جزء 48

9.2K 772 146
                                    

ملاحظة :- وردت الى صفحتنا هنا وعلى صفحاتنا في الفيس الكثير من الاسئلة تتمحور حول كيفية زواج نجمة من ابو فيصل وهي على ذمة رجل اخر ..

احبتي .. كانكم لم تسمعوا في مجتمعنا بقصص مماثلة .؟!!  تزوجها بعد ان نهبها .. او اختطفها .. سموا الامر بما شاتم .. وصفوه كما طاب لكم ان تصفوه .. هربت معه وتركت اطفالها كي تنجو بنفسها .. لم تفكر ولم يفكر ابو فيصل ان كان الامر موافقا للشرع ام منافيا له .. حبهما كان اقوى من كل القيود والانظمة والشرائع .. وهكذا عاشا حياتهما بعد ان انجبا الاطفال .. وكبروا وكبر معهم سرهم .. مودتي للجميع .


زمـــــــــن الضيــــــــاع

الحلـــــــقة - 4 - الجزء الثــــــــــالت

بعد ان انهى ابا فيصل حديثه .. تنهد تنهيدة طويلة .. وارخى انامله التي كانت تداعب خصلات شعري واسبل يديه الى جوار جسده .. واغمض عينيه وانتظم تنفسه ..
تركني وسط لجة من الافكار المتلاطمة وعاصفة من المشاعر المضطربة .. تمتمت بصوت كالأنين وكأني احدث نفسي :- ليتك يا ابا فيصل لم تخبرني بهذه الاخبار .. ليتك كتمت السر وتركتني اعيش لواعج الفراق الذي كادت جراحه ان تندمل .. ليتك ..
رفع سبابته ووشوش هامسا كانه في حلم :- اسسسس .
امتثلت لأشارته ..
تاوووه .. وارخى جسده من جديد .. كأنما ازيح الهم الذي كان يجثم على صدره .. بعد ان رماني بأسهم من همومي وهمومه ..
كتمت مشاعر القهر والحزن بين اضلعي .. ولذت بالصمت .
املت راسي المثقلة بالهموم ووضعتها قريبا من راسه .. وسرعان ما أخذتني إغفاءة الى جواره .
***
صباحا صحونا على اصوات صياح الاولاد .. وتبين بان فيصل وعمه قد عادا سالمين من الجبهة ..
اعاقتني فرحة البشارة عن النهوض والاسراع لاحتضان فلذة كبدي .. تعثرت بأذيال ثيابي .. وبقيت حيث كنت ..
دخل فيصل الغرفة بخطى حثيثة .. وعلى غير عادته توجه الى ابيه واحتضنه وقبل يديه ..
كان قد اعتاد من قبل ان يبادرني اولا بالسلام .. يحتضنني كما يحتضن الطفل امه .. يدس راسه بين ثنايا الملابس التي الف بها رقبتي وصدري .. دون ان يبادر بالكلام ..
يبقى يشم ويشم الى ان ينهره والده ان حصل الامر بوجوده .. عندها يتركني ليبادر اباه بالسلام بكل احترام .. يقبل يده ومن ثم يعطيه خده ليطبع عليها ابوه قبلة خفيفة .. هكذا جرت العادة كلما غاب عن الدار ولو لأيام .. وترسخت هذه المراسم الودودة بعد ان التحق بالكلية العسكرية حيث كان يقدم لزيارتنا ايام الخميس والجمع وايام العطل الرسمية ..
الا انه كسر العادة هذه المرة .. وبادر اباه بالسلام .. يبدو ان عمه اخبره بمرض ابيه .. لكنه استشف غير ذلك .. وتلاعبت به الظنون .. فليس من المعقول ان يحضر عمه الى البصرة لمجرد ان تتأخر إجازته ..
فرح كثيرا بعد ان تبددت مخاوفه .. وجد اباه سالما .. فكل شيء بعد سلامته يهون .
ما ان اطمأن فيصل على حال ابيه حتى انتبه لوجودي ورمى براسه بين احضاني .. فضممته الى صدري واطفأت نار شوقي له .. واخذ بيدي وقبل باطنهما ثم عاد ليدس راسه بين رقبتي وكتفي وبقي يشم .. ويشم .. الى ان اشبع رغبته .. لقد استطاب له الامر بعد ان تغاضى والده عنه .. وتجاهل وجود عمه الذي بقي واقفا في الباب الى ان اطمأن لاحتشامي .. حيث دعاه ابو فيصل للدخول وشكره على ما تجشمه من عناء في رحلته ..
بعد ان انهينا مراسم الاستقبال والترحاب .. وتناول الفطور مع الاهل والاحباب .. امر ابو فيصل بنحر عدد من الخراف واقامة وليمة كبيرة دعي لها الأقارب والاصحاب ..
عند الظهر تمكن ابو فيصل من تجاوز وعكته .. خفت حرارته وقلت نوبات السعال .. صلب طوله وغير ملابسه وتزين وتعطر وخرج لاستقبال ضيوفه .
قبل ان تنتهي اجازة فيصل بيومين حضر نوري من الجبهة فاكتملت فرحتنا بالاثنين ..
غير ان في القلب أحْدِثَتْ قرحة .. رغم فرحتي بسلامة الولدين فقد تولدت في داخلي مخاوف جمة .. وغدت تتناهشني وساوس شتى لعل من اهمها هو خشيتي من ان تتغير كل مجريات حياتي ان احضر ابو فيصل هضيمة اختي ..
كنت بين خيارين افضلهما اكثر مرارة من الاخر .. غير اني اعتدت منذ سنين ان لا ابوح بمشاعري ورغباتي .. ورغم ان ابو فيصل كان ملبيا لجميع طلباتي .. الا اني لم اطلب منه الكثير .. قنعت بحياتي الهادئة الهانئة معه .. فقد صيرني اميرة .. فكيف لي ان اطمع او اطمح الى اكثر من ذلك .. لذا ارتضيت بالانقطاع عن الماضي كليا رغم حنيني اليه .. خوفا من ان تتفتق جراحه الاليمة .
كان ابا فيصل قد اغدق عليَّ الكثير من افضاله .. زين اصابعي وكسى رقبتي ومعصميَّ اساورا من ذهب .. لكني لم اكن مهتمة للذهب ولا لغيرها من الحلي والثياب .. ولم اتزين بها الا بناء على رغبته ..
كان هديتي الكبرى .. ومن ثم من بعده اولادي .. والامر الاكثر اهمية من هذا كله .. هو انه جعلني اشعر باني انسانة .. فقد عاملني دوما بكل لطف واحترام .. احيانا يشعرني بالحرج والخجل ساعة يكيل لي المديح امام اخواته واخوانه ..
حفظني من السن الناس .. وحفظني من الماضي ولم يتطرق لذِكْرِه .. وكانه نسيه او تناساه ..
كانت هذه النقطة بالذات اشد وقعا في نفسي من كل النقاط الفارقة في حياتي .. فجعلت ابو فيصل محور وجودي .. فهو الماضي والحاضر والمستقبل .. ولا شيء سواه .
***
بمرور الايام استعاد ابا فيصل عافيته ونشاطه ..
بعد ان هيج في داخلي خزين الذكريات .. واحيا فيَّ ذكر الولع القديم بابنتي غازية .. واشعل فتيل الشوق لشقيقتي هضيمة وحنيني لرؤية ولدي غازي ومعرفة ما حل بهم ..
وفي ذات الوقت كانت تتنازعني مخاوف ظهورهم من جديد في حياتي .
لذا تظاهرت بتجاهل الامر ولم اطلب من ابا فيصل البر بوعده .. بل كنت اتمنى ان يتناسى ما وعد به .. خشية ان يسبب له الامر حرجا ويسبب له جرحا يصعب شفاءه واندماله .
بعد ان انتهت اجازة فيصل .. ومن بعده نوري .. وسافرا تباعا للالتحاق بالجبهة .. وبعد ذهاب غازي ومحمد الى بغداد للمواضبة على الدراسة في الكلية .. والاقامة في بيت الصليخ كما اعتادا ذلك منذ ان انتظما في دراستهما الجامعية ..
خرج ابو فيصل من البيت عصر احد الايام - كعادته - دون ان يصرح لي بالجهة التي يروم الذهاب اليها .. فتأخر بالإياب على غير ما اعتاد .
انتظرت عودته بوجل ..
من يوم ان اصيب بالوعكة الصحية ازددت وجلا عليه .. وبدأت اداريه كما الاطفال .. كلما تململ او تأوه اقتربت منه وسالته عن سبب شكواه .. فأثار هذا الامر في بعض الاحين ضجره .. بدلا من ان يشعره بالارتياح ..
كنت اعتدت منذ زمن بعيد على النوم مبكرا .. عند العاشرة مساءا او قبلها بقليل .. خصوصا في ايام الشتاء .. غير اني في ذاك اليوم بقيت مستيقظة ..
بعد ان تجاوزت الساعة العاشرة .. الهيت نفسي بترتيب بعض اغراض الدار .. ومن ثم قصدت المطبخ واعدت تنظيف عدد من الاواني .. فلم يفلح كل ذلك في تخفيف توتري .
انهك جسدي لكن فكري بقي متحفزا .. رغم ما يصطرع في داخله من افكار .. استللت كتابا من كتب ابني علي .. كان قد تركه صدفة فوق جهاز التلفاز وذهب لينام في غرفته .. فاذا به كتابا يضم مجموعة مختارة من الاشعار ..
اضطجعت على اريكة قريبة من مدخل الدار .. ارخيت جسدي ورحت اقلب اوراق الكتاب .. واقرا من الشعر ما استطاب .. وفي ذات الوقت اراقب الساعة وانظر من الشباك .. مترقبة اضواء السيارة كي اهرع لأفتح لأبو فيصل الباب ...
كان الوقت شتاءً .. لكن السماء كانت صافية .. والجو معتدلا .
عندما وصل بسيارته .. كانت قد اخذتني سنة من النوم فانتبهت على سقوط الكتاب من بين يدي ..
ومع صوت سقوط الكتاب سمعت صوت منبه السيارة فهرعت لأفتح لأبو فيصل باب الكراج ...
لكني وجدته قد سبقني وترجل من سيارته وباشر بفتح باب الكراج .. الامر الذي لم يحصل من قبل ..
كان على يقين من اني لن ابقى مستيقظة حتى تلك الساعة .. لكنه ظن ان عليا لابد ان يكون في انتظاره كي يفتح له الباب .. فقد اعتاد دوما ان يجد من ينتظره ليفتح له الباب دون ان يترجل من سيارته ..
تفاجأ بوجودي في باحة الدار وقريبا من الباب ..
قال لي همسا :- اين علي .؟؟
قلت :- قد نائم ..
عاد لسيارته وادخلها في باحة الدار .. وقبل ان يطفا مصابيحها الامامية صاح بي زاجرا وبأسلوب لم اعهده من قبل
قال:- اخفضي صوتك ولا ترفعيه .. وعودي الى غرفتك ..
امتثلت لأمره .. دون ان اسأله عن الاسباب ..
لكني دهشت لأسلوبه فرحت اسأل نفسي .. تُرى لِمَ يتصرف معي بهذا الشكل ؟؟ هل بصحبته ضيوف غرباء ويريد ان يثبت لهم رجولته ..؟؟!! كما يحاول ان يفعل بعض الرجال . متظاهرين بالتعالي على نساءهم لظنهم بان الرجولة .. فحولة .. وان اهانة المرأة امام الغير بطولة .. لكن ما ان ينتهي المشهد حتى يبادروهن بالاعتذار .
غير ان ابو فيصل ليس من هذا النوع من الرجال ..
يا ترى من الذي بصحبته .. ؟!!
اعتدت منذ سنين ان لا اتطفل على تصرفاته .. اوليته مطلق ثقتي .. فما دام يعاملني بكل احترام .. فمالي والوساوس والاوهام ؟!!
ولجت الى غرفتنا وانتظرت .. سمعت وقع خطاه تقترب ..
تركت مصراع الباب مواربا .. لكني خشيت في اللحظة الاخيرة ان يكون من يرافقه رجلا .. فاقتربت من الباب كي احكم ايصاده ..
قبل ان امسك باكرة الباب .. تناهت الى مسمعي وقع خطوات امرأة وهمسات تصاحب الخطوات .. نعم انها همسات وخطوات امرأة ..
ارتجف قلبي .. للحظات ..
أُيُعقل ان يكون ابو فيصل قد تزوج من غيري سرا ..؟!! أيُعقل ان اكتشف هذا الامر ..وفي هذا العمر ..؟؟
هذا اول ما دار ساعتها في سري ..
بدلا من ان اغلق الباب .. مددت براسي خارج الغرفة ..
فكانت المفاجئة ..
***
هضيمة ..
كانت عند تركي لها ما تزال صبية ..
رغم انقضاء السنين وتوسطها في العمر الا انها حافظت على لمعان عينيها .. واستدارة وجهها .. لم يتغير فيها شيء .. نضجت وطالت وبدنت قليلا .. انطفت او كادت ملامح الطفولة .. واستترت ملامح الانوثة خلف غشاء من الحزن القديم .. رسمت السنين على وجهها تجعدات خفيفة نتجت عن اهمال متعمد للأنوثة ..
تغيرت نبرات صوتها واصبحت اكثر خشونة . لكنها بقيت .. هضيمة .. ذات الهضيمة .. بابتسامتها ولمعان عينيها وطريقة نقل قدميها .. خفق لها قلبي قبل ان اتبين ملامحها .. خفق قلبي لنبرات صوتها ولحفيف قدميها ..
:- نجممممة ..
تناهى الي صوتها كما في الحلم ..
وتكرر الصوت مرة ثانية ..
:- نجممممممة .
وغبت عن الوعي ..
عندما استفقت وجدت نفسي بين احضانها .. وقد بللت الدموع محجريها .. اجلت نظري في الغرفة وتفقدت جميع الاشياء .. امسكت بكفيها كي اتاكد من اني لست في حلم .. وعندما ايقنت انها هضيمة .. لم اتمالك نفسي وانفجرت في البكاء ..
بعد ان اطمأن ابو فيصل لحالي .. غادر الغرفة واحكم اغلاق الباب ..
تركنا وحيدتين.. نناجي بعضنا بهمسات كما الانين .. نصارع الشوق والحنين .. ونقلب ذكريات السنين .
وللحكاية بقية

زمــــــــــن الضيــــــــــــــــاعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن