لكن..

48 1 0
                                    

إستلمنا النتائج بعد فترة..لم يسبق أن تأملت بشرا كما تأملته و هو ينتظر تلك النتائج..
- دعنا نتوجه إلى طبيبك المعاين ليشرح النتائج لا داعي لفتحها الآن..
- حسنا..
لم يكن بداخلي شعور محدد،كنت أعلم بأن الحياة قد تأخذ مجرى يختلف عن المجرى الذي رسمناه لها،و بأنها و في مرحلة ما قد تنقلب رأسا على عقب و تأخذ أبسط الأحلام من بين حجورنا،تخيل أن تنقلب عقارب الساعات فجأة ضدك و أن تمضي الأيام على عكس ما ينبغي لها..تخيل أن ينهب منك حقك في الحياة!
وصلنا إلى تلك العيادة حيث تمت معاينته لأول مرة،إنتظرنا دورنا في صمت..
دخلنا غرفة المعاينة،ليستقبلنا الطبيب ببشاشة..
سألنا بضع أسئلة فيما يخص تطور حالة آدم الصحية،و روينا له بالتفصيل تعاقب الأحداث، حمل بهدوء الظرف.. كان يفتحه ببطئ. أردت أن يسرع أن يخبرنا عن ما يحمله ذاك الظرف،أيعقل أن تكون الظروف مجرد قنابل موقوتة..و أن تنفجر تلك القنابل ضدنا.. أيعقل أن تلتهمنا أجسادنا في مرحلة ضعف و أن نكون نحن الضحية و القاتل في آن واحد..
كان الطبيب يقرأ النتائج في هدوء،لم يبدوا متوترا أتسائل دائما،من أين للأطباء بقوة كتلك،كيف يواجهون آلاف الحالات بتلك الرزانة و لا تختل رزانتهم..
حدق نحوي ثم نظر بإتجاه آدم..
- سيدي،ما تقوله النتائج يؤكد شكوكنا،أريدك أن تعلم بأن ما تقوله النتائج، لا ينفي مطلقا إمكانية شفاءك، و بأن الإبتلاء لا يعني النهاية.. الإبتلاء مجرد فاصلة تليها مراحل وحده الله يعلم طيلتها.. الطب تقدم، و على قدر إيماننا تكون نجاتنا.. سنتبع برنامجا خاصا و ستبدأ حصص العلاج الكيميائي في أقرب فرصة و ذلك لكون الكتلة كبيرة الحجم نسبيا،ثم حسب تطور الحجم ننظر في إمكانية إستئصال الورم...

"الورم...!" بقيت هاته الجملة تتردد كالصدى بداخلي، أردت أن أصرخ.. أن ألعن الحياة..أن ألوم الكل على ما يحدث معي،شعرت لحظتها و كأن سقف الغرفة بات يمطر حجارة من سجيل و كأن تلك الحجارة كانت تلتهم شظايا جسدي، لم أكن أموت لحظتها لا أدري إن كان خروج الروح أكثر ألما لكني كنت أندثر بمافي الجملة من معنى..
لم أستطع أن أحدق فيه مطلقا،لم أمتلك الشجاعة الكافية،لكني كنت أعلم في أعماقي أنه إحتاجني أكثر مما فعلت،و بأن كتفي يومها كان ولابد أن يكون صلبا و أن يحمل على عاتقه مهمة إنتشاله..

قطعت هدوءنا..
- حظرة الطبيب و متى نبدأ بالعلاج الكيمياوي..؟
- سنجري بعض التحاليل أولا،ثم ننظر في إمكانية إستعابه للجرعات..
- حسنا سنجري التحاليل اليوم..
كان آدم صامتا طيلة المحادثة،لم يقاطعنا،لم يبدي تفاعله لم يصرخ،لم ينتفض ضد ما كتب له..
أمسكت يده بعدما أخذت مجموعة التحاليل التي إستوجب إجراؤها..أنا لم أختر ذاك القدر و لو كنت مجبرة لتقبل المرض،فسأكون مخيرة في أمر الكفاح و ما إخترته يومها كان أن أكافح..
بقيت ممسكة بيده طيلة الطريق..
- آدم! هناك مركز تحاليل بالقرب من عيادة الطبيب دعنا نمر لنقتصر الأمور على حالنا..
هز برأسه أن نعم..
إستشعرت يومها تآكل الحياة بداخلي،أردته أن يفعل أي شيئ ماعاد إلتزام الصمت،ليته كان يدري بأن نهايته كانت تعني نهايتي و بأني لم أكن لأرضى له الأذى و بأن الله لو خيرني يومها في تقاسم أيام حياتي معه لفعلت..ركبنا السيارة و توجهنا بعدها مباشرة إلى مركز التحاليل..
- حبييتي؟ *خاطبني و هو مركز مع المقود..*
- تذهبين إلى المنزل أم الشركة؟
- أذهب حيثما ذهبت!
- بل تذهبين حيث يفترض الذهاب!
- و أين يفترض بالزوجة الذهاب,و زوجها في حاجتها ؟
- إلى واجبها...
- آدم،أريد البقاء إلى جانبك اليوم..
- من فضلك زوجتي.. آدم متعب و يريد أن يختلي بنفسه،فلا تضغطي..
- آدم دعني أقلك حيثما أردت و أعود أدراجي بعدها..
- أمل! الإهتمام المفرط قد يؤذيني،سيشعرني بالعجز و تعلمين أي نوع من الرجال أنا..
- و تعلم أي نوع من النساء أنا..
- و لأني أعلم من تكونين أطلب منك نصف يوم لأجلنا..
- أين تذهب..لأطمئن..
- سأذهب إلى المقهى.. لا تقلقي. و سأتصل حال وصولي و حال مغادرتي..
- خدني معك..من فضلك.!
-أمل!
-حسنا..
نزلت من السيارة،و إتجهت إلى البيت لم أكن قد لملمت نفسي بعد،لم أبكي كما ينبغي،لم أصرخ كما ينبغي،لم أناج الله كما ينبغي..
لا أدر من أين كنت أستمد القوة لحياة كتلك،لأحلام كتلك لكن تلك الآية كعادتها تتردد على مسامعي.

* و كيف تصبر على مالم تحط به خبرا *

طبطبت على كتفي،إستجمعت نفسي..و همست ببطئ * تماسكي..*
حاولت النوم علي أنسى ما مر إلا أن ذهني لم يتوقف عن ترديد الأحداث..
كانت أحلامنا تمر أمامي..أيعقل أن يغادرني الآن بعد كل ما قطعناه معا..
مرت الساعات ثقيلة،أردت أخذ سيارتي و الذهاب إليه..إلا أني تماسكت..عله يجد في خلوته ما لم يجده معي..أعظم ما في الحب أنه يصنع منا أبطالا.. و بأنه يجعلنا نؤمن بالمستحيل..
غفوت و أنا أنتظره،و لم أستيقظ إلا على كتفه و هو يضمني بهدوء.. و هو يهمس في أذني..
- أنت قوتي..بعد الله أنت فعلا أملي!
- و أنت سندي،و زوجي و حبيبي..
- لا تفلتي يدي أمل..إلا يدك أمل،،،
- تذكر،إن الله لا يبتلي مالم يكتب الفرج..
- ماذا لو...
- صه! و لا كلمة " أجبته و أنا أضع أصابعي على شفتيه.." إياك نحن في بداية الطريق، و الطريق لازال أمامنا،إياك أن تستسلم و أنت مدرك لرحمة الله..إياك أن تظن بالله شرا و أنت مدرك لعطاه..
- أريد النوم عندك أمل..
إقتربت أكثر منه..
* عديني أن تكوني دوما أملي..*
- أخبرتني يوما بأن الوعود مجرد تراهات،دعنا نعيش الحياة كما هي.. دعنا نفي بوعود من غير أن نقطعها..
-لم أرد لنفسي نهاية كهاته،صديقيني،أنا لا أتحمل الفشل،أخشى أن لا تتحمل حالتي الصحية ضغط العمل،أن لا أهتم بك كما ينبغي..أن لا أحبك كما ينبغي!
- ستفعل!
مضت أيام قليلة منذ ظهور النتائج،و شرعنا بعدها في حصص الكيمياوي..كانت الأيام تمر ثقيلة جدا..
في بداية الأمر لم تكن الأعراض مزعجة لتلك الدرجة..إلا أن الأعراض كانت تزداد تدريجيا.. أعلم بأن تعاقب الأحداث كان قاسيا لكن الله دائما ما يصنع نجاة للخراب الذي يغطي أرواحنا..

إنتظرتك في زاوية الطريق.. لكنك نسيت أن تستديرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن