:القصة :2
من قصة الرجل الذي أكل زملائه
جزيرة سارة في الحقيقة لا تبعد سوى أميال قليلة عن الساحل الغربي لتاسمانيا , لكن الوصول إليها برا كان مستحيلا في ذلك الزمن , لأن معظم أجزاء تاسمانيا كانت بقاع مجهولة آنذاك , كان الناس يتهيبون الدخول في عمق الغابات المطيرة الموحشة التي تفصل ما بين شرق تاسمانيا حيث مستعمرة هوبارت وغربها حيث تقع جزيرة سارة , القليلون الذين تجرئوا ودخلوا لاستكشاف الغابات لم يعودوا أبدا . وعليه فأن الطريق الوحيد للوصول إلى جزيرة سارة كان عبر البحر , كانت السفن تدور حول تاسمانيا لتصل إليها , وحتى هذا الطريق كان محفوف بالمخاطر , لأنه يستوجب عبور مضيق خطير يدعى "بوابات الجحيم" , وهو أسم على مسمى , إذ يعد من أخطر الأماكن البحرية وأكثرها غدرا بالسفن التي تحطم الكثير منها وهو يحاول إيصال المحكومين إلى الجزيرة , وعليه فأن الكثير ممن كانوا يعاقبون بالسجن في الجزيرة كانوا يموتون غرقى في مياه البحر قبل وصولهم أصلا , أما أولئك الذين تكتب لهم النجاة من مياه المضيق القاتلة وتطأ أقدامهم ارض الجزيرة الجهنمية فسرعان ما يلعنون حظهم السيئ ويتمنون لو أن المضيق أبتلعهم قبل أن يروا هذا الجحيم الأرضي .
كانت أرض الجزيرة مغطاة بأشجار الصنوبر العملاقة , لكنها أرض غير قابلة للزراعة , ولم تكن هناك حياة برية تذكر , لذا كان البحر هو مصدر الغذاء الرئيسي لسكان الجزيرة من السجناء , وقد تسبب ذلك بموت الكثير منهم جراء سوء التغذية , فيما مات آخرون جراء الإسهال والإسقربوط وكذلك التسمم بفطريات خبز الشعير الذي كان يخزن لفترات طويلة ويقدم للسجناء . وكانت ظروف الاحتجاز سيئة للغاية , الطقس مطير وبارد , والسجناء المنهكين يعملون طوال النهار في قطع أشجار الصنوبر , وينامون ليلهم على أرضيات صخرية صلبة , وتتم معاقبتهم لأتفه الأسباب , مجرد النظر إلى وجه الحارس , أو التكلم بدون أذن , كانت عقوبتها مئات الجلدات . ولم يكن هناك من سبيل للفرار , فالمضيق القاتل بالمرصاد لمن يحاول الفرار بحرا , أما من يحاول الفرار برا فهناك أميال لا تنتهي من الغابات التي لم تطأها أرض إنسان تفصل عن أقرب مستعمرة . كان السجناء يطلقون على فكرة الفرار من الجزيرة أسم "ما وراء المستحيل" , بالنسبة لهم كان درب الخلاص الوحيد من جحيم الجزيرة هو أن تقتل زميلك فيتم شنقك , وهو درب طواه عدد غير قليل من سكان الجزيرة التعساء .
لكن استحالة الهرب لا يعني بأن أحدا لم يجربه , فاليأس والغضب يدفع الناس أحيانا لتحدي المستحيل .
في يوم 20 أيلول / سبتمبر 1822 كان هناك ثمانية سجناء يعملون في قطع أشجار الصنوبر على الجانب الشرقي من الجزيرة , كان قد طفح كيلهم وضاقوا ذرعا من حياة السجن البائسة فقرروا الهرب مهما كانت العواقب , كانت خطتهم تقتضي مهاجمة الحارس المشرف وتكبيله ثم سرقة قارب والهرب بواسطته عبر المضيق إلى الصين .. طبعا بالنسبة لمعظم الناس في ذلك الزمان كانت المعلومات الجغرافية خاطئة ومضللة , كانوا يظنون أن الصين مجاورة لأستراليا وأنه لا يفصل بينهما سوى مضيق أو نهر كبير ! .. لذا فأن معظم المدانين الذين فروا من أستراليا وتاسمانيا خلال القرن التاسع عشر كانوا يعتزمون الوصول إلى الصين .. لكن أحدا منهم لم يصل إلى هناك لأن هناك في الواقع 5000 ميل تفصل بين أستراليا والصين .
بطل قصتنا , الكساندر بيرس , كان واحدا من أولئك المدانون الثمانية الذين خططوا للهرب , وقد نجحوا فعلا في الجزء الأول والأسهل من خطتهم , أي السيطرة على المشرف وتكبيله , فهم في الواقع لم يكونوا يخضعون لحراسة مشددة , فإدارة السجن لم تكن تخشى فرار السجناء لأنه كان أمرا مستحيلا برأيها .
لكن الجزء الثاني من خطة الهرب سرعان ما باء بالفشل , فمياه المضيق كانت أصعب من أن تعبر بقارب صيد صغير , كما تعرض السجناء الفارون للمطاردة مما أجبرهم على الرسو بقاربهم على الساحل الغربي لجزيرة تاسمانيا القريبة , ثم انطلقوا إلى داخل الغابات المظلمة وأرضها الوعرة التي دأبت على ابتلاع الناس لكنها نادرا ما لفظت أحدا منهم مرة أخرى . وللعلم فأنه حتى في أيامنا هذه هناك عدد قليل من فرق الاستكشاف وعلماء الطبيعة المزودون بأحدث التجهيزات والكثير من المؤن يجرؤون على الدخول لاستكشاف تلك الغابات المخيفة .
كان السجناء يعلمون أن مستعمرة هوبارت تقع على الطرف الآخر من الجزيرة , وأن عليهم السير نحو الشرق باستمرار لكي يصلوا إلى هناك , لكنهم لم يكونوا يعلمون كم يفصلهم عن الوصول إلى هناك , ويوما بعد آخر بدت لهم تلك الغابات كأنها بلا نهاية , كانوا يسيرون من الصباح حتى المساء , في ارض مجهولة مطيرة وبدون طعام , لم يكن هناك طرائد , وحتى لو وجدت فهم عاجزون عن صيدها والإمساك بها , لم يكونوا يحملون أسلحة , كان معهم فأس وحيدة يحملها سجين يدعى روبرت جرينهيل , وقد عين نفسه قائدا للمجموعة بمساعدة سجين آخر يدعى ماثيو ترافيرس .
أنت تقرأ
قصص دينيه وعبره (1)
Espiritualصل على محمد وال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد ❤❤❤ لمحبي القصص الدينيه للاستفاده