جزء 56

9.3K 703 75
                                    


زمـــن الضــــــــــــياع
الحلقة - 12 - الجزء الثـــــــــــالث

بيومها ما قبلت هضيمة تبات عندي بالبيت .. اظنها اقتنعت بحجتي بعدم جدوى لقائي بغازي وغازية .. وتذرعت بحجة مرض زوجها وعدم قدرتها على تركه لوحده هو واطفالها بالبيت وقررت ترجع بيومها لبغداد .. قبل لا تروح العصر طلبت من ابني علي يوصلها لبيتها بسيارة ابوه .. واذكر بيومها شيلناها عثگين تمر كنا گاصيهن من نخلات البيت قبل يوم او يومين .. وشيلناها وياهن دبة خاثر – لبن – مسوياته الچناين من حليب البقرات ..
الحقيقة ابني علي كان كلش يحبها لخالته هضيمة .. كان الوحيد من بين اخوته اللي يسألني عنها وعن اخبارها .. وعن سر الشبه بيني وبينها .. وعن اسباب انقطاعها الطويل عن زيارتنا وظهورها المفاجئ بحياتنا .. واظن ما كان مقتنع بالتبريرات اللي سقناها له عن لقائها بأبوه صدفة قبل لا يجيبها لبيتنا ..!!
حقيقة الامر كانت تبريراتي واهية وضعيفة .. ولولا الثقة اللي يوليها ابنائي لي ولأبوهم لما اقتنعوا بيها .. لهذا من بوَّستها وودعتها حذرتها لا يفلت لسانها بكلمة منا .. وكلمة منا .. وتتوهم وتذكر اسم نجمة .. او تنْجَرْ ورا اسئلة واستفسارات ابني علي وتغلط بالحچي وتثير شكوكه .. وبلحظتها ما جاوبتني .. بس هزت لي راسها .. وقبل لا تبتعد عني دمدمت حتى تطمني :- لا توصين حريص عيني ..!!
ومثل ما تعرفون .. ما متعودة اخبي شي عن ابو فيصل .. بعد ما راحت هضيمة نقلت له كل اللي حچت لي ياه و بالتفصيل .. فگال لي :- يا بنت الحلال .. بعد كل هذا العمر الطويل .. ما اريدچ تخليني ازغر بنظر ولدي .. ولا اريد احد من اهل الديرة يعرف بسالفتنا .. امر عدى وراح .. وهاي صار اربعين سنة لا شايفتهم ولا شايفينچ ولا سائله عنهم ولا سائلين عنچ .. فما اعتقد راح تكسبين شي اذا عرفتي اخبارهم .. وشوفتهم لا راح تودي ولا راح تجيب .. ولا تاخر ولا تقدم .. كل اللي راح يحصل .. همَّ يبقون بمكانهم وانتي تبقين بمكانچ .. بس الحچي راح يكثر والسالفة تطول وتعرض وتسيئين لولدي وولدچ .. وجاي تشوفيهم الولد .. ما شاء الله .. كلهم صاروا برتب ومراكز عالية ومرموقة .. فاذا خلصنا من لسنة الناس ما راح نخلص من الحكومة اللي فاتحه عينها على الزغيرة والچبيرة .. وما راح يخفى عنها هذا الامر حتى اذا حچيناه بيناتنا .. لابد من چنه تسمع بي وتحچي لامها او لجيرانها ومن الام والجيران ينتشر بين الناس .. والسر .. مثل ما يگول ابو المثل .. اذا تجاوز الاثنان شايع .. والناس ينراد لها حجة حتى تتداول بسالفة غريبة .. وخصوصا بهذا الوكت اللي كثر بي الحسد وكثر بي القيل والقال .. فاستري علينا وخلي السالفة تعدي على خير ..
عشت طول عمري ما فد يوم ناقشت ابو فيصل برايه .. ولا اعترضت او خالفت قراره ..
وافقته على حچيه ... وطمنته, على انو من تجي هضيمة مرة ثانية اطلب منها ان لا تجيب سيرتهم .. واامنها ان لا تدليهم على بيتنا ولا تحچي لهم اخبارنا .. وتخلي الموضوع طي الكتمان .. مثل ما كان ..
****

من تخرج ابني علي من الكلية .. لحينا عليه حتى يتزوج .. كان راي ابو فيصل يزوجه وحدة من بنات اعمامه .. بس علي الله يسلمه رفض بلا ما يبين لنا الاسباب .. كل حجته في البداية .. كانت يريد يكوِّن نفسه .. وبعدين ياله يفكر بالزواج ..
من صار الحصار بدا يتحجج بقلة الراتب وعدم تمكنه من تحمل مسؤولية الزوجة والاطفال ..
الحلو بعلي .. كان بكل شي يعتمد على نفسه .. وكان يرفض اي مساعدة يقدمونها له اخوته .. او حتى ابوه ..
وبنفس الوقت كان عكس اخوته في كل شي .. فوضوي ومهمل لذاته .. اللي يدخل لغرفته يتصور بان مجموعة من الاطفال عابثين بأغراضها .. المخاد كل وحدة بصفحة .. ومرات الگاهن مشمورات بالگاع .. والدشداشة مكومة لا على التعيين فوگ الچرباية ..وحتى البنطرون احيانا الگا مدعثر جواها .. لان ما صاير له خلگ يعلگه بالكنتور .. وكتبه اللي كان اكثر شي يعتز بيهن .. ما كان يعتني بترتيبهن .. ما اعرف شنو قصته .. فكنت اعاني من ترتيب وتنظيف غرفته .. اللي ما كان يقبل احد يدخلها غيري ..
اعتاد كل اسبوع يروح لبغداد مرتين .. مرة يوم الخميس ومرة يوم الثنين .. وبكل مرة يجي شايل ويا كتاب او كتابين ..
فمن كنت كل ما اريد ارتب غرفته اضطر اجمع كتبه المبعثرة وارتبهن .. لا على التعيين .. واخلي قسم منهن على رفوف مكتبته اللي ما عادت توسعهن .. واما الباقيات فكنت اخليهن فوگ ميز القراءة اللي بغرفته .. واحتراما لخصوصياته كنت اتحاشى فتح كتبه ودفاتره .. لكن هذا ما كان يحول بيني وبين النظر الى عناوين الكتب .. لهذا كنت من خلال العناوين اتعرف على تقلبات مزاجه .. وتأثر افكاره .. خصوصا بعد ان اشترى مجموعة كبيرة من الكتب المتنوعة من بينها كتب تتناول موضوعات فلسفية وروايات مترجمة لكتاب مشهورين .. اشتراهن حسب ما گال لي من احد اساتذة الجامعات السابقين .. بعد ان اضطر الاخير لعرض محتويات مكتبته للبيع في سوق السراي حتى يستعين بثمنها على تدبر لقمة العيش له ولولده ..
انكب علي على قراءة مجموعة كتب الاستاذ الجامعي المتقاعد وكان من بينها كتب عن الماركسية ومؤلفات للقائد الشيوعي لينين .. ونتيجة انغماسة في مطالعة الكتب انقطع عن متابعة اعمال الفلاحة اللي كان يمارسها احيانا في البستان ..
بيوم اللي راح دا يوصل خالته هضيمة للعامرية .. دخلت غرفته حتى ارتبها .. وبالصدفة قريت اسم لينين على كتيب لا تتجاوز اعداد صفحاته الخمسة وعشرين .. كان تاركه جوه مخدته .. من قريت اسم المولف والعنوان جفلت .. خفت لينجر ابني ورا الافكار الشيوعية ويتحول من بعدها الى الالحاد بعد ان كان اكثر اخوته التزاما بتادية الطقوس الدينية .. والمواظبة على الصوم والصلاة .. لهذا دفعني الفضول الى تصفح الكتاب .. اول ما فتحته قريت في اعلى وسط الصفحة الاولى شعار .. يا عمال العالم .. اتحدوا ..
قبل لا افتح الصفحة الثانية سقطت من بين صفحات الكتيب صورة فوتوغرافية من الصور اللي تستخدم عادة في ترويج المعاملات الحكومية .. من سقطت الصورة تصورتها قصاصة ورقية .. رفعتها من الگاع حتى اعيدها لمكانها .. واذا بيها صورة لبنية كلش حلوة وجميلة .. فتركت الكتاب فوگ المخدة وبديت ادقق في معاني الصورة .. كل ظني في البداية .. بانها ربما تعود لأحدى بنات الاستاذ الجامعي اللي كان مذيل الزوايا اليسرى العليا لأولى صفحات جميع كتبه باسمه .. دون ان يذكر الالقاب .
من كتب
يونس ذنون ..
المفاجأة الاهم كانت من قلبت الصورة .. وقريت الكتابة اللي على ظهرها .. كان مكتوب بالحبر الاحمر وبخط كلش جميل وانيق ..
يا روح روحي .. ونبض قلبي ( ع )
( F )
10 / 10 / 1987
تحت العبارة وضع حرف) F ) الانكليزي وسط مجسم للقلب .. من نوع المجسمات اللي يرسموها الشباب . ما اهتميت لحرف F الانكليزي .. كل اهتمامي انصب على حرف العين العربي ..
معقولة يكون القصد من حرف .. الـ ( ع ) علي ابني .. ؟؟!! وبقى السؤال يتردد بخاطري .. گعدت على الچرباية وضليت ادقق بالحروف والكلمات ..
معقول علي يكون عاشگها لهاي البنية كل هاي السنوت .. بلا ما يبوح لنا بحبه ويطلب منا ان نخطبها .. ؟؟!!
يجوز من وراها عزف عن الزواج ..؟!! يجوز اهلها جبروها حتى تزوج واحد من اولاد اعمامها .. ؟؟ وانصاب الولد بصدمة ..
ويجوز .. ويجوز .. !! وتهت بوسط مجموعة من التكهنات ..!!
رغم الحصار كانت عيشتنا مثل ما يگولون .. خير وبركه .. فكنا اذا نطرح على علي موضوع الزواج ويبادرون اخوته او ابوه بذكر تبرعهم او تحملهم لكافة نفقات الزواج ومستلزماته .. يرد عليهم بحدة :- وبعد الزاواج .. شلون ..؟ ابقى طول عمري عالة عليكم .. تصرفون علي وعلى اطفالي ..؟؟ معقولة اجي اطلب منكم فلوس قلم حمرة او ابسط الاشياء .. حتى اشتري لها لمرتي .. ؟!! الله يخليكم .. اتركوني على هذا الحال .. الى ان ادبر حالي ..
ويسوق لهم من هاي الحجج الفلسفية .. اللي يسخر منها .. دائما .. ابوه واخوته ..
فكان ينثار من سخريتهم .. ويتركهم ويلوذ بغرفته وينكب على قراءة احد كتبه ..
كنت اظن باني اكثر معرفة من بقية افراد عائلته بأحواله.. ولكوني اكثر الناس قربا منه .. غالبا ما اتحين الفرص لأختلي بي .. واطلب منه ان يساررني .. ويحچي لي اذا ما كان يعاني من مشكلة .. كأن يكون يحب له وحدة مثلا .. من غير بنات اعمامه .. ويخاف ليگول لابوه ويرفض ابوه تزويجه منها ويجبره على الزواج من وحدة من بنات اعمامه او عماته .. وبكل مرة افاتحه بموضوع الزواج واستفسر منه عن اسباب عزوفه عنه .. يكون رده عليَّ بابتسامة باهتة يلوي بيها احدى زوايا شفايفه .. ويبدي يتهرب مني ويغير موضوع الحديث ويفتح دفتر مذكراته ويلقي عليه ابيات شعرية وخواطر قصيره مبهمة وغير مفهومة .. من تأليفه طبعا .. ويحاول ياخذ رايي بيها .. ولكون كل خواطره واشعاره يحيط بيها الغموض والابهام .. اضطر اسأله عن تفسير لمعانيها .. رغم كوني اني اللي زرعت بي حب الشعر والادب .. فكان يجاوبني بكل برود ..:- المعنى في قلب الشاعر ..
فحتى اغيضه .. لان احس بي دا يتعمد إغاظتي .. والتهرب من اجابتي .. اگول له :- هذا يا شعر يا ابني .. شو لا بي قافية ولا بي وزن .. وفوگ هذا وذاك .. خرط .. بخرط .. اعرف سوالفك زين .. كل هذا اللي دتسوي حتى تتهرب من موضوع الزواج .. اذا بيك شي ابني گول لي .. نوديك لطبيب .. انشوف لك چاره ..!!
فيرد علي بعصبية :- يمه الله يخليچ اتركي هذا الموضوع .. شدتشوفيني ..؟ مجنون .. لو مريض .. ودا اخربط بحچيي .. شو مثل ما دتشوفين .. الحمد لله .. بكامل قواي العقلية ... وبعدين من اريد اتزوج اعاهدچ راح تكونين اول من استشيره .. اما حاليا فما خاطره على بالي فكرة الزواج ..
وكان دائما نقاشنا ينتهي عند هذا الحد .. بعدها يدير وجهه عني ويفتح صفحات اقرب كتاب على سريره ويتظاهر بقراءته .. فاضطر اتركه واغلق وراي الباب ..
كل ظني بانه يريد يعيش حياة بوهيمية .. او يسعى لتكوين نفسه بطريقة عصامية ..
بس من شفت صورة البنية تغيرت عنه كل فكرتي ..
بقت ملامح البنية والكلمات المكتوبة على الصورة مطبوعة بذهني ..
ومثل ما ذكرت لكم .. كل هذا حصل بنفس اليوم اللي راح يوصَّل بي علي خالته هضيمة لبيتهم بالعامرية ..
خرقت عادتي بمراعاة مشاعره وخصوصيته واخذت الصورة وخليتها فوگ ظهر التلفزيون وقررت من يرجع للبيت اسأله عنها بشكل مباشر وبلا لف ودوران .. فاذا كانت الصورة ما تخصه .. وتخص صاحب الكتب .. فأكيد ما راح يظهر عليه اي تأثر .. اما اذا كانت الصورة تعود لحبيبته فراح يبين الامر على ملامحه وعلى نبرات صوته ..
بقيت انتظره الى ان عزل التلفزيون .. ما قلقت عليه .. كانت الدنيا امان .. فكرت ممكن يكون مر لبيت الصليخ او لبيت محمد وغازي اللي عافوا بيت البستان بعد ان استلموا شقق بمجمع 28 نيسان بالصالحية ..
ومن الطرائف اللي حصلت .. بيوم اللي رحت لهم اول ما تحولوا بالشقق .. قبل عدة سنوات .. حتى ابارك لهم بسكنهم الجديد .. واغير جو .. على گولة الچناين .. بعد اعتكاف استمر لأكثر من ثلاثين عام .. فرضته طوعا على نفسي ابيت البستان ..
من طلعنا من بيت البستان الصبح ركب ابو فيصل وي غازي بالصدر .. واني اركبت بالمقعد الامامي لسيارة محمد .. وركبن الچناين واطفالهن بالخانة الورا ..
كان يوم جمعة على ما اذكر .. فما كان بالشارع ازدحام .
بيومها عبرنا على جسر المثنى القريب من جزيرة بغداد ومشت بينا السيارة على شارع القناة ..
كنت مثل الحلمانه .. او مثل اللي طالعه من سجن .. اتلفت يمنه ويسرى حتى لا تفوتني مشاهدة الاماكن المحيطة بجانبي الشارع .. سنين طويلة ما دخلت لبغداد .. اخر مرة دخلتها بيوم ولادة علي .. وكانت بوقتها ليلة شتوية مظلمة وكنت بحالة يرثى لها .. واعاني من الام المخاض والولادة .. فلا فكرت ارفع راسي واشوفها .. ولا خطر على بالي شي اخر غير الام الولادة وتمنياتي بان يكون المولود الجديد بنية ..
انبهرت بالعمارات .. وبجمال ونظافة بغداد .. كل معالمها متغيره .. من الشوارع للجسور للبنايات .. كنت اتلفت بكل الاتجاهات .. ادور عن الاماكن القديمة اللي لا زالت معالمها بذهني عالقة ومرسومة .. اخير اخترقنا وسط بغداد وعبرنا جسر .. الجسر ما غريب عليَّ .. فجأة برقت بذهني مثل لمح البصر .. صورة البيوت القديمة على الضفة الثانية للنهر .. واللي مريت بيها قبل ما يقارب الاربعين عام .. واللي شفتها بيومها قصور عامرة ..
فتحت جامة السيارة وغمضت عيوني وتنشقت هوى النهر الممزوج بعبق رائحة بغداد .. افيييييش ..
وسرحت بخيالي بعيد .. وتراء لي اليوم اللي اقتادتني بي بهار خانم وابوي لبيت فخري بيك .. وتأوهت .. الم وحسرة .. على العمر اللي فات .. وفتحت عيوني حتى ابعد عن خيالي ذكرى اليوم المشؤوم .. واذا امام سيارة محمد باص احمر حديث ابو الطابقين ..
انعاد ذات المشهد .. وبنفس المكان بالذات .. ولحت علي الذكرى .. يمكن اكون متوهمة .. ويمكن يكون المكان غير المكان .. ومنعت نفسي من طرح السؤال على محمد .. !! حتى اتبين حقيقة المكان ..
ورجعت غمضت عيوني مرة ثانية .. وامتزجت الاصوات والمشاهد القديمة مع اصوات منبهات السيارات وصياح طيور النورس الفضية .. وتهيأت لي وكأني ارى اذان الحصان .. وصوت العربنچي وهو يهمز بسوطه الحصان .. وحسيت بنظرات ابوي الحزينه .. وشعرت وكأن بهار خانم كانت گاعدة بجانبي وتفوح منها ريحة نتنة .. وهملت عيوني دمع لمرارة الذكرى المغمسة بحلاوة الماضي الجميل .. فتحت عيوني ومسحت الدمع .. ودرت وجهي على الجهة الثانية .. نفس باص المصلحة ونفس لوحات الاعلانات القديمة .. ملهى الصفى .. وكازينو ام الربيعين .. ما متغير اي شي بالمكان .. رجعت درت راسي على الجهة اليمنى .. الجهة اللي كان بيها بيت فخري بيك .. ما كان باقي شي من معالمها القديمة .. غير بيوت شبه مهدمة .. وبصفهن بالركن بعد انتهاء الجسر عمارة حديثة مكتوب على واجهتها وزارة العدل .. ومرسوم فوگ مدخلها ميزان العدالة .. وبصفها على ما اظن نصب لمسلة حمورابي التاريخية ..
درت وجهي بسرعة حتى أتأكد من المكان .. اي .. هو نفسه .. ذات المكان .. فد التمثال متغير .. او ربما الشوارع متوسعة وما عرفت بالضبط مكان التمثال .. يمكن يكون ذاك التمثال اللي يعود للقائد الانكليزي مود اللي فتح بغداد .. كان موضوع بمكان قريب من هذا المكان ..
شفت خالين بالساحة تمثال للملك فيصل الاول راكب على الحصان بملابسه العربية وبعگاله المگصب ..
وتنهدت من جديد ..
اااااه .. يا بغداد .. شلون لعبت بيَّ وبيچ الايام .. !!
تداولتها السنين والحكام .. ناس قتلت الملوك .. وجت من بعدهم ناس خلت تماثيل للرجال العظام .. مثل ما كان ابو فيصل يوصفهم .. من كثر حبه للهم ..
عندها سألت محمد عن اسم المكان .. حتى اتاكد اكثر .. گال لي :- يمَّه هاي المنطقة اسمها الصالحية .. والساحة اسمها ساحة جمال .. بس التمثال يعود للملك فيصل الاول ..
:- اي يمَّه .. اي ..
وسكتت .. وحاچيت وي نفسي .. ما يدري بي اعرفها قبل لا اعرف ابوه .. وابتسمت ابتسامه حزينه مليئة بالآلام ..
***
رجع علي من بغداد بعد نص الليل .. بقيت انتظر جيته .. ومحتاره بين اسأله عن الصورة باللحظة اللي يدخل بيها لغرفته .. لو ااجل سؤالي للصبح ..
من فتح باب الحوش ودخَّل السيارة .. بلا تفكير رحت للصورة وشلتها من فوگ ظهر التلفزيون .. وخليت ايدي الشايلتها ورا ظهري مثل ما يسوون الاطفال ..
من دخل للهول بوسني .. كعادته .. حسبالك صار له سنه ما شايفني .. حضنته ورحبت بي وتبعته لغرفته .. :- هلا يمه الحمد لله على السلامة ..
:- الله يسلمچ يمه ..
:- خير يمه شو تأخرت .. ؟!! ضل بالي يمك ..!!
:- من وصلت خالتي جلبت بي .. تعرفين اول مرة ادخل لبيتهم .. وما فكت مني ياخه الا عشتني .. وبعدها مريت للصالحية على بيت محمد وغازي وبعدين طلعت للصليخ .. ولكيت نوري نازل باجازته .. وبالصدفة لگيتهم دا يتعشون .. وهماتين رادوني اتعشى وياهم .. وگوه خلصت نفسي منهم .. بعد ما وجبت .. بعدين اخذت لي فره ابغداد .. من الضوجه فريتها بالطول وبالعرض .. تعرفين الاجواء بهيج وقت كلش حلوة .. تصدگين كل بغداد فريتها بلا ما افتح اضوية السيارة .. لان كل شوارعها منورة .. ما حسيت بالظلمة الا بعد ما عبرت جسر المثنى واندرت على جهة البساتين ..
كنت فاكه حلگي عليه وصافنه .. ومحتارة شلون افاتحه بالموضوع .. امد له ايدي بالصورة واسأله .. وله قبلها .. ابدي ويا بسوالف ناعمة واجرجره ..
فجأة صارت عيني على الچرباية .. وبالذات على المخدة .. يا ااااا .. هاي شلون نسيت الكتاب ..
انتبه لحالي وتوقف عن الحچي للحظات ودار نظره على الجهة اللي كنت اباوع عليها .. من شاف الكتاب تقدم له بحركه سريعة .. رفعه عن المخدة وبسرعة گلب صفحاته .. خلال ثواني تغيرت كل ملامحه .. اصفر واحمر وتلعثمت الكلمات على لسانه .. وكانه مرتكب جريمة .. بلا ما انطق باي كلمة .. مديت له ايدي اللي تحمل الصورة .. وقربتها منه ..
ترك ايدي الممتدة له .. وگعد على طرف الچرباية .. وبدى من جديد يقلب بصفحات الكتاب ..
حاول يتظاهر باللامبالات .. گال :- هاي شني البيدچ يمه .. ؟!!
قبل لا اجاوبه اضاف :- هاااا .. اييي .. اييي .. هاي صورة بنية لگيتها بوسط هذا الكتاب .. يمكن تكون لصاحب الكتب القديمة ..
گلت له:- عليييي .. اني امك .. يعني اعرف بيك زين .. ما تعرف تكذب .. فعليش هاللف والدوران .. احچي لي منين هاي البنية ..
تقدمت منه وگعدت بصفه على حافة الچرباية .. خليت الصورة على وحده من رجليه .. وشاله بسرعة وخلاها جوه المخده ..
مديت ايدي وبديت اسرح باصابيعي شعر راسه ..
مثل الطفل .. قرب راسه وخلاه على صدري وحضني .. وبدا يجر حسرات ..
وللحكاية بقية

زمــــــــــن الضيــــــــــــــــاعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن