١- باخرة بِلا رُكاب

797 32 33
                                    

أطلقت باخرة السافاي إنذارها الأخير بأنها على وشك الإبحار وعلى الركاب الصعود فوراً على متنها. ودّع المسافرون أقاربهم وعوائلهم بلحظات تدمع منها العيون وترق لها القلوب .

كان طاقم الخدمات يستقبلون المسافرين بكلمات طيبة وبترحيبات حارة.

_أرجوك ساعدني على الصعود
قالت إحدى المسافرات

أجاب الموظف :
_آه ، أجل. تفضلي آنستي

مد لها الموظف يده وساعدها على بلوغ سطح الباخرة فإذا بها عبرّت عن إندهاشها بصوتٍ مسموع وعينين منفرجتين وقالت محدثة نفسها :
_ السافاي!! إنها حقاً عظيمة .. كما وصفوها تماماً.

كانت الأخيرة تُدعى أيلول ، طبيبة أسنان في إحدى القُرى البسيطة .. شعرها الأحمر المجعد كان يعطيها ذلك الطابع القروي بأمتياز بنمش ينتثر حول عينيها تعلوهما نظارة طبية بعدستين واسعتين وقامة قصيرة وجسمٍ نحيل

مشت على السطح وهي فاغرة فاهها كالبلهاء . رافعة رأسها نحو أعمدة البخار .. منذهلة بمدى أرتفاعها وعلّوها ، حتى إنها لم تتنبه للعجوز التي تقف أمامها فكادت ترتطم بها لولا أن أستوقفتها إحدى السيدات قائلة :
_أنظري إلى طريقكِ كُدتِ تصدمين المرأة العجوز التي أمامك

_ أوه! أنا آسفة

_هذه المرة الأولى التي تسافرين فيها ؟

أجابت أيلول بحرج :
_ هل حقاً يبدو عليّ ذلك !

_ ليس كثيراً

واصلت الأخيرة كلامها :
_أنا أدعى بيلسان باحثة آثار .. لدي منّ العمر ما يكفيني لأعلم إنك تعملين في مجال الطب أو الهندسة .. كلا ، بل الطب . أليس كذلك ؟

فكرت أيلول في سرها عن كيفية كشف السيدة لمهنتها دون أن تفصح هي عن ذلك! هل هذه المرأة منجمة ؟ كلا، لا يبدو عليها هذا
واصلت التفكير :
_ ثُم إنها مدت يدها للمصافحة ، أظنها تُريد التعرف. لِم عساها تتعرف عليّ ؟

أبتسمت الأخيرة ونطقت بعد وهلة تفكير ومدت يدها لتبادل السيدة بيلسان التصافح :
_ أنا أيلول وقد أصبتِ فيما قلتِ فأنا طبيبة أسنان ؛ لا أعلم إن كان هذا يبدو واضح عليّ أيضاً ؟

_ربما نظارتك قد أوحت إليّ بذلك

أجابت أيلول بأرتباك :
_ آه ، أجل .. ربما .. النظارة أجل!

تابعت بحماس :
_ قلتِ أنكِ باحثة آثار فمن المؤكد أنك قد قمتِ بزيارة بابل وآشور ومناطق أثرية كثيرة

_ هذا صحيح، فقد زرت مناطق كثيرة وإنها لمتعة رائعة إلى جانب التعب الكبير الذي نتلقاه في البحث والتنقيب ، وبالمناسبة .. كم عمرك يا أيلول ؟

_ سبعاً وعشرون ، وأنتِ ؟

_ تسعاً وثلاثون

_ هل أنتِ وحيدة في هذه الرحلة مثلي ؟

واحداً تلو الآخرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن