في ذكرى هجرة النبي
- - - - - - - - - - - - - - - -- لقد بذل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه كل ما في طاقتهما لإنجاح عملية الهجرة.
لكننا نلاحظ أن الخطة قد حدث فيها بعض الثغرات الخارجة عن حدود التخطيط البشري، فالمشركون قد وصلوا إلى بيت الرسول قبل الموعد الذي كان يظنه، ويرتب خطته على أساسه، والمطاردون وصلوا إلى باب غار ثور، وسراقة بن مالك استطاع أن يصل إلى النبي وصحبه.- لكن الدرس هنا أنك إذا قمت بما عليك وأخذت بما تستطيع من أسباب، فإن الله تعالى سيكمل لك ما يحدث من نقص خارج عن إرادتك؛ لذا أغشى الله تعالى عيون المشركين أمام بيت الرسول فلم يروه وهو خارج، ولم يجعلهم يلقون نظرة واحدة داخل الغار حتى لا يروا حبيبه صلى الله عليه وسلم وصاحبه،.
- لم يعتمد الرسول صلى الله عليه وسلم على الأسباب وترك رب الأسباب، حاشا لله، إنما كان يعلم أن الأسباب لا تأتي بنتائجها إلا إذا أراد الله تعالى، ولذلك فبعد أن بذل أسبابه كاملة تحلَّى بيقين عظيم في أنَّ ما أراده الله تعالى سيكون، ظهر ذلك في كلمته الرائعة:
"مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا".
- لم يفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم روح الأمل في أي لحظة من لحظات حياته، حتى في هذه الرحلة الخطرة، وهو يخرج من مكّة بهذه الطريقة، وهو مطلوب الرأس، لا يأمن على حياته ولا على حياة أصحابه، إذا به يبشر سراقة ليس فقط بظهور الإسلام على قريش أو على العرب، بل وبسقوط عرش كسرى تحت أقدام المسلمين، وأَخْذ كنوز كسرى غنيمة،
"كَأَنِّي بِكَ يَا سُرَاقَةُ تَلْبَسُ سِوارَيْ كِسْرَى".
- وضح لنا في هذه الرحلة كيف أن القائد العظيم صلى الله عليه وسلم كان يعيش معاناة شعبه، يهاجر كما يهاجرون، يُطارد كما يُطَاردون، يتعب كما يتعبون، يحزن كما يحزنون، يعيش معهم حياتهم بكل ما فيها من آلام وتضحيات، كان من الممكن أن ينقل الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة بالبراق الذي نقله في لحظة من مكّة إلى بيت المقدس، ولكن أين القدوة في ذلك؟ وأين الأسوة؟ لا بد للمسلمين من طريق عملي لبناء الأمة، طريق في مقدور عموم المسلمين، ولا بد أن يسير في هذا الطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم كل المعاناة والتعب.
- رأينا في هذه الرحلة استعداد الصّدّيق رضي الله عنه للعمل لله تحت أي ظرف، وفي كل زمان ومكان، القضية في منتهى الوضوح عند الصّدّيق، أهم شيء في حياة الصّدّيق رضي الله عنه هو أن يرضي الله تعالى ورسوله، ولا ينبغي أن يطلبه الله تعالى في مكان فلا يجده، ولا ينبغي أن يريده الرسول صلى الله عليه وسلم في عمل فلا يجده، ليس هناك في حياته مكان لكلمة (الظروف)، بل كان يعتذر لكل ظرف يطرأ على حياته بأن عنده ظرفًا أعظم، وهو العمل والبذل والتضحية والجهاد في سبيل الله تعالى.- شاهدنا في قصة الهجرة أمرًا لا بد أن نقف معه وقفة، أرأيتم كيف استعمل الصّدّيق رضي الله عنه عائلته كلها في سبيل الله؟ أرأيتم كيف استعمل عبد الله ابنه في نقل الأخبار؟ وكيف استعمل أسماء ابنته في نقل الطعام والشراب؟ وكيف استعمل عامر بن فهيرة مولاه في إخفاء آثار الأقدام؟
- وبهذه الهجرة السعيدة الناجحة تمت مرحلة مهمة، بل مهمة جدًّا من مراحل السيرة النبويّة، تمت المرحلة المكيّة بكل أحداثها وآلامها ومشاكلها، إنها مرحلة ذات طابع خاص بل وخاصٍّ جدًّا، بدأ الإسلام فيها غريبًا، واستمر غريبًا إلى قرب نهايتها.- وإلى جانب العقيدة الراسخة، فقد تعلم المؤمنون في هذه المرحلة الأخلاق الحميدة، عرف المؤمنون في هذه المرحلة أن الطريق الطبيعيّ للجنة طريق شاقّ صعب، مليء بالابتلاءات والاختبارات، ما تنتهي من امتحان إلا وهناك امتحان آخر، تعب كلها الحياة، والله يراقب العباد في صبرهم ومصابرتهم وجهادهم، ولن يُستثنى أحد من الاختبار، ويُبتلى المرء على حسب دينه.
- لقد كانت الفترة المكية بمنزلة الأساس المتين للصرح الإسلامي الهائل.
من المستحيل أن يجتاز المسلمون خطوات كبدر والأحزاب وخيبر وتبوك، دون المرور على فترة مكّة، من المستحيل أن تُبنى أمة صالحة، أو تنشأ دولة قوية، أو تخوض جهادًا ناجحًا، أو تثبت في قتال ضارٍ، أو تقف بصلابة أمام كل فتن الدنيا إلا بعد أن تعيش في فترة مكّة بكل أبعادها.على الدعاة المخلصين أن يدرسوا هذه المرحلة بعمق، وعليهم أن يقفوا أمام كل حدث، وإن قصر وقته أو صغر حجمه وقوفًا طويلًا.
هنا البداية التي لا بد منها، بغير مكّة لن تكون هناك المدينة، وبغير المهاجرين لن يكون هناك أنصار، وبغير الإيمان والأخلاق والصبر على البلاء لن تكون هناك أمة ودولة وسيادة وتمكين.
✍️ محمد أبو صهيب
✍️ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون
أنت تقرأ
قصص دينيه وعبره (1)
Espiritualصل على محمد وال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد ❤❤❤ لمحبي القصص الدينيه للاستفاده