الفصل الخامس عشر

465 7 0
                                    

مر يومان بعد فشل عملية الخطف وخلافه .. يجلس
علي مكتبه يلتفت يمني ويسري .. خائف هو مما يمكن
أن يفعله محمد هو يعلم مدي شراسته .. كيف كان مغيباً
حين حرض ابنه ليخطتفها .. لقد أقنعه أن الناس
لاتصمت عن شائعة تثار عن علاقة فلان بفلانة
إلا وحدث بعدها طلاق لهذه الفلانة ثم بعدها
سيتزوجها فلان هذا ليمنع عنها مزيد من الأقاويل وما
يريده حسن هو زواجه منها كما كان هو يقنع نفسه
بأنها تريده ولكنها مشتتة العقل الآن ..
زفر قدورة بحدة مرتعشة فأنفاسه خائفة من ظهور محمد
أمامه بلحظة .. وضع كف يده علي رأسه المصابة والذي
علي إثرها وُضع بفراش مشفي مضطراً لتُضمد له ويُعلق
علي ذراعه بعض المحاليل المعوضة للدم المستنزف منه ..
أدار جسده ببطئ وشمر عن طرفي بنطاله القماشي
الأسود الحريري ثم نزل القرفصاء أمام خزينة أمواله
وأوراقه الهامة وبدأ بفتحها بزفرة حانقة وتدريجياً اتسعت
عينيه بعدم تصديق .. لم يعد بها شيئاً لقد مُسحت تماماً
حتي من الأوراق الهامة .. صرخ بصوته الجهوري
الخشن علي صبيانه جميعاً وبعد وصلة تهديداته اتكأ
بكلا كفي يديه علي المكتب أمامه وهو يفكر من قد
يكون فعلها ثم رفع رأسه وأمعن النظر بالصبية أمامه
فزفر ثانياً فلم يكن بينهم من يجرؤ علي سرقته .. ولكنه
أعاد النظر مرة أخري وهو يسأل عن السيد ولم
يجد إلا التفات الجميع لبعضهم البعض بهمهات خفيفة فما
كان منه إلا زعق بهم ليعيد سؤاله فتقدم أحدهم بإرتعاش
قدميه الهزيلتين ويديه السمراء وملابسه الذي تحول
لونها الفاتح إلي الغامق من كثرة الأوساخ عليها الناتجة
عن تنظيف الأسماك والتخلص من الفضلات .. مد
كفه بورقة مكورة بيديه كان يظنها مزحة ثقيلة من
مزحات السيد ثم سيعود مرة أخري حتي أنه لم يقرأ ما
بداخلها .. خطفها منه قدورة بحنق وقرأها وبعدها ارتمي
علي المقعد خلفه بصدمة جعلت شريط حياته السوداء
يمر أمامه كشريط سينمائي ساخر ولكنه مرير علي من
عرفه ..
"من الآخر يا معلم أني لا هنقولك مقدمات ولا كلام
ماسخ مالوش طعم .. أيوه أني اللي سرقت الفلوس
والورق اللي في الخزنة كله وعلي فكرة مش هتعرف
توصلي .. وفي يوم من الأيام هنرجعوا اسكندرية وأني
غير السيد اللي سابها .. علي فكرة في خبر كنت
مأجله للآخر بس مش قادر نخبيه أكتر من كده مع أني
كنت هنمووت ونشوف رد فعلك بس يلا كفاية حرقة
قلبك زي اللي خليتني نحس بيها زمان فاكر يا معلم اللي
عملته في أبويا وأمي .. كنت فاكرني أنت وأمي صغير
ومش فاهم حاجة بس أني كنت فاهم كل حاجة .. كنت
فاهم أنها خاينة وأنها ما تستهلش الراجل اللي كان في
يوم حيطة ساتراها .. اللي كان بيشقي ليل ونهار
ومستحمل زلك وإهاناتك ليه علشان خاطر لقمة
العيش اللي تعيشي أني وهي من غير ما نمدوا ايدنا لحد
.. استكترت عليا وجود أم نضيفة ليا .. استكترت عليا
وجود الصورة الطاهرة لأمي نقدر نفتخر بيها قدام
ولادي .. أني كمان استكرت عليك ده واستكرت
عليك النعمة والهنا اللي عايش فيهم .. استكترت
عليك نضافة بتك فاتجوزتها في السر .. أني مش وسخ
أوي زيك هنعملها في الحرام .. بس قلبي مش أبيض
علشان كده كان في السر .. وريني بقي هتجوزها
لعريس الغفلة ده إزاي وهتضحك عليه وتقوله إنها
بسلوفانتها إزاي .. ها شوفت جرح الشرف غالي
ومتعب إزاي .. أه ابقي اكشف عليها وشوفها حامل ولا
لأ قبل ما تضحك علي الراجل وتجوزهاله .. سلام 
يامعلم أشوفك في قبرك .
المخلص السيد ...
***
تفتح لوزة الباب فما كان إلا خالد يأتي ليطمئن عليهم ..
بالأخص عليها بعدما حدث منذ يومان فتبتسم له
وتدخله وهي تلقي عليلا مسامعه : صباح الخير يا أبيه
.. برقتها المعهودة معه وخجلها الفطري والذي أصبح
تفسيره مختلف الآن .. ابتسم هو الآخر كالعدوي
ودخل .. أختفت فترة قصيرة ثم أحضرت صينية
موضوع عليها كوب كبير ممتلئ بالحليب الممتزج مع القليل
من الشاي الأسود وبجانبه طبق صغير به بعض
البسكويت المنزلي الصنع .. امتدت يديه ليتناول
الصينية منها فتتلامس الكفوف وتتهامس القلوب
وترتبك الأجساد ثم يحدث الإبتعاد مرة أخري مصاحبه
الإرتباك حتي الشرفة .. يمسك الكوب بيد واليد
الأخري يسندها علي سور الشرفة يحاول تفسير دقات
قلبه السريعه كلما تلاقت أعينهما أو تلامست أيديهما أو
ابتسمت بوجهه أو حتي سمع صوتها الرقيق الهش ..
تنهد بحيرة ليست كاملة فهو يخاف من هذا الإعتراف ..
كيف وطوال السنوات الفائتة كانت لوزة أخت صغيرة
.. صغيرة جداً يحتضنها عند بكاؤها ويهدهدها عند
حزنها ويحميها ويطمئنها عند خوفها ؟!!!! كيف تصبح
بلحظةٍ أخري يريد أن يفعل معها كل هذا بأي صفة إلا
الأخت الصغيرة جداً ..
تنهيدة صاحبت دخولها متخبطة بخجلها .. وقفت بجواره
ووضعت كفها بجانب كفهِ الموضوع علي سور الشرفة ثم
أخفضت رأسها وقالت بنفس الخجل : أني سَمعت أنك
رفضت جوازك من حنان .. صحيح ؟
   يبتسم خالد وينظر إليها ثم يقول بمشاكسة : سعيدة بقراري ده ؟
تعض علي شفتيها وتقول بإرتباك : سعيدة لو كنت أنت
سعيد .
ابتسم ملئ شدقيه ثم ارتشف رشفة صغيرة من كوب
الشاي بالحليب المخصوص الذي تصنعه هي له بيدها ..
لقد اتخذ قراره سيتزوجها فالآن يستطيع تفهم محمد
ومشاعره تجاه بياضة بالذنب .. فالعاشق لا يستطيع
الخيانة حتي ولو كانت خيانة علي ورق ..
***
منذ يومان حينما عاد بها بعد ما تعرضت له حاولت
النوم كثيراً ولكنها لم تستطع فكلما أغمضت جفنيها
راودتها الكوابيس عن راحتها فتنتفض بفزع ولكنها تجده
جانبها .. ظل يومان بجانبها حينما تفزع تهرع يدها
لتبحث عنه باستماتة حتي تجد يده فتقبض عليها حتي
صباح اليوم التالي ثم تستيقظ لتجد جسدها متلاحم مع
جسده بصورة حميمية خجلي .. اليوم هي بداخل أحضانه
.. اليوم أصبحت تتنفس رائحته وبشكل عجيب تبتسم
براحة عندما تفتح عينيها وبشكل عجيب تمارس مهامها
كزوجة وربة منزل من الدرجة الأولي .. أو هكذا يصور
لها خيالها .. فمازالت قمصانه تحترق ومازالت هي
لاتعرف فن الطبخ إلا بمقادير بسيطة .. نهضت لتجلس
ومازالت يدها تحتضن يده .. نظرت إليه لبرهة من
الوقت ثم تركته يستكمل نومه المتقطع بسبب كوابيسها
طوال الليل إذا غفل ترك يدها ليستدير إلي الناحية
المعاكسة لها .. دخلت إلي الحمام لتغسل وجهها ثم
اتجهت إلي المطبخ وقد قررت أن تحول الحلم الذي
شاهدته بالأمس بعد أن طردت كابوسها المزعج إلي
حقيقة ..
أحضرت البيض من المبرد ثم أخرجت الخبز الأسمر
بعدها .. وقفت ساكنة تفكر قليلاً بما ستفعل بعد ذلك
حين شعرت بذراعه لتف حول ذراعها بحركة مفاجئة ..
انتفضت ثم استكانت بعدها ونظرت إليه بابتسامة
مهزوزة فسألها : محمد بتعجب : بتعملي إيه هنا ؟!
بياضة بخفوت وبمحاولة للإبتسام : هنعملوا الفطار .
محمد برجاء طفولي محاولاً المرح : نبوس إيدك ورجلك
بلاش .. أني هنبعت لأمي تطلعلنا الفطار ها .. أنتي
لسه يادوبك فايقة مش عايز أني اللي يبقي عليه الدور
في التعب .
نظرت إليه بغيظ محاولة الهدوء ولكنها لم تستطع
فانتفضت بحركة مباغته وقالت بغضب مكتوم فخرج
بصورة هامسة : أني قلت أني هنعملوا الفطار يعني
هنعملوه .. وأنت عارف أن دماغي حجر وهنفذوا اللي
فيها .
كادت أن تستدير لتكمل ما بدأته ولكنه أوقفها سريعاً
وقال بجدية مبالغ فيها : بيتهيألي أنك من يومين بس
كنتي بتحلفيلي أنك مش هتعصي أمر ليا تاني .. وأنك
هتسمعي كلامي دايماً .
نظرت إلي الأرض فنظر إليها متعجباً فلايعرف إن كان
هذا حزناً أم خجلاً فقالت هي حينها : حاضر مش
هنعملوا الأكل .
يا الله .. لقد كان .. لقد كان إنكساراً ..
تنهد بعمق ثم ذهب خلفها ليبعد هذا الإنكسار .. فهو
لايريدها منكسرة ولايريد أن يعيش معها مذلولة .. هو
يريدها كما كانت ولكن أكثر وعياً .. أكثر نضجاً .. أعمق
تفكيراً .. أحسن إختياراً لقراراتها .. لذلك أوقفها ثم
اقترب ببطئ فوجد دموع تتساقط وتحاول هي إخفاؤها
بخفض وجهها للأسفل قدر الإمكان .. رفع وجهه للسماء
وزفر مع إغماض عينيه وهو يقترب حتي صارت
مدفونه بصدره فحاوطها بكلا ذراعيه وزاد بضغطه حتي
كادت ضلوعها تتكسر .. ظلا هكذا حتي شعر بها تهدأ
وتنتظم أنفاسها .. قبّل رأسها بحركة خاطفة لم تشعر بها
هي ثم أبعدها عنه قليلاً جداً فأصبح وجهها يواجه وجهه
وأصبحت عينيه مثبتتان أمام عينيها ..
لن يتحدث حتي ترفع عينيها الدامعتان إليه وعندما
فعلتها سقط قلبه ببئر العشق إلي مالانهاية وفعلها .. لقد
قبّلها برفق .. هل تقبلت هي ذلك ؟! لا أبعدت نفسها
سريعاً بغضب عنه .. لقد تذكرت ما كان يريد فعله
حسن وقدورة .. هرولت إلي الحمام لتخفي نفسها به
وترتعش وتبكي .. تبكي غباء قد أحكم علي عقلها
فظلت إلي النهاية تختار الشخص الخاطئ وعند
إختيارها الأصح .. فات الآوان ..
" أني ما نستهلش حمادة .. هو يستاهل واحدة أحسن
مني .. واحدة عمرها مافضلت غيره قبله ولا هتضيع
شرفه وسمعته بغباءها"
ظلت تبكي بصمت وهي تجلس خلف الباب من
الداخل وهو يقابلها في جلسته من الخارج .. وبعد فترة
ليست بالقليلة سمع صوت جرس الباب فنهض وطرق
علي باب الحمام ليقول لها أن أحداً ما بالخارج ويطمئن
عليها إن كانت بخير أم لا .. فأصدرت صوتاً خفيضاً
يدل علي أنها استعادت بعضاً من تماسكها فتنهد
براحة ثم ذهب ليفتح باب الشقة فوجدها لوزة .. 
لوزة بإشراقة وبصوت مبهج : صباح الخير يا عريس ..
ارتفع حاجبيه تلقائياً بتعجب .. لقد أصبحت لوزة أكثر
جرأة أمامه منذ دخولها إلي الجامعة .. تنهد بيأس مما
تفعله فلاوجود لعريس هنا الآن لقد فهمته بطريقة
خاطئة .. أم هو من كان مندفعاً حين قال أن بياضة
ستصبح عروسه ..
اقتربت منه لوزة بتفحص وهي تنظر إلي وجهه وتسأله
: أمال فين بياضة ؟ لسه نايمة ؟ طيب ماتروح
تصحيها ولا نمتوا متأخر امبارح ؟ ثم ضحكت بخجل
جعلته يصرخ بها حرجاً من تجرأها فقال : لوزة ..
اتلمي يابت إيه اللي حصلك ؟
ابتلعت ريقها بعدما أجفلها بزعقته ثم رمشت بعينيها عدة
مرات وهي تقول : أني بس كنت عايزة نطمنوا عليكوا
.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أني هنتكل علي
الله ونروحوا الجامعة أحسن
ثم تركته وهرولت بخطواتها تجاه الباب ثم التفتت إليه
وقالت بمشاكسة جعلته يبتسم بعدما خرجت : أبقي
قول لبياضة أن لوزة بتقولك صباحية مباركة يا أجمل
عروسة في بحري .
خرجت بياضة بعدما سمعت صوت الباب يغلق
فالتفت إليها محمد بلهفة ليطمئن عليها ثم وقف أمامها وهو
ينتظر أن تقول أي شيئ فرفعت وجهها إليه وقالت :
هو أنت قلتلهم إيه علينا .. صباحية ايه اللي لوزة
بتباركلي عليها ؟
ابتسم وقال : ماهو طبيعي يترجموا طلوعك هنا كده ..
وجودك في شقة جوزك لوحدكوا ده بيقول ايه ؟ أنكم
بقيتوا زوج وزوجة بجد .
ابتلعت ريقها بتوتر فإن كان هذا الوضع بوقت آخر فقد
تكون سعيدة حقاً به وقد تكون خجلة منه ولكنها الآن
ليست إلا متوترة وخائفة وضائعة فنطقت دون وعي
ولكنها كانت تفكر بذلك وقررت إعادة طلبه ولكن
لأسباب أخري : طلقني .
أغمض عينيه بلمحة ثم حاول استيعاب ما سمعه فلم
يستطع ولذلك طلب منها إعادة ماقالته : قلتي إيه ..
عيديه تاني كده .
