#21: الفصل الأخير

1.8K 99 20
                                    

ضمّت نورا مفكّرة آدم إلي صدرها و القلم مازال متعلّقاً بين يديها، حتي و بعد أن أعادوا نقلها لغرفتها بالمشفي. نظرت لآدم بغرابة و هو يعيد إعطائها الدونات قائلاً:
" الدكتور عايزك تاكلي طبيعي.. و واضح إنك بتحبي الدوناتس "
تجاهلته و شردت، فناداها:
" نورا كليها لو سمحتي، و هجاوبك علي كل اللي عايزة تعرفيه "
أخذت قطعة الحلوي المستندة إلي منديل مطبوع عليه العلامة التجارية الفخمة، و ليس طبقاً و فوقه غطاء كما كان قد تركها لها من قبل..
" انت بتعرف تعملها؟ "
قالتها و بدي صوتها أكثر مرونة، أو أن أذنه قد أعتادت علي لهدتها الجديدة التي أكسبتها إياها الغيبوبة..
فكّر قليلاً ثم قال:
" أنا لو قدامي وصفتها هعملها عادي.. و زي ما كاتب في الرواية، أنا عندي فعلاً مكوّناتها و أدواتها بس من فترة.. كنت ناوي أعملها بس انشغلت "
اومأت و قضمت قضمة صغيرة، لم تعطي لنفسها فرصة التلذذ بها، فلو كانت من صنع يد آدم لكانت أفضل بكثير..
قضم آدم قضمة من حلواه، و كانت بالشوكولا الداكنة المزيّنة، فهو لا يأكل إلا الحلوي قليلة السعرات..
سمعا طرقاً علي الباب فأذن آدم بالدخول بدلاً من نورا، فظهرت سيدة طيبة الملامح و من خلفها دخل والدي نورا، سلّمت السيدة علي نورا و آدم قالة:
" أنا دكتورة هند و جيت أطمن علي نورا "
و اومأت لآدم بخفوت فأدرك علي الفور أنها الطبيبة النفسية التي حضرت بناء علي رغبته بالإطمئنان علي نورا..
" هنقعد ندردش شوية كده يا نورا أشوفك عاملة ايه حاسة بإيه.. فتحبي مين بقي يبقي موجود معاكي؟ "
الثوان التي كانت تضع فيها نورا قطعة الدونات علي المنضضة بجانبها كانت أكثر من كافية للتفكير و اتخاذ قرارها، مسحت يدها بالمنديل كما فعلت بشفتيها، و أشارت إلي آدم. فقط.
ابتسم آدم بخفوت و اومأ قائلاً:
" حاضر زي ما انتِ حابة "
أرخت كتفيها قليلاً و بات الإرتياح في جلستها، و أرادت الطبيبة تلطيف الجو و سألتها مازحة:
" يعني مش عايزة بابا أو ماما يبقوا موجودين معانا؟ "
هزّت كتفيها ببطئ ثم نظرت لوالديها، فهمست والدتها:
" شوف البنت! "
ربّت الأب علي كتفيها و أشار لنورا:
" هنقعد في الكافيتيريا شوية علي ما تتكلموا براحتكم، بعد أذنك يا دكتورة.. "
و رمق آدم بنظرة فهمها، فلقد كان كل هذا مرتباً، بعد أن حكي لها آدم علي معظم ما توصّل إليه..
جلست الطبيبة أمام آدم، و بينهما فراش نورا الذي ظلت جالسه عليه لترتاح..
" قوليلي بقي يا نورا.. حاسة ب ايه؟ "
نظرت نورا لآدم و همست له:
" حاسة ب ايه يعني ايه؟ "
اقترب بمقعده و قال:
" قولي اللي انتِ حساه.. أي حاجة.. يعني مبسوطة.. زعلانة.. قلقانة.. حاجة بتوجعك؟ "
هزّت نورا رأسها نفياً للطبيبة، ثم قالت:
" بحاول افتكر بس.. "
اومأت الطبيبة و ابتسمت:
" كويس إنك بتحاولي تفتكري، افتكرتي ايه لحد دلوقتي؟ "
عادت نظراتها لآدم من جديد، فضحكت الطبيبة الأربعينية برقة قائلة:
" واضح إنك بتثقي فيه جداً.. انتوا ايه علاقتكم ببعض؟ "
رفعت نورا حاجبيها ثم التفتت للطبيبة و همست:
" إسأليه.. هو عارف "
ابتسم آدم و أشار إلي دبلته، و قبل أن يتحدّث قالت نورا:
" خطفني "
اعتذرت الطبيبة و تساءلت لتتأكد من ما سمعت:
" خطبك؟ "
هزّت نورا رأسها نفياً ثم قالت:
" لأ خطفني.. مش خطبني.. بس لبسنا دبل بردو.. "
" امممم.. "
عبثت الطبيبة بالقلم بيديها ثم سألت نورا بخفوت:
" ايه آخر حاجة فكراها قبل ما تفتحي عينك؟ "
تذكّرت نورا قبلة آدم الغير مكتملة، و علي الفور تذكّر هو آخر سطور روايته الغير مكتملة و ربطها سريعاً باتهام نورا إليه بالحديقة فسبق نورا بالحديث:
" و ايه اللي فكراه قبل ما يغمي عليكي و تروحي في الغيبوبة "
انتظرت الطبيبة أي إجابة، فصمتت نورا لتفكر، ثم قالت:
" كنت ببصّ للنجوم.. و افتكرت ذكري قديمة "
ثم أمسكت مفكرة آدم و بدأت تكتب بعض السطور السريعة و أعطتها للطبيبة فقرأتها بصوتٍ عالٍ:
" كنتي في محل هدايا و لقيتي شاب كان بيختار كارت هدايا عشان يحطها مع بوكيه ورد جميل لونه أبيض و بنفسجي، هو ده اللي افتكرتيه آخر حاجة؟ "
اومأت نورا.. فتهّدت آدم ثم تنحنح ليبدوا طبيعيّاً.. فتساءلت الطبيبة:
" و مش فاكرة حاجة حصلت بعدها؟ "
لمعت عينا نورا و قالت مشيرة إلي عينيها:
" ضوء قوي جه فعيني، قريب اوي مني.. بعدها حسيت بحد بيشيلني.. و كان فيه حاجة بتوجعني.. "
نظر آدم إلي رأسها الذي كان مضمّضاً لأيام.. و سألها:
" ده بس اللي فكراه؟ طيب اللي بعد كده؟ "
تجاوبت نورا معه بغرابة و قالت:
" ضلمة.. و كنت خايفة و بعيط.. "
فتذكّر علي الفور الفصل الثاني و الثالت من روايته، فاعتصر جبينه ثم نظر للطبيبة و أشار بعينه إلي ملف الرواية، فابتسمت الطبيبة و تساءلت:
" عرفت إنك بتحبي الروايات مش كده؟ المستشفي هنا فيها روايات جميلة لو حابة تقضي وقتك في قرايتها "
" أنا هقعد هنا كتير؟ "
تساءلت نورا بقلق فربّت آدم علي ساقها الممددة أسفل غطاء الفراش و قالت الطبيبة:
" لا معتقدش إنك هتقعدي كتير بعد ما قمتي بالسلامة، هتبقي موجودة بس لحد ما نطمن عليكي.. "
اومأت نورا..
" بتحبي تقري روايات ايه بقي؟ "
التفتت نورا لحقيبة آدم، و أشارت إليها، مثّل آدم عدم الفهم، فقالت:
" قولها "
" عايزاه يقولي علي ايه؟ هو عارف ذوقك في الروايات كمان؟ "
ابتسمت نورا بمرارة، و كتبت:
" أنا مش عايزة اتكلم، عشان تعبت "
قرأتها الطبيبة ثم امسكت يد نورا قائلة:
" أنا هنا عشان أساعدك، و لازم النهاردة نعرف منك أخبارك علشان نشوف هناخد بالنا منك ازاي "
لم يعد آدم يحتمل فقال:
" انتِ بتقولي إنك حلمتي بكل حاجة أنا كتبتها مش كده؟ "
ارتجف جسد نورا و انتهبهت حواسها..
" و أنا كمان حلمت إنك بتكلميني، و بتحكيلي عنك.. "
تذكّر آدم الحلم و قصّه عليهم...

دِبلة الخُطوفة ! - هدي بكير (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن