الفصل 8

38 5 2
                                    

تعود الجميلتان الى منزليهما وتعودان الى ذلك الروتين المنزلي المشؤوم، تعب على الظهر وهم فب العقل والقلب ينبض فقط للحياة، تلك الفتاة "منار" تائهة بحق،  حاملة للملعقة فارغة هي،  عقلها ممتلئ عن اخره، حبها للاكل وحيد من سينسيها ان تحادث ساحرها،  في رمشة عين تترك الملعقة مخلفة حساءً ساخناً خلفها يسد جوع يومين متتاليين بلذّته،  ذاهبة مباشرة الى غرفتها لتختلي بتلك الشاشة التي طُبِع على جسدها مختلف الاوشام من مشاعر وامست مفاتنها حباً،  تقودها يداها مباشرة الى حساب نزيم،  تباشر الحديث دون ان تأبه ان كان حاضراً ام لا،  فوجوده دائم بقلبها وعقلها لا يحتاج مصباحاً او نقطة خضراء لكي ينبهها بقدومه ": نزيم اين انت!! قلبي يخفق بقوة لا استطيع ان اتخيل الحياة دونك صدقني لقد اشتقت اليك كثيراً ارجوك افتح حسابك اريد محادثتك ارجوووك "، بطبيعة الحال،  حال منار كحالنا جميعاً نلفظ مشاعرنا كلها خلف زر الارسال لنمحيها دون ان نلقيها امام اعين من نحادث،  تمسح تلك الرسالة فور ان تباغت عقلها صورة حسناء حين كانت تخبرها بأن تخفي مشاعرها، تعيد المحاولة من جديد لعلها تنثر بعض البرودة على كلماتها قائلةً ": اين انت!!  لقد طال غيابك!!"،  تعيد محو الجزء الاخير لتستبدله ب": لم تأت اليوم اانت بخير"،  كانت هذه اقرب نسخة الى حقيقة قولها مخفية خلف ستار البرودة الشفاف، تضغط على زر الارسال، فور ان تصل الرسالة تبرز تلك الشمس الخضراء في الاعلى،  لقد اتى خاطفها! ،  نبضات قلبها تزداد شدةً، ثلاث نقاط متراقصة الى جنب بعضها اسفل اخر رسالة دلالةٌ على ان نزيم يكتب، بعد ما يقارب الدقيقة تصل رسالة شبه طويلة يقول فيها نزيم ": اهلا يا نوري اتمنى ان تكوني بخير،  اسف لعدم حضوري اليوم فقد كان عصيباً حقاً،  في طريقي الى الجامعة صباحاً، كنت ان وصديق لي في مكان شبه خالٍ رأيت فتاتين امامي بطيئة خطواتهما وكأن النوم لازال يتمسك بأخمص قدميهما، واذا بشابين يتوقفان جنبهما بدراجة نارية ليبرز احدهما سلاحاً ابيضاً بدا لي مسدساً من زاويتي، ارتعبت الفتاتان لتمسكهما الارضية فتقفا جامدتان دون حراك خائفتان من رصاصةٍ قد تنهي حياتهما، فركض صديقي نحو احد الشبان محاولاً اختطاف المسدس من يده،  لذا ما كان علي الا ان اتدخل لأنقذه واعدل الكفة لعل وعسى ننقذ الفتاتين،  ركضت بسرعة تجاههم وصرخت في وجه الفتاتين دافعاً اياهما بيدي ويد اخرى على كتف سائق الدرجة،  لتركض المسكينتان بعيدا وفي تلك اللحظة ودون سابق انذار تلقيت لكمة على وجنتي من السائق مما ادى الى انتفاخها وتغير لونها الى البنفسجي،  طلقةٌ سمعتها كانت جد قريبة مني فنظرت الى صديقي لأجده ملقي على الارض والدماء تنبثق من رجله،  لا اعلم من اطلق على الاخر، سحبتُ الدراجة من مقودها نحوي لعلني اسقطهما ومسكت اليد التي تمسك المسدس فسقط كلاهما  واقتربت فوهة المسدس الساخنة من جبهتي لتحرقني،  كان مؤلماً بحق لا زتل اتذكر صوت انين بشرتي،  اتى من العدم شبابٌ توحي هيئتهم بأنهم طلاب في الثانوية بمئازرٍ زرقاء، ركض الكل تجاهنا فمسك احدهم يد حامل المسدس ليقلب الكفة لصالحهم،  اتصل احدهم على الفور بالاسعاف لينقلوا صديقي  واخر اتصل بالشرطة.على حسب كلامه هذا مافهمت بأنه هو المتصل في حين يصوب الحامل الجديد ذلك المسدس نحو صاحبه القديم، قائلاً ": لا تتحرك،  لا يتحرك احدكم ختى تصل الشرطة توقفوا،  اتى  خلفي شابان بدا لي الامر في اوله كأنهما يدعماني لكن الاختلاف يكمن في انهما امسكا يداي وطرحاني ارضاً على بطني،  وفي تلك الاثناء وصلت الشرطة والاسعاف  مع بعض،  لأن رجال الاسعاف لا يظهرون لوحدهم حين يقع اطلاق للنار فهم ينقذون ارواحاً ولا يتبرعون بها،  دون اي كلام ينزل اربعة افراد من الشرطة ليكبلا على الفور الراكبين بالاصفاد،   اما صديقي فتم حمله على جناح السرعة الى المستشفى القريب من جامعتنا،  في تلك اللحظة يدفع الشاب لي اتصل بالشرطة الشابين من على ظهري بقوة قائلاً ":اتركاه انه نزيم يسكن قريباً منا اعلم انه رجل شهمٌ فقد سبق لي رؤيته يدافع عن اناس مظلومين في حينا اما الاخرين فاعرف السائق انه سارق محترف ذا خبرة سنين اذ كانت لقمته الحرام منذ ان توفي والده"،  تركني الشابان لأقف على الفور صارخاً في وجهيهما على نية ضربهما قائلاً ": مالذي دهاكما؟!!! "، ليوقفني صديقهم قائلاً ": لا يعرفانك يانزيم فعند قدومنا لم نعرف المتهم من الضحية لكن صديقك الذي كان ينزف بشدة كان دافعنا الاساسي للقدوم اليكم فاتصلت على الفور بالحماية المدنية لأن صديقي اللعين تظاهر بذلك فقط ولم يتصل حقاً من شدة ارتعابه او ان الوسواس قد التهم عقله "،  فصمتتُ لوهلة ثم قلت حسنا حسنا سأذهب الى الطريق لآخذ سيارة اجرة في وجهة نهايتها المستشفى لأرى صديقي،  وفي طريقي رأيت الفتاتين وقد رأتا ما حدث وكانت احداهما تكلم اباها الذي يعمل بالشرطة وتخبره بما حدث لتساعده بالتحقيق دون التشكيك في امري او صديقي المصاب،  فأخبرتني ثانيتهما بأسفها وبدأت تذزف دموع الحسرة والخوف يسكنها ولون بشرتها مسى اصفراً لأرد عليها، ان سلامتهما هي الاهم لأني املك اختاٱ وسبق ان حدث لها موقف مشابه مما جعل قلبي يحترق لرؤيتكما فلم اتمالك نفسي وسامحيني عن صراخي في وجهك لأنني اعلم انه الوحيد الذي سيقضي على سكونكم،  تنهي صديقتها المكالمة لتعيد لي نفس حديث الاخرى وتضيف شتى عبارات الشكر وهي تنظر الى علامة الاحتراق تلك وجبيني الذي بدأ ينمو خارج وجهي، فقامت على الفور بإيقاف سيارة اجرى لتأخذني الى المشفى وتركت النقود على المقعد لكي لا ارفض،انطلقت السيازة وكلتاهما لاتزالان تحدقا بي فابتسمت وصوبت نضري نحو الطريق ماسكاً جبيني،  فعند وصولي الى المستشفى دفعت اجرة السائق وانطلقت مهرولاً الى الداخل سائلاً الكل عند صديقي فأرشدوني الى منطقة العمليات،  ادخلوه مباشرة لإخراج الرصاصة فجلست عند باب الغرفة انتظر خروج احد الاطباء ليخبرني بحال صديقي، وبعد جلوسي هناك لساعة متواصلة مرَّت كمرور وقتي حين اتقاسم معك الحديث، يخرج طبيبٌ مسرعاً منادياً على احدى الممرضات": اريد دماً من الزمرة O موجبة"، ويكرر ": موجبة اريد الموجبة حذاري ان تخطئي"، فانتفضت من مكاني قائلاً "انا املك الزمرة التي تبحثون عنها والجريح هناك صديقي،  فأدخلوني الى الغرفة المجاورة وسحبوا عينة لا بأس بها من دمي كما وضعوا ضمادةً على جرحي بعدما عالجه الطبيب بدواء حارق جداً وجليداً في كيس ازرقٍ اراه لأول مرة ابرد من شتاء دونك يا جميلتي،  فامسكت الجليد وخرجت متبعاً اياه الى ان اوقفتني الممرضة قائلةً" :ممنوع الدخول الى تلك الغرفة فالعملية لم تنته بعد" ،  فنزعت من وقتي ساعةً ونصف اخرى،  حقا لقد قمت بعدِّها دقيقةً تلو الاخرى،  مرّت الدقائق والثواني والعقارب تتراقص والحركة خارجاً والضجيج يعم المكان والسكون يتملكني وكأنني اصم تماماً لا اتذكر مالذي كنت انظر اليه، يخرج الطبيب مبتسماً بوجهي نازعا قفازاته الطبية متفقداً هندامه الذي امسى شبه احمر كانت تلك اجابته قبل ان يتكلم قائلاً ": الحمد لله على سلامة صديقك انه معافى لقد اخرجنا الرصاصة من رجله لحسن حضه فهو سيعود الى المشي بصفة طبيعية بعد شهر على الاكثر،  يمكنك الدخول الان ورؤيته لكن دون ان تكلمه او تصدر اي صوت،  دعه ينام بهدوء "،  فشكرته ودخلت تلك الغرفة، كانت رائحة الادوية ولا اعلم ماذا ايضاً لكنها على العموم رائحة ُ للاشيء الذي كان كل شيء في تلك اللحظة،  كان سريره في ركن الغرفة مرتبطة بجسده مختلف الالات ورنين تلك اللعينة التي تعد نبضات القلب لا يزال لحد الان بأذني،  دمعت عيناي بمجرد ان نظرت اليه فاقتربت منه ببطئ كان جد هادئ يغط في نوم لانهائي وكانه حظي بالسلام اخيراً،  فدعوت الله ان يشفيه وجلست جنبه اشاهده لا اعلم لكم من الزمن فقط اتذكر عندما رن هاتفي وسقطت من مكاني لأم اللعين فاجئني فأخفضت الصوت ونظرت الى شاشته لأجد امي هي المتصلة فخرجت من الغرفة ملقياً خلفي اخر نظرة على صديقي، لتخبرني امي انها سمعت اطلاق النار بعد دقائق من خروجي وانني لم اجب على مكالماتها التي لامست عتبة المائة مكالمة فعدت الى المنزل في الحافلة والكل يحدق بي،  حقاً ابدوا بحالة يرثى لها،  وعند وصولي وجدت المسكينة واقفة تحول رواق المنزل ذهاباً وايابا وبيداها تلوح في الجو،  بمحرد ان رأتني اتت مهرولة واهدتني عناقا تحت نغمات بكائها وحمدها لله على سلامتي، حقاً احسست براحة جد كبيرة بعد ذلك العناق وكأن هم الدنيا تم اقتلاعه من عاتقي،  بعدها قصصت عليها ما جرى لأتجه مباشرة الى الدش تحت قطرات الماء الساخن استلقيت مغمضاً عيناي تاركاً كل الهول ورائي،  بعدها ذهبت مباشرةً الى غرفتي راكضاً اليك يا عيناي باحثاً عن راحةٍ لقلبي،  اسفٌ مرة اخرى على غيابي دون سابق انذار "،تصمت منار لبضع ثواني ثم تباشر الكتابة بدموع تنهمر على هاتفها تمسحه بقميصها الرقيق بين الفينة والاخرى قائلةً": حقاً انا اسفة صدقني فقد تملكني الغضب دون ان افكر بأن مكروهاً ما قد حصل لك،  انا اسفة اعذرني حقاً،  هل انت بخير الان هل تشعر بتحسن -نزيم يكتب الان - ماذا تفعل الان هل انت بخير اخبرني بصراحة!!"، تصل رسالتاهما في لحظة واحدة،  يقول نزيم ": انا الان جد مرهق لكن لا تقلقي فأنا بخير، سأخلد الى النوم لأريح بالي فالتعب يسكن جسدي الان، اعذريني لكن لا تقلقي ارجوك فقط كوني بخير فإبتسامتك شفاءٌ لقلبي يا عزيزتي"،  تبتسم منار لا اراديا بعد هذا العسل الذي يعصره الدبور الاحمق نزيم،  فيلمٌ مؤثر بحق!!  يبدوا حقيقياً رغم انه تجاوز خيال الهنود في الانتاج، تضيف المسكينة بعد ذلك ": حسنا"،  اكيد اذهب لتنام الان سنلتقي غداً،  ستجدني انتضرك عند باب القسم ارجوا ان تأني وان لم تأت فقط كن بخير "، دون اجابة ودون ان يقرأ نزيم رسالتها يذهب الى ركن المكالمات ليتصل بعمر قائلاً ": عمر! هل نلتقي؟  لنقضي الليلة ببعض السجائر التي تبقت لي من الصبيحة!  "،  يجيب عمر ضاحكاً ": لقد اكملت لتوي الصلاة، حسناً سأمر عليك بعد دقائق فقد كنت سآتيك على كل حال "،  يغلق نزيم الهاتف ويخرج ليشعل سيجارةً بريئة امام منزله في انتظار عمر.
من ناحية اخرى ترسل منار صورة الرسالة التي قصَّ فيها نزيم تفاصيل الخيال الى رفيقتها حسناء مضيفة تحتها ": انظري!!  انه شجاعٌ بحق!!  لم اصدق انه يملك هاته الجرأة حتى وان بالغ بعض الشيء ف لا بأس لكن تبقى الحكاية منقوشة في عقلي،  انه الرجل الذي بحثت عنه حتما شجاع ويقدر المرأة ويحترمها ويخاف عليها ايضاً!!  "،  تقرأ حسناء الرسالة على الفور وبعد الانتهاء منها تقول ": انظري يا منار ودون ضغينة اريد مصارحتك بشيء،  انه قد تجاوز قمة الهمالايا في الكذب صدقيني ان كنت اعني لك شيئاً،  هناك شيء ما بداخلي يخبرني انه سيناريو مفبرك فقط ليبعدك عن الحقيقة وبادٍ من كلامه انه استمتع بقصها عليك،  وهذا ليتجنب سؤالك له عند رؤيته عن تلك الندبة والجبين الذي نما  بطريقةٍ اكبر من انف امير! ،  لا تصدقيه اطلاقاً ولاتجريّ بقلبك نحو نفق ظلمات شيطانه،  اللعنة لايبدو بشرياً بحق!!!  اتعرفين مزامير الشيطان؟!  اظن انها من صنع افكاره!،  لو اطال قليلاً لأخذت رسالته وراسلت بها منظمة حماية حقوق الانسان واخبرتهم عن انتهاك العقل البشري هذا! "،  تجيب منار ضاحكةً ": اعلم انه توجد مبالغة لكن لا يوجد دليلٌ على كذبه! "،  بالطبع يا غبية الحب،  فندبة المسدس ستثبّت تلك الصورة برأسك ربط كل شيءٍ ظاهرٍ واعطاه دوراً حقيقياً في قصته لكن لا بأس،  فهي لا تعلم اطلاقاً اين موضعها في ملعب نزيم،  لقد امست الكرة وحسناء الحارس، هذا كل ماتبقى! ...
يتبع..

هيَ (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن