عدني أن لا تعود.. 2

151 8 0
                                    

بقيت أنتظر صاحب المقهى.. لم يتأخر..  كان جل الأمر سريعا جدا..
أقبل نحوي بخطى متثاقلة.. لم يتعرف علي من بعيد مما كان عاديا نظرا لسنه..بقيت أترقب خطواته.. أترقب تجاعيده.. كان بودي أن أسأله أي الحروب قد خاض ؟ أي الطرق قد سلك، ما هو الجزء الصعب من الحياة الذي لم يتقبله بعد؟ أم تراه كان راضيا هل وصل إلى مرحلة الرضى،؟ شردت في تفاصيله حتى هز كتفي..
-بنيتي! 
-سيدي!
-كيف حال ما بداخلك؟
امتلأت عيناي دمعا،استجمعت نفسي ابتسمت و أجبته.. بهدوء
-ما بداخلي؟!
-نعم ما بداخلك..
-لنقل بأن الأيام تعيد تأهيله..
حدق في لولهة..ثم إبتسم .. مسح على رأسي "كل شيئ سيكون بخير.." نظرت إليه
-أتعتقد بأني قد أتحسن،أتعتقد أن صدى ما انتهى قد يرمم..أنا خائفة سيدي .. خائفة من أن تكون الأيام أكثر ثقلا مما هي عليه ..خائفة من أهوي من جديد بعد أن شرعت في ترميم خرابي .. أخبرني ماذا سأفعل بعدها..؟ كيف سأكبر في عين نفسي بعد كل ما حدث ..
ما أدهشني فيه كونه بقي صامتا ، كونه بقي يتأملني.. يتأمل تفاصيلي..يتأمل حواسي و هي تنتفض ضدي ..
ثم أجابني بهدوء..
-و ما ظنك برب العالمين..؟
لا أدر ما الذي حدث لي لحظتها ..لكني تحسست إنقباض الكون بداخلي .. الله هو نقطة ضعفي التي لا أشارك بها أحد و هو نقطة قوتي التي أقاسمها الجميع.. لا أدر لما ضغط  في ذاك المكان في أكثر الأماكن حساسية في قلبي.. ضمني إليه ثم سألني بهدوء، لما البكاء؟
-لأن الحياة باتت أكثر تعقيدا مما تخيلته، لأن إختلاف البشر بات يربكني..لأني سقطت هويت رغم ايماني و تمسكي.. لأني هنت عليهم،لأني و رغم كل ما قدمته لم أكن كافية.. أخبرني سيدي كيف أنبت من جديد و قد تم نهش عروقي..؟ كيف؟ أتعلم أن طيبتي باتت تنهكني.. أكره الحياة بقلب غبي كقلبي ..أتعلم أكره الحياة بقلب طيب كقلبي..
تركني أتكلم لم يتفوه بكلمة .. تركني أفرغ ما ضل مكبوتا بداخلب ل 60 يوما..ما لم أشارك به بشرا .. كل ما إحتجته يومها أن يصغي إلي شخص ما.. أن أترك ما كبته يغادرني.. ثم أمسك يدي ..أخذ بي إلى تلك الشرفة المنسية حيث إفترقنا ..
-أنظري!
بقيت أحدق في المكان مستغربة طلبه..
-أتغير شيئ منذ آخر يوم لك هنا ؟ أنظري إلى تلك الطاولة حيث تم إلغائك ؟ أغيرت مكانها ؟ أتغير لون حطبها ؟ أتغير المكان ؟ أتوقف البشر عن زيارته؟ أقمت بإقفال المقهى..؟
لم أفهم لما تغيرت نبرته فجأة لما كان يبدو أكثر صرامة من قبل.. لم أفهم لما بات يطرح أسئلة كتلك .. هز كتفي أجيبي!
-لم يتغير شيئ .. أجبته و أنا أحدق في المكان..في تعاقب الذكريات أمامي .. أجبته و شريط نهايتنا يعرض أمامي .. لم يتغير شيئ..
- و لن يتغير.. أتعلمين لما ؟ لأن عجلة  الحياة لا تتوقف إذا ما توقف نبضك .. لأن الحياة و في النهاية ليست معقدة مثلنا هي فقط تجيد كيف تستمر .. أتعتقدين أن هاته الوجوه من حولك لم يسبق لها أن شوهت ؟ أتعتقدين أنها لا ترتدي هي الأخرى أقنعة حتى تتستر خلفها  فلا يلمح العالم ندوبها ! أعلم أن الأمر قد يبدوا خانقا.. بأن الأيام قد تسوء أحيانا .. لكنكي أقوى بكثير من كل هذا..
-لكنه لم يكتفي بدفن قلبي، نهب كرامتي,لم يخرج من هاته الحكاية إلا بعد أن إنتشل الحياة من داخلي و أنا التي كنت أحاول أن أزرعها بروحه  .. أتصدق أنه لم يكن يتصل بي..أتصدق بأن اتصالاته لم تكن تتجاوز العشر دقائق ..تخيل أنه كان يحرمني منه ..كان يحرمني حتى من كلامه .. تخيل أنه كان يثور كلما أنبته على إهمالي و يتهمني بما كان يفوقني حجما.. تخيل أن كل ما كنت أقوم به لم يكن بالنسبة له شيئا .. أيعقل أن يصل بنا الحقد إلى هذا الحد و أن ننكر الجميل ؟ تقبلته بكل ما فيه تقبلته، بكل جوانبه تقبلته .. بل و أني تنازلت عن حقي في تكليمه ، حقي في لقائه .. حقي في حبه .. أهناك غباء قد يفوق غبائي تركته يصير الآمر الناهي .. تركته ينهي ما بيننا وقتما يشاء و يعود وقتما شاء .. تركته يحول كل ما كنت أحبه في نفسي إلى اللاشيئ .. و كنت دائما أجد المبررات له .. دائما ..دائما ..
-و الآن حان دورك "قاطعني.."
-دوري ؟
-نعم دورك، في النظر إلى المرآة .. دورك في مواجهة خوفك من الحياة بعيدا عنه..إلى متى ستستمرين في ظلم نفسك بهاته الطريقة النتنة .. حاولتي،دعمتي وقفتي إلى جانبه .. أهجرته يوم إفلاسه ؟ لم تفعلي
أهجرته يوم أهانك؟ لم تفعلي .. أ إستسلمتي؟ لم تفعلي بل تشبثتي به بكل ما أوتيت من أمل لكن إدمانك بات يؤذيك.. نحن لا نستطيع أن نعلم الناس كيف تحب .. لا نستطيع أن نعلمهم أن يفهموا .. و أنت حاولت.. لم تنسحبي! آن الأوان أن تنظري إلى الضفة المقابلة.. لعل الحياة تنتظرك و أنت تنتظرينه .. نحن و مع الأسف قد نفقد أنفسنا و نحن نحاول أن نجد نصفنا الآخر .. جدي نفسك من جديد.. فالحياة أوسع من أن نتمسك بشيئ ظنا منا أنه قد لا ينتهي..

إنتظرتك في زاوية الطريق.. لكنك نسيت أن تستديرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن