نجوت "2"

104 8 0
                                    

إنتابتني الرهبة و أنا أحدق في ذاك الكم الهائل من الأرواح التي سؤغذيها بروحي.. تسارعت نبضات قلبي، وددت بشدة أن أعود إلى البيت أن أختبئ أن لا أقف أمامهم..
لازلت أشعر بنفس الشعور الذي كان ينتابني قبل عشرين سنة حين كان أبي يطلب مني أن أقرأ أحد كتاباتي..لازلت أتحسس أعضائي و هي ترتبك، لازالت تلك الطفلة خائفة بداخلي..
ماهي إلا لحظات حتى صعدت المسرح..أعلم بأن أغلبهم تفاجئ برؤيتي..رغم أني لم أتمكن من التحديق في وجوههم..ما أردته لحظتها هو أن تمتصني تلك القاعة و ترسلني إلى بعد آخر..أردت أن أتحول إلى إبرة لحظتها كي لا ضطر للوقوف أمام وجوه تنظر إلي و كأنني آخر كائن على المجرة..
صعدت..و بدأت خطابي..
" كنت أظن بأن أحلامي قابلة للتحقيق.. لم أسمح لأي شخص بأن يستصغر أحلامي أيا كان و مهما كانت إنجازاته، أو أن يستصغرني أمام أحلامي.. و لم أسمح لنفسي بأن أستصغر أحلام أحد،أو أن أستصغر أحدا أمام أحلامه.. كنت أؤمن بالجميع بالقدر الذي أؤمن به بنفسي..
لكن الإيمان وحده لا يكفي..
الإيمان وحده لم يكن كافيا ليصنعني..و لا ليصنعهم
الإيمان وحده لم يمكني من الوقوف أمامكم..' فليس للإنسان إلا ما سعى' هي معادلة ربانية بسيطة جدا إلا أننا نمر عليها مرور الكرام، السعي هو الجانب الذي بات شديد الإبهام ما معنى أن نسعى؟ و ما هي شروط السعي .. ماذا لو سعينا و لم نجني! هنا سأقول بأن المشكلة قد تكون متعلقة بطريقة السعي كأن تسعى و تبذر الكثير من الطاقة في المكان الخطأ،في المشروع الخطأ و أحيانا حتى مع الأشخاص الخطأ و هنا و رغم كوني من الأشخاص الذين لا يؤمنون بالمشاريع الفاشلة فكل مشروع و إن لم يثمر من الناحية المادية لابد و أن يزهر من ناحية ما لكل فشل أيا كان مجاله جانبه المشرق،أؤمن بمقولة أديسون بعد محاولاته المتكررة لإضاءة العالم حيث أنه صرح بجملته الشهيرة" أنا لم أفشل،كنت في كل مرة أتعلم طريقة تؤدي إلى الفشل" و قد يختلف المشكل أحيانا  عن الطريقة فيكون في الغاية من هذا السعي.. لذا أقترح أن يعيد كل الشخص النظر و التعمق في الغاية التي تدفعه، و إن كان سعينا حقا ظروريا لغاية كهاته..
يفترض أن تفهموا بأني لم آتي هنا لليوم لأعلم رجال أعمال كيف يكونون رجال أعمال..لم آتي اليوم لأشرح أسباب الفشل و لا لأتحدث عن الطرق التي قد تؤدي للفشل فلكل منا أسبابه الخاصة،حروبه الخاصة لكل منا خيباته الخاصة..
أردت فقط أن أخبركم بأن تقبل الفشل أحيانا أهم من النجاح بحد ذاته..
لا أحد سيعلمكم الكفاح،فالكفاح فطرة و الخمول عنه طفرة.. " بينما كنت أحاول زرع الحياة بداخلهم قاطعني أحد المتواجدين بعبارة هزتني..
- ماذا لو كنت شخصا لا يعرف عن الكفاح شيئا، ماذا لو أن الحياة زخرفت أراضيها لك منذ صغرك .. ثم و فجأة إختلت كل الموازين و إنقلبت الأشياء رأسا على عقب و أنت في الأربعين! ما رأيك في من إهتزت موازينه و قد هز الشيب رأسه..الأمر ليس سهلا ! ليس من السهل أن تقنعي شخصا لا يعرف الكفاح أن يكافح..الأمر شبيه بأن تعلم شخصا أن يؤمن..! أخبريني,أبإمكانك أن تعلمي ملحدا كيف يؤمن !
-نظرت إليه لفترة.. ثم أجبته :
- قد لا أعلمهم الإيمان.. لكني سأحدثهم عن حلاوته..
- و ماذا في ذلك! أتعتقدين أن ذلك كاف.. لإقناعهم..
-نحن لا نستطيع أن ننقض من لا يريد ..ففي النهاية أنت هنا لأنك تريد أن تتعلم الكفاح.. و لأن بداخلك شيئا ما يرفض وضعك الحالي.. لو كنت لا تجيد الكفاح كما تدعي أبإمكانك أن تشرح سبب تواجدك هنا بهذا التاريخ سبب دفعك لكل هاته الأموال..لأجل ماذا بالتحديد؟ لأنك ترفض الفشل.. و لأن جزءا منك لم يتقبل المكان الذي وضعته الظروف تحته..و لأنك تؤمن تماما مثلي بأن هذا المكان ليس مكانك.. و بأن رسالتك في الحياة أسمى من أن تأخذ عنوانا يخلوا من الكفاح..
أراد أن يضيف سؤالا فإعتذرت لقصر الوقت و لأدع الفرصة لأشخاص آخرين أرادوا طرح الكثير من الأسئلة التي أجبت على معظمها و أنا مؤمنة بإجاباتي.. مر الوقت بسرعة.. كان ذاك المكان من أكثر الأماكن دفئا.. من أكثرها طمأنينة.. شعرت و كأن فارق السن الذي كان بيننا بات يتقلص تدريجيا..
إنتهت الندوة أخيرا..تشكرت الموجودين..و توجهت إلى الكواليس لأرتاح بعد ساعات متوالية.. و بينما أنا أستعد للخروج دخل أحد المدعوين الغرفة..
-عذرا سيدتي..
-نعم تفضل..
- متى و أين ستكون دورتك المقبلة..
-الأمر قد يستغرق وقتا،سأكون مشغولة في الفترة القادمة..لا أعتقد بأني سؤحظر لأي دورات .. أعتذر.
-أتفهم الوضع..سأترك رقمي في حال ما تم التحظير لأي دورة.
-أعتذر،أنا لا أتصل بأحد.. بإمكانك أن تتصل بالشركة التي أعمل لصالحها و سيتم تزويدك بالمعلومات الضرورية عن الدورات..
مد يده ليصافحني..هززت برأسي دون أن أمد يدي..
و غادرت القاعة..

إنتظرتك في زاوية الطريق.. لكنك نسيت أن تستديرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن