إستيقضت في اليوم الموالي.. نظمت برنامج الأسبوعي بعد أن ألغيت كل إلتزاماتي لأتفرغ للدراسة فقط فلم يتبقى الكثير على تاريخ تخرجي
و كانت لدي بعض النقاط الغير مفهومة التي ينبغي أن تدرس بعناية،لكني قررت أن أمر على الشركة التي تعاقدت معها لأستفسر عن موضوع تسريب رقمي..
وصلت إلى المكتب و طلبت إستمارة بأسماء الأشخاص الذين تم تسليمهم رقمي.. إلا أن اللائحة كانت خالية تماما..
-لا أريد أن يتم تسريب رقمي،أيا كانت الظروف و الأسباب..
-حسنا..
-شكرا..
-العفو..
هممت بالمغادرة حين لمحت ذاك الأربعيني في الطابق السفلي نزلت الأدراج بسرعة لألحق به،
-أبإمكانك أن تشرح رسائلك،!
-عفوا!
-ما الذي تفعله هنا،و لما تلحقني بإستمرار.. من أين إستجمعت وقاحتك لتراسلني في رقمي الخاص..
-ألاحقك! أراسلك!
- كف عن التلاعب،فأنت مع الشخص الخطأ..
- و من هو الشخص الصح!
-من يشبه قلة ذوقك..
-قلة ذوقي! "رد بنبرة متفاجئة و هو يهز رأسه ببطأ.."
- كف عن إعادة صياغة جملي من ورائي..
-صبيانية..
-حسنا أنا صبيانية،ما الذي يدفع رزينا مثلك لملاحقتي..و مراسلتي! أيطمع في أن يصيرا صبيانيا مثلي! لا أعتقد
-ربما يريدك رزينة مثله..
- لمعلوماتك الخاصة لا وضعيتك و لا سنك يسمحان لك بتخطي حدودك.. لا تراسلني بعد الآن..
- تعرفين الكثير عن سني و وضعيتي! من الواضح أنك قضيت الليلة في البحث عن من أكون.. " رد و إبتسامة السخرية تعلوا وجهه.."
هممت بالرحيل حين إستشعرت بأن الحديث عقيم و بأنه لن يوصلني لأي نتيجة.. لا مجال للنقاش مع شخص مثله.. محدود التفكير،قليل ذوق!
لحقني..
-سيدتي!
تجاهلته.. و واصلت طريقي..
-سيدتي!
-ماذا تريد؟
-أربعون سنة! " ردد و هو يبتسم كعادته"
-ماذا !
و غادر.. قليل الذوق يخبرني عن سنه،و كأني أكترث!
لم أفهم تحديدا ما الذي كان يحاول أن يفعله أيعقل أن يكون متفرغا طيلة الوقت،ليلحقني حيثما ذهبت أم أن الأمور تحدث بالصدفة كما يدعي.. من أين له برقمي.. ألم يلاحظ فارق السن بيننا..
قصدت المكتبة بعدها.. مرت أيام و أنا أتبع نفس البرنامج، من البيت إلى المكتبة و أحيانا أمر لأشتري بعض قطع الملابس في حين ما إستدعى الأمر ذلك..
مر الموضوع على خير نسبيا،و إستطعت تدارك تأخري ،أتذكر بأنه كان يوما ممطرا حملت فيم مظلتي و غادرت البيت،أردت أن أمشي تحت المطر،أن يغسلني.. أن أستجمع أفكاري..
كيف يكون حالك بعد إنقضاء كل هاته الفترة يا ترى!،ألازال ما بداخلك يتذكر ما بداخلي! كنت أتساءل إن كنت سعيدا بدوني كما أخبرتني.. إن كنت قد تخطيتني, إن كنت تراسل فتاة غيري.. أكثر أنوثة،أكثر تفهما، أقل تطلبا.. مضت فترة منذ آخر مرة تقاطعت فيها نظراتنا،منذ آخر مرة خفق قلبي بوجودك.. أتساءل أحيانا،إن كنت لازلت تتفقد صوري قبل نومك..إن كنت تتذكر نبرتي و طريقة شرحي للأمور البسيطة. ذهب بي تفكيري بعيدا،توقفت أمام إشارة المرور أنتظر اللون الأخضر.. إلتفت حين إصطدم أحد المارة بكتفي..
كنت واقفا بجانبي!
كنت أمامي لحظتها، كيف لم ألاحظك.. كيف لم يشدني عطرك كما فعل في أول لقاء بيننا..
تقاطعت نظراتنا.. خفق قلبي بسرعة كما فعل لثلاث سنوات متتالية.. لازلت نفس الشهم الذي شدني، بنفس التفاصيل،بنفس الهيبة..
-كيف حالك! سألتني..
-بخير..
بقيت تنظر إلي، كنت تتأملني،تتأمل الحياة و هي تسري بداخلي.. نفس النظرة، لازالت عيونك تنظر لي بنفس الدهشة و كأنك تراني لأول مرة.. و كأن الأقدار وضعتني في طريقك لأول مرة..
-فنجان قهوة..؟
- لا وقت لدي!
هممت بالمغادرة حين ناديتني، لم ألتفت! لن أسمح لك بأن تدفنني مرة أخرى،يستحيل! بقيت تردد إسمي لفترة.. لن أستدير! لن أسمح لك بأن تقتلني هاته المرة أيضا،ليس الآن بعد أن أعدت ترتيب أموري و أولوياتي،ليس الآن بعد أن لملمت حطام قلبي و باشرت في صيانته،ليس الآن بعد أن وصلت مرحلة الرضى..
لحقتني..
-دعيني،أقلك من فضلك .. هي تمطر
-لا شكرا ! " و كأن أمر بللي قد يعكر مزاجك.."
- لا تعاندي،!
-لا تصر! "أجبت بنبرة حاسمة،و أنا أنظر إلى عيونه "
-أريد أن أشرح..
-لا داعي.. معذور مسبقا!
- حسنا، هي جملة واحدة!
- لن أسمعك.. "صرخت في وجهه بعد أن ألقيت المظلة على الأرض،" ، لا أريد أن أسمعك أتفهم ؟ لا أريد.. لا تشرح لي شيئا!
بقيت واقفا أمامي،تتأملني، أعلم بأنك تفاجأت من ردة فعلي،تفاجأت من صراخي.. أعلم بأنك و للحظة لم تتعرف على الشخص الواقف أمامك،بأنك لم تجد تلك الضعيفة التي إستغنيت عنها.. لم أكن أريد أن تشرح.. لا تشرح!
حملت مظلتي،بقيت تسير خلفي، لم تفهم بأني لن أستمع لك.. بأني صدمت منك، و بأن كل كلمات الدنيا لن تكون كفيلة للتخفيف عني.. بأن قلبي إنفطر على يدك بأن الرسول أوصى بالنساء خيرا.. إلا أنك لم تهتم بي..
- كوني عقلانية!
- عقلانية! معك أنت! لا داعي لأن تلحقني.. و لا داعي لأن تشرح،سامحتك! و الآن أتركني بسلام..
- لن أرحل..
أوقفت سيارة تاكسي، و عدت إلى البيت .. شعرت بالبرد كنت مبللة.. أردت أن آخذ حماما ساخنا.. بقيت تنظر للسيارة .. حطمتني!
دخلت البيت مسرعة،توجهت للحمام أدرت الصمام و بقيت تحته لفترة.. بكيت ! بكيت بحرقة، بكيت لأن كل كلمات الدنيا لم تكن كفيلة لتعبر عن ما شعرته لحظتها.. بدى الأمر لحظتها كمن تصلبت شرايينه فجأة..
أنهيت حمامي.. إرتديت ملابسي و غادرت البيت،توجهت إلى ذلك المقهى.. أردت أن أكلم أيا كان أن أحدث صاحب المقهى عن ألمي،أردت أذنا تسمع أنين قلبي.. تخفف وجعي..
دخلت المقهى سألت عن صاحبه قيل لي بأنه قد يتأخر في القدوم..طلبت كوب شاي ..و جلست قرب النافذة أتأمل سقوط حبات المطر.. رن هاتفي ،كان رقما أجنبيا..
-مرحبا!
-مرحبا!
-كيف حالك؟
-بخير،عفوا من المتصل..
-إستديري،خلفك تماما!
إستدرت بوجهي المنهك،بتفاصيلي المتعبة، بهالاتي السوداء ،كان ذاك الأربعيني من جديد.. نظرت إليه،أقفلت الهاتف لم أتفوه بكلمة.. إستدرت و سرحت في النافذة من جديد..
-ألن تعلقي! ألن تثوري كعادتك..
لم أجب..
-مابك!
-أرجوك،لست في حالة تسمح لي بالشجار و لا مناقشتك..
-ألن تعلقي.. على وجودي..
-لن أفعل.. "أجبته من غير أن أكلف نفسي عناء الإلتفاة .."
-هل أنت بخير؟
- بخير،شكرا.
- أخبريني! هل ضايقك أحد "سألني و ملامح القلق تبدوا على وجهه.."
- منذ متى أحكي عن ما بداخلي لغريب!
- لنقل بأني الوحيد المتواجد.. أنت لا تملكين الخيار.
-غادر من فضلك.. متعبة لا أريد أحدا..
-حسنا،إن كان هذا حقا ما تريدينه فسؤغادر..
-غادر.
- هل بإمكاني أن أتصل لأسأل عن حالك لاحقا.. سأضل قلقا..
- لما تهتم!
- لا أدري، حقا لا أدري.. أهتم فقط، لا يوجد تفسير لكل شيئ..
- لا تتصل..
- حسنا،كوني بخير.. " كان جادا لحظتها،لم أعتده متأثرا،كان دئما فظا.. " غادر المقهى لحظتها.. و بقيت أنا أتحسس إنشقاق كبدي.. إنشقاق ما بداخلي.. مرت ساعة تقريبا تأخر صاحب المقهى! إختنقت.. لم أستطع الإنتظار أكثر.. ذهبت لأدفع الحساب قيل بأن سيدا محترما دفع الحساب و ترك لي ملاحظة.. كتب فوقها..
- سأتصل،أجيبي من فضلك!.حقا قلق،لن أكون فظا مطلقا..
عدت إلى البيت،صليت، إحتضنت وسادتي و بكيت بحرقة.. بألم.. بوحشة..
رن هاتفي.. أجبت و أنا أشهق..
- ما الذي يحدث،أين أنت!؟ أنا قادم فورا..
-أنا في البيت..
- يا إلاهي.. ماذا حدث!
-منهكة..
أقفلت الهاتف،لم أرد أن يستغل لحظة ضعفي.. و لا أن أتقرب من أي شخص بسبب أشياء لم أتجاوزها بعد.. أرسلت رسالة :
-شكرا لقلقك،سأكون بخير،من فضلك سيدي لا تتصل مجددا..
وصلني الرد بعد ولهة..
-لن أتصل.. إهتمي بروحك، بقلبك ،بكيانك! و تذكري بأن الحياة أوسع من أن نتمسك بشيئ ظنا منا أنه قد لا ينتهي،ألمك سينتهي.. لا شيئ خلق للبقاء..
-شكرا !
-تصبحين على واقع أجمل..
أنت تقرأ
إنتظرتك في زاوية الطريق.. لكنك نسيت أن تستدير
Lãng mạnإحتجت وقتا كي أستوعب أن ما بيننا انتهى.. 💔 و أن الأشياء التي تنتهي و إن عادت،فهي غير قابلة للإستمرار..