الفصل 6

47 9 1
                                    

من عدسة قريبة نلاحظ من بين اولئك الشبان يوجد شقيقا احد الفتاتين علامات الغضب بادية على وجوههما دون الحاجة للتعبير عنها، يبدؤون في الاقتراب من المكان المنشود، تقودهم تلك الرنات الموسيقية وضحكات الفتيات اليهم مباشرة، نعيد ناضرينا الى نزيم وعمر سمعا نباح الكلاب اتٍ من بعيد وصوت واحد من الشبان يقول " لقد اقتربنا، شُدَّ حبل الكلب جيداً الى ان اعطيك الاشارة ب اطلاقه"، هذا الكلام كفيل بالفرار دون الحاجة الى معرفة هوية الافراد، ينتفض عمر من مكانه مُقلِباً تلك المائدة عن غير قصد، قائلاً ": تحرك يا نزيم الى السيارة اصعد، انتما يا لعينتان اركبا الان"، نزيم قافزاً من زيّرٍ للنساء الى قائد بارعٍ، يمسك المقود ويدير محرك السيارة بسرعة، يلحقه عمر بجانبه والفاتنتان خلفهما تاركين جميع اشيائهم خلفهم، ينطلق نزيم بسرعةٍ من طريق مغايرةٍ طويلة بعض الشيء لكنها اسلم من السابقة، الخطة التي رسمها القادمون جد محكمة فهم ليسوا اغبياء مثل صديقنا العاشق، في الطريق الاخرى توجد عصابة بأكملها تنتظر قدومهم، كل هذا الامر كان بسبب رؤية احد جيران الفتاتين لنزيم يفتح الباب لإحداهما فاتصل مباشرة بصديق شقيق احد الفتاتين ليتتبعهم وفي نفس الوقت يتصل بالشقيق الثاني الاكبر سناً مخبرا اياه بالامر ، نزيم لم تمنعه رومنسيته من التورط في فتح باب موته بل رحّب به بشجاعة، هاهم يصلون الى العصابة، عشرة افراد واقفون في منتصف الطريق وثلاثة في الجانب الايمن للطريق، اربعة اخرون في الجانب الاخر منها، سيارةٌ قادمةٌ من مكان ليس ببعيدٍ تلك الموسيقى الصاخبة منبثقة من نوافذها، صراخ الفتيات يتعالى وكأن نادي الرقص قادمٌ...
دون انتباه يجد نزيم اشخاصً واقفين بمنتصف الطريق ايديهم ليست بفارغة، احدهم حامل سكيناً واخر سيفاً بريقه بالكاد يسمح لك بالرؤية بسبب انعكاس نور الشمس عليه واخرون يحملون شتى انواع الاسلحة، يلفت انتباهك الشخص الذي يقف على قارعة الطريق حاملاً مسدساً لونه ابيض ناصعٌ برّاق وكأنه ابن احد كبار تجار المخدرات الذين انقرضوا منذ زمن قد ولّى، اجتمعت كل المشاعر وتراكمت الذكريات فجأةً فوق بعضها في عقل نزيم، مهارته تبعثرت وتناثرت بين المقاعد، لم يفهم شيئاً، ايخفي تلك المخدرات ام يخفي الفتاتين لكن.. الاوان لم يفت بل اختفى، يوقف نزيم السيارة رافعاً زجاج النوافذ بسرعة فجأة ليطفئ عمر الراديو وتصمت اللعينتان تقاسمت كل هاته الاحداث دقيقةً واحدة ، يلتف العشرة بالسيارة لا يبدو الامر بباعث على الراحة او مزاحاً، نبضات القلب وحدها من اصبحت تتعالى من السيارة وجوهٌ مصفرَّةٌ شاحبة، إتَّحَدت الالوان والمشاعر في الداخل غير ان الخوف متضاعف عند الاناث عكس عمر ونزيم اللذان تقاسما نضرةً بينهما الى صاحب المسدس، يطرق احد المسلحين بالتحديد حامل السيف على زجاج نزيم قائلاً ": افتح "، كل الانظار داخلاً خارجاً مصوبة نحو زجاجة، السكوت كعادته ينقل خيمته داخل السيارة، مشاهداً ماذا يحدث، تنزل الشفّافة شيئاً فشيئاً تتبعها كل الاعين، يد تدخل السيارة مباشرة الى رقبة نزيم قائلاً ":انزل!!.. انني اخاطبك انزل!! "، دون اي ردٍّ يفتح نزيم الباب ببطئ واليد لا تزال قابضةً لقميصه الذي عمل لشهر متواصل لشرائه، بمجرد ان تطأ قدماه الارض تلامسهما قدم صاحب السيف ليسحب احداهما فيسقط نزيم ارضاً كقطرةٍ، لا وزن ولا قوة له! ، يضع صاحب السيف رجله على ظهر الزيّر ليمد الاشارة لصاحب السكينة بأن يُخرج عمر من السيارة، فينطق عمر على الفور قائلاً ": حسناً حسناً سأنزل "، طلقةٌ من المسدس تشق السحاب وتمزق القلوب رعباً يرفقها قول صاحبه ": اصمت يا ايها اللعين! "، تخفض الفتاتان رأسيهما محتميتان في احضان بعضهما، نزيم كالرضيع عيناه مغمضتان ورائحة التراب اصبحت افكاره، يصمت عمر ليفتح له صاحب السكينة الباب فيستلقي مباشرة على الارض دون اي امر من الاخر، ضحكة تتعالى من صاحب السيف يتقاسمها البقية قائلاً ": انت جد مطيع افكر باستبدالك بكلبي فهو يأكل كثيراً، انا متأكد انك ستبلي جيداً"، يسحب صاحب السكينة عمر من اذنه ليقف تلقائياً كالجارية نحو مكان نزيم فيرفعه صاحب السيف بتلك اللقطة التي امست ممتعة بالنسبة له وكأن رجولتهما تتناثر مع الاوراق التي ترتفع في حين ارتطام رؤوسهم بالارض، *اصوات الكلاب و اشخاص اخرين قادمةٌ، صداها يوحي ب انها ليست ببعيدة "، يتقدم صاحب المسدس قائلا :"عمر!! انا اعرف شقيقك الاكبر!! ليس مثلك تماماً فهو انسان متقي ومصلي ومطيع لوالديه! ، لم افهم اين وُجِدتَ انت! انا متأكدٌ انكما لم تأتيا من رحمٍ واحد!! ففضلات كهاته لا تقبلها حتى محطة اعادة التدوير! " ، يتبسم نزيم ليبصق عليه صاحب السيف قائلا ": دورك آتٍ ستُقشّر شفاهك الزرقاء الداكنة بعد دقائق تريّث"، جليدٌ يسكن نزيم فجأة فتختفي كل المشاعر منه!! ، يضيف صاحب المسدس قائلاً ": مالذي جعلكما تقتربان من هاتان! -مشيراً بيده نحو الفتاتين -، اجبني!! اللعنة فليجبني احدكما قبل ان افجر رأسك! "، ينطق عمر على الفور قائلاً ": صدقني كنت اعرفهما منذ زمن طويل كانتا زميلتان لي بالمدرسة لكني لم اعلم انهما تملكان شقيقاً او حتى اباً فكلتاهما على حد معرفتي يتيمتان تبيتان بمنزل واحد لوحدهما!"، ينطق صاحب السيف محرّكاً رجله على ظهر نزيم قائلاً :" و انت ما هي كذبتك؟!"، يجيب نزيم ": انا لا اعرفهما اطلاقاً، فهذا صديقي اعتدنا الخروج مع بعض والمزاح مع اصدقائنا وصديقاتنا دوماً فهاته المرة كانت كعادتها، لا اعرفهما! اقسم لك اني لم ارهما بحياتي مطلقاً"، نيّة صاحب المسدس في الكلام تقطعها عبارة قادمة من على بعد متر واحد من مكانهم ": اتركاهما، دعوهما يقفان فليواجهونا كرجال، من يأخذ شقيقتنا الى جبل ويختلي بها حري به ان يكون جباراً ليفعل امراً كهذا! "، شقيقا الفتاة قادمان مجردان من اي سلاح -الفتاة الثانية وحيدة لوالديها ولا تقطن بالمنطقة اطلاقاً -، يتقدم الشقيقان تاركين الجماعة والكلاب خلفهما ليقفا عند رأسي عمر ونزيم، ينتفض عمر من مكانه واقفاً قائلاً ": ارجوك سامحني ارجوك لا اعلم ان كانت شقيقتك اقسم لك انها اخبرتني منذ وقت طويل انها يتيمة اقسم بحياتي! "، كفٌّ يُطبَع على جبين عمر تنبح له الكلاب رغبةً في ان تنقض على ذلك الضعيف، في حين نزيم يقف ببطأ وناظريه لم يبتعداً عن الارض تماماً، نبضات قلبه تكاد تصبح مزعجةً لقوتها، يلتفت الشقيق الثاني لنزيم فيقترب منه قائلاً ": من انت بحق الزهرة! من انت؟!!! "، يلتفت الشقيق الى اخيه ثم يعود الى نزيم مضيفاً :" ارفع رأسك وانظر الي كرجل ام ان رجولتكما يقف حدها عند الفتيات والنساء وكل ما ضَعُف، دعني اخبرك امراً، اسمعني يا عمر جيداً-يرمي بنظرة خاطفة نحو عمر -، لا يهم ان كانتا لا تملكان ابوين او اخوة، يهم ان كنت تملك ضميراً، ان كنت انسانا حتى قبل ان تلقب نفسك برجلٍ، تلك الرجولة اهديتها لشقيقتي الصغرى حين أذّن والدي في اذنها، انتما تعيشان بها واعماركما تراقص العشرين!! ، زوجاتكما بناتكما ستفعلان ماكنتما تفعلانه، كل شيء وأعي جيداً ما اقوله كل شيءٍ سيغدو سيد مستقبلكم، سيتكرر كل شيء لكن بصفة عكسية، ستبكيان كثيراً اعدكما، اقسم لكما اني سأدعوا الله ليلاً ونهاراً ليذيقكما شر العذاب"، دمعة! ، نزلت من عين نزيم قائلاً "اسف" فتمسحها قبضة الشقيق بلطمةٍ على جبينه الايسر، قائلاً ": دع هاته العلامة ستغدو زرقاءً جميلةً، ستخبر كل من يراك عن رجولتك"، يرفع الشقيق رأسه نحو الفتاتين، انتما! انزلا الان، تفتح المرتعدتان الباب ببطئ وتنزلان برؤوسٍ محنيّةٍ، تلك الوجوه الملائكية كم هي كاذبة وكم هن بارعات في التمثيل، تكاد تكذّب عيناك ان كانتا مع هاذين الشابين بتمام رغبتهما، تقف سيارةٌ بجانب الجماعة في تلك اللحظة يقودها ابن خال الشقيقين لينادي عليهما ": اركبا"، فتنظر الفتاة الى شقيقها لينطق بهدوء ": اصعدوا واذهبوا معه ف انا لا اطيق النظر في وجهك "، تتمشى الفتاتان بخطوات متسارعة نحو السيارة لتفتح احداهن الباب الخلفي الايسر وتركبان فينطلق ابن الخال بسرعة ويختفون بين تفاصيل الجبل، نحيبٌ يعيد انظارنا نحو الجماعة صاحبه "الشجاع عمر"، يلتفت اليه نزيم بيده على خده من شدة الم اللطمة فيبتسم مجدداً لأنه لم ير صديقه يبكي بحياته!...
يتبع..

هيَ (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن