استدارت ببطئ وهتفت بخوف وفزع حقيقي لأول مرة
تستشعره أمامه : حسن !!!!!!
نظر إليها حسن بعتاب ممزوج بالسخرية وقال : أيوة
حسن .. كويس لسه فاكرة حسن ..
التفتت بياضة برأسها للخلف لتطمئن من أن محمد لم
يري حسن وإلا ستكون كارثة وسيشك بأنها فعلت
كل ما فعلته لتخرج وتراه .. نعم هذا كان مبتغاها سابقاً
ولكنها أعدلت عن هذه الفكرة بل نسيتها من الأساس
ولا تعرف منذ متي ولكنها أصبحت لاتري حسن بطلها
كالسابق .. لقد أصبحت ترهب وجوده معها وترهب
رؤية محمد له برفقتها .. ترهب أي علاقة تربطها بآخر
غير محمد ..
لقد أصبح بيوماٍ وليلة بطل أحلامها ويقظتها .. لقد
أصبح حاميها وسبب خوفها من أي فعل له رد فعل
مضاد لديه .. التفتت مرة أخري لحسن الذي ينظر إليها
بدهشة ساخرة لرؤيته ارتعاشتها وهي تنظر إلي محمد ..
هل حقاً تخاف رؤيته لي معها ؟!!!
قال حسن بغل وغيظ : إيه الرعشة دي ؟ مش
بياضة اللي نعرفها وتخاف كده من حد ..
ابتلعت ريقها ثم تنهدت لتجعل أنفاسها تستقر قليلاً
بعد حربها الضارية للخروج منذ رؤيته ثم قالت بنبرة
شبة راجية : حسن مفيش داعي للكلام ده دلوقتي
أني متجوزة من حمادة دلوقتي ومفيش فايدة من أي
كلام هنقوله مع بعض .. اللي كنت بنعمله كله كانت
حلاوة روح .. يعني كنت بنحارب نفسي علشان أثبتلها
أني حرة زي أيام أمي .. بس دلوقتي أني حاسة أني
فعلاً حرة من غير خوف ومن غير ما نحس أني بنعمل
حاجة غلط أو أني بنخطف وقت من غير ماحد
يعرف أني بنعمل في إيه .. مش عارفة إذا كنت
هتفهمني ولا لأ ؟ بس أني جوايا متلخبط .. حاسة
كأني كنت في غيبوبة طويلة عن الدنيا الحلوة ودلوقتي
فقت منها علي حاجات أحلي من اللي كنت بنحلمها ..
حلمي الوردي
الخيالي بيتحقق بس بجمال مختلف وواقعية أكتر نقدروا
نعيشوا معاها ..
أنهت كلماتها التي لم تستساغ لحسن كما لم يفهم منها
شيئ .. هل هذه هي بياضة التي أحببتها حقاً ؟! لماذا
أشعر بتغيرها ولماذا أشعر بأنها كبرت عن الطفلة التي
كنت أراها ؟ فما نطق إلا بـ : مهما كبرتي يا بياضة أنتي
بتاعتي أني .. بتاعة حسن وبس .
نظرت إليه بغضب ثم قالت بعصبية : أني مش بتاعة
حد .. لا أنت ولا غيرك .. فاهم يا حسن ؟
حسن بسخرية : دلوقتي بقيت حسن مش اللول ؟
تأففت من سخريته لماذا لايستطيع أن يفهم ؟! لقد
تغيرت لم أعد أحبه كما كنت أتخيل سابقاً عن الحب ..
لقد فهمت الحب مع حمادة .. الحب هو الآمان .. هو
الحماية .. هو الدفئ .. هو الأبوة .. هو الإحتواء .. هو
حمادة .....
بياضة : أمشي ياحسن .. أني بنحب جوزي ومش
هنخونه أبداً ولو حتي بخيالي .. وياريت تنسي أنك
عرفت واحدة اسمها بياضة .
تركته يغلي من الغيظ والغضب .. لا لن ينسي ولن
يتركها ..
حسن بتوعد لنفسه : مش هتكوني لغيري يابياضة ...
أخرج هاتفه من جيبه وأجري اتصال كان يتردد في
إجرائه ولكنه تراجع عن قراره بهذا ليسير كل شيئ كما
خطط مع والده سابقاً إذاً والرابح هو الذي يحصل علي
جائزته " بياضة "
***
ذهبت بياضة إلي محمد .. كانت ترتجف ولكنها حاولت
إخفاؤه .. ابتسمت عندما وقفت أمامه لتجعله يقف
بوجهه أمامها موالياً البحر إياه ..
ابتسم لها ثم قال : جيتي ليه ؟ أني كنت هنجيلك
ناكله هناك .
هزت رأسها بالنفي ثم قالت بابتسامة : لأ كفاية بحر
كده خلينا نتمشوا علي الكونيش شوية ايه رأيك ؟
ابتسم وهو يلتفت للخلف ليقول بتعجب : مش كنتي
عايزة تقضي اليوم كله هنا ؟ إيه اللي حصل وغيرتي
رأيك .
كانت مغمضة العين عندما استدار ولكنه لم يقطع كلماته
فمن المستحيل إن رآه سيكمل بهذا المرح ففتحت عيانها
ونظرت من خلفه أثناء حديثه فلم تجد حسن .. تنهدت
براحة وحمدت الله بسرها أنه أختفي لعله فهم حديثها
وسيختفي من حياتها للأبد ..
فأكملت معه بمرح : لأ احنا ناكل الجيلاتي وبعدها ناكلوا
ذره وترمس وياسلام بقي شوية حلبسة كده
مشطشطة ..
ضحك وهو يناولها الجيلاتي الخاص بها بنكهتها اللاذعة
المفضلة " الليمون مع الشيكولاتة "هي مثلها متناقضة
ولاذعة لكنها لذيذة ومثيرة وتؤكل علي مهل حتي تشعر
بحلاوتها . ..
سارا معاً وهي تتناول الجيلاتي بنهم ولسانها لاينضب
من الحديث الأمر الذي يجعل محمد يضحك ويستمتع
معها فهو يعشق ثرثرتها وخاصةً إذا كانت معه هو تخصه
بها هو .. هو يريد الإستحواذ علي كل مالديها ..
إبتسامتها .. حديثها .. حركاتها .. نظراتها .. لمساتها ..
كل مابها تخصه هو .. حتي جسدها فهو له بحكم الشرع
ولكنه سيجعلها حرة .. تفعل ذلك بإرادتها ستعطيه كل
مالديها بإرادتها الحرة دون قيود وبقدر ما تريد ومتي
ماتشاء .. ستكون وقتها ملكاً له بحريتها دون فروض أو
قيود ...
***
أنتهت نزهتهما وياليتها لم تنتهي فكلاهما تمناها .. صعدا
الدرج ببطئ ثم توقفا امام باب شقة والدته فالتفتت إليه
قبل أن يخرج حمالة مفاتيحه فابتسم إليها وانتظر
لتتحدث .. نظرت إليه بخجل مثير وقالت بهمس : أني
عايزة نشكرك .. الفسحة كانت حلوة أوي وياريتها ما
كانت خلصت .
ابتسم وردد بهمس لم تسمعه : يا ريتها ..
استدارت للأمام مرة أخري وبداخلها سؤال يؤرقها
منذ الأمس ولكنها لا تجرؤ علي سؤاله ولكنها تماسكت
لتسأله وتستريح فالتفتت مرة اخري شعر محمد بغرابة
تعبيراتها حتي أنه فهم ماتريد سؤاله وتخشاه فشجعها أن
تتحدث وقال : اسألي وأنا هنجاوب بصراحة .
لا تعرف لماذا بكت الآن ولكنها أصدرت أنيناً جعله
يقترب سريعاً منها ويضمها لصدره وهو يزفر ويقول : ليه
بس ؟ أني قلتلك أني هنجاوب بصراحة يبقي ليه
الدموع بس ؟
بياضة من وسط دموعها وأنفاسها المكتومة بين ضلوعه
: ماهي الصراحة دي اللي أني خايفة منها .. خايفة
تجرحني .
ضحك بخفوت فابنته الصغيرة المشاغبة نضجت وتتكلم
عن الجرح ومن من ! مني أنا .. من المستحيل أن
أجرحك يا بياضة ولو علي حساب جرحي أنا .. شدد
علي ضمه لجسدها الصغير وهو يقول : ولو قلتلك أن
الحاجة اللي عايزة تسألي عليها مش زي ما أنتي
متخيلة .. أني مفيش في حياتي أي ست تانية غيـ ...
تنحنح بارتباك وأعاد صياغة جملته : مفيش أي ست
في حياتي .. يعني اللي أنتي سمعتي صوتها دي علاقتي
بيها شغل وبس .. وياريت تصدقي ده لأني مبنكدبش يا
بياضة .
هزت رأسها بالموافقة ولكنها قالت : طيب إيه الشغل
اللي بينك وبينها يخليها تقولك وحشتني .
ضحك محمد من قلبه فصغيرته المشاكسة تغار الآن .. نعم
هو يعلم أن حسن لم يعد بداخلها الآن .. يعلم أنها
استبدلته به .. يعلم أنها بدأت تتعلق بقربه منها بدأت
تتنفس عطره هو .. ومع ذلك هو خائف عليها ومنها ..
ومع ذلك لن يصرح بما داخله الآن حتي يتأكد
من أنهما حقاً يصلحان لبعضهما وأن الحياة ستستقيم في
علاقتهما كزوج وزوجة ..
سألته : بتضحك ليه ؟
أجابها من وسط ضكاته : ولا حاجة .. بس علاقة
الشغل دي مش هينفع نتكلموا عنها دلوقتي لما تنتهي
هنقلك عليها .. وعد .
ابتسمت فهي تصدقه .. طوال حياتها تصدقه حتي
بتهديداته لها تصدقه .. لذلك مسحت دموعها
وأعتدلت بوقفتها وأخذت نفساً عميقاً حتي تستعيد
توازنها قبل أن تدخل مبتسمة أمام لوزة وخالتها سناء
ثم حدث كل شيئ بسرعة لم تستوعب بها ماحدث ..
فشعرت بيد تضع علي فمها كمامة مخدرة ويد أخري
تضربها علي رأسها وآخر ما رأته صورة مهزوزة لمحمد
وهو يتعارك مع شخص قوي الجسد عريض ممتلئ
العضلات ومحمد ينظر لها بخوف وينادي عليها ..
وقبل أن تنتهي هذه الصورة وتختفي قالت بضعف
مسموع : حماااادة ...
ثم أنتهي كل شيئ من حولها .
أما محمد فقد كان يقاوم الضربات من هذا الشخص
الذي أختير بعناية لمواجهته حتي يمنعه من الوصول
لبياضة ثم فجأة تركه يترنح وهبط سريعاً خلف شريكه
الآخر الذي يحمل بياضة المغشي عليها بأثر تلك المادة
المنومة .. وعندما أستعاد إتزانه حاول أن يسرع خلفهم
لعله يلحقها ولكنه لم يري أحداً وكأن شيئاً لم يكن ...
***
نزل من السيارة التي توقفت أمام إحدي البنايات
بشارع الحجاري براس التين وهو شارع من الشوارع
السياحية الراقية بهذه المنطقة وهذه البناية هي إحدي
أملاك والده وهو من أخبره عنها ليأتي بالفتاة إلي إحد
شققها الفاخرة فهذه البقعة هادئة نوعاً ما إذاً فلن يشك
بك أحد ولن يلتفت إليك أحد وخاصةً بهذه الساعة
من الليل .. كلها كلمات صادرة من والده أو شيطان
والده الذي حرضه علي سرقة ما ليس له كما يريد هو
أن يفعل .
صعد وهو يحملها بين يديه ومازالت نائمة بعد أن منع
أي من الأشداء معه أن يصعد ثم أغلق الباب خلفه ..
كانت شقة من الطراز الحديث تمتلئ بالأنوار الكثيرة
الخافتة وكأنها تصلح أكثر لغرضاٍ آخر غير عيش أسرة
محترمة بها وضعها برفق علي مجموعة من الوسادات
الكبيرة والتي تشكل أريكة علي أرضية الصالة وأمامها
منضدة صغيرة دائرية فأبعدها حتي لاتعيق عمله معها
فهو لا ينتوي شر أبداً بها فهي إمرأته وستكون بصك
ملكية ستوصم به هكذا حينما تفيق ..
وقد بدأت فعلاً بتحريك رأسها ببطئ وبأنين ألم مما
أحدثه مقاومتها لهذا الذي حملها عنوة ووضعها علي كتفه
خاطفاً لها من محمد ..
اتسعت عيناها برعب عندما استعادت كامل وعيها ..
ثم صرخت باسمه ...
حمااااااااادة ..
زاد ذلك من غضب حسن تجاهها فاقترب منها واضعاً
كفه الأيمن علي فمها ليغلقه وهو يقول لها بغضب : بس
اهدي .. مفيش هنا حمادة .. في حسن وبس .. اللول
يا بياضة ..
زأرت بعنف تحت كفه ثم عضته بشراسة وحاولت
النهوض من مكانها ولكنها مازالت تشعر ببواقي دوار
خفيف جعلها تترنح فأمسكها بقوة وقسوة مستحدثة
عليه من ذراعها ورماها للأسفل مرة أخري ثم نزل
أمامها مقترباً منها عن الحد المسموح به فالتفت بوجهها
لإتجاه آخر رافضة النظر إليه مما زاد من غضبه وقسوته
فاقترب بشفتيه من جيدها فلثمه بحدة .. صرخت فكتم
صوتها ... نظرت إليه برجاء أن يتركها فزاد من قسوته
.. أمسك بكفه الآخر وجهها وأعاده إلي وضعه الطبيعي
حتي ينال الشفاه التي أرقته كثيراً عدم إبتسامهما له هو
وعدم نطقهما لإسمه هو .. وكاد أن ينالهما بالفعل لولا
صوت طرق علي الباب جعله يزفر بحنق وهو يتحرك
من مكانه ليفتح فهو بالتأكيد أحد هؤلاء البلطجية الذين
ينتظرون بالأسفل .. ولكنه تفاجأ بمن يقف أمامه ..
حسن بدهشة : أبويا .. إيه اللي جابك هنا ؟!!
لم ينطق قدورة ولكنه أشار بيده لمن معه أن ينفذوا ما
أمرهم به قبل فتح الباب .. نظر بدهشة تحولت لذهول
عندما أمسك بتلابيبه أحدهم ويجره للداخل بإحدي
غرف النوم فصرخ بوجهه وهو يقول : انت اتجننت ..
فيه ايه يا أبويا أنت هتعمل ايه .. مخليه يمسكني كده
ليه ؟!!!!
ولكنه أيضاً لم يرد .. توجست بياضة شراً منه عند
اقترابه فنظراته لم توحي بالخير ولكنها مع ذلك طلبت
النجدة منه وهي تقف وتلوم وتهذر وهو لم يسمع ولم
يرد .. فصوت الشياطين بداخله تصم أذنيه وتغلق فمه
عن الكلام .. أمر الآخر أن يغلق باب الشقة من
الداخل وينتظر مع زميله علي باب الغرفة التي يحتجز
بها حسن فوقتها أدركت بياضة أن الوالد هو أيضاً
يريدها وأن لا إختلاف بينهما فهما الإثنين مخلوقان
للشيطان .. قاومت .. صرخت .. حاولت النهوض من
تحته .. ولكنه مزق ملابسها .. ضربها علي وجهها حتي
تصمت .. قبّل كل ما طالته شفتيه المقرفتين .. حتي
أقتربت بعد عراكهما هذا من المنضدة الصغيرة الدائرية
التي أبعدها حسن قليلاً عن جلستهما فإمتدت يدها
تلقائياً للبحث عن أي شيئ تدافع به عن نفسها ..
فالبشر هكذا لديهم أفعال عفوية غريزية تصدر عند
إحساسهم بالخطر أو وجوب الهروب من خطر محدق
.. وهذا خطر بكل المقاييس كما أنها صدمات متلاحقة
من أناس لم تتوقع منهم هذه الصدمات .. ضربته فجأة
بشيئاٍ حاد لم تعرف كهنه ولكنها رأت الدماء تسيل من
رأسه فإبتعد عنها مجبراً بعدما صور له شيطانه أنه نالها
أخيراً .. ترنحت ولكنها عافرت حتي فتحت الباب
بالمفتاح الموضوع به وحمدت الله أنهم لم يخرجوه منه ثم
نزلت سريعاً للأسفل تتلمس المساعدة من أي شخص
.. نادي عليهم قدورة من الداخل حتي يلحقوا بها ..
فنالوا من السباب الكثير فتركهما أحدهما ولحق بها
والآخر هرول إلي المطبخ ليأتي بشيئاٍ مثلج يضعه علي
جرح آمره .. بحث عنها ولكنه لم يجدها .. لقد أختفت
وسينال هو التوبيخ علي هروبها .. ففضل أن يبحث
عنها لمدة أطول لعله يجدها .
***
كان يجلس بجانب خالد داخل سيارته يبحثان عنها
بإستماتة ولكن حتي الآن لم يجداها .. زفر محمد بيأس ثم
صدم يده بقوة أمامه علي تابلوه السيارة وهو يقول
لنفسه بصراخ : هتكون أختفت فين ..
خالد لتهدأته : اهدي يا حمادة علشان نقدر نفكر مين
ممكن يكون عمل كده ..
محمد بحدة وقد تمكله اليأس وأفكار شيطانية مما فعله فيها
مختطفها : مش عارف نهدوا ماتقوليش اهدي .. أني
لازم نلاقيها .. فاهم يا خالد لازم نلاقيها .. حتي ماهينار
اللي كنت فاكر أن أخوها اللي يكون عمل كده أنكرت
أنها تعرف حاجة .. أني هنتجنن مين .. مين اللي عمل
كده بس ورحمة أبويا وأبوها لا نكون معلقه بس نعرفوه
لم يجدا بداً من البحث في الشوارع والبيوت فهما حتي
الآن لم يجدا لها أثراً .. دخلا شقة والدته التي وجدها
تبكي وتدعو الله أن يسلم ابنتها من كل شر .. ولوزة
تجئ وتروح والدموع لا تترك وجهها وقد حفرت به
أخاديد من كثرتها .. وعندما سمعا صوت إغلاق الباب
هرولا كلاهما باتجاه محمد وهما يسألان بأعينهما عن
بياضة فهز رأسه بالنفي .. انهارت سناء علي أقرب
مقعد لها وهي تستكمل بكاؤها أما لوزة فاقتربت منه
وقالت بحدة : أنت قلت أنك مش هترجع من غيرها ..
راجع ليه دلوقتي روح دور عليها .. هاتلي بياضة ..
هاتلي صاحبتي .. هاتلي أختي .. هاتها يا أبيه .. أنت
وعدتني أنك هتحافظ عليها لما أتجوزتها ووعدت سمرا
أنك هتصونها .. ليه سمحتلهم ياخدوها منك .. ليه ؟!!!
كانت تصرخ وتتحرك بهستيريا والدموع أيضاً لا تتوقف
عن الهطول .. أمسكها خالد ليبعدها عن محمد ويهدأها
فاستجابت بعد أن أفرغت جعبتها من كلام عالق
بجوفها منذ وقت .. جلست علي الأريكة وجلس بجانبها
يربت علي ظهرها ويخبرها أنهما لم يتركا مكان إلا وبحثا
فيه وأثناء إقناعها بأنهما بذلا جهدهما رن جرس الباب ..
انتفض الكل .. مسح محمد دمعتان فرتا من عيناه
بلحظة ضعف ويأس وقلق .. فتح الباب حيث كان هو
الأقرب فلم يجد إلا حنان نظروا جميعاً إليها بحسرة ..
حسرة من أمل زائف إنتابهم جميعاً من أن تكون بياضة
.. نظرت هي إلي وجوههم ففهمت أن ما شاهدته منذ
ساعتين تقريباً لم يكن إلا جزء من مسلسل إختفاء
للمدللة فقالت شامتة : في إيه هو أني دخلت جنازة ولا
إيه ؟ هي البت بياضة فين أمال ؟
لم يجيبها أحد ولكن نظرات محمد إليها كانت كافية
لإرتجافتها بأنها تجاوزت حدود الكلام فقال بحدة
مقصودة : هو أني مش قلتلك يا حنان مفيش دخول
ليكي هنا تاني ؟
ابتلعت ريقها بتوتر وقالت بنبرة مهزوزة : قلت بس
قلت لما تكون الهانم مراتك هنا .. وأني نعرف إنها مش
هنا دلوقتي ..
اقترب منها بحدة فلا أحد يعلم بإختفاء بياضة إلا هم
وفقط متي علمت هي وكيف .. شدد علي ذراعها
بقسوة وكز علي أسنانه وقال : عرفتي منين يا بت
عمتي إنها مش هنا .. إنطقي .
ابتلعت ريقها بخوف وبارتعاشة تملكتها قررت تحريف
الحقيقة فهي تستحق العقاب وهو أيضاً لتفضيل أخري
عليها ..
شوفتها نازلة من عربية مع حسن في شارع الحجاري ..
وداخلة معاه عمارة جديدة .. استغربت ساعتها بس
قلت لنفسي وأني مالي مش أنت اللي رضيت بواحدة
ماشية علي حل شـ .....
لم تكمل كلمتها الأخيرة إلا بشهقة مرتجفة حين تركها محمد
بعنف وغيظ وركض للخارج وخلفه خالد الذي نظر
إلي حنان بنظرة تشكيك مما زادها توتر .. وبعدما
تركاها وخرجا بحثاً عن بياضة اقتربت منها لوزة وقد
فاض الكيل بها من ابنة عمتها التي تمتلئ بالغل ولا
تعرف سبب هذا بالفعل فهي تمتلك المال والجمال
والأصل فلماذا إذاً هذا الكره غير المبرر للكل .. صفعتها
بقوة وقالت كلمتها الأخيرة .. اطلعي بره ومانشوفوش
وشك عندنا تاني .
ركض علي درجات السلم مسرعاً يدعو الله أن تكون
بخير ... فالشك بإيذاء حسن لها يقتله ليس لأنها
زوجته وليس لأن شرفها من شرفه وليس لأنها
ستفضحه .. فما يقتله هو أنه يعشقها .. يعشق ضحكتها
والتي عندما ذهبت منها عند رحيل أمها كاد أن يجن ..
يعشق مرحها الذي فعل المستحيل ليعود إليها مرة
أخري وكأن روحه هي التي ردت إليه .. يعشق جنونها
وطفوليتها التي يخشي وبشدة أن تنتهك من هذا الكائن
الآن .. هذا ما يقتله .. العشق ..
طرق بعنف علي باب الشقة التي سأل عنها بواب بناية
مجاورة كان يفرك بعيناه من النعاس ويفتح بوابة البناية
ليتأكد من لا أحد بالخارج والأمن مستتب فأخبره عن
أن المعلم قدورة يمتلك البناية بأكملها ولكنه يمكث
بجلسات أنس بإحدي الشقق وأخبره عن رقمها بالدور
الرابع .. لم يفتح له أحد .. زاد بالطرق وهو يهتف
بتهديد : أني عارف أنك جوه ياحسن أفتح بدل ما
نكسروا الباب .. أفتح ياحسن هنقتلك ياحسن لو
لمستها .. ورحمة أبويا وأبوها لنشرب من دمك ..
تثاقل بمشيته حتي فتح الباب بإستسلام من ينتظر
عقابه وبالفعل نال من اللكمات ما يكفي أن يجعله
يسقط علي الأرض وينزف من كل جزء بوجهه .. نظر
إلي محمد بإنكسار وقال بخفوت ووجع : أني أسف ..
قلها حسن بيعتذرلك .. مشيت ورا شيطان أعمي ..
ضحك عليا وخلاني أأذي أحب الناس لقلبي ..نزل
محمد لمستواه وأمسك بياقة قميصه بحدة وهو يقول :
يعني إيه أذيتها .. بياضة فين أنطق بياضة فين .. عملت
فيها إيه ؟
ثم تركه بعنف وراح يبحث عنها بالشقة كلها ولكن لا
أثر لها بأي ركن فأتاه مسرعاً وأمسكه كالسابق وظل
يسأله بحدة : بنقولك بياضة فين فيييييين ؟
همس حسن بلاوعي : أني السبب في اللي أبويا عمله
.. أني اللي طاوعته في كل اللي خططله .. بياضة
هربت مش عارف بعد ولا قبل .. بس خدت حقها
وضربت أبويا لحد مانزف وراح المستشفي ياريت
يموت قبل ما يوصل .. أني السبب أني السبب تركه
محمد مصدوماً مما هذي به حسن للتو .. يا الله الولد
وأبوه طمعا بها ..
تركه ليخرج من وكر الشيطان هذا .. سار هائم علي
وجهه يبحث عنها كالمجنون وهو يتمتم بدعوات أن
تكون بخير .. أن يجدها وسيهون عليها كل شيئ .. كان
يلومها علي عصيانه وتيبس رأسها سابقاً معه ثم يدعو أن
تعود وكل شيئ سيكون علي مايرام .. لقد جن وأصبح
يكلم نفسه بالشوارع الآن .. لايعلم خالد ما أصابه ولم
يلحق به سيراً علي اقدامه فعاد إلي سيارته وسار ببطئ
خلفه بها وهو يدعو الله بالستر فهو لأول مرة يري
صديقه هكذا .. ركن السيارة بجوار رصيف جلس عليه
محمد ونزل منها ليجلس بجواره ويربت علي ساقه وهو
يقول له : أركب يا حمادة ممنهاش فايدة القاعدة دي ..
هز محمد رأسه نفياً وقال : أني مش هندخل البيت إلا
وبياضة معايا .. أني خايف عليها أحسن تكون عملت
حاجة في نفسها .
خالد بهدوء لابد منه الآن : ايه اللي حصل بس
وراحت فين بياضة هي مش كانت المفروض فوق ؟
تنهد بألم وهو يغمض عينيه ثم سار باتجاه السيارة حتي
ركب فنهض خالد بيأس من أن يقول صديقه أي كلمة
إذاً فالموضوع أكبر من مسألة خطف عاشق مراهق
لمعشوقته ..
كان يزفر محمد بإختناق وعند إقترابهما من المنزل رآها ..
محمد بلهفة : وقف العربية ياخالد .. بسرعة وقفها ..
نزل محمد بسرعة وبلهفة فرحة هرول عليها ليجلس بجانبها
حيث كانت متكومة بجانب إحدي أرصفة شارع ما
بالقرب من منزلها ولكن خانتها قدميها للإقتراب أكثر
بهذا المظهر لهم .. ماذا سيقولون عنها ؟ ماذا سيقول
حمادة عنها ؟ كيف سيستقبلها الآن بعدما لوثته ولوثت
نفسها .. لقد كانت مخطئة حقاً وهو علي حق .. كان
لابد من سماعي لكل كلمة قالها وكل أمر أصدره بحقي
ابتعدي عن حسن .. إذا رأيتك تبتسمين إليه سنكسر
رقبتك ورقبته .. أمشي باعتدال وليس بهذا الدلال ..
لاترتدي هذه الملابس فهي مثيرة ولا يصح أن تظهري
بها فتنتك .. لا تتمايلي بشعرك هكذا ..
كانت تبكي إستهتارها .. كانت تبكي ضعفها .. كانت
تبكي قلة حيلتها .. كانت تبكي ضياع ثقتها بالناس ..
كانت تبكي هوانها علي نفسها وعلي من أعتقدت سابقاً
حبه لها .. كان تبكي حياة أعتقدتها وردية أحلاماً
وردية .. أنتهت بدموية ..
نادي اسمها بهمس متألماً رؤيتها هكذا : بياضة .
اتسعت عيناها لا .. لاتريد أن يراها هكذا .. لا تريد
أن تري شفقته أو شكه بها .. حبست رأسها داخل
جسدها المتكوم للداخل وبشكل غريزي ضمت كلا
طرفي فستانها الممزق من أعلي صدرها والذي أبرز ما
يخفي تحته بشكل مستفز .. حاولت بشتي الطرق
إبعاد نفسها عن دائرته ولكنه كان الأسرع فأمسك بكلا
ذراعيها ليوقف حركتها الهيسترية فإضطرت أن تنظر له
بخوف لترجوه أن يبتعد .. هاله ما رأي علي وجهها من
كدمات فضمها سريعاً إلي صدره .. هل شفق عليها ..
ربما ولكنه تألم لتألمها وكأنه هو من ضرب ونزف حد
الوجع .. عصرها بصدره وكأنه يعتذر عما حدث لها
وكأنه هو سبب ما حدث ..
نطقت بصوت مبحوح وقد بدأت الدموع تأخذ مجراها
السابق : أني أسفة .. لو كنت سمعت كلامك قبل كده
ما كانش هيحصلي حاجة من دي .. أني أسفة يا حمادة
ثم صمتت دموعها وقالت بحدة : بس أني أخدت حقي
وقتلته .. أكيد مات .. أني ضربته علي راسه وسبته
ينزف ياارب يكون مات
زفر محمد بقوة وقال : مفيش حد مات يابياضة .. بس
تاري وتارك أني هناخده منهم هما الإتنين .. الواد وأبوه
نطقت بسرعة وكأنها قرأت بعينيه نظرة شك بأن يكون
حدث ما يخشاه أي رجل علي زوجته : ماعملش حاجة
.. مفيش حد فيهم .......
لم تكمل كلمتها فقد حشرها بصدره مرة أخري بقوة فهو
لايريد سماع أي تبريرات لا تهمه الآن .. مايهمه هو سلامها النفسي والجسدي الآن ..
نهض بها وهو يقول : يلا بينا هنروحوا علي المستشفي
علشان نطمنوا عليكي وبعدين هنروحوا علي البيت
الكل مستنيكي ..
نهضت مسرعة وقالت : لأ بلاش أني مش عايزة حد
يشوفني كده
ابتسم لها وهو يقول متفهماً : ماتخفيش .. محدش
هيشوفك كده .. يلا بينا .
اعترضت شفاهها ابتسامة مرتعشة فأسندها حتي
الباب الخلفي للسيارة .. أخفت وجهها وما فضح من
ملابسها حين رأت خالد الذي استدار إليها ليلقي عليها
تحية مرحة فعاد إليها محمد معاتباً لنفسه وخلع عنه
سترته الخفيفة التي كان يرتديها أعلي قميصه الأزرق
وبنطاله الجينز الرمادي ثم ناولها إياها لترتديها وتغلقها
حتي أنه صعد بجوارها وأشار لخالد بالتحرك لأقرب
مشفي أولاً وضمها إليه لترتكز برأسها علي موضع نبض
قلبه ..
وبعد وقت ليس بالقليل كان يحملها بين يديه وهي
غافية بفعل المهدئ الذي أعطاه إياها الطبيب وكتابته
لبعض المراهم المرطبة لأثر الكدمات وغفل عن ذكر
محضر وبلاغ حين علم أنه وكيل نيابة ولذلك هاهو
يصعد بها إلي شقته فسمع همسها وهي تقول : أنت
هتوديني فين ؟
ابتسم محمد وقال بمشاكسة : علي شُقتي هنبقي براحتنا
فيها .
ارتعشت بعفوية وتذكرت لتوها ماحدث معها منذ قليل
ولكنها حدثت عقلها بأن محمد يختلف .. هو زوجها ولن
يفعل معها ما يؤذيها .. تشبثت به بقوة فشعر بما تفكر
به وعذرها وقال لها بهمس هادئ : ماتخافيش من
حاجة تاني يا بياضة .. أني جنبك وعمري ما هنسمح
لحد أنه يأذيكي تاني .. وحقك وحقي هناخدوه
هتفت بياضة بقوة ورجاء : لأ بلاش أني مش عايزة
حد يأذيك بسببي .. أني كمان كنت غلطانة وربنا
عاقبني علشان نعرفوا أنك كنت علي حق في كل حاجة
.. أني مش هنخالف كلامك تاني .
ثم حاوطت بكلتا ذراعيها رقبته لتستمد بها أمان كانت
تظن أنه موجود في غيره ولكنها أكتشفت أنه معه هو
ولن يوجد غيره بعد الآن ..
ظلت تترجاه فطمئنها بأنه لن يفعل شيئ لا تريده هي ..
وصل بها إلي غرفة نومه وضعها علي الفراش برفق
وملس علي شعرها وهو مبتسم حتي غفت بنوم هي
تحتاجه الآن وبشدة .
تركها ونزل لشقة والدته ليطمئنهما علي حالها الآن فوجد
خالد بالداخل ويتحدث معهما علي حال بياضة وسمع
لوزة وهي تقول :
وليه ماجبهاش علي هنا .. أني هنطلعلها وهنفضلوا
جنبها لحد ما تفوق وتبقي كويسة .
فقطع عليها محمد كل أمل بأن تكون بجانب صديقتها
الآن : مفيش حد هيكون جنبها من هنا ورايح غيري ..
لوزة حضري شنطتها وحاجتها كلها وهناخدها لشقتي
فوق أني وعروستي ..
***