٢٥-التمهيد لجريمة

78 12 5
                                    

دخل ميّاس الغرفة وكان يرتجف برداً .. إنه الثاني عشر من ديسمبر الجو صار بارداً بشكلٍ لا يُطاق ، ومياه الأطلسي تكاد تتجمد أسفل السافاي . لم يكونوا قد تعودوا البقاء في الداخل لساعاتٍ طويلة أو ليومٍ كامل ألا أنهم صاروا يفعلون ذلك . فنادراً ما يخرج أحدهم للسطح ليتفحص المحيط من حولهم ، برجاء أن تَمُر سفينة أو حتى قارب صيد صغير . ميّاس لم يكل ولم يمل بالصعود للسطح ومراقبة الوضع فلا يكاد يصعد غيره ، كان مستمر الإلحاح بأن عليهم تحمل الجو القارص في الخارج على أن يجلسوا مكتفين الأيدي دون فِعل شيء ، فالتفكير وحده لن يجدي نفعاً. ظَل يخرج بين الحين والآخر متفحصاً الوضع لكنه يعود خائباً ومحبطاً وشعور اليأس بدأ بالنمو في صدورهم حتى أتسع حجمه .

ألفى برق مستلقياً على سريره مغطياً نصف جسده السفلي بينما النصف العلوي كان ظاهراً .. يمسك بورقة وقلم وبدا مشغولاً بالكتابة ، أي كتابة ؟ وماذا يكتب ؟ فكر ميّاس بأن ما يكتبه برق هو أمراً مهماً للغاية فذلك بَان على تفاصيل وجهه ، عينيه تركز وشفتيه تقراً ما يكتب . بل إنه حتى لم ينتبه على دخوله رغم الصوت الذي تصدره أسنانه أرتعاشاً وصرير الباب الذي يحتاج للدهن ، خلع سترته الرمادية وألقى بها على الكرسي الواقع في زاوية الغرفة

مشى على مهل حتى أقترب من السرير وقال :
_ برق ، لقد عُدت

رفع برق رأسه وحاول تغطية الورقة التي بين يديه والتستر على محتوياتها ، ثم  هتف :
_ آه ، متى دخلت ؟ لم أشعر بوجودك

_ كنت قد خمنت ذلك ، أنتَ تكتب بِهمة .. فماذا تكتب ؟

_ لا شيء ، إنها مجرد شخبطة حبر على ورق .. أنا هكذا حين تتأزم الأمور ؛ أبدأ بالتدوين والشخطبة . وآلان أخبرني هل هناك حياة على المحيط أم ما زالت السافاي تطوف وحدها ؟

_ أنها وحدها كالعادة ، أن كنت قد رأيت قارباً فربما صوت صراخي وابتهاجي حينها يكون قد أخترق طبلات آذانكم على الفور ولا حاجة لأدخل وأخبركم بذلك .

_ صحيح ، وكذلك ستكون ردود فعلنا جميعاً .

سكت وهلة عن الحديث وبقي يراقب وجه ميّاس بحوالي الدقيقة أو فوقها نصف ألا أن ميّاس لم ينتبه له ولا لنظراته إذ أن عيناه كانت تراقب عقارب الساعة الجدارية وهي تمشي ثانية واحدة كل ستين دقيقة - هكذا كان يشعر بأن الوقت متوقف حتماً -

قال برق :
_ هل أخبرك أم لا ؟

نظر له ميّاس بتفاجؤ وقال :
_ تخبرني بماذا ؟

_ هل تصون السر ؟

_ لم يعهد أحداً إليّ بسرٍ ذات يوم

_ إذاً فأنا أول من سيجرب ؟

_ كما تشاء

_ تعال وأقترب مني

نهض ميّاس من الكرسي وراح يمشي نحو برق بخطوات وديعة وحَذِرة إذ شَعر للحظة بأن برق سيفترسه بملامح وجهه الماكرة تلك .

واحداً تلو الآخرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن