دخلت نوسة من باب شقتها فسمعت صوت والدتها
وهي تقول بصوت مرتفع للخادمة محروسة بأن تجهز
المشروبات والحلويات سريعاً من أجل الضيف وعندما
أتمت غلق الباب التفتت أمها إليها بإبتسامة سرور
لوصولها وعدم تأخرها كعادتها فاليوم خاصاً لاتريد
الفضيحة بعدم وجود العروس بإنتظار عريسها ..
أمسكتها أمها بلهفة وسحبتها خلفها لغرفتها ثم أغلقت
الباب واتجهت للدولاب حتي تنتقي ثوباً أنثوياً رقيقاً
ترتديه أمام عريسها المعهود .. زفرت نوسة بعنف
وعنجهية ثم قذفت بحقيبتها علي الفراش بحدة وقالت
وهي تجلس علي أول الفراش وتضع يدها بجانبها عليه :
أني مش عارفة أنتي عاملة كل الفيلم ده ليه يا أمه
يكونش جون ترافولتا هو اللي قاعد بره .
امتعضت أمها من كلماتها غير المفهومة لها ومصمصت
بشفاهها ثم قالت بعد أن أستقر فكرها علي فستاناٍ
أنيقاٍ طويلاٍ باللون الأحمر الناري ذو أكمام طويلة
ليست كاملة : ياختي أيش فهمك أنتي في الرجاله .. يلا
يلا قومي إلبسي علشان تدخلي أبوكي مستنيكي جوه
.. يابت قومي ماتغلبنيش معاكي بقي .
ثم تركتها أمها بحيرتها ماذا ستفعل الآن وكيف ستخبرهم
بزواجها من السيد .. لا لن تستطيع فعل ذلك الآن
وإلا سيقتلها والدها حتماً .. ستجاريهم حتي ينصرف
هذا المومياء الذي يلهث وراء متعة آخر العمر ثم
ستخبرهم بالتدريج .. نعم هذا هو الحل لهذه المهزلة
التي تحدث .. خرجت بعدما تزينت بكامل زينتها
وأظهرت فتنتها كاملة .. كانت أمها تنتظرها بالخارج ..
نظرت لها نظرة شاملة فابتسمت باستحسان لمظهرها
والذي تتفاخر به أمام نساء الحي بأكمله .. أمسكتها من
ذراعها ثم سارت بها حتي باب غرفة الإستقبال
وطرقت الباب ثم فتحته لتدخل مهللة بوصول العروس
الفاتنة .. أرجع والدها ظهره للخلف ثم وضع ساق أعلي
ساق بتفاخر بابنته وجمالها الآخاذ والذي رآه بعيون
صديقه التي لم تنزل للحظة من علي جسدها ومنحنياته
ووجهها الفتان .. تنحنح قدورة لينتهي صديقه من
حملقته بعروس المستقبل .. ثم قال صديقه عبدالمعطي
: نقرا الفاتحة بقي ياقدورة وخير البر عاجله الشبكة
وكتب الكتاب في يوم واحد بعد ما الأمورة تخلص
جامعتها .
انتفضت نوسة بخوف فقالت بدون وعي : لأ كتب
كتاب إيه اللي بعد شهر ده ؟ هو أني لحَقت نعرفك ؟!
ابتسم عبدالمعطي بطريقه أصابتها باشمئزاز ولكنها
تماسكت أمامه قد المستطاع ثم قال : هنتعرفوا يا حلوة
بعد جوازنا .. مستعجلة علي إيه ؟ لكن أني بقي
مستعجل علي جوازنا أووي .
نظرت لوالدها لتستغيث به ولكنه من الواضح أنه
مستسيغ لهذه الفكرة جداً .. إذن أمها هي من
ستنجدها ولكنها رأتها هي الأخري تبتسم ثم بعد
لحظات سمعت أصوات الزغاريط تصم أي أصوات
أخري حولها .. يا إلهي لقد إنقلبت المائدة بما تحتويه
علي رأسها فماذا ستفعل الآن ؟؟
***
مر أسبوع علي وفاة سمرا ومازالت بياضة تجلس وتنام
وتشرب وتأكل علي فراشها كما تبكي فقدانها أيضاً بنفس
المكان تتلحف بنفس الغطاء ورائحتها مازالت تلف
المكان كله .. لم يتبقي لها أحداً فكل أسرتها أختفت ..
كانت أمها وحيدة والديها ولذلك فبياضة لاتمتلك لاخال
ولاخالة .. كما كان والدها تماماً .. حتي هي وحيدة
والديها ولم تمتلك أخوة .. ياله من حظ تعس أن تكون
وحيداً بدنيا لاترحم ولا تشفق علي وحيد وضعيف ...
فتحت لوزة الباب ثم أدخلت بيدها صينية عليها بعض
الطعام لعل بياضة تتقبل تناوله فمنذ وفاة سمرا وهي
لاتضع إلا بعض اللقيمات التي لاتشبع العصفور ..
قالت لوزة بطبيعية : يلا يا بياضة أمسكي الطبق ده
وكلي .. يلا يابياضة أنتي كده هتقعي من طولك .
زفرت لوزة بإجهاد وحزن علي حال صديقتها وأختها
وزوجة أخيها حيث تحاول إستيعاب هذا اللقب حتي
الآن .. لقد كانت تستهزأ بياضة من إرتباط إسميهما معاً
حتي في أحلامها ولكن من الواضح أن الواقع أقوي
وأشد من الحلم .. تركت مابيدها ثم أقتربت من بياضة
وحاوطت كتفيها بذراعها لتضع الأخيرة رأسها علي صدر
لوزة وتبدأ النواح مرة أخري وتبدأ لوزة بتهدأتها كعادة
كل يوم .. دخل محمد علي صوت بكاءها حيث كان
ينتظر بالخارج لحين خروج لوزة والتأكيد عليه أنها
تناولت طعامها فجز علي أسنانه بغضب وقال كأنه
يحدث نفسه : وصيتك ياعم أشرف شكلي مش عارف
ننفذها .. سامحني ماكنش في حل تاني غير الجواز
علشان نحموها من الديابه اللي حواليها ومن دماغها اللي
هتوديها ورا الشمس ... أنهي حديث نفسه ونهض
منتفضاً ، كفي صمتاً ودلالاً فلابد من خروجها من هذا
المنزل وهذه الذكريات التي ستظل تؤلمها إلي مدي
ليس بقريب أبداً .. فهو أعلم الناس بالوجع وفقدان
الأحبة لقد فقد والدها بين ذراعيه وفقد والده هو علي
فراش الموت وهو بجواره فتولدت منه القسوة حديثاً
ليبسط سيطرته علي بناته ويحميهما من شر النفوس
حولهما ولن يفقد سيطرته علي هذه المتمردة مهما فعل
وأساء إليها .
دخل محمد عنوة غرفة بياضة ولكنه وجدها مستكينة
بين ذراعي لوزة والأخري تقرأ آيات من القرآن لتهدأ
ولذلك لم تتشاجر معه لدخوله الغرفة هكذا بدون
إستئذان ولم يرتفع صوتها بعنجهية كاذبة كالعادة وهذا ما
زاد إستيائه منها فتمالك أعصابه قدر إستطاعته ثم إتجه إليها وقال بهدوء مناقض لما بداخله : يلا يابياضة قومي
لمي هدومك مع لوزة وتعالي معايا علي شُقة أمي ..
مافيش عيشة هنا تاني .
انتفضت بخوف وغضب ثم قالت ولم تستطع التحكم
بدموعها : ليه .. عايز تحرمني منها ليه .. مش كفاية
نفذلتلك اللي طلبته وأتجوزتك عايز تبعدني ليه .. أني
مش هنتحرك خطوة من هنا .. أنت مالكش حكم عليا
فاهم .
محمد بعصبية مكتومة للغاية : لوزة قومي ساعديها تلم
هدومها وأني هنتسنوكوا بره .. يلا قوام .
هزت لوزة رأسها بالموافقة علي الرغم من تعجبها من
هذا القرار فهي تعلم أن زواجهما صورياً فقط أمام
الناس فكيف ستبيت معهم بنفس المنزل إذن ؟ ولكنها
أيضاً تعلم أن أخيها لابد وأن لديه حكمة من فعل ذلك
وستعرفها منه لاحقاً .
نهضت لوزة من مكانها وهي تحث بياضة علي تنفيذ
قرار أخيها فنهضت بياضة بقوة حتي أنها كادت تسقط
من الدوار الشديد الذي ألمّ بها ولكنها تماسكت بصعوبة
فقالت : أني مش تحت طوعه علشان نسمع كلامه
ومش هنتحركوا من هنا خطوة .. وبنعلي صوتي أهو
علشان يسمع .. أنهت كلمتها الأخيرة بضعف ثم سقطت
مغشياً عليها علي الفراش خلفها .. صرخت لوزة علي
أخيها ليأتي فحملها بين ذراعيه وهو يقول : أتصلي
بالدكتور يا لوزة بسرعة خليه يجي علي شُقتنا .
***
يروح ويجيئ بغضب مشتعل بغرفته .. لايصدق حتي
الآن أن بياضة تزوجت غيره ومن ؟! محمد ذلك البربري
الذي لا يتعامل مع أي شيئ ناعم برفق .. كيف تفعل به
ذلك ؟ كيف تخذله هكذا ؟
ماذا حدث حتي تسقط فريسة لزواجها منه ؟ لابد من
معرفته هذا كله ؟ ولن يعرف شيئ إلا برؤيتها .. كيف
يراها وهو يحبسها بمنزلها ولا يجعل أياً كان برؤيتها
وخاصاً هو .. زفر بحنق .. لابد من وجود حل لهذه
المعضلة وإلا سيفتك به رأسه وتخيلاته وتدمره .
***
أفاقت بياضة من غيبوبتها المؤقتة بتعب ثم اتسعت
عيناها حين وجدت من يُملس علي شعرها بحنان
ورفق هو "محمد" ، توتر هو من رؤية بياضة له هكذا
فنهض مسرعاً ثم قال بعنف يحاول به أن يخفي به
لحظات العطف التي صدرت منه لها بعد نصيحة من
أمه بأنها تحتاج لهذا الآن وهي بأضعف حالاتها ولا
تتحمل قسوة أكثر من فقدانها لأمها : أنتي دلوقتي في
أوضتي وأني هنام في شُقتي اللي فوق .. ومتخافيش أني
محافظ علي وعدي مع أمك الله يرحمها ومش هنمسّك
أبداً .
ثم تركها وخرج لتبكي مرة أخري ضعف حيلتها معه
ووحدتها بدون أسرة ليفعل إذن ماشاء لن يقف معي
أحداً الآن ليدافع عني ولن أجد من يمدني بالقوة
بوجوده حولي .. ليس هناك غيره حسن لقد اشتقته
كثيراً .. أين هو لماذا لم يظهر حتي الآن ؟ كيف يتركني
هنا وحدي هكذا ؟ لابد من أن هذا المتوحش قد
طرده عند مجيئه فحسن لايستطيع التخلي عني أبداً أنا
أعرف ذلك ... ثم وضعت كفيها علي وجهها ليزيد حنقها
وغضبها علي ضعفها وتعد نفسها بالرجوع قوية كما كانت
سابقاً والوقوف أمام هذا المتوحش القاسي الذي أخل
بتوازن عالمها الوردي التي كانت تحلم به مع حبيب قلبها
حسن وستطرده من حياتها قريباً وتصحو من هذا
الكابوس عليحلمها الوردي مرة أخري وكأن شيئاً لم
يحدث .. نعم لابد أن أكون أقوي من ذلك وهذا ما
كانت تريده أمي مني ولن يقف أحداً أمامي لتحقيق ما
أريد أبداً .
***
تجلس لوزة وسناء يقشران حبات البطاطس بصمت
حين يطرق باب الشقة فتنهض لوزة لتفتحه فتجد
حنان ابنة عمتها تدخل بحدة والغضب يتطاير من
جوانبها ثم تقف بمنتصف الصالة وتتخصر وهي تقول
لسناء بعصبية : إزاي ياخالتي سناء تسمحي بالجوازة
دي .. إزاي ابن عمي يتجوز من البت الفاجرة دي ..
ده كفاية فرق العمر اللي بينهم .
سناء بهدوء بعدما أعادت نظرها لما تفعله : أهلاً
ياحنان .. كل شيئ قسمة ونصيب يابتي .. ربنا رايدهم
لبعض هنتعرض إحنا .
حنان بعصبية : يعني إيه ياخالتي هو حمادة ناوي يكمل
الجوازة دي ولا إيه ؟
سناء ببرود : أمال يابتي ؟ هو كان بيلعب ولا إيه ؟
ظلت حنان تزفر بغضب وعدم رضا وهي تذهب
وتجيئ وكأنها تمعن التفكير بشيئاٍ ما فما حدث لم يكن في
حسبانها أو بحسبان أمها فهما كانتا تضعان مخططاً
للإرتباط به دوناً عن غيره حتي لايخرج نصيب ورثه
بالخارج كما كانا يخططان لتزويج خالد من لوزة ويضمنان
أن لا أحد غريب سيدخل بينهم .. بالطبع كان هذا هو
فكر إحسان التقليدي القديم ولكن تأتي الرياح بما لا
تشتهي السفن ..
خرجت بياضة علي صراخ حنان بأنه يجب تطليقهما
فهي أولي بابن عمها من الغريبة التي صاحبت معظم
شبان الحي فكيف إذن أئتمنها علي شرفه .. وقبل أن
تنطق لوزة أو سناء بكلمة هرولت بياضة بغضب
باتجاهها لتصفعها بقوة وغضب مكبوت علي وجهه
بلحظة دخول محمد من الخارج ..
***
تجلس نوسة بغرفة المعيشة تشاهد التلفاز بجوار والدتها
وهي تمسك بإحدي أصابع الباذنجان لتنظفه وهي شاردة
ظناً من والدتها أنها تشاهد معها المسرحية .. ولكنها
كانت بعالم آخر .. عالم يجب أن تظهره للنور وسريعاً
وإلا ستكون فضيحة بمعيار ثقيل وقد تقتل فيها ..
فأمامها أقل من شهر لتتزوج من هذا المتصابي صديق
والدها .. يا إلهي كيف ستتزوج وهي أصلاً متزوجة ..
خرجت من شرودها علي صوت رنين الهاتف فنهضت
متكاسلة لتجيب فاعوج فمها بإشمئزاز حين سمعت
صوت ذكوري يهمهم بطريقة غريبة ومثيرة للقرف ولا
يلبث أن نطق بأنه يريدها بشقته حالاً وسيدفع ما تريد
أغلقت الهاتف بغضب وسبته بسرها ثم عادت مكانها
ثانياً ولشرودها بحل هذه المسألة بأسرع وقت ممكن .
عم الهدوء والصمت المكان للحظات قبل أن يقطعه
صوته الخشن بالإستفسار عما حدث فأجابت لوزة
وهي توجه نظرها بإستفزاز لحنان : أصل حنان يا أبيه
جاية معترضة علي جوازك من بياضة وقالت أنها أولي
بيك .. وشتمت في بياضة وقالت عليها أنها مش
مناسبة ليك وأنها ......
سناء بحدة : لوزة كفاية يا بتي .. وأنتي ياحنان مع
السلامة وكفاية لحد كده تجريح في الناس .. ما أظنش
أن أمك هتوافق علي اللي عملتيه ده لو عرفته .
بياضة بعصبية وغضب وهي تنظر لهم جميعاً بحركة
عصبية من رأسها : أنتم خايفين تقولوله ليه ولا هو ما
ينفعش الغضب والإهانة غير ليا أني وبس منه ومن
غيره .. يظهر إني هنتهان من العيلة كلها.. أقتربت بياضة
من محمد بغل وهي تشبك ذراعيها ببعضهما وتقول :
الحكاية يا سيادة المستشار إني أتهنت في بيتك ومن
مين من بت عمتك وقالت عليا أني مش هانصون
شرفك لأني فاجرة وقادرة ومصاحبة شبان الحي كله ..
يعني من الآخر أنت أتجوزت واحدة مش متربية .. ثم
حولت نظرها لحنان التي ترتعش الآن بوقفتها من توقعها
لرد فعل محمد فهي تعلم بغضبه وما يفعله أثناء تصاعده :
أني يتقال عليا ناقصة تربية يا تربية السوس والشياطين
يا ..... أمسكها محمد ولم يدعها تكمل سبابها ومحاولتها
التهجم علي حنان وأمر الأخيرة بالإنصراف بنبرة حادة ثم
قال بتحذير : وإياك نشوفوكي هنا تاني ياحنان طول ما
مراتي في الشُقة دي ولو كلامي ما تسمعش هيبقالي
تصرف تاني مش هيعجبك لا أنتي ولا عمتي .. مع
السلامة .
كان محمد يحاوط جسد بياضة الصغير بين جسده
الضخم ليمنعها من الإقتراب من حنان حتي تأكد من
خروجها سالمة فهو يعرف هذه المجنونة حين تغضب
تصبح مثله تماماً ولا تفرق بين الصواب والخطأ .. قالت
له بإنفعال من تركها تهرب : بتخليها تهرب ليه ها
خايف عليها مني ولا عادي أني نتهزأ في بيتكم .. هي دي
الأمانة اللي أمي سبتهالكم .. ثم نظرت لهم جميعاً بغضب
لتقول كلمتها الأخيرة : يحرم عليا الأكل والشرب
والقاعدة معاكم لحد ما تجيبولي حقي منها .. ماشي يا
سبعي قال إيه مش هتبقي مطمنة إلا وأني في بيتك
تيجي تشوفني دلوقتي وأني بنتهزأ وبنتهان في بيتك ..
الله يرحمك يا أمه .
ثم تركتهم وذهبت لغرفتها منهارة وغاضبة ولكنها شامتة
بهم وبمظهر وجوههم المتهمة الحاملة للذنب ..
فقالت لنفسها : ولسه أني عملت حاجة فيكم لسه ..
بكرة تشوفوا بياضة بت سمرا هتعمل إيه وتردلك يا
سي حمادة قسوتك أضعاف
***