عدني أن لا تعود..

166 12 0
                                    

مر شهران إذا و أنا أتخبط محاولة نسيانك،محاولة أن أهدم ما تركته بداخلي، أكره الخريف صدقني لأنه لا يكتفي بتعرية الطبيعة فيتمرد علينا و يعرينا من أحبائنا.. من ذكرياتنا لما يبدوا الخريف دائما أكثر الفصول كآبة أكثر الفصول خيانة.. وددت يومها لو أن الشتاء يأتيني راكضا أن يسرع،أن يمضي.. أن يأخذني حيثما ذهب فيطهرني من دنس ذكريات معك..
أتذكر بأني لم أكن قوية جدا قبل إنقضاء شهرين من انفصالنا.. لم يكن الأمر سهلا.. و لا محتملا و لا حتى مفهوما.. كنت أنتظر كل يوم عودتك،كنت أنتظر كل يوم اتصالك.. لم تفعل !
كنت قويا بما يكفي لتلقيني في أول سلة مهملات صادفت طريقك.. أما أنا فلم أتوقف عن إحيائك بداخلي.. أتعلم بأني زرت كل الأماكن التي اعتدنا الذهاب اليها معا.. أتعلم بأني ثملت برسائلك.. أتعلم بأني و ل 60 يوما لم أتوقف عن الكتابة لك.. كنت أعتقد بأنك ستحن.. بأنك ستفيق من غيبوبتك.. بأنك ستتذكر تلك التي استنفذت فؤادها لأجلك.. لكني نسيت و أنا غارقة بحبك.. بأنك لا تختلف كثيرا عن رجال الأعمال الذين كنت ترمقهم بنظراتك الصارمة إذا ما حاولوا فتح موضوع مع خطيبتك.. أتراك كنت تغار علي حقا أم أنك كعادتك ترفض أن يشاركك أحد ممتلكاتك..
"أتعلم سيدي..بأني انتهيت منك من داخلي.. أتعلم بأني أجهضتك..و بأني يستحيل أن أحمل جيناتك من جديد..لا أدر كيف و لما..كل ما أعلمه بأن الله أنصف قلبي الذي لم تنصفه أنت.. يومها إستيقضت كعادتي.. صليت كعادتي.. قبلت أمي كعادتي.. لكني لم أتفقد هاتفي.. لم أفتح حسابك لأراقب كل تصرفاتك.. أتصدق بأن هاتفي لم يعد يحمل صورك.. لم يعد يحمل رسائلك.. أتصدق بأني قمت بحظر حسابك؟ انتهينا نعم انتهينا و قد رضخت بكل بساطة للأمر.. أنا لن أتصل،لن يرن هاتفك كل ليلة برقم أجنبي تجهله.. لن تكون مظطرا لأن تغير مواقيت دوامك لأني لن أسمح للمطر أن يبللني.. فقد تبللت ل 60 يوما و اليوم قررت أن لا أتبلل من جديد.. لم أعشقك فقط.. كنت أعشق كل ما يمتك بصلة.. كنت أعشق جملك.. كتاباتك.. ما أحببته فيك لم يكن رجل الأعمال الذي كنت تختبؤ خلفه.. ما أحببته فيك هو ذلك الذي كان يكتب لي كل ليلة.. و ذاك الكاتب توفي و الموتى و إن أردنا لا يعودون..
أنا أنسحب.. من حرب بت أخوضها لوحدي.. من حرب كنت الطرف الوحيد فيها.. لم تعد خلايا جسدي تتحمل المزيد منك بداخلها.. لم يعد كبدي يتحمل ما تفعله بقاياك بداخله.. أنا أستسلم نعم أستسلم لقدر رفضت تقبله.. لحياة سارت عكسما رسمتها.. إعتدت غيابك صدقني.. أتذكر ذاك الألم الذي لطالما ما شق صدري بعد رحيلك؟ لم أعد أشعر به..
أتذكر ذاك النوم الذي غادرني منذ أن هجرتني ؟ كان أطيب منك و عاد إلي من جديد..
بدأت أتحسن تدريجيا.. بدأت أتحسس الحياة و هي تذب بداخلي من جديد.. " كانت تلك آخر رسالة كتبتها لك.. في الحقيقة لازلت أشعر بأن كل الرسائل التي كانت تكتب لك و لا تصلك كانت تصلني أنا.. تصفعني أنا.. توقضني أنا.. لم أكتب لك لتقرأ ما أكتبه.. كنت أكتب لك لأتنصل منك.. لأنتزعك كما تنتزع الأورام الخبيثة من دواخلنا.. لم أكتب لك لتقرأني.. "
حملت آخر رسالة كتبتها.. و قصدت ذلك المقهى أتذكره ؟ ذاك المقهى حيث وقعت على بند استقالتك من مسرحية دامت لأكثر من ثلاث سنوات.. و ها أنا اليوم و بعد 60 يوما آتيك بقبول استقالتك.. أتيت اليوم لأخبرك حتى و ان لم أجدك بأني لن أذبل من جديد أمامك..
دخلت ذلك المقهى كان مكتظا كعادته.. لا تخف لم أبحث عنك بين كل تلك الوجوه الغريبة كما كنت أفعل.. فأنا لم أزره يومها لأجلك.. زرته لأجلي.. زرته لأدفنك.. زرته كي أشيع جنازتنا..
طلبت أن أرى صاحب المقهى.. تم إستدعاؤه و بقيت أنتظر أمام الشرفة التي ألغيت فيها مشروع زواجنا..

إنتظرتك في زاوية الطريق.. لكنك نسيت أن تستديرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن