وهديناه النجدين

803 46 4
                                    

{وهديناه النجدين}

روي أن الكلب قال للأسد: "يا سيد السباع! غيِّر اسمي فإنه قبيح"، فقال له: "أنت كلب لا يصلح لك غير هذا الاسم"، قال: "فجربني"، فأعطاه شقة لحم، وقال: "احفظ لي هذه إلى غدٍ، وأنا أغير اسمك"، فجاع الكلب ، وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر، فلما غلبته نفسه، قال:
وأي شيء باسمي؟!،"

   " وما كلب إلا اسم حسن"

فأكل اللحم.

فهذه صورة لأصحاب الدون، الراضين بشهوات الدنيا وملذاتها، والمختارين لعاجل الهوى على آجل الفضائل وعلو المنازل، فإياك إياك أن تكون منهم فتهلك.

وإنك إن أعطيت بطنك سُؤْلَه

                   وفرجَكَ نالا منتهى الذم أجمعا

وهذا الصنف النبيل علم أن الجنة سلعة غالية، وأن مرادها لا يكون إلا بهمة عالية وإرادة قوية، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة":

تهون علينا في المعالي نفوسنا

               ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر

فمن صحت له غايته لان له كل صعب، واستطاع أن يعيد هذه الأمة إلى الحياة مهما ضمرت فيها معاني الإيمان، إذ إن "همم الرجال تزيل الجبال":

همم الأحرار تحيي الرِّمَما

                      نفخة الأبرار تحيي الأُمُمَا

ولك أن تتصور أمة مجموع أفرادها من صنف، غاية همتهم توفير المآكل والمشارب، وتأمين المساكن والمراكب، فإذا بلغوا غايتهم من ذلك شعروا بالرضا وأظهروا الارتياح، ماذا سيكون حال القيم والمبادئ والأخلاق والأفكار؟!

وإذا كانت همتهم قد انتهت عند تلك الشهوات الدنيوية، فَمَن للحق ينصره؟،
ومَن للدين ينشره؟
ومَن للأخلاق يعليها؟
ومَن للفضائل والعقائد يحرسها ويحميها؟!

ويا للأسف على حال أمة، شبابها أعلى ما يتمناه أحدهم أن يوجد من يصرف عليه وهو نائم، يملأ جفنه ويأكل ملأ بطنه، فماله وللبحث عن المكرمات وهو مطعوم مكسي !!؟

خلق الله للحروب رجالاً

                              ورجالاً لقصعة وثريدِ

هم شر من الأنعام وأضل؛ لأنهم غفلوا وساهوا عما خلقهم الله له وعما أُعد لهم غدا،

إن كسبوا: فشبهة، وإن أكلوا: فشهوة، ينامون الليل وإن كانوا نيامًا بالنهار في المعنى، ولا نوم بهذه الصورة، فإذا أصبحوا، سعوا في تحصيل شهواتهم بحرص خنزير، وتبصيص كلب، وافتراس أسد، وغارة ذئب، وروغان ثعلب، ويتأسفون عند الموت على فقد الهوى، لا على عدم التقوى، ذلك مبلغهم من العلم".

فيا ويح أمة، حال أكثرهم عما يحاك بهم:

إن أعظم ما ابتليت به الأمة في زماننا هذا الصنف من الناس، وهم الغثاء الذين أخبر عنهم صلى الله عليه وسلم بقوله: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكَلة إلى قصعتها"، فقال قائل: "ومن قلة نحن يومئذ؟ " قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء (ما يحمله السيل من وسخ) كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوَهَن"، فقال قائل: "يا رسول الله وما الوهن؟ " قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت"

وفيهم قال الشاعر:

وأفتح عيني حين أفتحها

                    فأرى كثيرًا، ولكن لا أرى أحداً

لماذا لا نرى أحد ؟!
لماذا أمة بلغ تعدادها المليار والنصف لا وزن لها ولا قيمة ؟!
لأن أئمة البغي والفساد والاستبداد أرادوا لكل شعب عربي أن يكون قطيعًا من الغنم يأكل ويشرب ويداوى؛ لكنه لا يحمل عصا ولا يصد عدوًا، إنما الذي يحمل العصا هو سيده؛ فبها يهش عليه ويسخِّره، وبها يحد له الحمى الذي لا يتجاوزه. في حدود هذا الحمى تتمتع الغنم بحرية الأكل والشرب والثغاء والنزو والتوالد!!

هذا الصنف -كما قال ابن القيم- هم:
" الهمج الرَّعاع، الذين يكدرون الماء، ويغلون الأسعار، إن عاش عاش غير حميد، وإن مات مات غير فقيد، فقدهم راحة للبلاد والعباد، ولا تبكي عليهم السماء، ولا تستوحش لهم الغبراء"، وهذا الصنف شر البرية: "رؤيتهم قذى العيون، وحُمَّى الأرواح، وسقم القلوب، يضيقون الديار، ويغلون الأسعار، ولا يستفاد من صحبتهم إلا العار والشنار".

لا تخـدعنــك اللحاء والصــور

                     تسعــة أعشــار مَــن ترى بقـر

فـــي شجــــر السِّدْر منهم مَثَل

            لـــــها رواء ومــا لـــها ثمـــــر

وهم الموصوفون بقوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}

فاللهم اهد أمتنا وارشدها لما فيه الخير، وخذ بيد شبابها إلى طاعتك وحسن عبادتك وجميل اللجوء إليك.

قصص دينيه وعبره (1)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن