجعل
طلاء غرفة النوم التي تنام هي بها باللون الوردي
المفضل لها .. أدمعت عيناها كيف لم تري كل هذا من
قبل .. لو كان أحسن معاملتي قليلاً .. لا لقد تماديت
بتكبرها وإستفزازها لرجولته حد تعامله المغيظ هذا معها
.. نعم فهو دائماً ما كان يخشي تلاعب الشباب بعقلها
وكان يخشي عليها من إقتحام عيون الرجال بملابسها
الضيقة والعارية ولذلك كان يتشاجر معها دائماً .. لماذا لم
تري هذه الغيرة من قبل لقد كانت حماية وليست
إهانة .. أأأأأأه وماذا سيفيد التحسر علي الماضي ..
ستعوضه عن كل هذا ستجعل ليلة زواجهما من أحلي
وأجمل الذكريات التي سيتذكرونها مع بعضهما بعد أن
يشيب الشعر ويكبر أولادهما ..
نهضت سعيدة من مكانها ومسحت دموعها سريعاً
وفتحت دولاب الملابس لتنتقي أفضل غلالة يمكن أن
ترتديها بحب له .. ورغم خجلها وتخيلها لنظراته المتبجحة
وكلمات الغزل التي يمكن أن ينطق بها ولكنها تشجعت
بأنه زوجها ولابد من تعويضه بكل وسيلة ممكنة لتزيل
ما بينهما من توتر ولتكمل هي ما بدأه منذ قليل .. تركت
مابيدها لتتجه إلي هاتفها عندما سمعت رنينه ثم مالبثت
أن أغلقته واتجهت للغرفة لتبديل ملابسها سريعاً
والخروج .. اتصلت بخالد ولكنه لم يجب عليها مما زاد
قلقها أكثر وقررت الخروج دون علم لوزة أو سناء
حتي تعلم ما يحدث ..
***
طرق فريد الباب ففتح له أحد حراس رجال الأعمال
حيث كل واحد يمتلك ثلاثة من الحراس ضخام الجثة
والبنيان .. فقال متظاهراً بدور قواد للبنات : مساء
الفل علي الحلويين .
الحارس وهو يدفعه بصدره للخارج مرة أخري : مش
دلوقتي .. ميعادك الساعة 12 والساعة لسه 11 ونص
.. اخرج وتعالي بعد نص ساعة .
فريد ببرود : ياسيدي هي جت علي النص ساعة دي
.. المزة معايا ومش معقول يعني نخليها تستني كل ده
دي حتي ممكن تتعب وماتأديش بالأداء المطلوب ..
نظر الحارس خلفه ليري ماهينار خلفه ترتدي حلة
رقص حمراء عارية تماماً وتضع فوقها بالطو طويل بنفس
اللون وتبتسم ابتسامة مغرية له ليفتح فتنحنح قليلاً
وقال له أن ينتظر أمام الباب حتي يستأذن من الرجال
بالداخل ثم عاد بعد لحظات ليسمح لهما بالدخول
وخلفهم ثلاث رجال يرتدون ملابس موحدة متظاهرين
بأنهم الفرقة الموسيقية التي ستعزف حتي ترقص هي ..
وحين بدأ العرق يتصبب من الرجال جميعهم بدأ فريد
بتنفيذ خطته ولكن أحد الحراس لاحظه وهو يحاول
سرقة إحدي الحقائب الموضوعة بجانبهم علي الأرض
وتمتلئ بالمال فإقترب بحركة مباغتة منه لضربه حين
أظهر سلاحه فأظهر بقية الرجال جميعاً سواء من
العصابة أو من حراس رجال الأعمال أسلحتهم .. ثم
بدأوا بإطلاق النار حين خطف فريد حقيبة وأختبئ
خلف إحدي المقاعد الضخمة الموجودة بالغرفة ووضع
بها سريعاً بعض المجوهرات التي تملئ حقيبة أخري
يهادي بها الرجال النساء ممن يعجبوهن ثم أتجه
ناحية النافذة العريضة وربط الحقيبة علي خصره بحبل
من الخلف جيداً ثم تسلق علي سور خارجي كان هو
الميزة التي جعلته يختار هذا الفندق لإتمام مهمته فهو من
أتفق مع رجال الأعمال علي الإلتقاء بهذا الفندق لمميزاته
وهدوئه وإستطاعتهم دخول الفندق مع راقصة وقد
وافقوا علي ذلك إعتقاداً منهم بأنه قوّاد يعمل بهذه
المهنة .. تسلق علي السور العريض الخارجي للنوافذ
المتصلة بالغرف حتي دخل غرفة أخري قد تم حجزها
باسم مستعار وعند قفزه للداخل وجد محمد بإنتظاره ..
أشهر سلاحه بوجهه لتهديده فأخرج الآخر سلاح
وأصبح الأثنين متواجهين بالأسلحة حين دخلت ماهينار
خلف محمد من الباب ووقفت بجانبه مشدوهة وخائفة
.. ابتلعت ريقها فقال فريد بسخرية : إيه خايفة علي
حبيب القلب .. يبقي تموتي بداله إيه رأيك ولا تحب يا
سيادة المستشار بياضة هي اللي تموت .
محمد بغضب عند ذكر اسم بياضة : أخرس يا كلب
ماتجبش سيرتها علي لسانك .
ضحك فريد بسخرية وقال : خلاص مش هجيب سيرتها
هي ينفع أجيب سيرة ماهي ولا بلاش هي كمان .. أه
نسيت صحيح أنت متجوز الأتنين ولا بياضة بس هي
اللي مايتجبش سيرتها .
هتفت ماهينار بجزع : كفاية بقي يافريد كفاية .
فريد بغل : ليه .. ما تخليه يعرف أنك مش مراته
لوحده .
ماهينار بخوف : كفاية حرام عليك كفاية .. محمد ما
تسمعش كلامه ده بيقول كده علشان يشتتك ..
فريد مقاطعاً لكلامها : ايه خايفة يعرف أننا مش
أخوات وأن اللي بينا ... زي اللي بينكم .
نظر محمد إليها نظرة خاطفة صادمة حين رأي الفزع علي
وجهها ولكنه قرر عدم مجاراه فريد بلعبته وسيعاقب
ماهينار فيما بعد بطلاقها فهو كان سيطلقها حين تنتهي
المهمة وليتنهي العبث كله معهم ..
محمد : بنقولك ايه الكلام اللي انتي بتقوله مش هيفيد
معايا حاجة .. نزل السلاح لأن الفندق محاصر ومش
هتعرف تهرب ..
فريد بإصرار : متقلقش هعرف أهرب .. أنا خبير في
الهروب ..
حاولت ماهينار التحرك باتجاه فريد لعلها تستطيع
تهدئة الوضع بكلمات وعندما اتخذت خطوة نحوه أشهر
السلاح بوجهها فارتعبت وسحبتها مرة أخري للخلف
فأصبحت تقف أمام محمد .. وعندما فتح الباب لتهتف
بياضة بدهشة وخوف باسمه : حمادة ؟!!!
أطلق فريد طلقة طائشة للتشويش علي هروبه ولكنها
أصابت ماهينار بصدرها مباشرةً وسقطت علي الأرض
غارقة بدمائها فصرخت بياضة بفزع فقال لها سريعاً أن
تخرج وعندما شعر فريد بفشل مخططه للهرب هتفت
بصوت مرتفع : معلش ياسيادة المستشار جيت
أصيبك صيبت مراتك الأولي ولا التانية؟!
نظر إليه محمد بغضب لقد كانت ماهينار تُستنزَف حقاً
وتموت وهو يضع السم بحلقهم جميعاً .. نزل للأرض
ليري ماهينار فقالت قبل أن تفارق الحياة : أنا أسفة ..
سامحني .. أنا حبيتك بجد بس الشيطان كلمته كانت
أقوي من كلمتي ..
نهض سريعاً من مكانه ووجه محمد سلاحه باتجاه فريد
وهو يقول : خليك مكانك وإلا هضرب نار ..
نظر إليه فريد ثم رفع سلاحه سريعاً ليطلق بيد قناص
محترف علي فريسته مباشرةً فأصابها .. صُدم محمد
وتجمد من الخوف .. استدار ببطئ ليري بياضة تمسك
بقلبها وتسقط مغشياً عليها ووجهها يرسم علامات
الصدمة والخوف .. ظل علي وضعه هذا حتي دخل
خالد الغرفة مسرعاً وهو يقول أنهم قبضوا علي جميع
الرجال إلا فريد هرب .. وجد محمد متجمداً مكانه ينظر
إلي أسفل قدم خالد ففزع الأخير حين وجد بياضة وهي
تغرق بدمها وخلف محمد ماهينار وقد فارقت الحياة
فهتف بحدة وصوت مرتفع بمحمد حتي يفيق من
صدمته ويكون أكثر عملية حتي لا تضيع منهم بياضة ..
خالد : حمادة فوق لازم نتصل بالإسعاف بسرعة .
أغمض عينيه عدة مرات وأخرج نفس كان مكتوماً
بداخله حتي ظن أنه يموت هو الآخر ثم أخرج هاتفه
وأتصل بالإسعاف ..
وصلت بياضة غارقة بدمائها المشفي ودخلت إلي غرفة
العمليات حين كان خالد يجري بعض إتصالاته للقبض
علي فريد ثم جلس بجوار محمد الذي كان شارداً بما
حدث كله وكان يلوم نفسه علي إصابة بياضة ويهتف
بداخله عن سبب مجيئها للفندق وكيف عرفت المكان ..
ثم توصل أخيراً إلي السبب .. أكيد فريد إتصل بها وقال
لها عن هذا المكان ليستطيع تشتيته بها ثم قفز بذهنه
ذكري أخري بعيداً عن بياضة فنظر لخالد الذي
إستكان بجانبه وأغمض عينيه بإرهاق وقال له بخفوت :
أني عارف مكان فريد .
خالد بلهفة : بجد وماقلتش ليه ؟! فين ؟
محمد ببرود ظاهري : مستخبي في مركب هيطلع بكرة
علي مينا تانية .
خالد بدهشة : عرفت ازاي المعلومة دي ماهي قالتلك
؟
محمد باعوجاج خفيف بفمه كسخرية : تؤ .. سيادة
المستشار عفت الشيخ .
اتسعت عيني خالد من الصدمة وقال : انت بتقول
رئيس النيابة .. انت متأكد من ده ؟
محمد : أني سَمعته بيتكلم بهمس مع حد في الحمام من كام
يوم وبيقوله "ماتخافش المركب هتخرج بره اسكندرية
تاني يوم الصبح يعني مش هتبات فيها كتير .. هتبقي
في أمان .. من النادر إن حد يهرب من الأبيض لكن
معايا هنغلبه " ..
خالد بتعجب : وأنت سَكت ليه علي حاجة زي دي لما
سَمعتها ؟
محمد بعدما التفت إليه بعيون ميتة : علشان نقبضوا
عليهم مع بعض .. ودلوقتي هتبطل تسأل وتبلغ ولا
هنضيع الوقت في استفساراتك .
ابتلع ريقه وجمع شتات عقله ثم أجري اتصال انهي به
قضية عصابة النصب التي جعلت الكثير مستيقظ
يواصل النهار بالليل حتي ينهونها ..
خرج الطبيب بعد مرور ثلاث ساعات فانتفض محمد
من مكانه فأخبره الطبيب : العملية عدت علي الخير
الحمد لله لكن الإصابة كانت في مكان حساس أوي
قريب من القلب .. لو عدت 24 ساعة علي خير يبقي
نقدر نطمن ..
سقط محمد بمكانه غير مستوعب ماقاله الطبيب .. هل
لازالت بخطر .. هل يمكن أن تموت وتضيع منه ؟ كيف
يحدث هذا وهو ببداية مراحل عشقها ؟ كيف تهرب
منه هكذا وهو لم يبدأ حتي الآن بوصم عشقه بقلبها ؟
ياااااااارب .. هتف بها بجزع وخوف ورجاء ..
***
للأبد كوني بجانبي .
عديني بأنك ستقابليني مجدداً .
نحن جسدين ولكن قلوبنا تنبض معاً .
كوني لي ولا تقولي وداعاً أبداً .
أنتِ صباحي ومسائي .. أنتِ ألمي وراحتي .
لدي أمنية واحدة فقط .. كوني لي ولاتقولي وداعاً أبداً
عالمي بأكمله يقع بين يديكِ .. و جنتي تكون معكِ أنتِ.
الرغبة تشتعل في قلوبنا .. أتمني ألا تختفي أبداً .
أنتِ رغبتي وأنا محبوبك .
أنتِ قصيدتي وأنا لحنك .
طلبي الوحيد هو أنتِ .
أنتِ كالخمر في عروقي يستمر بالتدفق .
عوضيني عن حبي لكِ بهذه الطريقة .
كوني لي للأبد ولا تقولي وداعاً أبداً .
مر شهر ومازالت بياضة بغيبوبة يتناوب علي الجلوس
بجانبها لوزة وسناء ومحمد وأحياناً تأتي إكرام والدة خالد
لتساعد سناء بالإهتمام بها .. كانت تتغذي علي الحقن
والمحاليل وبعض الأنانيب الموصولة بمعدتها لتتناول
الطعام مهروساً فقد طالت مدة غيبوبتها كثيراً وقد
يعود هذا إلي عارض نفسي حتي تعود من عالمها الآخر
الذي قررت اللجوء إليه .. طالت فترة إنتظار محمد لها
ولكنه متماسك أمام والدته ولوزة وأمام الجميع إلا هي
فحين يختلي بها يبكي كالأطفال إشتياقاً وخوفاً .. يتحدث
معها لعلها تسمعه وتعود إليه سالمة .. يريدها بشدة ..
يريد إبتسامتها .. يريد نظراتها الشقية .. يريد صوتها
الرنان ودلالها الطفولي .. يشتاقها بشدة ويخاف
خصامها بشدة فنظرتها الأخيرة له حين علمت من فريد
عن زواجه بماهينار تقتله يريد تبريرها ويريد مغفرتها له ..
تم القبض علي فريد بنفس المكان الذي أبلغ عنه خالد
بمركب ما سترسو علي ميناء آخر بعيد عن الإسكندرية
قبل أن تتحرك وبالفعل رآه خالد بصحبة رئيس النيابة
عفت الشيخ وتم القبض عليه بعد محاولات فاشلة
بالهروب أو القفز بالمياه أما رئيس النيابة الفاسد فقد
إستطاع الهرب وقتها ولكنه لم يستطع الهروب خارج
البلد فتم القبض عليه ببيته العائم علي ضفاف نهر النيل
بعدما سافر هارباً بزوجته وأولاده للقاهرة إستعداداً
للسفر خارجاً وإنتهت القضية بالحكم علي فريد وعفت
بصفته المحرض من سلك النيابة وهي تعتبر خيانة
عظمي للمهنة بالسجن المؤبد للسرقة والنصب والأضرار
الملحقة بهم من قتل وإصابات مؤذية للجسد ..
***
ينتهي محمد من عمله علي قضايا متعلقة ليُقدم علي إجازة
من عمله حتي يتفرغ لرعاية بياضة .. يخرج من عمله
بذهن شارد فيجد خالد بإنتظاره داخل سيارة الأخير وينادي عليه .. يركب بجواره .. متعب .. حزين ..
مهموم .. وجهه هربت منه الحياة ولن تعاودها إلا
عند رؤية الحياة بجسد ووجه بياضة .. يتنهد بإجهاد
ويغمض عينيه دون أن ينطق بكلمة مع خالد فيتحسر
عليه خالد ويدعو أن يشفي بياضة وتعود إليه حتي تعود
الحياة إلي طبيعتها مع الكل .. فالكل بحالة حداد علي ما
أصابها .. نزل محمد من السيارة حين أوقفها خالد مباشرة
وكأن روحه تعرف وصوله إلي منفذها فتهرول للقائها ..
دخل الغرفة بهدوء فوجد لوزة تنظف وجه بياضة
بمنشفة باردة ثم تنزل إلي يديها فيمسكها منها ويقول لها
بشفقة عليها : خلاص يالوزة أني هنكمل .. خالد تحت
مستنيكي .
ربتت علي كتفه ثم طبعت علي وجنته قبلة دافئة وهي
تقول : أن شاء الله هتفوق قوام .. بياضة ماتقدرش
تبعد عننا أكتر من كده
ابتسم ابتسامة باهتة ثم هز رأسه بموافقة وأمل وهو
يدعو : ياارب
تركته وخرجت فنظر للمنشفة بيده بتنهيدة يائسة
لاتعرف طريقها ثم أمسك بكف يدها ومسح عليه برفق
ثم قبله قبلة حارة وقال والدموع تنساب من عينيه :
مش كفاية كده يابياضة .. أني عارف قيمتك من غير
كل ده والله .. قومي بقي وحشتيني أوي .. أوي .
ثم زاد من بكاءه فانتفض جسده بشهقات متعبة وملتاعة
.. ثم توقف فجأة عندما شعر بأناملها تتحرك وتطبق
علي أصابعه .. نظر إلي وجهها حتي يري أي علامة
علي إستعادتها للحياة ولكن كالعادة لا .. هي حركة لا
إرادية تفعلها منذ فترة ثم تعود للإستكانة كما أنها تصدر
أصوات كالبكاء أو الزمجرة خفيفة ولكنها تعطيه الأمل ثم
تسحبه منه بعدها .. ولكن بعد حركة الأصابع لقد رآها
نعم رآها .. ضغط علي زر الإستدعاء وحين أتت الممرضة مهرولة قال لها بعدم تصديق ونبرة مهزوزة
ضعيفة : شـ شـ شوفت عينيها بتتحرك شوفتها بتتحرك
وهي مغمضة .. فين الدكتور كده فاقت صح ؟
ابتلع ريقه وهو بإنتظار أن يجيبه الطبيب الذي لبي
النداء سريعاً ولكنه خيب ظنه مرة أخري بأنها مازالت
بغيبوبتها إنما هذا مؤشر حسن علي إستجابتها للعلاج
وقد تكون عودتها قريبة ..
جلس بخيبة جانبها وظل ينظر إليها حتي خرج الطبيب
وخلفه الممرضة المشرفة علي حالتها ثم قال لها بعتاب :
وأني اللي قلت أنك خلاص رضيتي عليا وهترجعيلي ..
بتعملي فيا مقلب يابياضة هتفضلي شقية كده علي
طول .
ثم ابتسم بحسرة وأقترب بمقعده حتي أصبح ملاصقاً
للفراش وأمسك كفها بيد وباليد الأخري ملس علي
وجهها الباهت بنعومة ثم مال بنصف جسده الأعلي
ورمي برأسه علي كفيهما ونام مجهداً .
الساعة الآن الواحدة بعد منتصف الليل تماماً فتحت
عينيها علي إتساعهما ثم نظرت حولها حتي إستوعبت
أنها بالمشفي .. نظرت بجوارها فوجدت محمد ينام ممسكاً
بكفها فنادت بهمس لا يُسمع عليه ولكنه سمعها بعد
ثلاث مرات ففتح عينيه الناعسة وكأنه بحلم كانت
إستجابته بطيئة وتدريجياً أستعاد وعيه ثم بدأت أنفاسه
تتسارع لتخرج غير مصدقاً لما يراه فنهض ومال عليها
ضاحكاً بفرحة وقال : يااااااه أخيراً يا بياضة .. حمد الله
علي سلامتك يا حبيبتي .. وحشتيني أوي يابت
وحشتيني بشكل مجنون ..
نظرت إليه بتعجب ثم زاغت نظراتها حوله وقالت
ببطئ : أني فين ؟ وإيه اللي حصل ؟ وفين أمي ؟
صُدم محمد من سؤالها الأخير فلم يستطع إجابتها ولا فهم
ماذا أحل بها فنادي سريعاً علي الممرضة التي أتت
كالعادة مهرولة وعندما رأتها مستيقظة نادت علي
الطبيب المعالج حتي أتي سريعاً وبعد الكشف عليها
والتحدث معها قليلاً نظر إلي محمد وأشار إليه بأن
يخرج ليتحدث معه .. تركها مذهولاً وخائفاً وخرج
ليقابل الطبيب بوقفته فقال الطبيب : للأسف في
حالات بتحصل كده بعد طول مده الغيبوبة .. المدام
فقدت الذاكرة بشكل مؤقت إن شاء الله وبعد كام يوم
هترجع لطبيعتها تاني متقلقش .
محمد بدهشة : فقدت الذاكرة .. دي بتسأل علي أمها
اللي ماتت من حوالي 10 شهور عايز تقولي أنها مش
فاكرة حاجة في العشر شهور دول كلهم .
الطبيب بعملية : ويمكن قبلها كمان لازم نستعين بطبيب
نفسي علشان نقدر نحدد بالظبط .. ماتقلقش الموضوع
ده بيتكرر كتير مع حالات زيها وبعدها بيتحسنوا
ويرجعوا أحسن من الأول كمان .. أهم حاجة توقفوا
جنبها وتصبروا عليها .
زفر محمد بتعب وإحباط ثم نظر خلفه لمن داخل الغرفة
الآن ولا تتذكر إلا أنه حمادة الذي يعاملها بحدة وهي
تكرهه ..
دخل الغرفة مركزاً نظره عليها تماماً فقالت برجاء : أبيه
حمادة أني بنعمل إيه هنا ؟ أني مش فاكرة حاجة إيه
اللي حصلي .
محمد بشبه رجاء أن تكذب ذلك : بجد مش فاكرة ولا
بتعاقبيني علي اللي عملته .
بياضة بدهشة من طريقة تحدث محمد لها : بعاقبك !
ليه ؟! وبعدين أنت كويس .. يعني طريقتك في الكلام
غريبة شوية .
تنهد بيأس ثم أرجع ظهره للخلف علي المقعد وهتف
بنبرة محبطة : ياااااالله .
أمسكت رأسها بتألم وقالت "أه" للوجع فانتفض من
مكانه ممسكاً ذراعيها مقترباً من وجهها وعلي وجهه
علامات القلق عليها فقال : لو تعبانة .. نامي بس أفردي
جسمك علي السرير ماتروحيش في النوم أني
ماصدقت أنك فوقتي .
رمشت بعينيها أكثر من مرة لمحاولة إستيعاب مايقوله
محمد لها فهي تعرف مدي حنقه منها فابتلعت ريقها
وأطاعته وهو يحاول مساعدتها علي النوم كما ذكر لها ..
ظل ينظر إليها بحب وإشتياق .. يود الآن أن يحتضنها
بداخله ويشتم عبيرها الذي لاينتهي حتي وهي علي
فراش بمشفي .. يريد القول أنه أفتقدها وأنه يشتاق
بشدة .. يريد تقبيلها ألف مرة وإغراقها بالقبلات بكل
جزء بجسدها .. يريد أن ينام داخل ذراعيها ويتنفس
نَفسِها ..
تنظر هي الأخري له محاولة فك طلاسم ما يفعله
ومايقوله ونظراته وتنهيداته فتنهض مسرعة وهي تقول :
ماهو أني لازم نفهموا .. أأه .
قطعت كلامها بتوجع فانتفض عليها وجلس بجوارها علي
الفراش وهو يسندها لتعتدل فإتكأت علي جسده حتي
إلتصقت به فنظرت إليه عن قرب فتوترت كل خلية
بجسدها وزادت من عدد ضربات القلب بالثانية
الواحدة .. ابتلعت ريقها بارتباك فنظراته لاتفارق شفتيها
فعضت علي شفتيها فأنفاسه تلفح وجهها بحرارة
قاتلة .. حاولت الإبتعاد ولكنه لايفلتها .. لقد طفح
الكيل معه .. لقد غابت عني شهراً وعندما تعود لاتتذكر
مني إلا محمد القديم ..
أطبق علي فمها بقبلة حارة جعلتها لاتتحرك وتذوب ..
وتذوب حتي أنتهي هو فهمس بإشتياق لا ينضب :
وحشتيني أوي ولسة بتوحشيني .
بياضة بهمس غير قادرة علي الحركة أو أن تفتح عينيها :
هو إحنا علاقتنا أكتر من جيران وأني مش فاكرة .
محمد بذوبان : أكتر بكتير من الحب كمان .
بياضة بذهول ومازالت مسحورة : حب !! أنت مين
بالظبط ؟
محمد : أني جوزك يابياضة .. جوزك اللي بيحبك وكان
هيقولك ده قبل ماينزل عملية في شغله وبسببها أنتي هنا
دلوقتي .
زادت من ضغط عينيها المغلقة بتوتر شديد حين ذكر
كلمة " جوزك " فشهقت ببكاء فحاوط خصرها وارتمت
هي علي صدره لتزيد بكاءها فقالت بعد قليل : ضحكت
عليا .. كنت متجوز واحدة غيري .. خنتني .. ليه يا
حمادة ليه ؟
محمد بوجع : حقك عليا يابياضة .. أني مخنتش .. الجواز
ده كنت مجبر عليه علشان العملية تتم غير كده كان كل
حاجة باظت والموضوع كله فشل .. صدقيني يابياضة
أني عمري ماحسيت بحب مع غيرك .. ده أنتي حتي
الحب الأول ليا من وأنتي عمرك خمس سنين .. والله
حتي مانجذبتلهاش ولا كنت شايف فيها أي أنوثة
.. محدش كان بيجنني غيرك ولا كنت بنغير علي غيرك
لدرجة أني كنت عايز نقص شعرك اللي بيقتلني كل
مابنشوفك بتتعايقي بيه ولا في أنوثة زي أنوثتك
المخلوطة بطفوليتك اللي بتهوسني بوجودك قدامي علي
طول ولافي غيرك يخليني نهد المعبد علي اللي بنيه لو
بس فكر يمس شعرك منك .. أني بنعشك يا بياضة
وياريتي كنت عرفت ده من زمان ماكنش كل ده
عدي علينا وأتأخرنا في اللقا كده ..
كانت تسمع كلماته وهي تبكي وتخبئ وجهها بصدره
وتصدقه نعم تشعر بكل كلمة ينطقها بصدق فتزيد من
إحتضانها له وقالت أخيراً : أني كمان بنحبك يا حمادة .
تنهد براحة وسعادة فابتسم ثم قبلها بخفة ثم اعتدل
جوارها علي الفراش وناما بأحضان بعضهما حتي الصباح ..
أتت لوزة وسناء غير مصدقين أن بياضة أستعادت
وعيها وفرحين لما رأوه من إشراقة وجهها رغم التعب
البادي عليه .. كانا يتناوبان زيارتها ويحضرا لها الطعام
التي تفضله كما أستقر معها محمد مدة التأهيل الجسدي
لها حتي أنتهي الوقت بالمشفي وأخيراً ستخرج منها ..
عادت إلي شقتها وغرفتها سعيدة مرتاحة .. وضع محمد
أمامها الطعام لتأكل علي الفراش فقالت أنها تريد أن
تأكل علي المائدة بالخارج كفاها أسِرّة فابتسم ووافقها ..
أنتهي اليوم بالنوم أيضاً بحضنه حتي أعتادت وأدمنت
ذلك وأصبحت تنتظره يأتي من عمله حتي لو كان
صباح اليوم التالي لتنام .. حتي هو أصبح لايطيق أن
يبيت خارج شقته فأصبحت رؤيتها عادته وصوتها
وضحكتها إدمانه ..
مرت السنون ( 8 سنوات )
تركض خلفه ثم تقف وتُشّبِك ذراعيها الصغيرتين وهي
تنادي اسمه بطفولية "حمزة" .. لو ماجيتش تاكل
هنزعل منك ومش هنكلمك تاني .. بطل بقي تغلس
عليا أني مش بنحب ده .
يظهر حمزة من مخبأه وهو يقول : هو أني مش هنعرف
نهزر معاكي كده أبداً يعني .
تركض سمرا للإمساك به وهي تضحك بإستمتاع وتقول
بسعادة طفلة أكملت لتوها عامها الخامس : هيييي أني
كَسَبت هيييي .
يخبط حمزة ذو السبع أعوام علي جبهته وهو يقول : هو
كل مرة تضحكي عليا ونصدقك بردوا .
سمرا بعنجهية مبكرة : عادي هو أني مين .. ده أني سمرا
بنت بياضة .
***
أنتهت بأمر الله
يوم 14 / 4 / 2018
أنتظروني في الجزء الثاني من عندما تسقط الأقنعة .. ماذا بعد ؟!
باسم " همسات قلوب ثائرة "
قريباً إن شاء الله
هبه سيد ( camella )