زفرت بتوتر ثم نظرت إليه بتماسك زائف وقالت : طلقني ياحمادة .
كز علي أسنانه بحدة ثم أمسك كلتا ذراعيها وهزها بقوة
لعلها تفيق ثم قال بهستيريا : قولي كده تاني .. طلبك
إيه .. عايزة تطلقي .. أتجننتي مش كده .. مفيش
طلاق ياهانم فاهمة ولا لأ .. ودي آخر مرة هنسمحلك
تقولي كلام زي ده .. فاهمة
أوقف هزه لها ثم همس بغضب شديد ومازال هو يهتز
من غضبه ويضغط بحدة علي ذراعيها : من ساعة
مااسمي واسمك انكتبوا في قسيمة واحدة وأني كنت
ناوي ما نبعدهمش عن بعض .. ودلوقتي بعد كل اللي
حصل جاية بتطلبي مني ببساطة كده أني نشيلهم
من جنب بعض .. ده من رابع المستحيلات .. اسمي
مش هيبعد عن اسمك ولا هتتحركي من بيتي هنا حتي
بعد موتي .. فاهمة ولا لأ .. انطقي فاهمة ؟؟؟
بياضة بغضب ولكن ليس منه هو بل عليه : لأ مش
فاهمة .. مش فاهمة .. أفهم أنت .. أني بنطلب الطلاق
لأني مش هينفع نكمل معاك .. بعد اللي حصل معايا ما
ينفعش نكملوا معاك .. أني خايفة عليك .. خايفة نأذيك
أو نكونوا سبب في فضيحة ليك .. أني انكسرت
وكسرة البت مننا مش سهلة أبداً .. أني حاسة كأني
خنتك .. إحساس صعب أوي بينهش فيا وبيخلص
عليا واحدة واحدة .. أني مش عايزة نبعد عنك ومش
قادرة نعيش معاك وكأن ماحصلش حاجة .. أني عارفة
أنك كاتم في قلبك علشاني .. علشان نعدي الفترة دي
.. طول عمرك كنت بتعمل كده طول عمرك كنت
بتضحي بوقتك وصحتك وحياتك علشان نرتاحوا ..
طول عمرك شايل مسئوليتي وأني كنت بنتبطر عليك
وعلي أفعالك .. كنت شايفاها خنقة وحبسة لحريتي
بس ماكنتش متخيلة أنها حماية ليا من اللي جنيته من
يومين فاتوا .. بت عمتك كان عندها حق لما قالت عليا
أني هنضيع شرفك .. واللي حصل ده .. واللي حصل ده وَحلة ومش عايزاك تغرق معايا فيها .. أرجوك يا
حمادة طلقني وأتجوز واحدة نضيفة تستأمنها بجد علي
حياتك وولادك .. اتجوز واحدة ناضجة مش عيلة
بدماغ صغيرة وناشفة .. أنت تستاهل واحدة غيري
واحدة أحسن مني .. واحدة تحبها وترتاح معاها ..
مش تسهرك طول الليل جنبها من خوفك لا
تعمل حاجة تأذيها أو تأذيك .. واحدة أتجوزتها بإرادتك
مش مجبر ......
قطع كلماتها الموجعة لقلبه وروحه كما توجعها تماماً بقبلة
أسكتتها فلم تعد تقوي علي فتح فاهها فأنفاسها متقطعة
بالفعل منذ بدأت نحيبها وتوسلاتها حتي انقطعت تماماً
حين غافلها وقبلها بعشق دون أن ينطق حرف واحد
قبلها .. وبعد أن استعاد هو أعصابه قليلاً
همس بها وقال : أظن أني جاوبتك علي كل ظنونك ..
ياريت نقفل موضوع الطلاق ده بقي ومانتكلمش فيه
تاني ..
تركها ودخل غرفة النوم حتي يستعيد أنفاسه وتماسكه
بعد تظاهره أمامها .. أما هي فجلست علي الأريكة خلفها
لتلتقط أنفاسها المتلاحقة وتستوعب ماقاله وهي
تلامس بأصابعها شفاهها التي التهمها منذ قليل بقبلة
حارقة له ولها .. ثم ارتسمت ابتسامة ممزوجة ببعض
الأمل الذي تتمني التمسك به فعلاً معه حتي تحيا حياة
طبيعية وحالمة كما كانت تحلُم ..
***
هائج كالعاصفة دخوله إلي منزله .. غاضب بشكل
لايوصف .. نادي عليها بهياج حتي خرجت إليه من
غرفتها وعلي وجهها علامات الإستفهام ولكن ببرود
إستفز غضبه .. وكأنها لم تفعل أي مصيبة بحقه ..
أقترب بسرعة وأمسك بخصلات كثيفة من مقدمة
شعرها الناري كطباعها فصرخت بإستنجاد ونواح و...
خوف تملكها فلن يغضب عليها هكذا إلا إذا كان قد
أخبره بزواجهما ..
هتفت برجاء من بين هياجه وصراخه الغاضب : أني
هنقولك يا أبا أستني بس هنشرحلك كل حاجة ..
أبوس إيدك ماكانش قدامي غير كده وأنت عايز تجوزني
لواحد قدك وفاكر نفسه لسه في عمر العشرين ..
أسمعني بقي يا أبا .
