الفصل الحادي عشر

337 6 0
                                    

صدم قدورة كلتا يديه بحدة وعنف علي سطح المكتب
أمامه وهو يوجه نظره إلي خزينة مكتبه المفتوحة عن
آخرها وقد فرغت من محتوياتها أوراق وأموال قد
تجاوزت المائة ألف جنيهاً فقدورة لا يؤمن بالبنوك فهو
يضع أمواله إما بمكتبه أو بشقته الأخري والتي لم
يعلم عن وجودها أحداً غير رجاله الأوفياء .. صرخ
بالصبي الذي كان يتواجد أمامه ويقف مرتعشاً خائفاً
من مصير قد يكون الطرد من عمله لجرم لم يرتكبه ولا
يعرفه أيضاً .. قال قدورة بحدة بالغة للصبي : أمشي
ناديلي علي الصبيان كلهم ... بسرعة .
ركض الصبي المسكين لينادي علي الكل وبعد أن تجمع
الكل أمامه سألهم بحدة وهو يشير إلي الخزينة : مين
الكلب اللي عمل كده ؟
ابتلع كل واحد منهم ريقه الجاف من هتافاتهم الطويلة
للحصول علي رزقهم ورزق المعلم قدورة ومن المصيبة
التي أقترفت من أحدهم ولا يعلم الآخر من فعلها منهم
ولكنهم يعرفون أن مصير عملهم ورزقهم أصبح مهدد علي
جرم لا يُعرف من أرتكبه منهم .. لم يجب أحد عن
السؤال فأعاد سؤاله مرة أخري ثم ألحق به سؤال عن
مكان السيد : أمال الواد السيد فين ؟!
أقترب منه أحدهم ومد كفه المرتعش بورقة مطوية وبعد
ان أعطاها للمعلم قدورة صرخ قدورة بسبه ثم سقط
علي مقعده وهو يقول لأحد رجاله الأشداء : أني عايز
الكلب اللي اسمه السيد ده حي علشان أني هنموتوه
بإيدي .. فاهم حي مش ميت ..
***
قبل هذا بأربعة أيام
يجلس خالد مع والده بغرفة الأخير ويقول خالد : يعني
أنت شايف أنه قرار صح ؟
خميس بحيرة : والله يابني القرار قرارك أنت .. حنان
بنت حلال وتستاهل الخير دي بت أختي وعارف
تربيتها .. بس المهم تكون أنت بتميلها وعايزها ..
نظر خالد للفراغ أمامه وشرد .. ماذا يريد ؟! لا يعرف
.. هل لابأس من الزواج بدون مشاعر وهل سينجح
زواجه من حنان التي يراها دائماً كأخت له مثلها مثل
لوزة ... لوزة .. ردد اسمها بصوت مرتفع قليلاً ثم ارتبك
ونظر لوالده الذي ابتسم إليه ما ان تلاقت عينيه مع
عيني خالد ولم يسمع ماردده .. نهض خالد من جانب
والده ثم نكس رأسه وقال كلمة أخيرة في الوقت الراهن : هنفكروا ونردوا عليك بعد يومين .. عن إذن
حضرتك وبعد أن خرج خالد أرجع خميس رأسه للخلف
وقال وهويحدث نفسه : يارب يابني تعرف اللي عايزه
قبل فوات الآوان .
***
تجلس بياضة امام باب الحمام وتضع طبق كبير امامها
يمتلئ بالماء والمسحوق الخاص بغسيل الملابس ثم
تمسك بطرف قميص من قمصان محمد وتغسله يدوياً ..
فقد قررت سابقاً الإستمرار بهذه اللعبة حتي اندمجت
بها كثيراً وأوشكت علي الجدية .. كانت مندمجة مع
ماتفعله ومع الأغنية الشعبية التي تُغني بجانبها
زحمة يادنيا زحمة
زحمة وتاهوا الحبايب
زحمة ولا عادتشي رحمة مولد وصاحبه غايب
أجي من هنا زحمة أروح هنا زحمة
زحمة يادنيا زحمة
وقفت لوزة خلفها ثم جلست ومالت عليها لتقول
بتعجب :
بتغسلي وكمان عايشة جو الشقة من حق الزوجة لأ
كده كتير عليا تصدقي هيغمن عليا أهو ..
ثم ضحكت عندما رشتها بياضة ببعض الماء المخلوط
بالمسحوق فمدت لوزة يدها هي الأخري لترشها وسط
ضحكاتهما التي لم تسمعها جدران الشقة منذ زمن بعيد
والتي ما أن سمعتها سناء حتي اتت لتشاغبهم هي
الأخري وتلعب معهما حتي أنهكم اللعب ..
بعد فترة أنهت بياضة الغسيل والذي لم يكن أكثر من
ملابس محمد فقط ثم وضعتهم علي حبل الغسيل
بالشرفة الخلفية بالمطبخ ووقفت مع سناء ولوزة
لمساعدتهما والتعلم منهما إعداد أنواع الطعام المختلفة ..
بعد أن أنتهوا من عمل الطعام .. دخلت لوزة غرفتها
للإستذكار قليلاً حيث قالت بياضة : أني هنروح نلم
الهدوم اللي علي الحبل ونكويهم قبل ما حمادة ينزل .
اما سناء فقالت أنها ستريح جسدها المسن علي فراشها
لمدة ساعة حتي يأتي ميعاد الغذاء ..
بعد نصف الساعة تقريباً أنتهت بياضة من كي أربعة
قمصان فقط وقالت لنفسها أنها ستكمل غداً لأنها
أنهكت ثم قامت بطيهم بطريقة غريبة ولكنها أُقنعت بها
وأصرت أنها ستصعد إليه لتريه مهاراتها بالغسيل والكي ..
طرقت علي الباب وبعد لحظات فتح محمد وكانت
إستجابته هي رفع حاجبيه بتعجب من وجودها امامه
بشقته ولأول مرة تصعد إليه بها ثم دخلت وهي تمسك
بالقمصان بكلتا يديها وهي شامخة رأسها للأعلي بعنجهية
ثم قالت وهي تمد يديها بهم : أتفضل أني غسلتهم وكوتهم
وطبقتهم كمان علشان تعرف أن أني ناجحة في حاجات
تانية أهو مش فاشلة في كل حاجة .
أمسكهم منها وهو مازال متعجب وبعد ان فرد أحد
القمصان أمامها ليري ما تقول فوجده محروق من الوسط
حيث يستطيع أن يراها كاملة امامه من خلف القميص
.. عضت علي شفتيها ونظرت للأسفل ثم قالت : أكيد
كانت غلطة ماخدتش بالي منها بس الباقي زي الفل إن
شاء الله ..
أمسك بالآخر وما بعده ووجد الأربعة مثل الاول فقال
ولم يستطع إخفاء نبرة السخرية بصوته رغم أنه لم يكن
ينتوي ذلك : فعلاً ناجحة جداً الصراحة .. أيه الهباب
ده ؟ دي القمصان باظت كلها .. والنبي ما تطوعيش
تاني في حاجة تخصني ممكن ولا نقولها تاني .. لا عايزك
تعمليلي أكل ولا شاي ولاتغسلي هدومي ولا تكويها
ولاعايزك تتدخلي في أي حاجة تخصني .
سقطت دموعها من كلماته ثم أجهشت بالبكاء بحدة
حتي أنها وضعت كفيها علي وجهها وهي تتحرك باتجاه
الباب لتخرج وتقول : أني أسفة مش هنعملك حاجة
تانية .. خلاص أني فاشلة ..أمسكها محمد من معصمها
وقد شعر بغصة بقلبه من أثر بكاؤها ثم ربت علي
ظهرها بيده الأخري فارتمت برأسها علي صدره وأكملت
بكاؤها وهي تقول : أني محرومة من الخروج والفسحة
بعد أمي الله يرحمها وقلت خلاص نصيبي كده ..
بنعملك الأكل بايدي وبنحاول نعملك الأكل اللي بتحبه
وبنغسلك هدومك وبنكويهالك تتريق عليا نعملك
الشاي تدلقه علي ايدي وتحرقها وبعد كل ده تترفز عليا
وتتعصب .. أني نعملوا ايه يعني علشان تصدق أني
عايزة نكون ست بيت ترضيك وتصدق أني كبرت علي
أمور الأطفال اللي مفكرني لسه بنعملها .. نعملوا ايه
علشان نرضيك يعني ..
ضمها أكثر لصدره وربت علي ظهرها فابتسمت بانتصار
لما وصلت إليه معه وبعد فترة تظاهرت بالهدوء ثم
بدأت بإستيعاب الوضع الغريب الذي آل إليه تظاهرها
حتي أنها شعرت بالإرتباك والتوتر من هذا الشعور
الدافئ الغريب الذي بدأت بالشعور به معه .. ابتعدت
عنه ولم تنظر إلي وجهه حتي تنحنح هو الآخر بارتباك
وقال لها أن تنتظر لينزل معها فقالت لتغيظه : ماتخافش
لو نزلت لوحدي مش هننزلوا علي الشارع .. أني لو
عايزة نخرجوا من غير علمك هنخرج بس أني مش
عايزة كده .
اغتاظ منها محمد فقال لها وهو يجز علي أسنانه : أني
عارف يابياضة أنك لو عايزة تخرجي كان زمانك خرجتي
من مدة .. بس مش ده قصدي دلوقتي .. اني نقصد
اني كنت نازل قبل ما أنتي تخبطي علي الباب فاصبري
ننزلوا سوا .. فهمتي ولا لأ يا أم دماغ حجر .
افتعلت بوجهها حركة طفولة تدل علي حنقها كما مطت
شفتيها للأمام فابتسم وهو يتنهد ويرتدي حذائه ويقول
لها : أتفضلي يلا .
وأثناء نزولهما توقف فجأة علي إحدي درجات السلم
وقال لها : بياضة .. عايزة تخرجي ؟
رفعت إحدي حاجبيها باندهاش لما يقوله ثم أكمل هو
وقال : خلاص جهزي نفسك بكره هنخلصوا شغل
ونخرج سوا نتغدي بره ونتفسح في المكان اللي يعجبك
ضحكت بياضة بعفوية وسعادة لم تتصور أنها ستشعر
بها من كلماته بيوماٍ ما .. وما أن شعرت بذلك حتي
قفزت للأعلي قليلاً وهي تحتضنه بسعادة ثم تقبل
وجنته وتقول : أني مش مصدقة .. شكراً شكراً اوي ..
وبعد لحظة شعرت بانها أقدمت علي فعل لم يكن من
المفترض فعله فضغطت علي شفتيها واتجهت بسرعة
لباب الشقة الذي فتحه هو بمفتاحه والابتسامة
تسللت إلي شفتيه بدون وعي .. وبرغم التوتر الذي
كان يحوم حولهما طوال فترة تناولهم الطعام إلا أن
الابتسامة لم تفارق كلا شفتيهما حتي انتهت أو
تظاهرت بإنتهاءها من طعامها وذهبت لغرفتها لتنام
ماتبقي من الليلة ومازالت الابتسامة تغطي شفتيها حتي
غطت بنوماٍ عميقاٍ بالفعل .
***
يجلسون في دائرة ثلاثتهم يتفقون علي آخر مخططاتهم
في الإستيلاء علي مجموعة من رجال الأعمال العرب
سيجتمعون لعقد اتفاقات عديدة علي عدة أعمال
ومشاريع ستتم بمصر وبالطبع هم يتوقعون وجود الكثير
من الأموال معهم والكثير من المجواهرات كعادة
العرب لحمل المال الوفير للإنفاق علي رفاهيتهم التي
لاتنتهي ..
قال فريد وهو ينظر لماهينار : أنتي بقي عليكي أنك
توهمي سيادة المستشار اللي بيمثل أنه مايعرفش حاجة
عننا من البداية وتفهميه أنك هتقوليله علي كل حاجة
أول بأول وطبعاً موضوع الميعاد والمكان هنقوله عليه في
آخر لحظة علشان مايلحقش يعمل حاجة ويبلغ وبردوا
ما يشكش في إخلاصك يا زوجة يا مخلصة ..
أنتهي من جملته وهو يحاوط خصرها بذراعه ويضمها
إليه ويفرط بالضحك إعتقاداً منه أنه أستطاع خداع
محمد بزواجه من ماهينار .. بالطبع لايعلم أن ماهينار
أحبت محمد بالفعل ولكنها تخشي فريد ولذلك هي
تتظاهر أمامه بالإخلاص وأمام محمد بالإخلاص .. هي
تتراوح بكفتي عقلها وقلبها بينهما ولا تعلم أي كفه
ستنتصر بالنهاية .. هي تخشي حقاً أن تنتصر كفه ثالثة
وهي الخيانة للإثنين فلاهي ربحت الرفاهية ولا هي
ربحت الحب ..
نظرت إليه وتظاهرت معه بالشعور بنشوة الإنتصار
فلمعت عينيه ثم نظر للشخص الثالث معهما بإشارة منه
أن ينصرف ويتركهما وبالفعل نفذ ما أراده فريد وما أن
أصبحا بمفردهما حملها فريد بين ذراعيه ودخلا معاً غرفة
النوم والتي من المفترض أنها لزوجها الشرعي ولكنه لم
يستخدمها ولا مرة واحدة حتي الآن وأصبحت
ملوثة بخيانة من شيطانين يظن أنهما إخوة من ذات
الام والأب ..
وهل للشياطين حدود للوسوسة بالخيانة !!!
***




ريش نعام ( أحلام فريسيا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن