إلى أين..

53 4 2
                                    

ركبت إلى جانبه، دخلنا المستشفى و تمت خياطة جرحي..
- تشعرين بتحسن أمل؟
- أنا بخير.
لم تكن لدي رغبة في تكليمه و لا اللجوء إليه، كنت غاضبة يومها،ليس منه و حسب بل من تراطم الأيام بداخلي.. الحياة ليست معقدة لتلك الدرجة لكننا نحبذ خلط الحابل بالنابل و كانت تلك أحد الأيام التي لم أرغب فيها بمناقشته و لا تكليمه أكثر،من المؤسف جدا أن نصاب بالإحباط و أن يكون ما نشعره به ثقيلا على صدورنا إلى تلك الدرجة..إلى ذلك الحد.
- أمل لما السكوت.. ؟
- لا موضوع لدي للحديث عنه..
-أمل أنا بخير..
- مفهوم. " أجبته و أنا أتفقد حسابي الإلكتروني"
-تتحاشينني؟
- لا أتحاشى أحدا!
بقينا هادئين طيلة الطريق لم يكن لدي شيئ أتكلم عنه،أو أشارك أحدا به.. كنت مشمئزة من قلة مسؤوليته،من قلة تقديره للأمور من قلة فهمه..
فجأة تراكمت أخطاءه أمامي، عميت يومها..  أكره أنانيته،أعلم أنك تقرأني..  و تفهم كرهي لأنانيتك..
- أمل صدقيني أنا بخير..لا حاجة للقلق حبي!
تظاهرت و كأني لم أسمع كلامه،فهو ليس بخير لكنه يعاند..
-أمل!
- آدم،فلنقم بالتصوير الإشعاعي ليطمئن قلبي..
- لاحاجة لهذا أمل،صدقيني أنا بخير..
- و من قال أنك بخير ؟
- أمل لا تعاندي أكثر، إنتهى أنا بخير و أمر التصوير ألغي..
- لست أحد موضفيك لتقرر عني متى ينتهي الموضوع و متى يكون قابلا للنقاش..
- تجادلين!
-إن كان الموضوع صحتك..  نعم أجادل
لم يجد تبريرا لعدم مبالاته، و لم أجد أنا تفسيرا لتهربه من أمر روتيني كذاك سوى إنشغاله الدائم بمشاريعه..
- حسنا حبيبتي..سنذهب الأسبوع القادم
فهمت لحظتها بأن الأسبوع القادم الذي كان يتحدث عنه لم يكن فعلا قادما،و بأنه لم يكن مقتنعا بأمر التصوير و غيره..
- فلنذهب اليوم!
-لن أذهب لأي مكان اليوم،أريد أن أرتاح..
أدرت جهاز الراديوا لحظتها،لاحظ إنفعالي لكني حاولت قدر المستطاع ظبط نفسي..  كي لا أنفجر أمام عناده..
وصلنا إلى البيت إتجهت إلى غرفتي،غيرت ملابسي،وضعت فيلما جلست على مقعدي أشاهده..
أما هو فإتجه إلى المطبخ حظر بعض الفشار و لحقني.. جلس أمامي..
- إتفقنا على مشاهدة الفيلم معا..
- لا أذكر!
- أمل حبيبتي..من فضلك!
- إن كنت ستستمر بالحديث فإني أفضل مشاهدته على اللابتوب خاصتي.. أنت تشتت تركيزي! 
بقي يحدق في و أنا أرفع من صوت التلفاز.. أحظر بطانية و جلس بقربي ..
شيئ ما بداخلي كان يخبرني بأن آدم لم يكن بخير، و لم يكن هنالك شيئ يستطيع إقناعي بالعكس غير تقرير طبي..
نمنا ليلتها و أنا أتحاشاه من شدة قلقي..
إستيقضت على آذان الفجر على غير عادتي،فلطالما كان نومي ثقيلا جدا و كان آدم يتحمل مسؤولية إيقاضي للصلاة..
توضأت و ذهبت لإيقاضه..
مسحت على رأسه..
- آدم إستيقض.. 
كان يغط في النوم لم يستشعر أصابعي و هي تلعب بشعره الأسود.. بقيت أتأمل تفاصيله الأربعينية.. و كأن كل سنة من حياته خطت نفسها بهدوء على تفاصيل وجهه.. لم يكن شخصا تستطيع أن تشبع منه أو أن تقرأءه بمجرد إستراق النظر..كان أعمق من أن يفهم بمجرد محادثة.. بمجرد نظرة..
- حبي إستيقظ..
بالكاد فتح عينيه..
- أمل..
- نعم حبي ؟
- إتصلي بالإستعجالات من فضلك..
- ماالذي يحدث ؟
- رأسي أمل..رأسي ينفجر!
- سأحملك للمستشفى حبي..
- مستحيل!
تعاند حتى في هاته المواقف..إتجهت مسرعة نحو سماعة الهاتف..إتصلت بالإسعاف ثم توجهت نحوه علي أساعده على ترتيب نفسه..
تحامل على نفسه ليجلس..
- أمل إبتعدي بإمكاني الوقوف لوحدي..
-ما بك ؟ جننت!
- قلت لكي أخرجي!!!!!* خاطبني و هو يصرخ و يتحاشى الإلتفات نحوي..*
إقتربت نحوه بهدوء علي ألمح ماكان يخبؤه..
- آدم..
- أمل من فضلك سؤغير ملابسي و ألحق بك.. أرجوك حبيبتي
إقتربت منه بهدوء.. أنزلت يده التي كانت تغطي وجهه...
- لا تنظري أمل..
بقيت أحدق في تفاصيله..
كان ينزف.. رميت بصري لوسادته ..لاحظت بعض قطرات الدم عليها..
- أخبرتك أن تغادري..
- و أخبرتك بأني لا أهرب..
إستحملت على نفسي أحظرت بعض المناديل الورقية.. مسحت أنفه ببطئ..
- أعتذر لوضعك في موقف كهذا.. حبي.
وقتها لم أعر إعتذاره كل ذاك الإهتمام،كنت أتحسس تسارع دقات قلبي.. شيئ ما بداخلي يتخبط خوفا.. آلام رأسه.. فقده للوعي..هذا النزيف.. بدأت الأحداث تترتب أمامي الواحدة بعد الأخرى.. تذكرت قصة حبات الكرز..  التي ألفتها يوما.. أيعقل أن نكتب أقدارنا ؟ أن نكتب نهايتنا.. ؟ أم أنها مجرد صدف..
أيعقل أن لا يكون هذا  الشريط الذي وضعته في مخيلتي  أكثر من قدر و أن ما أعيشه يختلف عن ما إختارته كتاباتي أن لا يكون كل ما يحدث اكثر من تقاطع أقدار..
شردت لحظتها..و لم أفق من شرودي إلا و آدم يناديني..
- حبي الإسعاف هنا من فضلك أحظري معطفي..
- حسنا..* أجبته و أنا أتحاشى عيونه..*
ركبنا سيارة الإسعاف يومها..كانت ليلة ممطرة، إلا أن البرد الذي يغزوا أرواحنا لا علاقة له بالفصول فبعض الفصول تمر باردة رغم صفاء أيامها.. 
لم أشعر بالخوف يومها،لم يسبق أن خفت من قدر الله.. أعلم بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.. لكني كنت أستشعر لحظتها الدم و هو يغادر أوردتي..كنت أستشعر تدفق الدم في خلايا صدري.. أردت يومها شيئا واحدا فقط
أن تغطيني الملائكة بأجنحتها.. أن يرسل الله لي ملاكا يخبرني،يطمئنني..يذكرني بأن الله لا يرضى الكسر لخواطرنا..
نزلنا من سيارة الإسعاف.. كان ممسكا بيدي طيلة الطريق..أتراه كان يتحسس إرتجاف يدي و أنا أتأمل ملامحه الصلبة،أتراه كان حقا صلبا..  أم أنه كان هشا مثلي من الداخل..
كان بودي أن أسأله.. لكني فظلت يومها أن أغض بصري عن رجفة يده.. و عن رجفة يدي..
تم فحصه بسرعة، وضعوا له مهدءا للألم بداخله..
بقيت ممسكة بيده..  لم أستطع أن أفلته..

                         * كان علي أن أفلت..*

غادرنا المستشفى يومها،و نحن نحمل تقريرا.. إضافة إلى طلب تصوير إشعاعي..
- تعالي!
- عفوا؟
- ضميني أمل..
إحتظنته يومها،كما لم أحظن بشرا من قبل..
- تعلمين أنك مشاغبة جدا.. صحيح..
- و تعلم بأنك عنيد جدا.. صحيح..
عدنا إلى البيت ليلتها.. و قصدنا مركز التصوير الإشعاي في اليوم الموالي ..  أخبرونا أن نمر في اليوم الموالي لإستلام النتائج.. غادرنا مركز التصوير.. كان آدم شاحبا يومها.. 
- حبي أنت بخير؟
- نعم بخير حبي.. *أجابني و هو يمسح ببطئ على رأسي.. *
عدنا إلى البيت.. كانت الساعات تمر ثقيلة جدا.. لم أعش بعدها يوما أثقل من ذاك اليوم..  كنت أتحسس سقوط الثواني الواحدة بعد الأخرى كتساقط الحمم على أجساد هشة..
إستلقيت على سريري،عسى أن يشفق النوم على جفوني فيغطيني.. وددت الهروب يومها..  و لو أن الله خيرني بين البقاء في الدنيا و بين الرفيق الأعلى لإخترت يومها الرفيق الأعلى..
بقيت أحدق في سقف غرفتي.. و إذا بآدم يقفز على السرير و يستلقي بنفس وضعيتي،بقي يحدق في صقف الغرفة..
- ما أسوأ شيئ قد يحدث أمل..؟ * سألني من غير أن يلتفت نحوي..* تجنبت النظر نحوه..
- قدر الله..
- و هل في قدر الله شر أمل..
- يستحيل!
- لما الخوف إذا.؟
- لست خائفة..
- تعلمين بأنك سندي..
- تعلم بأنك بطلي؟
تعالي.. إحتظنني ليلتها.. تمنيت يومها لو أني إستطعت أن أغفوا بين أضلعه..

               * ليتني لم أنم بجانبه يومها..*

إستيقضت في اليوم الموالي على صوت الآذان.. توضأت.. إرتديت عبائتي و صليت في ركني الخاص.. نحن نستمد من الصلاة ما لا نستمده من البشر، فيومها لم أكن بحاجة للشجاعة بالقدر الذي كنت أحتاج  فيه للإيمان..لم أكن أحتاج القدرة بالقدر الذي إحتجت فيه لليقين..نعم اليقين بحكمة الله..بقبول أقداره أيا كانت و كيفما كانت..
توجهت بعدها إلى غرفتي لأوقض آدم،كان مستيقضا و هو يحمل علبة المهدئ..
- تتألم حبي..؟
- قليلا فقط زوجتي.. أجابني و هو يغمز!
تحاملت على نفسي كي لا أبدي توتري..
- حسنا،قم للصلاة إذا و دعنا نحظر أنفسنا للذهاب..
غادرنا البيت في تمام الثامنة..
- أريد أن أسوق زوجي!
- ليس اليوم حبيبتي..
إستلم هو المقود عني.. بقيت أتأمله طيلة الطريق..كانت يداه ترتجف..  لم يكن رزينا كعادته.. كان خائفا،كان مظطربا.. و لأول مرة رأيت ذاك الطفل الخائف بداخله.. ذاك الطفل الذي إحتاج أمل.. و الذي
أصر على وجود أمل في حياته..غريب كيف يفقد المرأ إتزانه دفعة واحدة.. كيف لصداع رأس و بعض قطرات الدم أن تخلف كل هذا الدمار بجسد الواحد فينا.. حبيبي كان يحترق يومها.. و تطاول حريقه ليلمسني..  تطاول دماره ليدمرني..
وصلنا إلى المركز.. صعدنا الدرج.. طلبت النتائج و بقيت أنتظر..

إنتظرتك في زاوية الطريق.. لكنك نسيت أن تستديرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن