مر شهران أنتهت فيهما كلاً من بياضة ولوزة من
إمتحانات نهاية العام للشهادة الثانوية وهما بإنتظار
نتائجهما والأكثر إنتظاراً منهما هما والدتهما وهما تدعوان لهما
بالتفوق والتحصل علي المجموع الذي يرضي تعبهما
ومجهودهما طوال العام .. أما محمد فقد كان مشغولاً
بأمر آخر تماماً عن هذا وهو هذه الماهي نار التي
أصبحت تلتصق به كالعلكة تماماً دون أن يصل إلي
معني لهذا حتي الآن ولكنه إستطاع أن يقترب من جحر
الفئران الذي يختبأون به فهي إستدعته إلي منزلها التي
تقيم به منذ شهور طويلة بالإسكندرية وهذه خطوة
جيدة حتي الآن وكل هذا بالفعل تحت نظر خالد ابن
عمه فهما معاً بهذه القضية ولابد من التعامل معاً بها
ومازال حتي الآن يعمل بسرية تامة عن عيون الداخلية
كلها حتي يأتي الوقت المناسب لإخبارهم ..
***
كانت سمرا تقف بالمطبخ لتحضير الطعام لها ولإبنتها
والتي مازالت بالخارج فقد أخبرت أمها أنها ستقوم
بشراء بعض إحتياجتها ولكنها بالطبع لن تفعل هذا فقط
فقد أتفقت مع حسن علي أن يتقابلاعلي شاطئ البحر
.. كانت ترتدي فستان من الكتان باللون الوردي التي
تعشقه وتترك شعرها ينسدل علي ظهرها ليعطيها
منظر أنثوي ساحر بلونه الأسود الحالك والطويل
اللامع .. كانت تمشي بدلال يليق بها تماماً ولا تتصنعه
وهو مايثير حسن فهي طبيعية جداً وليست مصطنعة
بأي شيئ حتي براءتها هذه وتصرفاتها الطائشة طبيعية
جداً وهذا مايثير حنق محمد ويستفزه منها .
وصلت لحسن وهو يقف وينظر للبحر وعندما
أستنشق رائحتها المختلطة برائحة البحر ابتسم بملئ فمه
واستدار كلياً لها وهو يقول بحب وحالمية : أيوووه
وحشتيني بشكل وحش .. منورة بيتك يا بلطية
ضحكت بخفوت وقالت : هو أني كل ما نشوفك
تسميني باسم سمكة .
حسن بوله : ما أنتي زي السمك ناعم وجميل ولذيذ
بس بيظفلت من الايد بسرعة ما نعرفوش نمسكوكي
كتير .
ضحكت بياضة كثيراً معه واستمتعت بكل لحظة قضتها
معه فهو يشبع كل ذرات أنثوتها المتفتحة حديثاً لديها
ويشبع كل دقة من دقات قلبها التي مازالت تتعلم
النبض وتحبو تجاه الحب ..
فتحت بياضة الباب بحذر حتي تتأكد أن والدتها بعيدة
عنه ولا تنتظرها بغضب أو تمسك بيدها أي شيئ
لتلقيها علي وجهها لتأخرها بالخارج وللعجب لم تجدها
علي الرغم من تيقنها من وقوفها خلف باب الشقة ..
قابلها الصمت فهتفت بخفوت : أمه أني جيت .. أنتي
فين ؟ يا أمـ...
قطعت عبارتها بشهقة خوف وارتجاف أقتربت بسرعة
من والدتها الملقية علي أرضية المطبخ مغشياً عليها
رفعت رأسها بلهفة وهي تصرخ بخوف ورعشة وتقول :
أمه فوقي الله لايسيئك .. أمه
أبوس إيدك ما تعملي فيا كده .. ظلت تصرخ برجاء
لتفيق ولكنها لم تجد إلا الصمت فتركتها كما هي وفتحت
باب الشقة لتطرق علي الباب المجاور .. نعم ليس لديها
غيرهم ولن ينجدها إلا هو الذي أصبحت تكرهه أكثر
من أي شخص آخر .. فتحت لها لوزة بابتسامة
انحسرت عند رؤية ارتعاش ودموع بياضة فقالت بقلق
: مالك يابت فيه إيه .. أمك بخير .
عند سؤال لوزة عن أحوال أمها نظرت لها بفزع ففهمت
لوزة أن مكروهاً أصاب والدتها فهتفت لوزة بصوت
مرتفع : يا أبيه .. يا أمه تعالوا بسرعة .
ظهرا من العدم فقالت لهما لوزة : يظهر إن طنط
حصلها حاجة .. بياضة بتترعش ومش بتنطق تعالوا
نشوف فيه إيه ؟
ذهبا كلاً من لوزة وسناء لشقة سمرا فوجداها مسطحة
علي الأرض ومازالت مغشياً عليها فقالت سناء للوزة
بحدة لم تقصدها : أتصلي بالإسعاف يالوزة .. بسرعة .
ذهبت لوزة تتصل بالإسعاف .. أما محمد فظل بجوار
بياضة بالصالة وكان ينظر إليها ولايعرف كيف يهدئها
فهو لم يعتد علي هذا معها .. زفر بحنق من نفسه لعدم
قدرته علي مساعدتها والتخفيف عنها بهذا الموقف
الصعب فأمها ولأول مرة تسقط كل هذا الوقت
ولاتفيق من غيبوبتها المؤقتة مما أثار الرعب بنفوسهم
جميعاً .
وصلت الإسعاف ونقلوها للمشفي وها هم ينتظرونها
بالخارج حتي يطمئنهم الطبيب الذي يتابع حالتها منذ
أصابتها .
ظل محمد يجيئ ويروح بقلق وهو ينظر تجاه بياضة
أحياناً فلايجد منها إلا دموع صامتة ونظراتها تتجه
للأرض .. يا الله لا أريد أن أري كسرتها هذه أنقذ أمها
حتي لاتضيع منا بياضة .. بعد مرور نصف ساعة خرج
الطبيب ليتحدث مع محمد بخفوت وبلوم وهو يقول
بعصبية خافتة : يا سيادة المستشار أنا قولتلكم
قبل كده أنها لازم تعمل العملية .. حالتها خطر جداً
دلوقتي والقلب مش قادر يتحمل كل اللي فيه خلاص
محمد بقلق وتجهم : يعني إيه مفيش ...
قطع جملته عندما شعر بوجود بياضة بجواره تحاول
إستيعاب حالة والدتها فنظر لها الطبيب بحزن وتركهما
وحدهما فنظرت لمحمد برجاء ولهفة ليطمئنها فقال بحزن
لم يستطع إخفائه : أطمني الدكتور قال أنها هتبقي بخير
إن شاء الله .. إدعيلها .
أرادت أن تصدقه فأمسكت بطرف قميصه بقوة .. نظر
لها بتعجب ثم فهم ما تلمح إليه فحاول أن يقول بمرح :
أيووه يابياضة عليكي
يابت هو أني هنكدب عليكي يعني .. هو المريض
بنعملوا إيه عشانه ؟ بندعيله .. إدعيلها يا بياضة هي
محتاجة الدعوات مش الدموع .. قال جملته الأخيرة
بجدية مُرة .
بعد مرور ساعة أخري دخل حسن يركض بتلهف
ليطمئن علي حال بياضة بعدما سمع من الناس بالمنطقة
أن والدتها نقلت للمشفي داخل سيارة الإسعاف ..
مسح بعينيه المكان حتي وجدها تجلس بجانب لوزة
ترتمي برأسها علي كتف الأخري وكم تمني أن يكون هو
بجوارها الآن بدلاً عن لوزة ليخفف عنها ما تشعر به
من حزن ..
نادي عليها بخفوت وهو يقف أمامها فانتفضت من
مكانها ولا تعرف لماذا بهذا الوقت نظرت لمحمد برعب
ولكنها أمسكت حسن من معصمه بقوة لتبعده عن هذا
المكان سريعاً خوفاً عليه ورعباً من ردة فعل محمد علي
وجوده وبالفعل حدث ما أرعبها .. هدر محمد بعنف
وغضب وقال وكأنه علي وشك بدأ معركة الآن وقد
كانت لوزة تقف أمامه تحاول منعه من بدأها : قوليله
يمشي بدل ما نكسروا عضمه دلوقتي .. والبت دي
تيجي هنا حالاً بدل مانقلبوها عاركة .
وجدت بياضة أنها لابد من إحتواء الموقف بدلاً من
تيبس رأسها ومعاندتها لهذا الـ ... قطعت عليها أفكارها
لوزة حينما قالت لها بخفوت : بنقولك إيه يابياضة وحياة
أمك يا شيخة مش ناقصين فضايح وأنتي عارفة أبيه
حمادة ممكن يعمل إيه .
نظرت لها بياضة ثم قالت بتبجح : يعني هيعمل إيه ..
ولايقدر يعملي حاجة أني نقف مع اللي يعجبني ونكلم
اللي يعجبني واللي مش عاجبه يمشي من هنا .
يالله لماذا عاندت الآن ألم أكن أقول أنني لن أفعل هذا
فلماذا العناد الآن يابياضة لماذا بعد سماع تهديده لي لن
أنفذ له مايقول .. نعم لن أفعلها وليريني أقصي ما
يستطيع فعله .. نظرت إليه بنفس التبجح وهي ترفع
حاجبها فزمجر محمد بغضب ثم كاد أن يتحرك للأمام
باتجهاهم حين سمع الممرضة تنادي اسمه بخفوت فالتفت
إليها وقال لها : أيوه أني محمد خير؟
الممرضة بحذر : المريضة عايزة تشوفك وحلفتني لا
أدخلك .. وأني قلبي رهيف وقولتلها هندخلوك .. بس
و سيدي المرسي ما تتأخر عندها مش عايزة مشاكل .
محمد بقلق وتعجب : ماشي مش هنتأخر .
دخل محمد وترك بياضة خلفه تنظر بدهشة لدخوله علي
والدتها بعد همسه مع الممرضة فخفق قلبها بخوف مما هو
قادم .. تركت حسن وأمامه تقف لوزة وأتجهت للممرضة وقالت لها بعصبية : أشمعني هو اللي يدخل .. ها أني بتها عايزة ندخل نطمن عليها أني كمان .
ابتلعت الممرضة ريقها بتوتر وقالت لها : أمك هي اللي
طلبته هو ولو كانت طلبتك كنت هنقولك تدخليلها
أبوس إيدك بلاش الصوت العالي مش عايزة نندم أني
عملت معاكم معروف .
زفرت بياضة بحنق وقالت لنفسها بتذمر وهي تلتفت
ناحية باب غرفة أمها : أني بتك ياسمرا المفروض أن أني
اللي نكون معاكي جوا مش هو.
أما بالإتجاه الآخر كان حسن يحاول أن يفلت من لوزة
ليقترب من بياضة ويظل بقربها ويكتشف ما سر حزنها
الآن ولكن لم تعطيه لوزة الفرصة لذلك حيث نطقت
بحدة : بنقولك إيه ياحسن روح بيتك دلوقتي زي ما
أنت شايف الجو مش ناقص .... وقبل أن تكمل جملتها
سمعت صوت خالد يناديها بعصبية فالتفتت إليه ثم
التفتت إلي حسن مرة أخري وهي تكمل : أمشي
ياحسن مالكش مكان معانا دلوقتي .
ثم تركته يغلي من الغضب ثم نظر إلي بياضة التي من
الواضح أنها نسيت وجوده فترك المشفي وذهب إلي
البحر ليخرج غضبه به كعادته.
أما خالد فنظر إلي لوزة بتجهم والتي مازالت تقترب منه
وبدون وعي لما تفعله تماماً أمسكت كف يده بنعومة
وهي تقول بحزن : شوفت يا أبيه اللي حصل لسمرا .
لماذا شعر برجفة خفيفة بقلبه لا يعرف ولن يهتم فقال :
معلش دلوقتي تفوق وتبقي فل وتروح مع بتها البيت ..
ماتقلقيش أنتي بس وأدعيلها .
ثم أبعد كف يده عن يدها وسار أمامها فجلس بالقرب
من والدة لوزة وجلست لوزة بجواره ينتظروا جميعاً ما
ستئول إليه الأحداث بعد مرور عشر دقائق خرج محمد
شارداً دون أن يتحدث مع أحد ثم جلس بجوار والدته
وتهامس معها قليلاً تحت نظرات الجميع المتعجبة والقلقة
ونظرات بياضة الفضولية وبعد لحظات تركهم وخرج من
المشفي نهائياً دون أن ينطق بكلمة أخري وبعد دقائق
تعدت النصف ساعة دخل محمد من باب المشفي وهو
مازال شارداً ولكنه كان يسير أمام شخص آخر يرتدي
جلباباً يبدو عليه أنه مأذوناً شرعياًوآخرين وكأنهما
شاهدان علي كتب الكتاب ويشير إليهم بالاتجاه الذي
يجب الذهاب منه حتي وصلا إلي الطابق الذي يتواجد
به غرفة سمرا وابنتها .. يا الله أعنّيِ علي ما أنا مقدم
عليه ..
قبل وصول محمد للمشفي .. خرج الطبيب بعدما
أستقرت حالة سمرا قليلاً فسمح لابنتها بزيارتها بناءاً
علي إلحاح سمرا نفسها ولذلك طلب من بياضة أن
تخفف بزيارتها وتخرج سريعاً فابتسمت إليه لتطمئنه
بأنها لن تتعبها أبداً ودخلت بياضة الغرفة ولكنها لا
تستطيع التحمل فأدمعت عيناها بحسرة وألم علي ما آل
إليه شكل والدتها في أقل من ساعتين .. سارت ببطئ
حتي لاتقلقها ولكن سمرا أحست بوجودها ففتحت
عيناها وابتسمت بصعوبة لها وقالت بهمس : ماتخافيش
عليا يا بياضة أني هنبقي كويسة .. قربي يابتي عايزة
نقولك علي حاجة مهمة .
اقتربت منها بياضة بلهفة ثم أمسكت بكف يدها
وظلت تقبله بجنون وترجوها أن تظل معها وأن تشفي
سريعاً : أبوس إيدك ياأمه تخفي بسرعة أني ماليش غيرك
يا أمه في الدنيا لو روحتي مني هنضيعوا ، هنبقي يتيمة
يا أمه عارفة لو قومتي وخرجتي معايا مش هنعملوا
حاجة تزعلك تاني أبداً .
سمرا بابتسامة : عمرك ما زعلتيني يا بياضة أني بنخاف
عليكي بس يابت وعايزاكي أجمل بت في بحري كله .
بياضة وهي تمسح دموعها وتحاول القول بمرح : ما أني
أجمل بت ياأمه عندك شك في ده ولا إيه !
سمرا وقد بدأ التعب يظهر مرة أخري وإن لم يختفي من
البداية : لأ ماعنديش شك يا لمضة بس عايزاكي تفضلي
الأجمل وماتمشيش ورا قلبك كتير ومش هنحس بأني
مطمنة عليكي إلا وأنتي في بيت محمد .
نظرت لها بياضة من بين دموعها بتعجب وهي تقول :
في بيته إزاي يا أمه ما أني عندهم علي طول .
سمرا بتنهيدة آلمت أضلعها فتأوهت بخفوت : أني نقصد
في بيته هو مش بيت أمه يعني ......
طرق الباب ودخل حينها فهمت بياضة ما تقصده أمها
فصرخت بحدة بوجهه موجهة كلامها لأمها وهي تشير
عليه : أنتي تقصدي نتجوزوه يا أمه .. ليه عايزة تعملي
فيا كده ليه .. عايزة تدفنيني بالحيا .. ده مابيكرهش حد
قدي .
اقترب محمد منها وهو يقول بغضب : فعلاً أني بنكره
تصرفاتك وعقلك اللي عايز نكسروه مليون حته .. بس
قبل ماتنفعلي وتغلطي أسمعي الموضوع وأفهميه بدماغك
اللي مش فيكي .
صمتت بياضة مجبرة ونظرت له بحنق تحثه علي إكمال
كلامه فقال : أمك خايفة من الناس تتكلم عنك وتقول
عنك كلام وخصوصاً عني وعنك فقالت إن أسلم
طريقة نخرسهم بيها هو إننا نتجوزوكي لحد ما تخلصي
دراستك وعريس مناسب يتقدملك ومحدش هيعرف
عن الجواز ده غير المعارف والجيران وهيبقي كتب
كتاب مش جواز كامل يعني ولما ابن الحلال يظهر نبقوا
نطلقوكي ونسلمك بنفسي ليه .
بياضة باستخفاف وسخرية : وابن الحلال هيظهر إزاي
بقي لما يعرف أني متجوزة ؟!
ضغط محمد علي أسنانه بغضب من سخريتها المتعمدة
فقال : اللي يتمسك بحد ويحبه بيعرف عنه كل حاجة
وأكيد لو النصيب ظهرلك هتحكيله علي كل حاجة
وساعتها مش صعب عليه يفهم الظروف اللي إضطرتنا
نعملوا كده ومتنسيش القرش ( لقب المعلم لديهم ) اللي
كان طالبك للجواز قبل كده وأمك رفضته أكيد
هيستني فرصة تكوني لوحدك .
بياضة بغضب : أنت بتتكلم ليه وكأن أمي مش هاترجع
معايا ها ؟
أمي هتبقي زي الفل وهترجع بيتها وتنوره أني مش
هنتجوزك ولو مصممين يبقي هنتجوزوا حسن بيحبي
وأني بنحبه .
زمجر محمد بغضب بالغ ثم أمسك رسغها بعنف وهدر
بوجهها بأنفاس حارقة : أنطقيها تاني وهتبقي آخر مرة
تنطقي فيها ... ثم التفت إلي الشيخ وقال : شوف
شغلك يا شيخنا جوازي من الأمورة دي هيتم النهاردة
الشيخ : بس يابني ماينفعش يبقي بالإجبار لازم
بموافقتها .
محمد وقد التفت إليه بحدة : مفيش إجبار هنا ..
العروسة موافقة بس بتدلع وبعدين هي صغيرة ومش
عارفة مصلحتها فين .
هتفت سمرا بصوت مرتفع فأدي ذلك لزيادة تنفسها
بصعوبة فاقتربت منها بياضة بخوف عليها وقالت
بارتعاشة بصوتها : الدكتور قال ماتعبهاش حرام عليك
سيبني بحالي بقي .
سمرا بخفوت وهي مغمضة العينين : علشان خاطري
يابتي أسمعي كلامي مش هنطمن غير وأنتي في عصمته
خلينا نروح تربتي وأني مطمنة عليكي .
وضعت بياضة كف يدها علي فم والدتها وبكت كثيراً
وهي تقول : بلاش يا أمه تقولي الكلام ده والنبي أني
هنعملك اللي أنتي عايزاه بس بلاش سيرة الموت دي ..
أكتب يا شيخ الكتاب .. أبوس إيدك ما تتعبي نفسك
الدكتور قال بلاش الكلام الكتير .
أكتملت إجراءات كتب الكتاب وأنهي الشاهدان
إمضاءهما وخالد وكيلاً لها كما أنهت بياضة إمضاءها في
الدفتر ومع وضعها القلم علي المنضدة سمعوا صوت جهاز
الإنعاش المتصل بقلب سمرا يصدر صريراٌ متواصلاٌ كما
الإنذار ، كما أن الشاشة التي تُظهر انتظام ضربات
القلب تعلن عن فقدان هذه الضربات لإنتظامها ..
دخل كلاً من الطبيب والممرضات المساعدات بسرعة
وبدأوا بعمل الإسعافات الضرورية لإنقاذ المريضة التي
فقدت الوعي كما ألتفت إليهم الطبيب وهتف بحدة بأن
يخرجوا من ليس لديهم فائدة من الغرفة .. خرجت
بياضة وخرج محمد بصحبة المأذون ثم أنصرف الأخير
بعدما تقاضي ثمن كتب الكتاب وتقديم التهاني
والدعاء للمريضة بالشفاء .. أقترب محمد من بياضة
وربت علي كتفها حتي يخفف عنها ولكنه لم يستمر كثيراً
بذلك حيث خرج الطبيب ليعلن وفاة المريضة بعد
توقف قلبها نهائياً عن العمل ..
لاااااااااااااااااااااااااا .. كانت هذه صرخات بياضة
بهستيريا وغضب قبل أن تفقد وعيها بين ذراعي محمد .
وبعدهالك يانوسة بتماطلي ليه في جوازنا يابت ولا
شوفتيلك شوفة تانية .
كان هذا حديث السيد وهو حانق علي تأخر نوسة في
إتخاذ قرارها بما أتفقا عليه سابقاً بزواجهما بالسر .
قالت نوسة بعدما أفاقت من شرودها : لأ مافيش
مماطلة تاني أني موافقة خلاص وهنتجوزوك حالاً كمان
السيد بابتسامة : بجد يابت هنتجوزوا أني وأنتي وحالاً
كمان يا سعدك ياواد يانص .
( النص لقب يطلق علي الصبي الصغير والذي يعمل
كالخادم لدي سيده ) .
نوسة بتعنيف : ماتقولش علي نفسك النص تاني .. بعد
ماتتجوز بت القرش هتبقي شرغوش .
ابتسم السيد بانتصار فأخيراً سيحقق مايحلم به ،
زواجه من نوسة سيفتح له طاقة القدر .
( شرغوش هو الأعلي من النص فهو الذراع الأيمن
للقرش أو المعلم ومن المفروض أن يستأمنه علي كل
أعماله ) .
سارت معه نوسة في طريقهما للمأذون ولكن ببلد
آخر فلو ذهبا لأحدهم هنا فسيعرف والدها وسيمنع
حدوث ما تريده .. كانت شاردة طوال الطريق تحاول
إخماد عقلها عن إتخاذ غير هذا القرار فهو الأصوب أكيد
فبعد أن سمعت والدها يخبر والدتها بوجود عريس
يريدها وخاصاً أنه يكبرها بالكثير جداً فهو بعمر والدها
تقريباً ولكنه مازال متصابياً بأصباغ شعره وزرع ما
تطاير منه وإرتدائه لملابس مزركشة لاتتناسب مع عمره
أبداً بإختصار إنه يثير غثيانها فكيف ستعيش معه ..
نظرت إلي السيد بجوارها وأجرت مقارنة مختصرة بينهما
فوجدت أن السيد برغم أنه صبياً لوالدها ولكنه وسيم
ويهتم بنفسه وأناقته كما أنه شاباً بالعشرينيات من عمره
وبالرغم من عدم إكماله لتعليمه إلا أنه يناسبها جداً ..
إذن فالنخمد العقل ولنجد طريقاً آخر للمنطق ليسلك
منه فالزواج السري الآن هو الحل .. ابتسمت نوسة
عند وصول فكرها لهذه الخاطرة وأقتنعت تماماً بما تفعله ..
أنتهت مراسم زواجهما وانصرفا ليتجها إلي شقة محسن
والتي ستصبح من الآن ملجأهما حتي إعلانهما الزواج ..
دخل بها السيد وهو يمني نفسه بالكثير والكثير وقد
نال ماتمني بالفعل وأنتهي مما أرق نومه ليالي طوال
وأشبع رغباته المحمومة تجاه ناريتها .. أنتهت معه وتركته
بالشقة فليحتفل هو بزواجه ونيله ما أراد ولتذهب هي
تواجه مصيرها مع والديها عندما يعرفان عن زواجها
بصبي والدها ... فمازال الباب مفتوحاً للشيطان ليرتع
ويرقص كما يشاء ..
***