قدورة بعدما تركها بحدة لترتطم بمقعد مائدة الطعام
خلفها فاستندت عليه وهي تحاول التحدث فقال هو
يسبقها بنفس الغضب الزاعق : أتجوزتيه من ورايا ..
خليتيه يحقق انتقامه مني بسهولة يافاجرة يابت الفاجرة
.. كسرتي أبوكي .
نوسة بدموع وشهقات متتالية : السيد هيحافظ عليا
وبيحبني هنعلن جوازنا وسيبني نعيشوا معاه .. أني
كمان بنحبه .
ضحك قدورة بهيستريا وقال : تعيشي معاه .. هو فين يا
فالحة .. ها .. الكلب عمل عملته وسرقني وهرب ..
سابلي ورقة مكتوب فيها أنه سابك متعلقة وخد
فلوسي اللي في الخزنة كلها وهرب .
كان يستمع إلي حوارهما لا .. إلي صراعهما وهو مصدوم
بالبداية كان مصدوم ولكنه بنهاية المشهد أيقن أنها
تدابير الله برد حقوق البشر التي أخذت بالقوة .. لقد
أراد أخذ إمرأة ليست له ووسوس إليه ليساعده فرُدت
إليه بابنته وفضحته بسوء تربيته وإجبارها علي قرارته
العنترية وإستباحة عرضه أمام الناس بما ترتديه
وتكشفه ..
اعوج فاهه بسخرية ثم تقدم إليهما حين دخلت أمه من
باب الشقة علي زمجرة زوجها مفزوعة من مشهد ابنتها
المدللة منبطحة علي الأرض تتفادي ضربات والدها
بهستيريته وهي شاردة بكلمات والدها بأن السيد تركها
وحدها وهرب .. صرخت لتجعله يفيق قبل أن يقتل
ابنته فنزلت علي ركبتيها لتحميها بجسدها الممتلئ ..
صمت فجأة عندما سمع صوت حسن الساخر والذي
كان يحتجز نفسه بغرفته منذ يومان ويتجنب رؤية أحد
كما كان يتجنبه قدورة خشية إفضاح ما كان ينتويه ..
حسن بسخرية : مش شايف أن رد فعلك قاسي
حبتين مقابل اللي عملته أنت في بنات الناس ؟!!!!
ابتلع ريقه ثم زاغت عينيه .. نظرت إليه سعاد لمحاولة
فهم مايدور بين الأب وابنه فأكمل حسن بمرارة : ماترد
مش شايف أنها نتيجة أفعالك .. يكونلك ابن سهل
يوسوسله الشيطان لخطف واحدة مابقيتش تخصه
وبت وسوسلها شيطان تاني علشان تسمح أنه
يتخطف شرفها تحت مسمي الحب والجواز .. اللي
حصل ده أنت السبب فيه .. أفعالك هي السبب فيه
.. ده حصادك يامعلم يا كبير يا أكبر قرش في بحري كلها
.. ومش بعيد تكون زعلان علي الفلوس مش علي
بتك اللي ضاعت ..
أنهي كلماته المريرة ثم استدار ليعود مكانه بعزلته التي
أختارها بإرادته حتي يستعيد قدرته علي إتخاذ قراراته
بنفسه وليس بفعل وساوس شيطان سولت له نفسه
أن يتبعه بلحظة ضعف ..
تركت سعاد ابنتها ووقفت بمواجهة زوجها ونظرت إليه
متوسلة أن يُكذِب ما قاله حسن ولكنه ظل ينظر إلي
الأرض بخزي وإستيعاب لكلمات ابنه وموازنتها فاقتربت
منه سعاد وهي تسأله بنبرة مهزوزة : الكلام اللي ابنك
قاله ده صحيح ؟ أنت خليته يخطف بت ؟! مين ؟!
انطق مييييين ؟!!
ابتلع ريقه ثم نظر إليها بعجرفة ووقاحة وقال : هيهمك
في ايه تبقي مين ؟ أهي بت عجبتني زي اللي قبلها وأنتي
كنت شايفة وعارفة وساكتة .. ولا جاية تمثلي أنك
متفاجئة دلوقتي ؟
نظرت إليه بعدم تصديق .. هل لهذه الدرجة صمتها
سابقاً جعله شيطان استغل ابنه الوحيد بقاذوراته التي
عرفتها سابقاً ولكنها لم تجرؤ علي مناقشته فيها ولا علي
إفتعال مشكلات معه حتي لا يطلقها فحبها له أعماها
عن أفعاله الخاطئة وهي تقول لنفسها أنه سيعود إليها
بالنهاية فكلها نزوات صغيرة ومن حقه كرجل كأي رجل
أن يعجب ببنات حواء ولكنه لها هي بالنهاية .. هي من
خلقت منه هذا الشيطان الوقح الذي يقف يتباهي الآن
بما فعله ومازال يفعله ..
نطقت سعاد بهزيمة سنين تحملتها كثيراً وظنت أنها
تغلبت عليها : أني سَكت واتنازلت عن كوني الوحيدة
في حياتك لأني عارفة أن في رجالة كتيرة زيك كده
عينهم فارغة علي الستات ولما جيت زمان وقلتلي
سامحيني علي زلتك مع مرات حمو أبو السيد ودموعك
نزلت زي الولايا كنت هنطلب الطلاق لكن قلت
يابت معلش البشر كلهم بيغلطوا ويتوبوا وهو زيهم
وتاب وندم بأمارة دموعك دي لكن نسيت أني بالتنازل
مرة واتنين وعشرة بعد كده خلقت منك وحش بينهش
في لحم وعرض أي بيت فيه بت عجبتك .. نسيت أني
عندي بت عايزة نحافظوا عليها وأفتكرت أنها لما تتجوز
هنسترها ونبعدها عن وحلك اللي غرقت فيه ولما جه
وقت الإختيار بين السيد وعبدالمعطي ربحت كفة
عبدالمعطي لأنه غني من مستوانا هيرفعها معاه مع أنه
في عمر أبوها بس من أمتي يعني فرق السن بيفرق أهو
كان هيسعدها .. قلت كده لنفسي وأقنعتها وعميت عن
أن بتي طالعالك بعنادها وقررت تعمل اللي في دماغها
مادام عاجبها ومش مهم نتيجة اللي هيحصل المهم هي
عايزة إيه .. شوفت النتيجة أهي فضحتنا .. ليه ؟ لأنها
تربيتنا أنا وأنت .. لأنها متربية في بيت فيه أب وأم
بيسكتوا في الغلط وراضيين بيه .. أهو لف ودار وأذانا
بردوا .. بس كفاية كده خلاص مش عايزة أذية أكتر
من كده .. قدورة أطلع بره وقبل ما تخرج سيب
مفاتيحك كلها هنا .. الحمد لله الحاجة الوحيدة اللي
ماسمعتش كلامك فيها أني ماعملتلكش توكيل لأي
حاجة بإسمي ودلوقتي بقي امشي وسيبني ألحق اللي
نقدر نلحقوه ..
نظر إليها ولم يقوي علي النطق ماذا سيقول بعدما
قالت هي كل شيئ .. ولكن السؤال الذي يحيره هو ..
إلي أين سيذهب
!!!!!!!!!!!!!!
***
بعد مرور أسبوع ...
إستطاع قدورة أن يجد لنفسه مسكناً بحي فقير ..
شقة تتكون من غرفة واحدة وصالة صغيرة وتحتوي
علي مطبخ وحمام صغيران .. غير راضياً عما وصل إليه
ولكنه كان يثق بأن سعاد بعدما تهدأ ستطلب منه أن
يعود مرة أخري .. كان مرتاحاً نسبياً لإبتعاده عما
يدور بالمنزل هذه الأيام فالفوضي التي حدثت بسببه لا
يستطيع هو أن يلملمها ولم يعتاد هذا لقد إعتاد أن كل
فوضي يحدثها تزول من نفسها ببعض الأموال فيُغلق
الباب عليها ولا يُفتح مرة أخري .
أما من يعيشون بالمنزل فهم في حالة يرثي لها فنوسة
دائمة النوم والشرود وتأكل فقط حتي لاتري دموع
والدتها .. تشفق علي حالها فهي من سببت لها ذلك
الوجع رغم إعتراف والدتها أنها من سببته مع والدها
ولكنها شاركت به فهي نتاج لهما .. وأحتفظت بالدموع
والقهر والوجع لنفسها ..
حاولت النهوض لتخرج وتجلس صامتة بجانب والدتها ..
نظرت حولها فوجدت الضياع .. أخيها تركهم وذهب
بعيداً .. لقد قال رداً علي توسلات سعاد إليه ألا يبتعد
: لازم نبعدوا يا أمه وإلا هنتجننوا .. كفاية اللي حصلي
وأني معاكوا هنا .. يمكن نرجعوا أقوي ويمكن ما
نرجعش تاني .. أنتي جامدة يا أمه وهتعرفي تعيشي
زي ماكنتي عايشة قبل كده .. وعارفك زي ما أني
عارف أنك هترَجعي جوزك هنا تاني .. مكاني مش هنا
.. مكاني في أي حتة بعيد عن الشياطين اللي هنا ..
ثم تركها وذهب وعرفت بعدها أنه سافر للقاهرة في
محاولة منه للتبرأ من أصله الموحل بهم هنا .. أغمضت
عينيها ودخلت لغرفة الجلوس حيث تجلس والدتها تنتقي
حبيبات الحصي من صينية مفروش بها بعض من الأرز
الأبيض .. تنهدت بحسرة هل تري أنها كبرت الكثير
من السنون أم أنها يخيل إليها هذا ..
كادت أن تجلس حين سمعت صوت جرس الهاتف يرن
فنظرت لوالدتها فلم تجد منها حركة غير إعوجاج شفاهها
بحركة غير راضية عن وجودها بجانبها فقررت الرد علي
الهاتف لعله أخيها يخبرهم بمكانه .. ولكنها ندمت أنها
أجابت علي مهاتفها فلقد كان منهم .. من ينغصون عليها
حياتها بطلباتهم المقرفة .. صرخت كعادتها لعل أحدهم
يستطيع حل هذا اللغز لها وبالفعل هذه المرة فهمت
وياليتها لم تفعل .. لقد أكتملت الصورة السوداء للسيد
.. ألم يكفيه هروبه ..
أجابها أحدهم : فيديوهاتك مغرقة النت وأنتي في أوضاع
مثيرة علي الآخر بس ليه واحد بس اللي بيتصور معاكي
ها مش تنوعي كده خلينا ننبسط ..
أنهارت علي الأرض ومازالت تمسك بسماعة الهاتف
اللاسلكي بيدها وتعتصره .. مستديرة الأعين فاتحة
لفاهها غارقة بدموع حسرتها علي إختيار قررت إختياره
هروباً من إختيار لم يكن علي هواها فغرقت به ومعه
وأنتهت للأبد ..
صرخت حتي إمتلئت جدران المنزل بصراخها فهرولت
إليها والدتها مفزوعة فوجدتها تضرب علي وجهها كالمجانين
وتهذي وتقول : أني اللي جبته لنفسي .. يا خرابيتك
يانوسة .. يافضيحتك يانوسة ..
وكأنها الآن إكتشفت أن فضيحتها قد إكتملت وكأن
إنتقام الله منها قد تم بأبشع صورة تخيلتها ...
***
وأخيراً تكلمت نبضات قلبه التي ظلت ساكنة طوال
عمره السابق .. وأخيراً أعلنت عن تمردها وتخلت عن
نمطيتها بوجودها أمام عينيه كلما فتحهما أو أغمضهما للنوم
أو فتحهما للتركيز بكومة ورق يعمل به علي قضية ما ..
كان يستغل أي فرصة للمرور إلي منزلها وقت تواجدها
به حتي يراها ويشبع عينيه من تفاصيلها والتي رغم
حفظه لها منذ عمر طويل إلا أنه يشتاقها كثيراً وكأنه
يعيد حفظهما مرة أخري بترتيب جديد .. فالعينين
والشفتين يسبقان أي تفصيلة أخري ويوجد بهما الكثير
والكثير من التفاصيل والكلام .. وأخيراً تكلم اللسان
ونطق أمام والده بما عجز عن نطقه أمامها وكأن هذا
الطريق هو الأصح والأقرب لصدق ما في قلبه فقال :
خالد بابتسامة تشع بتوتر : أني قررت نتجوز لوزة يا
أبا .. قلت إيه ؟
ابتسم والده براحة وأخيراً طلب ما كان ينتظره هو منه
منذ عهد فقال بسعادة خالصة : ألف مبروك يا بني علي
خيرة الله .
وبعدها أطلقت والدته زغروطة فأخيراً ابنها قرر ما
كانت تحلم به هي الأخري منذ عهد ولكن شتان بين
حلميهما .. فالأول كان ينتظر قراره الزواج من ابنة عمه
لوزة .. والأخري كانت تنتظر قراره الزواج فقط من
أي فتاة مناسبة المهم أن يتزوج ويسعد قلبها
بالأولاد ..
أما بشقة محمد وبياضة فمازالت نبضات القلب مترددة
وخائفة لدي بياضة ومتحفزة لدي محمد .. حاول كثيراً
التودد والتقرب منها ولكنه كان يلاقي منها النفور
والإبتعاد .. هو يعلم أن النفور ليس منه وإنما خوفاً عليه
فمازالت حتي الآن تعتقد أن الطلاق هو الأنسب وإن
كان قلبها لايريد وهو يعلم .. وينتظر .. ونتيجة إنتظاره
هو إنتقاله إلي غرفة أخري للنوم حتي يعطيها مساحة
واسعة من الحرية ويبعدها عن الضغط العاطفي حتي
لاتنهار منه ..
كانت قد أنتهت الآن من غسل صحون الفطور البائس
والذي إنتهي نصيب كبير منه بالقمامة محروقاً ولذلك
بقرار متعجرف منها قررت التنظيف فهي ربة المنزل
ولابد من تنظيفه .. أما هو فقد كان يفحص بعض
الأوراق التي أُرسلت إليه عن طريق البريد الإليكتروني
من خالد تخبره بمعلومات عن الشخص الثالث المشتبه
به بعد ماهينار وفريد والذي لم يعرف عنه أحد حتي
الآن إلا هما .. ورغم سؤال ماهينار عنه بطريقة غير
مباشرة إلا أنها أنكرت وبشدة معرفته فقرر سلك طريق
آخر لمعرفته حتي لاتفزع منه وتبتعد قبل إتمام العملية
الجديدة .. هو يشك .. لا متأكد أنه من داخل النيابة
هو يعرفه معرفة قريبة حتي أنه يعرف عن تحقيقه
بهذه القضية سراً .. من قد يعرف ذلك غيره وغير خالد
.. من ؟!! من ؟!!
سمع صراخها الحاد وهي تستنجد به وتخرج هلعة من
داخل الحمام وهي ترتدي  بكلا كفيها قفازات خاصة
بالتنظيف باللون الأصفر وتحمل عصاة التنظيف
الخاصة بالأحواض وخلافه .. صدمت بجسده مفزوعة
وتصرخ فأمسكها من كتفيها وهزها لعلها تهدأ قليلاً
بإستيعابها وجوده فقفزت حين تركت العصا من يدها
وأحاطت رقبته بذراعيها وشبكت ساقيها بحركة
طفولية بين خصره وهي تدفن وجهها في صدره وهتفت
بخوف : في .. في صرصار كبير في الحمام .. كبير أوي .
صمت فجأة بعدما كان يلح عليها أن تخبره مابها .. صُدم
وفتح فاهه ثم بعدها بلحظات ضحك .. ضحك من قلبه
حتي أدمعت عينيه فنظرت إليه وقد نسيت خوفها
المرضي من الحشرات ومن الصرصور اللعين الذي هاجم
خلوتها أثناء التنظيف وظلت تحملق بوجهه الذي بدا
أصغر من عمره الحقيقي الآن حين ضحك .. لقد كان
وسيماً حقاً وكأنها عدوي فابتسمت ثم شاركته الضحك
حتي قالت دون أن تقصد ذلك علناً ولكنها أفاضت ما
بداخل قلبها وما يريده للسان أن ينطق به : شكلك
حلو وأنت بتضحك وكأنك صغرت 10 سنين ..
قطعت الضحكات بزيادة النبضات وإرتفاع معدل
الحرارة بالجو المحيط بهما حتي تملك من جسديهما ..
حاولت النزول متفادية ما قد يحدث الآن ولكنه أحكم
قبضتيه جيداً علي خصرها الصغير حتي وجدت نفسها
منقادة بدون وعي لتقترب بوجهها من وجهه ثم تنزل
ببطئ مسحورة بشفتيها نحو شفتيه فإقترب هو قاطعاً
ترددها وخطف قبلة خفيفة حتي لاتهرب منه سريعاً
كالعادة فوجدها مغلقة لعينيها ومازالت هي مسحورة
بضحكاته السابقة فاقتنص قبلة أعمق للمرة الثانية ثم
وللمرة الثالثة شعر بيدها تشدد علي رقبته فقبلها بطريقة
هيسترية هذه المرة وهي مستمتعة لأقصي حد معه ومعه
هو فقط تجرب حلاوة لم تذقها بحياتها أبداً .. معه هو فقط تحيا حلمها الوردي لأقصي مكان يمكن أن يأخذها
إليه .. كاد أن يحملها لغرفته ويبدأن حياة زوجية ينثران
بها عشقهما علي جدران الشقة بأكملها ولكن قطع كل
ذلك رنة هاتف محمول .. ومع ذلك لم يريد إفلاتها
وعندما أصر الرنين علي مواصلته أبعدها عنه للحظات
حتي يري من هذا اللحوح الذي يصر علي قطع أجمل
لحظة بدأت بحياته القادمة .. تنحنح ودخل الشرفة
بعدما قال أنه اتصال من العمل ..
أما هي فجلست علي أقرب مقعد لإلتقاط أنفاسها قليلاً
من هذا الجنون الذي اجتاحهما معاً ..
أجاب علي الهاتف بسرعة وقال : أيوة في إيه دلوقتي ..
ده وقته .
ماهينار بهمس : العملية اتحدد ميعادها هيبقي النهاردة
الساعة 12 بعد نص الليل .
محمد بدهشة وشك : أنتي مش قلتي إنك هاتقوليلي
الميعاد قبلها بيوم ؟!
ماهينار : أنا لسه عارفة دلوقتي .. يظهر أنه بيشك فيا
علشان علاقتي بيك .
محمد بشك : هو عرف أنك بتساعديني ؟
ماهينار : لأ طبعاً .. هو لو عرف حاجة زي دي كان
سابني عايشة لحد دلوقتي .. أنا هقفل شكله جاي ..
متتأخرش هستناك في الأوضة اللي اتفقنا عليها .. ماتقولش لحد غير اللي واثق فيهم بس .
محمد : تقصدي إيـ .... ؟!
لم يكمل سؤاله حيث أغلقت الهاتف وخبأته سريعاً حتي
لايراه فريد.. ثم اقترب منها وقال : جاهزة ؟ فهزت
رأسها بالموافقة ثم انصرفا معاً للفندق .
أما محمد فوقف قليلاً ليفهم آخر ماقالته وقد أكدت
ظنونه السابقة بأن أحداً من داخل النيابة معهما وقد
يكون هو من يدير هذه العصابة ..
خرج من الشرفة ليجد بياضة تنتفض بابتسامة خجلي
حينما رأته وتعض علي شفتيها فقال لنفسه : بقي في حد
يسيب القمر ده دلوقتي علشان يروح لعصابة بردوا .
أقترب منها وقال لها بهمس قاتل لبراءتها : معلش ..
مضطر ننزلوا دلوقتي .. مأمورية صغيرة ومش هنغيب
عليكي .. عايزك تستنيني كده زي ما أنتي .. علي
وضعك ده .. بحمار خدودك وكسوفك وجمالك ..
يخربيت الشغل اللي يخليني ننزل دلوقتي ونسيبك ..
بس ملحوقة هنيجي قوام علشان نكملوا اللي بدأته ..
ماتناميش ماشي .
أين ذهب حمادة الذي تعرفه هي من قبل !!!! لم يعد
بها أنفاس فلقد أخذها كلها بكلماته المدمرة لأعصابها وقد
أكتمل إنسحابها المؤقت من الحياة حين طبع قبلة رقيقة
علي وجنتها الساخنة من الخجل ثم قبلة أخري رقيقة
أيضاً علي شفتيها .. وتركها وخرج لمهمته التي يستطيع
بعدها العودة إلي حياة لها هي وحدها ولن تكون هناك
إمرأة أخري حتي ولو كانت تشاركها اسمه علي
الورق فقط ..
***

ريش نعام ( أحلام فريسيا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن