الثانى عشر
إعتدل أدهم جالسا خلف مكتبه بعد طى أوراقه ليستقبل ذلك الذى يلح فى لقاءه ليدخل من الباب شابا متوترا مضطربا ما إن رأى أدهم ذراعه المصاب حتى نظر له بتوجس ليقول سويلم بقلق : أنى چاى أجول اللى أعرفه .
أشار له أدهم ليجلس بهدوء شديد: اتفضل ارتاح الأول . أظن اتقابلنا قبل كدة؟
ابتلع سويلم ريقه بقلق يشوبه بعض الخوف وقد فطن أن أدهم قد تعرف عليه بالفعل : مش بالظبط إكدة . اتجابلنا بس مش وش لوش
استند أدهم لكرسيه براحة وقد تأكدت ظنونه : وده لأنك كنت مخبى وشك. أنا وشى مابيتخباش لانى مابغلطش .
اقترب سالم وبراء ليجلسا أمام سويلم ليشعر بالمزيد من التوتر وينظر لهما بريبة ليبتسم براء بود : انت خايف كدة ليه؟ اجيب لك لمون ؟
إلتقط سويلم أنفاسه وهو يهز رأسه نفيا : تشكر يا بيه .
براء : لا بيه ايه بقا .أنا أسمى براء
وضع يده على سالم : وده المقدم سالم . وطبعا انت عارف المقدم أدهم .
هز رأسه ليقترب براء بجزعه العلوى بينما صمت أدهم وسالم تاركين ل براء المساحة الكافية لكسب ثقة سويلم فهو متحدث لبق مبتسم الوجه ، مريح القسمات وهادئ الطباع ، يعد أكثرهم قدرة على استخراج الكلمات بسلاسة وود وبعد ما حدث أثناء استجواب المتهم رضخ أدهم مضطرا للمصلحة العامة وترك المجال ل براء يتحدث وقد شعر سويلم بالألفة له بالفعل وهو يقول : اذا انت خايف مننا تبقى غلطان احنا اخواتك الكبار وتقدر ترتاح وتتكلم براحتك .
هز سويلم رأسه بإقتناع وبراء يتساءل بهدوء : قولى بقا يا بطل انت حافظ قرآن ؟
اومأ برأسه إيجابيا ليقول براء : وطبعا عارف قول الله تعالى " من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا "
سويلم : طبعا عارف حضرتك .
ابتسم براء بود : انت مصر تحط حواجز بنا ليه بس ؟ انت اسمك ايه ؟
سويلم : أسمى سويلم صخر دياب
ليضحك براء فورا : صخر ودياب انت على كدة اتولدت فى الجبل رسمى .
ابتسم سويلم : لاه اتولدت فى النچع ، بس النچع نفسه فى الچبل .
براء : أيوة قول كدة بقا . نجعكم اسمه ايه بقا ؟ اصل انا مش من هنا .
سويلم : نچع الحساينة . واضح إن حضرتك مش من اهنه.
بدأ براء يسترسل فى دعاباته وسويلم يتجاوب معه بينما أدهم يشتعل داخليا ولولا نظرات سالم المحذرة لهجم على كليهما ثم تطرق براء ببراعة شديدة إلى صلب الموضوع ليتساءل بود : وانت على كدة تعرف تطلع الجبل لوحدك ؟
سويلم بفخر : امال إيه حضرتك . أدلى الچبل وأعاود فى ساعات جليلة ، إحنا خابرين طرج توصلنا أسرع كتير
عاد براء للحديث الودى عن دراسة سويلم ليعلم أنه طالب بكلية الحقوق وهناك تعرف على زملاء له كانوا سببا فى انضمامه لتلك الجماعة فبدأ اولا يحضر الدروس الدينية التى يلقيها مظهر فى مسجد متطرف بالقرب من الجبل ، ثم بدأ يقرأ كتبهم التى أهدوها له بود . ثم اقتناعه بفكرهم دون روية أو تفكير فقد كان مهيئا للسيطرة .
براء : بس مش غريبة يعنى تتراجع فى أخر لحظة وبدل ما تقتل المقدم أدهم تقتل زميلك ؟ هو كان اسمه ايه؟
عاد سويلم للقلق والتوتر : أنى جلت له بلاش نضرب نار في المسچد كان هيموت ناس يامة هو ماسمعش كلامى وجال حالهم من حاله.
قطب أدهم جبينه: يعنى حتى الناس اللى بتصلى تكفروها عادى
سويلم : يا بية انى ماكفرتش حد
أشار براء ل أدهم ليبتلع الأخير غضبه وكلماته بينما يبتسم براء بود : بس عاوز افهم إيه خلاك تغير رأيك ؟ للفهم مش اكتر انت مش متهم بحاجة .
سويلم : رفيع أخوى .
حسنا ها هو اسم جديد بدأ سويلم يشرح لهم كيف حاول رفيع فى الليلة السابقة لذلك الهجوم انتزاعه من أفكاره المتطرفة تلك إلا أنه كابر وعاند وتمسك برأيه بلا إسناد أو بينه فقط ليثبت أنه محق ، لكن حين وجد نفسه يقف أمام القتل ، وقتل الأبرياء ايضا شعر بقلبه يرتجف وكلمات رفيع تتسلل لعقله وقلبه ، لذا حزم أمره وقرر إيقاف سفيان ولولا أن باغته لإنتزع قلبه بيديه عاريتين فذلك السفيان يقتل بدم بارد وبلا لحظة تردد.
اطمأن سويلم ل براء بشكل كامل وبدأ يتحدث طواعية عن الطرق الجبلية التي تمكن القوات من الوصول لباطن الجبل بسرعة فائقة وكان هذا ما يريد أدهم سماعه فالفتى المصاب بالمشفى أدلى بمعلومات شديدة الأهمية عن الكهف الذى يتخذونه ملجأ للأختباء ، وعن أنواع الأسلحة المتواجدة للحماية .ليأتى سويلم ويكون أكثر دقة ويعلمهم بمواقع الحراسة التى تكشف من يصعد للجبل ليصل الخبر ل مظهر فى دقائق ويأمر الأخير بالتعامل أو الاختفاء .
انتهى سويلم من أخبارهم بكل ما لديه بأنه قرر أن يتخذ هذه الخطوة رغبة في إصلاح ذاته دون أن يعلم أى من أفراد أسرته شيئا .
نظر اخيرا براء ل أدهم مبتسما كعادته فقد نجح بسلاسة من معرفة كل المعلومات التى يحتاجون لها للبدء فى عملية تطهير الجبل .
براء : طيب يا سويلم لازم تفهم إنك فى خطر وأنهم اكيد هيحاولوا يقتلوك أو يخطفوك .
سويلم : عارف . وأظن هيحاولوا يخطفونى ويجتلونى فى الچبل من ناحية يعذبونى ويشفوا غليلهم ومن ناحية تانية يخوفوا رچالتهم لاچل مايستجروش يعملوا كيه ما عملت . واكيد هيحرجونى حى ومش بعيد يدبحونى .
نظر له ثلاثتهم بتعجب : انت عارف إن ممكن يتعمل فيك كل ده !!!
تساءل براء ليبتسم سويلم : طبعا خابر ، لاچل إكده چيت جبل ما اطيب أنى خايف بس مش على روحى ، خايف على خوى رفيع وعلى خيتى كمان . ممكن ياخدوها سبية بعد ما كفرونى .
كان الصدق ينطق مع كلماته ليطلب منه أدهم العودة للمنزل وملازمته حتى يطيب جرحه ثم عليه العودة إليه مرة أخرى ، فهم سويلم أن أدهم سيدينه لقتله سفيان بينما كان أدهم يمنح نفسه فرصة لإتمام المهمة ، نهض سويلم مغادرا ليصحبه براء للخارج حتى تأكد من إستقلاله العربة المتوجهة للنجع ثم قفل عائدا .
*****************
مرت ساعات منذ اعلن الطبيب بدء إفاقة ساهر كانت كافية لتجتمع العائلة بالمشفى ، ولحضور عائلة ساهر أيضا والداه متوفيين لكن إخوته توجهوا إليه فورا .
اخيرا وقد أقترب النهار من نهايته وصل محمود حاملا دنيا لتهرع له شقيقة ساهر لتتلقفها بحب ، كاد محمود أن يرفض منحها صغيرته لكن نظرة حازمة من والده كانت كافية ليتراجع ويقدمها لها ، لم يطل الأمر فبعد نصف ساعة بدأت الصغيرة فى البكاء ،قدم محمود حقيبتها لعمتها لتحضر لها طعامها الذى رفضت تناوله ولم تتوقف عن البكاء .
حاول شقيق ساهر أيضا أن يسيطر على بكاء دنيا فلم يتمكن لتتقدم رنوة وتمد يديها له ليضع الصغيرة بين يديها وهى تقول : مش هتسكت إلا لما ترجع ل محمود .
عادت رنوة بدنيته لتضعها بين ذراعيه مرة أخرى وتعيد شقيقة ساهر قارورة اللبن ليبدأ محمود فى اطعام دنيا وهو يهمس بأذنها بكلمات لم يسمعها سواها لتستجيب الصغيرة وتتناول طعامها ثم تغفو لتتقدم شقيقة ساهر مرة أخرى : طيب ممكن اشيلها شوية وهى نايمة . واضح إنها مرتبطة بيك جدا لكن ارجو انك تقدر لهفتى عليها .
مد محمود الصغيرة لتتناولها بسعادة وهو يهمس : بس خليكى قريبة منى علشان لو صحيت فجأة.
اومأت بالموافقة وهى تبتسم للصغيرة بحنان وجلست بالفعل بمقعد قريب من محمود .
************
فى المساء انطلق رفاعى وأسرته عائدين للقاهرة مع دعوات صالح وزبيدة لهما بالسلامة وما إن غادر الركب حتى أسرع ضاحى لوالده فى لهفة واضحة : بوى أنى عاوز اتحدت وياك ضرورى .
ربت صالح على كتف ولده المتلهف : هنتحددوا فى الشارع ؟
ضحكت زبيدة فهى تشعر أن ثمة فتاة هى السبب وراء لهفة ابنها .دخلوا جميعا وجلسوا ليسود الصمت دقائق لا يشوبه سوى دقات القلوب المتلهفة ، نظر صالح ل ضاحى متعجبا صمته ليعود الأخير لاندفاعه : بوى أنى عاوز اتچوز ريتاچ بت عمى رفاعى .
ضحكت زبيدة فظنونها فى محلها تماما وهى لم تكن تتمنى أفضل لابنها من تلك الرقيقة الهادئة بينما ابتسم صالح ليتنحنح هيبة فيلفت الإنتباه له ليقول والده مسرعا : اوعاك تكون رايدها انت التانى ؟
شحب وجه ضاحى بينما قال هيبة بهدوءه ورزانته : لاه أنى رايد سما بت عمى خميس
زفر ضاحى براحة بينما زادت سعادة زبيدة فقد احسن كل منهما الإختيار لينظر لولده الثالث متسائلا : وانت يا راچى ما رايدش تتچوز ؟
نظر له راجى بإبتسامة واسعة : لاه يا بوى .جوز خواتى بزيداك هم
صالح : طيب ايه رأيك فى روان بت وهدان . زينة البنتة والله ولسانها بينجط شهد .
زبيدة : والله وياك حج يا صالح ونچوزوهم فى ليلة واحدة
اخفض راجى رأسه قليلا ما كان ليتمنى لنفسه أفضل من روان ، لكنه لا يستطيع، لقد رآها تتلصص لتسترق النظر إلى مهران ، ورأه ايضا ينظر لها بشغف مستتر ، ورجولته تأبى عليه أن يقدم على الزواج من فتاة قلبها متعلق بغيره ، ومروءته تأبى أن يقدم نفسه على ابن عمه وقد فطن لمشاعره تجاهها .
ظل مطرق الرأس حتى تحدثت زبيدة : چرى إيه يا ولدى روان ماعچبكاش ؟
نظر لها مسرعا : ما اجدرش اجول إكده ، روان زينة البنتة كيه ما جال أبوى ، لكن أنى مارايدش اتچوز دلوك .
نظر لشقيقته ليال التى تتابع بصمت : لما نفرحوا ب ليال الأول اذا لينا نصيب ما هينجطعش .
احترم صالح إرادة ولده فهو لن يجبره على الزواج ، تلفت ضاحى بينهم وهو يتساءل : انتو نسيتونى ولا ايه ؟
لتعلو الضحكات و ليطمئن صالح قلب صغيره المشتاق : خلص يا ولدى ندلوا مصر ونطلبهالك ونطلب سما لخوك هيبة واللى فيه الخير يجدمه ربنا .
إنتفض ضاحى ليجلس بالقرب من أبيه : صوح يا بوى ؟ ميته طيب ؟
ليعود الجميع للضحك فهى غادرت منذ اقل من ساعة كانت كافية لقلب موازين قلبه بهذه الطريقة .
****************
اليوم التالي
تحت ستار ليلة أمس وصلت قوات مكافحة الإرهاب إلى اسيوط وتم الاستعداد بشكل كامل حسب المعلومات المتاحة لدى الضباط ومع خيوط النهار الأولى بدأ الهجوم .
مرور الطائرات الهليكوبتر من فوق الجبل شئ اعتيادى لا يسبب القلق لمن اتخذ من الجبل ملاذا له ، لكن أن تحمل هذه الطائرات القوات لمهاجمة الجبل كان هذا أمر غير متوقع من مظهر وأعوانه .
كان مظهر بمخدعه حيث طلب بدر بعد صلاة الفجر مطالبا إياها بتدليك جسده ، لتبدأ تفعل ما أمرها به فورا ، فتنزع عنه ثيابه ليتمدد بالفراش وتبدأ في تدليك جسمه .
لم يفطن الحرس لإمكانية تواجد القوات عن طريق الطائرات لذا وصلت القوات للجبل بسهولة فكانوا خلف الحرس لا أمامهم ليتم القبض عليهم دون أدنى مقاومة وتبدأ باقى القوات فى التقدم .
كان همام يأمر الحرس بإرسال رسالة كل خمسة عشر دقيقة ليتأكد من صحوتهم ويأمن نفسه وحياته ، لكن مر نصف ساعة ، أى موعد رسالتين دون أن تصله ايه رسائل من أيهم ليستشعر وجود خطب ما .
ولم تدم حيرة همام فسرعان ما بدأ الهجوم واقتحمت القوات مدخل الكهف واستولت على بعض الأسلحة .
هرع همام لسيده فورا والذى لم يكن بحال تسمح له برؤيته ، ليلح همام فى الطرق : مولانا الحكومة اهنه .
لينتفض مظهر فورا يعيد ارتداء ثيابه وكذلك تفعل بدر ليهرول ثلاثتهم نحو مخرج للكهف لا يعرفه إلا صفوة الجماعة وقاداتها ،بدأ البعض يطلق الرصاص على أفراد الشرطة رغم تغلبهم بشكل واضح إلا أنها محاولة أخيرة للهرب .
لحق ب مظهر خمسة من اكفأ رجاله بينما ترك الأخرين للدفاع عنهم ، تركت النساء ايضا عدا بدر ، استقروا جميعا بمخبأ جديد لا يعرفه سواهم وصلوا إليه عبر عدة انفاق معدة مسبقا.
كانت العملية ناجحة تماما وقد سيطرت القوات على الجميع اندفع أدهم يتبعه براء بحثا عن مظهر دون جدوى ، وصلا لمخرج يطل على مساحة واسعة ليجدا شابا يسرع بدفن أحدهم ،وجه إليه براء سلاحه : ارجع ورا وارفع ايدك فوق .
قبض على الجاروف بقوة فى محاولة للدفاع عن نفسه ليسرع براء بشد اجزاء سلاحه استعدادا للإطلاق ليتخلى عن الفكرة ويلقى به أرضا رافعا يديه للأعلى فيصرخ أدهم : يا عسكرى .
يقبل بعض الجنود فيأمرهم أدهم بإستخراج تلك الجثة التى لم يكتمل دفنها ويتجه أدهم إلى ذلك الفتى لكمه بقوة ليرتد ساقطا على ظهره فينظر ل أدهم بكره ، ليتحرك براء فورا وينهض الفتى وهو ينظر ل أدهم بغضب ؛ لا فائدة لن يتغير مهما حاول التظاهر بعكس ذلك.
_________________
الثالث عشر
بدأت الطائرات تنقل المصابين من الطرفين فنظرا لوعورة الطبيعة الجبلية لن تتمكن سيارات الإسعاف من الوصول لهذه المنطقة بينما بدأ الجنود ينقبون الأرض ليستمر التنقيب لساعات حتى تم إستخراج ثلاث وخمسون جثة بعضها حديث الدفن لتقوم الطائرات بنقلها بعد الانتهاء من نقل المصابين .
************
مديرية أمن أسيوط
تم تجميع المتهمين من الرجال داخل زنزانة واحدة والمتهمات من النساء داخل زنزانة واحدة ، ليبدأ أدهم فى استجواب المتهمين غير عابئ بتحذيرات براء أو سالم ، استخدم نفس الطرق العنيفة التي يفضلها ، هو يرى أن من أخطأ عليه أن يتحمل تبعية أخطاءه ، لا يرحم ولا يلين ورغم أسلوبه العنيف لم يحصل على معلومات ذات قيمة ليزداد عنفا وثورة .
حاول براء ايضا استخدام طريقته الرحيمة فى استجواب المتهمين ليصل لنفس النتيجة ، فكل من تم إلقاء القبض عليهم ليسوا إلا أفرادا مهمشين ، لا يملك أحدهم ما يفيد بينما تمكن ذوى السلطة من الفرار كالعادة .
******************
عاد طايع واليوم سيعود لعمله ، هى لم تعلم أنه سيتوجه للعمل اليوم أراد أن يستشف رد فعلها لدى رؤيته ، علها تريح قلبه المتلهف .
غادرت ليليان المنزل فى موعدها المعتاد تسير قليلا لتصل إلى مترو الأنفاق .
كان ينتظرها ببداية الشارع كما إعتاد إلا أنها لم تنظر له هى تنظر أمامها وتسير بخطا ثابتة .بدأ يلحق بها دون أن تشعر به ، دخلت محطة المترو لتجده أمامها فقد أسرع وتقدم خطوة ليقطع لها تذكرة ، للمرة الأولى يحاول أن يتقرب منها ، وياله من ساذج .
مد يده مقدما لها التذكرة : ازيك يا بت عمتى ؟
تساءل بخفوت لتهز رأسها وتتقبل التذكرة على مضض : من فضلك ماتعملش كدة تانى .
وتركته تائها فى حيرته وغادرت .
شعر بالأسى لرد فعلها هى ترفض التعامل معه ، اخفض رأسه وعاد يتبعها ليتأكد من سلامتها فى صمت .
*********************
دق هاتف تاج برقم غريب ليجيب بهدوءه المعتاد ، كان المتصل أحد زملاء ليليان بالعمل كما عرف نفسه ، توجس تاج خوفا على جوهرته الغالية ليبدأ المتحدث فى أخباره عن سبب اتصاله ، هو عصام البدرى زميل ليليان بالعمل ويريد أن يتقدم لخطبتها ، أخبره أنها لا تعلم عن رغبته تلك ، هو أراد أن يسلك الطريق الصحيح، تحدث الشاب كثيرا واحسن تاج الإستماع .
أنهى تاج المكالمة ليعود لعمله ، ليست المرة الأولى التى يتقدم أحدهم طالبا خطبة صغيرته ، لكنها ترفض دائما وتردد أنها ستحقق أحلامها اولا . هو لا يعلم عن أى احلام تتحدث لكنه لم يحاول الضغط عليها لتتخذ هذه الخطوة .
***********************
منذ أفاق ساهر من غيبوبته وعلم بحالة حبيبته وزوجته وهو يرفض التحدث أو الطعام ، اضطر الطبيب لتغذيته بالمحاليل حتى لا تنتكس حالته مرة أخرى ، يردد فقط : أنا السبب ، أنا عملت فيها كدة
حاولت شقيقته دفعه لحمل صغيرته ورؤيتها ليرفض تماما .كلما دخل عليه محمود حاملا الصغيرة أغمض عينيه وادعى النوم حتى كان ذلك الصباح .
وصل محمود للمشفى ، توجه لغرفة العناية الفائقة ، لا جديد بحالة چودى ، عاد أدراجه لغرفة ساهر وما إن دخل حتى تظاهر الأخير بالنوم ليقترب من الفراش ويقول بغضب : انت بتعاقب دنيا على غلطتك انت ليه؟
نهره حمزة : محمود.اسكت دلوقتي.
محمود: لا مش هسكت ، أيوة هو قضاء ربنا لكن انت اللى كنت سايق مش دنيا ، من يوم ما فوقت وانت ما بصتش فى وشها مرة واحدة .
تحرك نحو الباب ليتوقف ويلتفت إليه مرة أخرى : اقولك على حاجة . كدة احسن لأنك ماتستاهلهاش .
وغادر صافقا الباب بعنف ليتبعه حمزة مسرعا بينما يتوجه حازم لفراش ساهر : معلش يا بنى محمود مايقصدش هو زعلان بس علشان بنتك .متعلق بيها أوى
يدير ساهر وجهه عل حازم يتجاهل دموعه : لا هو معاه حق أنا مااستاهلش بنتى ولا مراتى . أنا ماقدرتش أحافظ عليهم .
لحق حمزة بمحمود ليوقفه معاتبا : ليه كدة يا محمود؟ من امتى وانت قاسى كدة ؟
محمود: لو القسوة هترجع لدنيا ابوها أو أمها هبقا قاسى يا بابا .
واتجه للخارج ليفطن حمزة أن محمود يحاول إفاقة ساهر من صدمته .
*****************
منذ غادر طايع المنزل ومهران يجلس منتظرا أبيه أن يغادر غرفته بينما الأخير لا علم له بذلك لذا لم يتعجل مغادرة فراشه وقرب حبيبته ، استمر انتظار مهران اكثر من ساعة حتى خرجت زينب لتجده جالسا في هدوء فتفزع لوجوده ، المفترض تواجده بعمله الأن فأبيه يعتمد عليه فى إدارة متجره منذ أعوام ويكتفى بالاشراف .
تقدمت نحوه مسرعة : فيك إيه يا ولدى ؟ جاعد ليه إكده ؟
وقف مهران مستقبلا امه : أنى زين يا أمى مستنى أبوى .
زينب : وماخبطتش على الباب ليه وانى اصحيه ؟ انت جاعد من ميته اهنه ؟
مهران : لاه همليه يفوج لحاله وانى جاعد مستنيه .
ليأتيه صوت رفاعى : خير يا ولدى ؟
ينظر مهران لوالده : خير إن شاء الله يابوى رايد اتحدت وياك فى موضوع إكدة.
اقبل رفاعى فجلس وجلست زينب ليصمت مهران ، تبادل رفاعى نظرات متسائلة مع زينب ثم قال : انت كنت مستنينى لاچل تسكت ولا تتحدت ؟
مهران : لاه هتحدت
وعاد للصمت لينظر له رفاعى بعين خبيرة ثم يقول لزوجته : جومى يا زينب چهزى الفطور .
تنهض زينب فلا جدوى من الإنتظار مادام ابنها سيظل صامتا ، وما إن غادرت حتى أقترب رفاعى برأسه من ولده متسائلا : مين ست الحسن اللى شاغلة جلبك ؟ أمك مشت هتخچل منى أنى كمان ؟
توتر مهران : ماتفهمنيش غلط يا بوى أنى رايد حلال ربنا .
ابتسم رفاعى : وانى جولت غير أكده !! بس لازمن اعرف النية على مين ؟
حمحم مهران وهو ينظر أرضا : روان بت عمى
انشرح صدر رفاعى : بت وهدان اخوى ؟ يا زين ما اخترت يا ولدى
تهلل وجه مهران اخيرا : صوح يا بوى . مازعلانش منى ؟
رفاعي: وازعل ليه يا ولدى ؟
صمت مهران مرة أخرى ليفهم رفاعى ما يرمى إليه ولده فيقول : هو انت اتچاوزت حدك مع بت عمك ؟
نفى مهران مسرعا : لا يابوى وعمرى ما اعمل إكده
رفاعى : غفلت رچالة الدار وجابلتها ولا اتحدت وياها ؟
مهران : لاه يا بوى
ابتسم رفاعى : خلص الليلة نطلبها من ابوها طول ما بتراعى ربنا ماتنعاش هم واصل .
ابتسم مهران براحة وأسرع يقبل رأس ابيه : ربنا يبارك لنا في عمرك يا بوى .
وغادر مهران مسرعا لتأتى زينب حاملة صينية الطعام لتتساءل : واه !! مهران مشى ليه مش هيفطر معانا ؟
نهض رفاعى يحمل عنها الصينية : لاه هو شبعان دلوك
يتوجه بالصينية نحو غرفتهما : واه واخد الوكل چوة ليه ؟
يلتفت متصنعا الأسف : تعالى يا زينب تعالى .
*****************
عاد محمود للمنزل يحمل دنيا بين يديه ومزيد من الألم بين ضلوعه هو يقدر صدمة ساهر وخوفه من فقدان چودى لكن هو أيضا مصدوم ، هو أيضا يخشى فقدها ، هو أيضا أحبها حبا ما أحبه رجل لإمرأة .
لكن دنيا لها حق في الحياة ، فى الحب ، فى الاهتمام والرعاية ، عليه أن يرعاها ويحتفظ بمخاوفه وأحزانه بعيدا عنها.
وضعها بالفراش وجلس أمامها ، كم هى بريئة وجميلة !!!! إنها تشبه أمها كثيرا .
بدأ يتحدث معها كعادته حتى أوقفه طرقا على باب غرفته ليجد ماسة غاضبة منه على غير عادتها : مالك يا ماما ؟ انت شكلك زعلان أوى !!!
ماسة : عاجبك منظرك ده يا محمود ؟
محمود: ماله منظرى يا ماما ؟
ماسة : قربت تجنن . ليل نهار حابس نفسك تكلم طفلة عمرها أيام ، أنا مقدرة صدمتك ، لكن چودى كملت حياتها زى ما اختارت وانت وقفت مكانك .ليه يا بنى تعمل في نفسك كدة ؟
اقترب من أمه مقبلا رأسها: حقك عليا يا ماما أنا عذبتك معايا كتير ، لكن بنت عمى دلوقتي فى عصمة راجل وأنا مش رافض الجواز ولا حاجة ، أنا بس ماقابلتش بنت مناسبة .
ماسة ببريق من الأمل : بجد يا محمود ، يعنى انت موافق تتجوز ؟
ابتسم محمود : والله ايدى على كتفك . شوفى بنت مناسبة ليا بس لما نطمن على چودى الأول .
تربت على كتفه وقد زال كل غضبها عنه ومنه : طبعا يا حبيبي ، ربنا يريح قلبك يا بنى وقادر كريم يقومها بالسلامة علشان الغلبانة دى .
غادرت ماسة ليعود جالسا بالفراش وينظر للصغيرة التى أفاقت من غفوتها هامسا : ماتخافيش يا دنيتى ، أنا مش هسيبك ابدا .
******************
عاد تاج من عمله لينفرد ب غالية بغرفته طويلا يحدثها عن ذلك الشاب وطلبه ، تخشى غالية من التسرع هى ككل أم تحلم بيوم زواج صغيرتها ، لكن يجب أن يكون الزوج رجلا مناسبا يتق الله فيها ويحافظ على قلبها .
غالية : انا شايفة نسأل عليه الأول كويس قبل ما نفاتح لي لى .
تاج : انا حاسس انها هترفض بردوا .
غالية : ليه بس ؟
يصمت تاج فتقترب لتجلس بجواره : فى إيه يا تاج ؟ انت مخبى عنى حاجة ؟
تاج : ابدا حبيبتي هو إحساس مش اكتر ، حاسس إن لى لى قلبها متعلق بحد علشان كده رافضة تقابل عرسان .
نظرت له غالية بتعجب : لا مش معقول يا تاج لى لى عمرها ما تغلط
يبتسم تاج : وهو أنا قلت تغلط ، القلوب بإيد ربنا يا قلب تاج ، ولا نسيتى انت خطفتى قلبى إزاى ؟
غالية : انت لسه فاكر يا تاج ؟
أحاط وجهها بكفيه : عمرى ما انسى يا قلبى .
اراحت رأسها فوق كتفه : طيب هنعمل ايه اذا لى لى متعلقة بحد زى ما بتقول ؟
تنهد تاج : العمل على ربنا ، إحنا مش متأكدين .
غالية : طيب انا اروح ل طايع ابن اخويا يسأل عن العريس ده الأول واذا رفضت بردو نقعد معاها ونفهم منها بالراحة .