أتعلم ما مشكلتي ؟ كوني ورغم هاته المسافات اللامنتهية التي خلقت بيننا لازلت أتأمل أن أولد من جديد بداخلك،لازلت أتأمل أن تصحوا من غيبوبتك..أن تتصل بي يوما متلهفا مشتاقا.. لتدرك بأن ما بيننا كان يفترض أن يفوق حجم خسائرك.. يفوق إفلاسك الذي بت تتحجج به لما يقارب السنة..
كنت جالسا بالقرب مني يومها.. كنت قريبا إلى درجة أني كنت أستنشق نفسك،كنت أتحسس عطرك.. كنت قريبا مني على غير عادتك.. و كأنك كنت تحاول محو تلك المسافات التي خلقت بيننا من العدم.. و كأنك كنت تحاول أن تعوضني عن الفراغ الذي زرعته بداخلي.. عن إستغناءك عن تجاهلك..
لكني نسيت أن أخبرك بأن المسافات التي باتت بيننا يستحيل أن يعوضها لقاء واحد.. يستحيل أن تقلصها مكالمة واحدة.. بقيت تحدق في لفترة.. أعلم.. أعلم جيدا أن عيونك كانت تودعني.. بأنك كنت تحاول أن تشبع تفاصيلي.. نسيت أن أخبرك سيدي بأن النساء مثلي لا يتم تجاوزهن بسهولة..
و بينما أنت معتنق صمتك.. إذا ببائع مثلجات يمر بالقرب منا.. فنظرت إليك كآخر محاولة مني أن أستعيدنا.. و سألتك بغباء.. أريد مثلجات..
نظرت إلي بإرتباك.. و كأنك لم تتوقع أن تسمع صوتي يومها.. و كأنك وجدتني كعادتي أكثر منك جرأة.. أكثر منك ثبات.. أكثر منك رزانة..
أجبتني مرتبكا.. آه نعم بالطبع.. أي ذوق تريدين؟
-أريدها بذوق الشكلاطة..
قمت بشرائها لم يسبق أن إستغليت شيئا علي.. لطالما ما حسدت نفسي على حبك لي.. لم تكن عاديا أبدا كنت إستثنائيا في طريقة حبك.. في طريقة ولهك.. في طريقة إشتياقك.. لم أكن أعلم سيدي بأن حبك سينتهي و بأني لم أعد أختلف كثيرا عن تلك الأسهم التي لطالما ما حدثتني عن بيعك و شراءك لها.. لم يكن الأمر صعبا كما كنت تدعي.. بعتني منذ قرابة السنة..
أتعلم سيدي بأنك لم تلاحظ حتى أني طلبت مثلجات بطعم الشكلاطة الذي أكرهه.. أتعلم بأنك لم تلاحظ بأني لم أعد أرتدي خاتمك.. لم أعد أستعمل دفاترك..
لم تلاحظ حتى أني لم أعد أهاتفك..
توفيت و بت عاجزة عن إنقاذك لأن سوادك بات يتجاوزك و تجرأ على أن يلمسني..
وضعت علبة المثلجات تلك.. و جلست أتأمل ذوبانها.. الذي حتى لو لاحظته فلم تكن تجرأ على التعليق على وضعيته..
إعتدلت.. أمسكت يدي.. و بدأت خطابك.. بدى الوضع لحظتها كمن يضغط الزناد ببطئ.. بحرص.. كنت أتحسس وقع الرصاص على جسدي.. ها قد بدأت مراسم دفني.. إنتشليني أيتها الحياة من بين أضلعه و دعيني أنموا في مكان آخر.. في جهة أخرى بعيدا عنه.. أردت أن أهرب لحظتها.. أن أندثر لحظتها.. أتعلم بأني لو إلتقيت أمك قبلا لترجيتها أن تجهضك .. لترجيتها أن لا تحبل بك.. لترجيتها أن تضعك في صندوق و ترميك..
" أ تعلمين ؟ أنا لم أرد لنا نهاية كهاته.. أردتك أن تضلي هنا بجانبي.. أن تحيي بين أضلعي.. أردت أن أضل فارسك.. أن أضل بطلك.. حقا الحياة لم تنصفني
و لم تدع لي خيارا غير الإنسحاب من طريقك.. صدقيني أنا أذبل.. أذبل من داخلي.. من أعماقي..
حاولت أن أضل شامخا.. أن أضل بطلا أمامك لكني بت أضمحل تدريجيا.. و بات وميضي يبهت شيئا فشيئا.. لم يعد بإمكاني أن أكون بطلك.. لم تعد لدي القوة لأكون بطل نفسي حتى.. أنا إنتهيت بعد إفلاسي و سواء أتقبلتي أم لا فأنا لن أقوم من جديد كما لازلت ترددين منذ قرابة السنة.. الأمر إنتهى بالنسبة لي.. أنظري.. أنا لازلت أجهل كيف يفترض أن أقف.. لازلت أجهل كيف يفترض أن أؤمن.. كيف يفترض أن أحب..أنا بت عاطلا عن الحياة.. عاطلا عن الشعور.. و إن إستمررتي معي ستغدين عاطلة مثلي.. عاجزة مثلي..أنا لن أذبل وحسب ستذبلين معي و حقا لا أملك القوة لإسعاف نفسي فمابالك بإسعافك..
الأمر لا علاقة له بالحب مطلقا،أنا فقط لم يعد لدي ما أقدمه.. أنا عاجز أتفهمين معنى أن أغدوا عاجزا أمامك.. عاجزا أمام حبك.. أمام تضحياتك.. " و واصل خطابه الممل المحشو بالأعذار البالية.. لم أكن أسمعه،لم أرد أن أسمعه،بقيت أتحسس إرتجاف يده.. بقيت أتحسس تزاحم نبراته.. كان خائفا ،مترددا.. لم يكن متأكدا من قراره.. كان خائفا من أن يفقدني خائفا من أن لا يكون قويا بما يكفي ليودعني.. أعلم بأن جزءا منه كان يود بشدة لو أن بإستطاعته أن يحتظنني.. لكنه كان أكثر جبنا من أن يحتفظ بإمرأة مثلي.. أكثر جبنا من أن يواجه الحياة بجانبي..
أخذت أحدق فيه.. بدى الأمر و كأن حاجزا زجاجيا شيد بيننا.. فباتت ذبذباته ترتطم به و ترتد إلى الطرف الآخر من المقهى.. لا مجال للهروب هي النهاية إذا تطرق بابنا.. كنت أعتقد بأننا لن ننتهي..
بأننا يستحيل أن ننتهي..
أنت تقرأ
إنتظرتك في زاوية الطريق.. لكنك نسيت أن تستدير
Roman d'amourإحتجت وقتا كي أستوعب أن ما بيننا انتهى.. 💔 و أن الأشياء التي تنتهي و إن عادت،فهي غير قابلة للإستمرار..