الرجل الذي اكل رفاقه

2.7K 110 0
                                    

سأقدم لكم قصة من عدة حلقات لرجل أكل زملائه
الحلقة 1:
▪️ الكساندر بيرس الرجل الذي أكل رفاقه ..!!
كلنا نخشى الموت , حتى ذاك الذي ينتحر يخشى الموت , لكن يأسه يغلب خوفه . خشيتنا الموت تجعلنا نتمسك بالحياة إلى أبعد الحدود , وقد نقدم على أمور خارجة عن تصورنا من أجل أن نبقى أحياء , إنها غريزة موجودة لدى جميع المخلوقات , أنظر إلى القطة الوادعة المسالمة , أحصرها في زاوية وراقب كيف ستكشر عن أنيابها وقد تخدشك بمخالبها .. وحديثنا اليوم عن رجل وجد نفسه محصورا في زاوية , ما بين المنايا التي تترصد خطواته وبين أفواه جائعة تتأهب لالتهامه , فماذا فعل ؟ .. وكيف نجا ؟ .. تلك قصة تفوق الخيال في مجرياتها ووحشيتها .. لكن مقتضيات قصتنا تستلزم أن نحدثكم أولا عن سكان أستراليا , فلعلك عزيزي القارئ لا تعلم بأن ما يقارب ربع سكان أستراليا اليوم تنحدر أصولهم من مجرمين مدانين تم ترحيلهم ونفيهم من بريطانيا (انجلترا , ويلز , اسكتلندا , ايرلندا ) بين عامي 1788 – 1868 ليقضوا مدة عقوبتهم في تلك القارة النائية والبعيدة عن الحضارة آنذاك .
ونحن هنا لسنا بصدد الخوض في أسباب ودوافع ترحيل 165000 مدان (خمسهم من النساء) من الجزر البريطانية إلى استراليا خلال 80 عاما , فالغاية من هذا المقال هي التطرق لقصة غريبة مرعبة وليس إعطاء درس ممل في التاريخ وعلم الاجتماع , لكن بما أن كابوس هو موقع ترفيهي لا يخلو من ثقافة , لذا دعونا نشرح لكم باختصار شديد هذه القضية الحساسة في تاريخ أستراليا وبريطانيا لعلكم تنتفعون منها في حديث عائلي أو جلسة مع الأصدقاء ... ففي ذلك الزمان كانت بريطانيا تعيش بواكير الثورة الصناعية , وكانت مدنها الكبرى مكتظة بشدة بالسكان , إذ هاجر الناس من الريف إلى المدينة للحصول على عمل في المصانع , ونتج عن ذلك وضع مأساوي شاذ , إذ خلا الريف من فلاحيه فيما لم تعد المدن تستوعب سكانها , فأزداد الفقر , وأنتشر الجهل , وغدت الشوارع قذرة - بأسوأ ما تعنيه مفردة قذارة في ذهنك - , وأضحت الطرقات تعج بالسكارى والعاطلين , وتفشت السرقة والجرائم إلى درجة أصبح الناس يخشون السير في الطرقات . وبالرغم من صرامة القوانين البريطانية آنذاك , حيث كانت عقوبة الإعدام تطبق لأتفه الجرائم , كسرقة أرنب مثلا , غير أن الإعدامات الكثيرة لم تضع حدا للجريمة المتفشية في كل مكان , كما شعر القضاة بأن عقوبة الإعدام قاسية جدا ولا تتلاءم مع حجم الجرم في أغلب الأحيان , لذا جاء الإبعاد والنفي كأفضل خيار للتخلص من المجرمين أولا , والتخلص من فائض السكان ثانيا , ولإراحة ضمير القضاة ثالثا . وكانت أمريكا هي الجهة الرئيسية التي ينفى إليها المدانون , لكن باستقلال المستعمرات الأميركية (الولايات المتحدة) عن التاج البريطاني عام 1783 أضحت استراليا هي السجن الواسع الذي يرسل إليه المدانون .
بطل قصتنا كان واحدا من أولئك المدانون الذين حملتهم سفن التاج البريطاني عام 1819 إلى استراليا , وقد تحسب عزيزي القارئ بأننا نتحدث هنا عن مجرم خطير , لكن الكساندر بيرس لم يكن كذلك , كان لصا ايرلنديا , وما أكثر اللصوص آنذاك , جريمته تنحصر في سرقة ستة أزاوج من الأحذية , عوقب عليها بالنفي سبعة سنوات إلى هوبارت , وهي اليوم عاصمة جزيرة تاسمانيا وكبرى مدنها (تاسمانيا جزيرة تقع جنوب استراليا وتابعة لها) , لكنها في ذلك الزمان لم تكن سوى مستعمرة صغيرة لاستقبال المجرمين المنفيين من أنحاء الإمبراطورية البريطانية .
كانت المستعمرة معتقلا مفتوحا يخضع لقوانين صارمة , الكثير من المدانين حسنوا سلوكهم خلال تواجدهم هناك , البعض منهم أمضى فترة نفيه بسلام ثم عاد للوطن , لكن الغالبية العظمى منهم رفضوا العودة وانخرطوا في الحياة كمستوطنين فتزوجوا وكونوا عائلات , وهؤلاء هم أجداد نسبة كبيرة من مواطني أستراليا اليوم . وهناك أيضا من المدانين من لم يرعوي , وأستمر في سلوكه الإجرامي في المنفى أيضا , ومنهم بطل قصتنا , الذي عوقب بالجلد عدة مرات لأسباب عدة من بينها سرقة بطات وديك رومي , والسكر وعدم إطاعة الأوامر , ومحاولة الفرار وعدم إخبار المسئولين عن مكان تواجده , وسرقة عربة حمل يدوية .. ولأن آخر العلاج هو الكي كما يقال , فأن أمثال بيرسي من المدانين الذين لا يتوقفون عن كسر القوانين كانوا يرسلون إلى أشد الأماكن رعبا وانعزالا , إلى جزيرة سارة الصغيرة التي تقع وسط خليج صغير يسمى ميناء ماكواري
نلتقي في الحلقة الثانية

قصص دينيه وعبره (1)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن