يستيقظ محمد من نومه وترتسم إبتسامة عفوية علي
وجهه وكأن همومه إنزاحت فجأة من علي كتفيه وذهبت
لحالها وكأنه كان يكفيه إبتسامتها فقط لتعرف الإبتسامة
طريقها إلي وجهه وقلبه .. نهض وجلس علي فراشه
متربعاً بقدميه عليه تحت غطاءه الدافئ ثم شرد
بما حدث أمس بعدما صرح لبياضة عن موافقته
خروجها معه وسعادتها المفرطة ورد فعلها الغير المتوقع
أبداً والذي جعل أوصاله ترتعش مع تمنيه ولو سراً حتي
علي عقله بتكراره مرة تلو الأخري .. تنهد بحيرة وارتباك
وحدث نفسه قائلاً لها : ياتري ياحمادة اللي أنت فيه ده
أخرته إيه ؟ شكلك غرقت واللي كان كان خلاص
ومفيش منفذ هروب منها أبداً ..
نهض متباطئاً من مكانه مثقلاً بفكر جديد لم يخطر علي
باله ولو خطر سابقاً لكان قهقه بسخرية ولم يصدقه ..
ارتدي ملابسه ونزل لشقة والدته للإفطار معهم ثم
الذهاب لعمله سريعاً حتي ينتهي من عمله باكراً ويتفرغ
لبياضة بقية اليوم كما وعدها .. أما هي فقد استيقظت
بكل همة ونشاط وسعادة لم تشعر منذ مدة طويلة بها
حقاً ولم تكن تتوقعها منه علي الأقل بالوقت الراهن ..
ارتدت أحلي ما لديها من ملابس البيت وتزينت بأرق
زينة .. فهي تعرف أن محمد لا يحب المبالغة بالزينة ولا
الملابس الفاضحة ولكنها اليوم ستكافئة بما يحبه كله
وعلي الرغم من ارتدائها لفستان قصير يتكون من
حمالات رفيعة جداً وباللون الوردي الناعم إلا أنها
أعتقدت بما أنه زوجها فسيعجبه حتماً ما ترتديه مع
زينتها الخفيفة فقد أصبحت كالكناري الرقيق الذي
يخطف القلوب ببراءته كما أنها متحمسة لرؤية نظرة
الإعجاب بعينيه هو .. كانت تساعد لوزة وسناء بإعداد
المائدة في حين رن جرس الباب والذي قامت بفتحه
لوزة حيث كانت هي الأقرب له فدخل محمد وجلس
علي الأريكة لحين الإنتهاء من الإعداد ثم أتت إليه
بياضة عندما سمعت صوته مهرولة بإبتسامة خلابة
جعلته ينتفض ليقف أمامها مذهولاً مما يراه ولكن عقله
الذي يعمل سريعاً بالشك بطفوليتها التي مازالت
متأصلة بتصرفاتها فأمسكها من معصمها بحدة وهتف
قائلاً : إيه الهباب ده ؟! أنتي ناوية تخرجي معايا كده
؟!!
توجعت ؟ نعم .. ولكنها لم تعد تبالي بما يفعله معها
هكذا فهي تعلم نيته وتعلم أنه يخاف عليها .. لحظة متي
علمت بهذا ؟!! وكيف ؟!! ألم يكن هذا متأخراً قليلاً
لمعرفته ؟!! ولكن لايهم ..
ابتسمت بياضة وهمست بدلال سحره : أيوووه عليك
ياحمادة .. ماينفعش تسأل براحة !! لأ طبعاً مش
هنخرج معاك كده .. أني عارفة أنك بتحب اللبس
المقفول وعلشان كده قلت نلبسلك ده قبل ما نخرجوا
مكافأة يعني .. أممم كنت مستنية تقولي أنه حلو ..
يجنن .. يهوس .. ثم مطت شفتيها بطريقة جعلته يبتسم
وأكملت : لكن دايماً كده بتشك فيا .. أني عقلت
والنعمة الشريفة عقلت .. علي إيدك علشان ماتزعلش .
ضحك محمد فنظرت إليه بياضة بدهشة فاتحة فاهها
بصدمة ثم ابتسمت بسعادة لسماعها ضحكه له من
القلب فقالت : الله دا
أنت طلعت حلو أهو وأنت بتضحك ..
لم يعد يقوي علي الوقوف .. نعم لقد وقع في الفخ ولم
يستطع إنقاذ نفسه .. أو بالأصح لم يعد يريد إنقاذ نفسه
منها .. لقد أحبها وأنتهي الأمر ..
ابتلع ريقه ثم جلس وقال بنبرة مهزوزة شعرت بها بياضة
فاهتزت وقفتها هي : حلو .. يجنن .. يهوس .
تنهدت ثم ابتسمت فأكمل وهو يرفع عينيه إليها : اللي
لابس الفستان .
لم تعطهما لوزة فرصة للتوتر أكثر من ذلك حين نادت
عليهما لتناول الفطور وبعد أن أنتهوا نهض محمد من مكانه
ويقول : أني مش هنتأخر إن شاء الله ياريت تحضري
نفسك وتستنيني علشان منتأخرش ونلحقوا نودوكوا
الأماكن اللي نفسك فيها ماشي ؟ كان يقول هذا وهو
ينظر إلي بياضة والتي أصبح وجهها جمرة من النار
بعد إعترافها السري لنفسها وقلبها بأنها تشعر شعور
غريب لذيذ تجاهه .. شعور لم تكن تتخيل أن تشعر
به علي هذا النحو رغم شعورها بما يشبهه لأكثر من
مرة وآخرهم مع حسن .. حسن الذي أعترفت أيضاً
لنفسها أنها لم تعد تفكر فيه ولم تعد تريد لقائه .. هي
فقط تريد بقائها بقرب محمد وهذا ما جعلها تتجمر
وتتلوي حتي أختلت بنفسها بغرفتها لتضحك وتبكي بآن
واحد علي أجمل شعور يمكن أن تشعر به فتاة بعمرها
الذي لم يصل حتي الآن إلي الثمانية عشر عاماً ..
***
يجلس خالد بغرفته يفكر في عرض زواجه من حنان
ابنة عمته .. هو لا يشعر تجاهها بأكثر من كونها أخت
صغري له مثلها كلوزة .. توقف عقله الآن عند ذكرها
ولا يعلم لما اضطربت معدته وآلمته عندما تخيل معرفة
لوزة بذلك الأمر .. هو سيتخذ هذا القرار بعقله وليس
بأمر القلب الذي حتي الآن لم يضعف ولم يحبسه
إحدي الفتيات بزنزانة قلبها .. سمع صوت جرس الباب
ولكنه لم يتحرك فهو يعلم أن أحدهم سيفتحه ولكنه لم
يتوقع أن يراها هي الآن أمامه بكامل تحفزها وكأنه
علم لماذا أتت .. نعم أخبره بذلك قلبه الذي تأثر ببكاؤها
وخوفها وفرحها وقلقها منذ رأت عيناها الدنيا وعقله
الذي أدرك كل قراراتها وأفكارها وهي بمهدها قبل نطقها
.. فابتسم بتعقل ورحب بها في حين هي أقدمت عليه
لتقف أمامه تشبّك ذراعيها ببعضهما ثم تغمض عينيها
وتتنفس بشهيق وزفير عدة مرات لتهدأ فأي تهور
منها قد يجعلها تخسر قضيتها الآن ..
انتظرها تتحدث هي فقالت بهدوء مزيف : الكلام اللي
أني سَمعته ده حقيقي ؟! هتتجوز حنان !!
بنفس الإبتسامة التي استقبلها بها قال : لسه بنفكر ..
لوزة بلهفة : يعني في فرصة ترفض .. مش كده ؟
بنظرة ثابتة ثاقبة قال : عايزاني أرفض ليه ؟
ابتلعت ريقها ثم قالت بتوتر وبإهتزاز بصوتها : أني مش
عايزاك ترفض .. العقل والمنطق هما اللي بيقولوا كده ..
ضحك خالد علي جملتها الأخيرة وعلي طريقتها بقولها ثم
قال بعد أن هدأ : والعقل والمنطق بقي رأيهم أني نرفض
ليه ؟
لوزة بجدية متوترة : علشان حنان مش مناسبة ليك لا
شكلاً ولا موضوعاً .
خالد بخبث : بس حنان بت عمتي وحلوة ومتعلمة
وذكية و ...
لوزة بعصبية : خلاص خلاص .. عرفنا صفاتها الحلوة
.. أووف .. شوف يا أبيه من الآخر كده حنان فيها
صفات وحشة أني نعرفها لكن الرجالة مش بتاخد بالها
منها ولأنها بت عمتي مش هنتكلم فيها .. لكن المهم أنك
تعرف أنها مش مناسبة ليك وخلاص .
خالد بجدية : أنتي تعرفي إيه ماينفعش تقوليه .. حاجة
تخص ...
لوزة بصدمة : إييييه أنت دماغك راحت فين .. أني
نقصد أن فيها عيوب في شخصيتها يعني ..
خالد : خلاص أني عرفت وجهة نظرك .. قصدي وجهة
نظر العقل والمنطق .. وهناخد فترة أكبر في التفكير .
زادت حدة تنفسها وضربات قلبها كانت تتشاجر
بداخله فقالت بعنف : يعني في إحتمال أنك توافق مش
كده ؟ طيب علي العموم بقي إذا وافقت علي جوازك
منها فاني مش عايزة نعرفك تاني وياريت تنسي أنك
ليك بت عم .. ماشي ؟
كادت أن تتحرك للباب لتخرج ولكنه مد كف يده
ليشابك كفها فإضطربت أوصالهما معاً .. ماذا يحدث لك
يا خالد ؟! لماذا كلما ألامس يدها يرتعش جميع أعضاء
جسدي هكذا وكأن كهرباء عالية لمستني ؟!!!
تركها سريعاً ثم تنحنح وحاول التماسك قليلاً فاقترب
منها وقال : متهددنيش تاني يا لوزة باللي أنتي قولتيه
فاهمة .. علشان مش هنسمحلك تنفيذه ..
لوزة بإضطراب : أني .. أني نقصد .. بلاش تتجوزها
بلاش ..
خالد بحيرة : ليييه ؟!!
صمتت لفترة كانت تغرق فيها بعسل عينيه الفاتن لها
منذ الولادة .. نعم فمنذ بدأت تبصر من حولها ولم
يتحول نظرها عنه طالما يتواجد خالد بالمكان وعندما لا
تراه تظل تصرخ حتي يأتي إليها فتبتسم مرة أخري ..
ظلت هكذا تطلب رؤيته حتي استطاعت الكلام فلم
تنطق إلا باسمه ولذلك فلوزة لديه هي الابنه التي قرر
أن يكون لها الأب والأخ والصديق وقت الحاجة أما
هي فقد قررت .. لا .. لا لقد قرر قلبها المسكين أنه
سيكون الأب والصديق والحبيب ولكنه لن يكون الأخ
أبداً حتي أنها تركت قرار العقل الآن في إخفاء هذه
المشاعر وتسير مغيبة تجاه قرار القلب والذي يفضحها
بضرباته المجنونة .. إذن فليذهب العقل للجحيم وليكون
الله في عونها حتي لا يغضب الحبيب ويتبرأ منها
الأب ويخاصمها الصديق .. ومع ذلك هي لاتريد إلا
الحبيب الآن ..
أقتربت بهيام وضربات قلبها تتصارع مع قفصها الصدري
ثم قبضت بأصابعها علي كلتا كفيه وبأقدامها ارتفعت علي
كلتا قدميه وبدون إرادة أنساقت شفتاها إلي وجنته
لتطبع قبلة حارة جداً تلخص ما تود نطقه وتخجل منه
كما تخشاه .. إبتعدت قليلاً ثم ببطئ فتحت عينيها
لتنظر بعينيه اللاتي إضطربت حركتهما ثم مالبثت أن
سمعت دقات قلبه التي ارتفعت بشكل لايصدقه هو
أيضاً .. كانت لحظة فقط حتي فاقت وركضت بكل
قوتها لتخرج من هذا المنزل ولتختفي بعدها عن عيونه
للأبد !!!!
يا الله كيف فعلتها ؟!! وكيف ستكون ردة فعله عليها
؟!!
يا الله بماذا شعرت الآن ؟!! وكيف سأواجهها مرة
أخري ؟!!
وبعد دقائق تمالك فيها قلبه الذي أصبح الآن مسجون
بزنزانة آخر فتاة كان يعتقد أن تكون له غير أخت
صغيرة ذهب إلي غرفة أبيه ليسمح الأخير بدخوله فقال
له جملة لا تحتمل النقاش فيها : قول لعمتي أني بنعتذر
عن الإرتباط ببتها حنان .
***
انتظرت بياضة محمد بكامل إستعدادها بعدما قامت
بتبديل فستانها بآخر طويل ذو أكمام طويلة باللون
الفوشيا الباهت وتنتشر علي ذيله زهور صغيرة
جعلت مظهره رقيق وأنثوي ..
كانت تجلس علي مقعد المائدة تضع إحدي كفيها علي
وجنتها ولكنها ملت الإنتظار فقررت الإتصال به
فأخذت هاتف لوزة لتتصل به وقالت له : أني بياضة يا
حمادة .. أنت نسيتني ولا إيه ؟!
زفر محمد بتعب وقال : معلش يا بياضة الشغل أخدني
.. أنتي جاهزة ؟
بياضة بإبتسامة : أيوة من بدري علي فكرة .
ابتسم وكاد أن ينطق بأنه قادم حتي دخلت عليه
المكتب دون إستئذان وقالت : مفاجئة .. إيه رأيك فيها
؟ وحشتني موووت .
نهضت بياضة بعدما سمعت صوت انثوي بجانبه عبر
الهاتف وخاصةً كلمة "وحشتني " فقالت بغضب لم
تسيطر عليه : مين دي يا حمادة ؟!!
ابتلع ريقه بتوتر حين نظر إلي ماهينار بحدة أخافتها
قليلاً ولكنها تماسكت امامه ثم قال لبياضة : أبداً .. دي
زميلة ليا هنا وكانت واخدة أجازة ورجعت .
لم تصدقه بياضة فغريزة الأنثي لديها أصرت علي أنها
ليست زميلة وإنما إمرأة أخري له .. فإنهارت علي
مقعدها وقالت بنفس الغضب : هاتيجي دلوقتي ولا
مافيش داعي نستنوا ؟
تنهد محمد بقلة حيلة وقال : لأ مش هينفع نيجوا النهاردة
مفيش داعي تستني .. قومي نامي يا بياضة وبكرة
يبقالنا كلام تاني .
أغلقت الهاتف دون أن تلقي عليه السلام بحدة وظلت
غاضبة هكذا لفترة من الوقت لم تشعر بها ولكنها كانت
تشعر حقاً بـ .... الغيرة !!!!!!!!!!!
نامت بياضة مكانها ولم تعي ذلك ثم سمعت صوته
يناديها بهدوء خلاب ففتحت عيناها وردت إليه
الإبتسامة بالرغم من غضبها القائم .. رفعت رأسها ببطئ
وهي تقول بصوت ناعس : جيت إمتي ؟
محمد برقة : لسه جاي دلوقتي .. نمتي هنا ليه ؟! مش
قايلك تنامي في أوضتك ؟!
بياضة بحزن مدلل : أنت السبب .. مين اللي كانت
معاك وأتأخرت بسببها يا حمادة ؟ أني مش مصدقة
أنها زميلتك .
محمد بقلق أجاد إخفائه : ليه بس مش مصدقة .. أني
عمري كدبت عليكي ؟ وبعدين أني من أمتي يعني
بيبقالي علاقات مع ستات .. لازم تكوني واثقة فيا أكتر
من كده .
بياضة بنفس الحزن : مش عارفة .. بس صوتها وهي
بتقولك وحشتني مووووت " تقلد نبرة ماهينار " مريبة
الصراحة .
ضحك محمد وقال بخبث : وأنتي إيه اللي مدايقك إذا
كانت بتقولها بطريقة مريبة ولا لأ ؟!! هي تفرق معاكي
في إيه .. ها ؟
ابتلعت ريقها بتوتر ونكست رأسها للأسفل ومن ثم
رفعتها مرة أخري ونهضت لتقف قبالته وتنظر لعينيه
وتقول : علشان أني بنحبك وبنغييير موووت عليك .
ارتبك بوقفته ولكنه فرح بكلماتها .. ابتسم بعدم تصديق
ثم قال : إيه ؟!! قولي تاني كده .
ابتسمت بتلاعب ثم اقتربت حتي إلتصقت به ووقفت
علي أطراف أصابعها ثم أحاطت بذراعيها رقبته فإضطر
هو للإنحناء بقامته الطويلة إليها ثم همست بجوار أذنيه
بأنوثة كادت تقضي عليه : بنعشقك يا حمادة ..
بنمووووت فيك .
ولأول مرة يتخلي حمادة عن تحفظه معها فأحاط
خصرها بين ذراعيه وأنقض بحرارة علي شفتيها وأقتحم
أسوار برائتها بين يديه وعلي شفتيه التي إلتهمتها إلتهاماً
ولكن بكل رقة وعشق يمكن أن يعبر عنهما الرجل عن
عشقه بأي مكان بالعالم ..
***