الفصل الثالث عشر

385 5 0
                                    

تتكرر الإتصالات المريبة والمثيرة للإشمئزاز لها والتي
لاتفهم مغزاها ولامن يفعلها حتي أنها أخبرت والدتها
ولكنها أخبرتها : " ماتخديش في بالك يا بتي هتلاقيه
واحد بيعاكس وعجبه صوتك .. ماترديش تاني علي
التليفون " .
تنهدت بحيرة حين شعرت بأصابع يده تملس علي ظهرها
ذهاباً وإياباً بنعومة ثم يلثمه بشفتيه بإثارة وحينما لم يجد
إستجابة تذكر منها إعتدل بجانبها وهو يترك الكأس بيده
الممتلئ بالخمر رغم إستنكارها لشربه له ولكنها عندما
ذاقته تقبلت طعمه وشاركته إحتسائه بكل لقاء بينهما
ولكن بنسب معقولة حتي لاتكتشف بالمنزل .. سألها :
مالك يا حريقة قلبي ؟
تناولت منه الكأس وابتلعت منه رشفة ثم قالت : في
مكالمات بتجيني من فترة ومحيراني ..
هل ابتسم بخبث الآن ؟! نعم .. ولكنها لم تراه فقد
كانت شاردة بما تقوله فسألها بحيرة مزيفة : مكالمات إيه
يعني ؟!!
زفرت نوسة وقالت : أصوات رجالة كده مش ولابد
وبعديها بيقولي عايزك وتعالي وكده يعني .
السيد بتعجب مزيف : غريبة .. قلتي لأبوكي ولا لأ ؟!
نوسة بسخرية : قلت لأمي بس قالتلي حد بيعاكس
وماتخديش في بالك .. إيه هاتقولها أنت كمان ؟
السيد بجدية مصطنعة : لأ طبعاً أني هنشوف الموضوع
ده وهنكلموا حد في السنترال يعرفلي مين ابن .... اللي
بيتكلم ده .
نوسة بحيرة : مش واحد بس .. الأصوات اللي بتتكلم
أكتر من واحد والغريبة أنهم كلهم بيعملوا نفس العمايل
وبيطلبوا نفس الطلب .. كأن البيت في واحدة شمال
وهما واثقين من ده .
السيد بمحاولة للخروج من الموضوع فيقول وهو يقبل
جيدها ثم ينزل حمالات قميصها التحتي : ماتفكريش
كتير في الموضوع أني هنخلصوه .. خلينا في موضوعنا
إحنا هنا دلوقتي .. يا جمرة نار قلبي .. يخربيت كده أني
بنحبك أوي يابت .
ثم أعاد الكرة مرة أخري كما فعلاها قبل حديثهما والذي
لم يسفر إلا عن وعود واهية منه وهي كالعادة تصدقه ..
***
يمسك النرجيلة بيده ثم يضعها بفمه وينفث دخانها وهو
ينظر لابنه الذي منذ جلس أمامه وهو شارداً بملكوت
آخر .. لقد رآي محمد برفقة إمرأة اخري غير بياضة إذن
لماذا مازال يتمسك بها ؟! لا ينكر أنها إمرأة مثيرة جداً
ولكن بياضة لها جمال آخر أخاذ ..هل يقرر الإحتفاظ
بكلتيهما ؟! لا لن يسمح بذلك كما أنه يعرف فبياضة لن
تسمح لهذا العرض الهزلي أن يستمر كثيراً .. فليطلقها
وينتهي الأمر ..
زفر بحنق مكتوم فتحدث أبيه : أخبارك إيه يا واد
ياحسن ؟
انتبه حسن لسؤاله فقال بنبرة ضعيفة : الحمد لله ..
قدورة بخبث : والبت بياضة صحيح أتجوزت من
المستشار جارها ده ؟ اسمه حمادة مش كده ؟
زفر حسن عند سماع اسمه ثم قال بعصبية : ما أنت لو
كنت سَمعت كلامي وجوزتهالي ماكنش عملها هو
وسبق .. عجبك كده يابا أهي ضاعت من ايدي .
ترك قدورة ما بيده ثم اقترب من ابنه وهمس بفحيح
بجانب أذنه : ومين قالك يا خايب أنها ضاعت .. أني
عندي إستعداد نساعدوك علشان تبقي من نصيبك
أنت .
حسن بإبتسامة ولهفة : بجد يابا .. إزاي هنطلقها منه
إزاي ؟
ابتسم قدورة بشيطانية ثم أخبره عن خطته لجعل محمد
يطلقها بإرادته ودون الحاجة إلي إلحاح منها ..
حك حسن بذقنه ثم نظر لأبيه بإبتسامة وهز رأسه
بموافقة أخيراً وهو يقول : علي خيرة الله .
***
"بنعشقك يا حمادة .. بنمووووت فيك "
بياضة .. بياضة ..
ظل ينطق باسمها حتي فتحت عيناها ببطئ فوجدت
نفسها مازالت نائمة علي مقعد المائدة فرفعت رأسها وهي
مثبته عيناها بداخل عينيه .. مرتبكة وحائرة .. غير
مصدقة لما رأته بحلمها .. هل حلمت بكل ذلك ؟! يا
إلهي سيكتشف مابي إذا ظليت واقفة أمامه ..
محمد بقلق : بياضة .. مالك ؟! ونايمة هنا ليه ؟!
اتسعت عينيها بدهشة فهذه الجملة قد سمعتها قبلاً وما
بعدها مخجل جداً .. عضت علي شفتيها ثم ابتلعت ريقها
وهربت لداخل غرفتها دون النطق بكلمة ..
محمد لنفسه بحيرة : مالها دي فيها إيه ؟!!!
أغلقت بابها من الداخل بالمفتاح .. واقفة هي خلفه تضع
يديها علي قلبها تحاول إبطاء دقاته التي تقفز بسرعة
لاتصدقها حتي اللحظة ..
تتنفس بصعوبة ثم تغمض عينيها وتقول لنفسها تحاول
تبرير ما فعلته : إهدي يا بياضة .. ده حلم وهو ما
شافهوش .. مايعرفش اللي فيه .. إهدي بقي .
طرق الباب برفق وهو ينادي اسمها فترنحت من فرط
إرتباكها ثم قالت له بحدة فلتت منها : عايز إيه يا حمادة
؟ أني عايزة ننام بكرة نتكلم .
محمد بإصرار : لأ هتفتحي دلوقتي يا بياضة .. وأنتي
عارفة لو ماعملتيهاش هنعمل أني إيه .
تأففت من إلحاحه فلو كان طلب ذلك بوقت آخر
لكانت فتحت الباب دون الحاجة إلي تهديده .. حاولت
التظاهر بالغضب ففتحت القفل ثم استدارت بجسدها
لناحية معاكسة له وقالت بزعيق : عايز إيه ؟ بنقول
عايزة ننام مش كفاية أن الخروجة فشنك .. ياتري بقي
الهانم اللي كانت زميلتك ورجعت انبسطت في وقتها
معاك ؟
كانت ترتعش أم كان يتخيل ذلك .. هل هي غاضبة
لهذا الحد ؟
اقترب منها ومازالت توليه ظهرها فوضع كفه علي كتفها
وقال برقة جعلتها تغمض عينيها بتأثر : بياضة .. أنتي
زعلانة مني ؟
هل هو الآن رقيق ؟ هل صوته حنون لدرجة أفقد بها
قدرتي علي الوقوف أو التنفس ؟ متي حدث لي ذلك
ولماذا ؟
أدارها له بكل جسدها نظرت لعينيه وغاصت بهما
فنطق هوبارتباك ونبرة مهزوزة : أني أخدت بكرة أجازة
كله شوفي بقي تحبي تروحي فين وأني هننفذ .. أعتبريه
تعويض عن النهاردة .. لسه زعلانة ؟
ابتسمت .. لا .. ضحكت .. قفزت هل سترتمي بداخله
الآن .. كادت ولكنها عادت لرشدها سريعاً قبل أن
ترتكب جريمة بحق خجلها الفطري كأنثي .. بياضة رغم
جرأتها وعفويتها بإستجابتها لأي موقف إلا أنها مازالت
بريئة جداً بشأن المشاعر والرومانسية حالمية قدر
الغيظ منها ولكنها أيضاً خجولة بطريقة تجعلها شهية ..
لذيذة .. يطمع بها ذوي النفوس المريضة وذوي النفوس
العاشقة لها مثلها مثل زهرة الفريسيا فهي جميلة ورقيقة
وهي مثال للبراءة والحالمية .
تركها سعيدة تحلم بالغد وما ستفعله وقررت وضع خطة
لما ستفعله والأماكن التي ستذهبها برفقته ومازالت
الحالمية تمتلك أحلامها ..
أنتهت من وضع خطتها .. حان وقت النوم إن أمكن ..
فمازال حلمها معه يسيطر علي كيانها بكثير من السعادة
والدغدغة لمشاعرها الفتية .
أما هو فلم يذق طعم النوم لسبب آخر .. ما حدث
اليوم كله يحزنه ويقتله .. فهو لايحب الكذب وخاصةً
علي أحب الناس إليه .. مبرره الوحيد أن ما يفعله
لمصلحة الوطن .. ضحك بسخرية لنفسه وقال لها :
واللي حصل بينكم في الفندق كمان علشان الوطن
؟
تأفف واحتقر نفسه كثيراً ثم نهض ليغتسل للمرة الثالثة
اليوم فهو حقاً يكره نفسه اليوم .. لن أفعلها مرة أخري
حتي ولو كانت زوجتي شرعاً ولكنها وسيلة فقط لتنفيذ
عملية مهمة لبلدي أما بياضة هي زوجتي وحبيبتي ومن
يحق لها لمسي وإمتلاكي بكل مافي ... نعم بياضة حبيبتي
.. حبيبتي .
***
يسير علي أطراف أصابعه ويدخل ليجد الحاج سليم "
مايطلق عليه اسم الشبار وهو العقل المدبر للعمل
ويدير العمل بحكمة كما أنه يمتلك شخصية جادة " يمتلك
من العمر الخمسين أي يقترب من عمر قدورة تقريباً ..
أقترب منه السيد ليجد أن الحظ يلعب معه جيداً فتمتد
يده لحمالة المفاتيح والتي تخص المكتب بخزينته أمامه ..
وبالرغم من إقتراب يد الحاج سليم منها إلا أن السيد
سحبها سريعاً بمهارة .. أخرج قطعة من الصلصال ليطبع
عليه رأس المفتاح الذي يخص الخزينة ويضعه مكانه
بإحترافية ويهرول للخارج ليعود لروتين يومه بالعمل ..
بعد لحظات يدخل قدورة المكتب ليفزع الحاج
سليم بنومه ويوقظه وهو يقول له : إيه ياراجل هي
العضمة كبرت ولا إيه ؟ نام في بيتكوا ياخويا .. أمشي
هاتلي الشيشة بتاعتي خلينا نعمروا الدماغ ..
هرول الحاج سليم بنعاسه للخارج حتي يأتي بطلبات
القرش الكبير والشيطان الأكبر .. قال قدورة لنفسه
وهو يضطجع بمقعده بكل عنجهية كاذبة : وأخيراً يا
حبيبة القلب هتبقي في حضني أني قريب .. يلا الواحد
يحمد ربنا بردك أنها ماتجوزتش الواد حسن ..
مش عايزين نعملوا ذنب ما يتغفرش مع أقرب الناس ليا
.. ثم ينهي حديث شيطانه بضحكة مثيرة للغثيان ككل
ما فيه ..
***
تقف بجواره تقفز كالأطفال يتطاير شعرها المنفلت من
ضفيرته علي وجهها بإغراء طفولي .. ترتدي فستان
باللون الأزرق يمتلئ بالقلوب الحمراء الصغيرة والكبيرة ..
يخاصرها حزام رفيع باللون الأحمر وبالطبع ذو أكمام
طويلة وبرقبة مغلقة ..
تختلس النظر إليه وما أن يبادلها الإختلاس تخجل
وتنظر للأمام " للبحر " .. فكلاهما يشعران باللذة
ولكنهما لايبوحان فأحدهما يشعر بالذنب والخيانة
والأخري تشعر بالخجل وكلا السببان مقنعان لهما لبدأ
البوح بما يعتمل بقلبيهما .. لذلك سيؤجل محمد الإعتراف
إلي أن تنتهي القضية ويطلق ماهينار وتعود حياته كما
كانت .. أم أنه سيخبر بياضة بكل شيئ وهي ستسامحه
.. لايعرف .. وهي تنتظر أن يعترف هو أولاً فلا يجوز
للفتاة البدأ بالتعبير عن الحب .. هذا بعرف الخجل
والحياء الفطري .
استدارت عند سماعها صوت الرجل المفضل لديها عمله
ثم نظرت لمحمد بتوسل ولكنه رفض فأوائل فصل
الشتاء علي مشارف البدأ .. ولكنها لحوحة ومصرة علي
شرائه فقالت بدلال الأطفال التي أصبحت تعرف تأثيره
عليه : أنت مش قلت أن طلباتي كلها مجابة النهاردة ..
علشان خاطري .. واحدة بس .
تنهد بإستسلام ثم ضحك علي قفزها وطريقتها الطفولية
ثم قال : ماشي .. واحدة بس وصغيرة .. مش عايزك
تتعبي .
تركها بالفعل تبتسم بحب ليذهب هو إلي عربة تبيع
الجيلاتي ويبتاع لها واحدة منها بنكهة هو يعرفها جيداً
فكيف لايعرف وهو من كان يدللها كثيراً بصغرها ..
وهي بدأت بالتذكر الآن فلامت نفسها علي إغفالها لكل
ما كان يفعله معها قديماً وتتعهد أمام الله أنها ستعوضه
عن كل ما كانت هي تفعله معه منذ كبرت .. وسط
حالميتها وشعورها المستجد سمعت صوت فزعها وجعلها
ترتعش فنظرت لمحمد وشكرت الله أنه لاينظر إليها
الآن وتدعو الله أن يظل هكذا حتي تبتعد هي ..
استدارت ببطئ وهتفت بخوف
وفزع حقيقي لأول مرة تستشعره أمامه : حسن !!!!!!
***









ريش نعام ( أحلام فريسيا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن