الفصل الرابع

43.7K 1.6K 245
                                    

          الفصل الرابع

تمطعت الشمس في الأفق البعيد و امتدت أشعتها الدافئة كأذرع تزيح الأستار الرمادية عن الكون في هوادة

جعلته يتنهد في راحة و هو يطالع تلك الأرض التي غادرها منذ زمن بعيد و قد بدأت خيوط الشمس الأولى تبرز له معالمها التي أفتقدها حد اللامعقول ..

مد كفه و فتح نافذة السيارة رغم جهاز التكييف الذى يعمل داخلها فقط ليعب من هواء مدينته التي ما ظن ابدا ان هواءها يشبه حد التطابق رائحة أنفاسه

التي يحيا بها ..

ابتسم في مودة لهدير التي كانت تنام ملء جفونها و هي تتخذ من احد أكتافه مسندا لرأسها الصغير و تتكوم جانبه بمظهرها الطفولى ذاك كطفلة لا تتعدى الثانية عشرة من عمرها لا آنسة مكتملة الأنوثة على وشك التخرج خلال أشهر قليلة .. اتسعت ابتسامته و هو يطالعها من جديد و هي تزوم متبرمة من وضعية نومها التي ارهقتها خلال تلك الساعات الطويلة من السفر .. شعر بالذنب قليلا لأنه لم يستمع لها حين نصحته بالسفر بالطائرة لكنه آبى ذلك و قرر السفر بالسيارة رغبة في الإستمتاع بكل لحظة من رحلة عودته الى بلاده التي نبذته يوما ما .. رغب في ان يحفظ كل لحظة في رحلة العودة كما حفظ كل لحظة في رحلة التيه التي عاشها على مدى اكثر من ربع قرن خلا حتى انه لم يغمض له جفن منذ خروجه من الإسكندرية و حتى تلك اللحظة يمنى نفسه بقرب لقاء الأحبة ..

تنهد من جديد هاتفا لسائقه الخاص فرغلى و الذى اصبح لا يفارقه بعد حادثة قدمه التي ما عاد قادرًا على استخدامها في القيادة :- اوجف عند اجرب زاوية و لا چامع يا فرغلى نصلوا العيد ..

ابتسم فرغلى لزكريا من خلال المرآة هاتفا في محبة :- حاضر يا زكريا بيه .. كل سنة و حضرتك طيب ..

ابتسم زكريا بدوره رابتا على كتف سائقه في مودة :- و انت طيب يا فرغلى و بخير .. معلش خدتك ف العيد من مرتك و عيالك ..

هتف فرغلى في سرعة :- متقولش كده يا بيه انا تحت امرك دايما و ف اى وقت ..

ربت زكريا من جديد على كتف سائقه في امتنان بينما تململت هدير من جديد هاتفة في نزق :- لسه كتير يا دادى .. هو احنا رايحين فين ..!؟.. مجاهل افريقيا ..

قهقه زكريا هاتفا :- لاااه يا لمضة مبجيش كَتير .. هنصلوا العيد انى و عمك فرغلى و بعدها حاچة بسيطة ويبجوا وصلنا خلاص ..

تمطعت هدير و هي تزوم ألما بسبب تيبس ظهرها هاتفة :- ما انا قلت لك يا بابا نسافر ..

قاطعها زكريا مشاكسا :- عارف .. مش عايز اسافر بالطيارة انى حر ..و بعدين انى جلت لك خليكى المرة دى مع امك و تعالى المرة الچاية مرضتيش و شبطتى فىّ يبجى تستحملى ..

تدللت عليه كعادتها و هي تحتضن ذراعه و هي تهتف بلهجة صعيدية حاولت بها مجاراة لهجة ابيها:- مجدرش ابعد عنك يا زيكواعمل ايه!؟..و بعدين مين يسليك ف السكة الطويلة دى .. مش هيدو حبيبتك ..

رباب النوح و البوح .. ميراث العشق و الدموع ٣ .. مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن