الفصل 14

30 6 1
                                    

خطوات امير المتتابعة في طريقه نحو المكان المتفق اليه، تبدو متسارعة كعادته لايحب الانتظار طويلاً يهوى الاحداث بمرورٍ سريع وكأن حياته على عجلة من امرها، المقهى على مقربة منه الان بالكاد يرى واجهته العريضة، يتوجه مباشرة اسفلها واقفاً منتظراً بحذر تحيةً من غريبٍ يخبره انه صاحب المكالمة، نقرة على كتفه الايسر تعيده من شروده الى يد ممدودة نحوه يبادلها بمصافحة رافعاً ناظريه الى وجه صاحبها، كهل قارب على الترحيب بالخمسين من عمره شعر ابيض يتخلله السواد، ملامح خالية من التجاعيد توحي بالقوة، ليتحرك فم الرجل قائلاً: مرحبا امير كيف حالك؟ "، يجيبه الشاب بثبات وثقة ": بخير وانت عمي؟ "، يرد عليه الكهل قائلاً ": بخير وبؤس، لكن لا بأس، هيا لنتحرك الان هاهو ذا منزلي اود ان استضيفك، لا تخف و لا تتردد انت بمثابة ابن لي "، بطبيعة الحال يحب امير الدخول في كل ماهو غامض امره حتى وان كان يقحم نفسه في ربطة لا حل لها، مجيباً ": حسناً هيا بنا "، يتقدم الاثنان بخطوات متباطئة متفقدين نواحي الطريق كغريب حل بمدينة لم يزرها من قبل، واذا بهما يصلان الى الباب فيفتحه الاب قائلا":ً تفضل بني"، ينزع امير حقيبته متخذاً كل الاحتياطات فالدخول الى منزل عدوك قد يكون امناً بقدر الخطر الذي يحدق بك، نظرة تحت سقف قبعته يراقب بها ارجاء المنزل ليحفظ تفاصيله سريعاً، يضيف الاب": تفضل ابني من هنا -مشيراً بيده اليمنى لغرفة على الجهة اليسرى"، يدخل امير ملاحظاً صينية بها بعض العصير والكعك وكوبان صغيران حديديان من القهوة موضوعان جنب علبة السكّر، يجلس الشاب على الاريكة قبالة الباب وخلف الصينية ليشغّل 'وضع الصامت الهادئ '، يتكلم والد نزيم قائلاً ": مرحباً بك امير في منزلي المتواضع، اعتبره منزلك افعل ما يحلوا لك فقط كن مرتاحاً، تبدوا لي غير واضح بعض الشيء كمن يصعب فهمه، هل انت غاضب ام ما بك؟! "، ابتسامة تصحبها ضحكة باهتة جميلة يقول امير ": لا على الاطلاق لا، هذا هو انا، ليس تظاهراً مني بل هاته طبيعتي، انا بخير شكراً لسؤالك عمي اتمنى ان تكون بخير ايضاً "، يهمهم الاب بعدها يحمل فنجان القهوة مسترقاً رشفة صغيرةً قائلاً ": احمل فنجانك واشرب القليل فهي رائعة، من القلائل اللاتي تعجبني "، عشق امير للقهوة يمكنك القول عنه انه لو كانت القهوة في هيئة انثى لتزوجها رغم انه ضد هاته العلاقات لأنه يعلم ان نقطة ضعفه هي قلبه الابيض السوداوي، يحمل الفنجان دون تردد مرتشفاً القليل مغمضاً عيناه، يأخذ كل مايفعل على محمل الجد لأنه ببساطة يقوم بما يحب ولا شيء يستحق الاهتمام اكثر مما نحب، يضيف الاب قائلاً ": لن اطلب منك اعادة سرد تفاصيل الحادثة او شيء من هذا القبيل لأنني اعرف ابني جيداً لكني اريد سؤالك من اين لك.بهاته الفنون القتالية؟ " يجيب امير بخجل في هيئة تواضع قائلاً ": يعود الفضل الى والدي هو من اقحمني في هذا المجال منذ ان كان في عمري ست سنوات، حاولت التوقف عن هاته الرياضة عدة مرات بسبب تعرضي لضرب مبرح ليس خارجها بل داخل القاعة حين نتدرب او في بعض المباريات، كان دوماً مصراً على ان اتابع رياضتي، لأنه يؤمن بأن الروح الرياضية من اساسيات نفس الانسان فهي تبعده عن العديد من السلبيات بل وتغير نضرته نحو الحياة ايضاً ولا تغرس بقلبه الكره او حب المشاكل، بل بقدر ماتتعلم من تقنيات يكبر في داخلك حب الخير، بمعنى انه كلما زادت مقدرتك على فعل شيء يضر ستبعد كل من تراه يتعرض لذلك ناهيك عن الدفاع عن نفس، تمشي في اي وقت خارجاً دون خوف فثقتك بنفسك حينها تكون في اوجها دون تكبر، فمن تكون شخصيته ضعيفة ويحمل ضغينة كبيرة للعالم سيرتكب العديد من المشاكل التي قد تؤدي الى حتفه حتماً "، يجيب الوالد بدهشة قائلاً ": ماشاء الله يا بني راق لي كلامك ووعيك الفكري، احمد لله لوجود شبان مثلك، جل مايخجلني الان هو ان صاحب الفضيحة ابني سأحمر خجلاً حين اخرج والاقي اصدقائي او اخوتي فيكون الملام هو انا ويقال لم يربّي ابناءه بالطريقة المثلى بل يكمن به الخلل قبل ان يكون بإبنه "، يقاطعه امير قائلاً ": لا والله لست انت المخطئ يا عمي فبقدر ماتعرف ابنك فالخارج يعرف أضعافاً مضاعفة عن ما تملك من معلومات، واضيف لك امراً ليست المرة الاولى التي اسمع فيها اناساً يقولون 'اباه انسان متقي وشخص طيب لكن ابنه على مايبدو فهو عاصٍ'، لا تقلق مادام هناك ربٌ يعلم الحق من الباطل، انت تقوم بواجبك اما هو فسيأتي يوم تكتمل شخصيته ويعرف الحقيقة وان لذة الحياة ليست في الفتيات والمشاكل والرجولة المزيفة، بل في الهدوء والاهتمام بتحقيق اكبر مقدار من النجاحات تحت طاعة الله والوالدين فدونهما لن يتحقق شيء حتى وان كان يقوم بكل شيء على اكمل وجه، ج ما تستطيع القيام به هو ان تدعوا له بالهداية وتكمل تربيتك كما كنت تفعل فهو لا يعلم بعد بأنه محظوظ لإمتلاكه لأب مثلك، العديد يتمنون والداً متفتحاً مثلك يتناقش معك في مختلف المواضع ويمنحك ماتريد دون ان ينظر لنفسه رغم ان هاته الاخيرة يشترك فيها معظم الاباء لكن الطريقة تختلف، حفظك الله واتمنى لك الجنة يا عمي تستحقها عن جد لست اجاملك بإسراف بل كلامك وافعالك تقول مافيه الكفاية، كما ارجو منك ان تسامحني على لكمه لا اعلم ما اقوله لكنها كانت نوبة غضب مني لركله لصديقة لا تستحق حتى كلاماً نابياً"، يجيب الاب بابتسامة تخبر دموع الفرح ان تهدأ": لو امكنني القيام بعملية تبادل لتناقشت مع ابوك لكني لن امنحه نزيم سيظل ابني لكني احتاج شخصاً مثلك بني، حفضك الله ورعاك، يجب ان نبقى على اتصال لا زلت لم اصدق انه يوجد بعالمنا اشخاص مثلك، شكراً لكل كلمة قلتها، كما اود ان اضيف بأنك مسامح ومعذور يا ابني لقد استحق تلك الضربة عن جد "، بصمت يعم الغرفة لثانية يلمح الاب نزيم من فتحة الباب يسترق السمع فيصرخ في وجهه قائلاً ": لدي رجل سبحان الله يسترق السمع كفتاة خجولة، اصعد الى غرفتك واختبئ هناك "، يختفي الزير دون ان يراه امير عائداً الى وكره، يعود الاب بأنظاره الى ضيفه قائلاً ": هل تدرس ام ماذا؟! "، يجيبه امير بهدوء قائلاً ": نعم ادرس بالجامعة سأنهي دراستي العام المقبل بحول الله "، يرد الوالد قائلاً ": اشعر بالفخر الان وكأنك ولدي، بالتوفيق لك مع تمنياتي لك بالنجاح، ثابر واجتهد فلا شيء افضل من الدراسة، تنتابك نوبات كره لها من حين لآخر فقط حارب نفسك واستمر فالطريق الذي به علم لا ينتهي بهاوية، مستقبلك هناك ينتظرك لم يتبقى لك.الكثير، فقط استمر يا بني، وان احتجت اي شيء واعني اي شيء -بابتسامة تتمد لها شفتاه- فقط اتصل بي ولا تتردد ابداً فأنا"، كصديقك قبل ان اكون في مرتبة والدك، يرد امير بملامح سعيدة قائلاً ": حفظك الله عمي اقدر كلامك كثيراً -يتأهب للمغادرة بوقوفه واعتداله- يجدر بي الذهاب الان فالوقت قد تأخر لعلني اجد حافلة تقلني "، يقاطعه الكهل قائلاً ": عيب ان تقول كلاماً كهذا فأنا من استضفتك سأستدعي سيارة لتقلك حالا صاحبها يركنها اغلباً هنا في الارجاء -يحمل هاتفه مجريا مكالمة سريعة ثم يعيد ناظريه الى امير - انه امام المنزل ارأيت، كنت ستقطع درباً جد طويل"..

هيَ (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن