الرجل الذى اكل رفاقه 3

1.4K 77 0
                                    

بسم الله
كان الخوف مسيطرا على عقول أولئك الرجال الثمانية وهم يمضون على غير هدى في ظلمة تلك المتاهة العظيمة , كان الجوع هو هاجسهم الأكبر , فالجوع كافر عزيزي القارئ , ربما معظمنا لم يجرب الجوع الحقيقي , أي أن تمضي أياما من دون أن تأكل أي شيء , ذلك لن يؤثر على جسدك فقط , بل على عقلك أيضا , سيجعلك تهلوس , وقد يدفعك لفعل أمور لا تتخيلها , وهذا هو بالضبط ما حصل مع أولئك الرجال اليائسين , فبعد خمسة عشر يوما من السير المتواصل والإنهاك والجوع في عمق الغابة المطيرة والباردة توصلوا لقرار خطير : يجب على أحدهم أن يقتل ويؤكل لكي يعيش البقية ! ..
بالطبع لم يتطوع أيا منهم لكي يؤكل من قبل زملاءه , لذلك قرروا الاقتراع بسنابل الحشائش التي تغطي أرض الغابة , أخذوا ثمانية سنابل وقطعوها بالتساوي ما خلا واحدة جعلوها أقصر من البقية , ثم امسك جرينهيل بالسنابل في يده وطلب من كل واحد أن يستل سنبلة , وصاحب السنبلة الأقصر هو الخاسر الذي يجب أن يؤكل من قبل زملاءه . ولك عزيزي القارئ أن تتخيل الرعب الذي تملك أولئك الرجال وهم يمدون أصابعا مرتجفة ليستلوا السنابل واحدة بعد الأخرى , ولم يمضي وقت طويل حتى ندت صرخة مخيفة عن أحدهم , السجين الكساندر ديلتون , كان هو صاحب السنبلة الأقصر , وقف لبرهة ممسكا بتلك السنبلة اللعينة يتأملها برعب فيما عيون زملاءه تتأمله كأنه خروف العيد ينتظر الذبح ! , وأدرك الرجل المسكين بأن الأمر ليس مزحة حين نظر إلى وجوه رفاقه المتحفزة للانقضاض عليه فقفز مذعورا وركض نحو عمق الغابة محاولا الفرار , لكنه لم يبتعد كثيرا , إذ أحاط به الرفاق من كل جانب , امسكوه وثبتوه , لم يأبهوا بتوسلاته , وخلال لحظات أجهز عليه جرينهيل بالفأس , ثم قاموا بتقطيعه أربا وأوقدوا نارا وضعوا عليها اللحم والشحم والكبد والمخ والرئة ... لم يتركوا شيئا لم يأكلوه .. سوى العظام والشعر والأظافر.
كانت تلك ليلة رهيبة بحق , لكنها أيضا الأولى منذ خمسة عشر يوما التي ينام فيها السجناء الفارين قريري العين عن شبع , بيد أن نشوة الشبع سرعان ما تبخرت وتحولت إلى رعب مطبق حين استيقظ السجناء في الصباح التالي , فالسؤال الأول الذي خطر ببالهم هو : من سيكون التالي ؟ ..
هذا الهاجس المخيف دفع اثنان من السجناء إلى ترك المجموعة ومحاولة العودة إلى سجن جزيرة سارة , وقد نجحا في الوصول إلى الساحل فعلا لكن لفظا أنفاسهما هناك جراء الإنهاك والجوع . هذا ترك خمسة أحياء فقط في مجموعة الفرار الذين استمروا في المسير باتجاه الشرق على أمل أن يكون خلاصهم قريب , مستعينين بخبرة جرينهيل الذي كان بحارا سابقا ولديه معرفة بحركة ومواقع الشمس والنجوم . لكن الأيام مرت بسرعة من دون أي بوادر على قرب انتهاء رحلتهم , وأطبق الجوع عليهم من جديد , فقرروا التضحية بشخص آخر , ووقع ألاختيار هذه المرة على توماس بودينهام , فذبحوه واكلوه كما فعلوا في المرة السابقة .
والآن لم يبق سوى أربعة أحياء , روبرت جرينهيل ومساعده ماثيو ترافيرس , إضافة إلى بطل قصتنا الكساندر بيرس وسجين آخر يدعى جون ماثر . ولأن جرينهيل كان هو من يحمل الفأس ويقود المجموعة مع صديقه ترافيرس , لذا فأن الضحية التالية كان لا يعدو أن يكون بيرس أو ماثر , وقد وقع الاختيار على ماثر , هذه المرة لم يقترعوا , بل أتفق الثلاثة الآخرين على قتله , باغتوه على حين غرة , قطعوه بالفأس وأكلوه .
أن مشكلة اللحم البشري بحسب الخبراء هو أنه غني بالبروتينات لكنه يفتقر إلى الكربوهيدرات (السكريات) التي تعد مصدرا رئيسيا لطاقة الجسم , وعليه فأنك مهما أكلت من اللحم البشري فسرعان ما ستشعر بالجوع وسترغب في الأكل مجددا خصوصا حين تكون في خضم رحلة مرهقة تستنزف طاقتك باستمرار , وعليه فقد أيقن صاحبنا , الكسندر بيرس , بأنه الضحية التالية , وبأنها مسالة وقت فقط حتى يقوم جرينهيل وصديقه ترافيرس بقتله وأكله. لكن شيئا حدث خارج التوقعات غير مجريات الأحداث تماما , إذ تعرض ترافيرس للدغة أفعى , جرينهيل أصر على أن يحملوه , ساروا به لمدة خمسة أيام , لكن بنهاية اليوم الخامس أدرك جرينهيل بأن لا أمل يرتجى من نجاة صديقه وأنه ميت لا محالة , فقتلوه وأكلوه , وهذه المرة , لشدة إنهاكهم , لم يطبخوه , بل أكلوا لحمه نيئا .
لم يبق الآن سوى جرنهيل وبيرس , أصبح الأمر بينهما أشبه بلعبة القط والفأر , فكلاهما يريد أكل الآخر ويتحين الفرص , وكان جرينهيل هو صاحب الحظ الأوفر , فهو من يحمل الفأس , لكن بيرس كان حذرا جدا , كان يحمل بيده عصا غليظة ولم يعط أي مجالا للمباغتة . ومرت الأيام تترى , أدرك الرجلان خلالها بأن نهاية الطريق مازالت بعيدة , وبأن النجاة معقودة لمن يقتل صاحبه أولا ويأكله . وبمرور خمسة أيام على آخر وجبة تناولاها , كان الرجلان قد أنهكا تماما , وكلا منهما قد عقد العزم على الغدر بالآخر .

قصص دينيه وعبره (1)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن