الثامن والعشرون
لم يكن مهران بأكثر حظا فقد أحجمت روان تماما عن النظر إليه أو إبداء أى رد فعل سوى الاطراق ، رغم أنه ليس بغريبا عنها وطالما تحدثا ، إلا أنها تشعر بحرج شديد.
ينظر لها مهران ولا يدرى كيف يحثها على التفاعل معه ، لطالما عشق لكنتها الصعيدية التى تتلاعب بأوتار قلبه ليصدر انينه الممتع .
لكنها الأن تحرمه حتى من صوتها ، من عينيها ، من ملامحها البريئة .
حسنا !! هو لن يقف مكتوف الايدى ويخسر تلك اللحظات التى ينتظرها منذ أعوام .
مد كفه بلا مقدمات ليمسك كفها المرتخى فوق الطاولة ويجذبه إليه ، شهقت بصدمة ورفعت وجهها فزعا : مهران سيب ايدى .
لتجده مبتسما بحب . فقد حصل على كل ما أراد ، صوتها ، رؤية عينيها ، ملامحها التى تدك حصون مقاومته ، واخيرا اسمه من بين شفتيها الرقيقتين .
مهران : لاه .
اخفضت وجهها وهى تعرف كيف تحول رفضه القاطع لموافقة فورية فتقول : لاچل خاطرى يا واد عمى .
توقعت أن يحرر كفها مستجيبا كما يستجيب دائما للكنتها التى تفتنه إلا أنه خالف توقعاتها وهو يجذب كفها لصدره يضمه بدفء قاتل لتشعر بطرقات قلبه العنيفة تحت اناملها لتستجمع شجاعتها وتجذب كفها بقوة قبل أن تفر من أمامه .
*************************
وصل الجميع للمشفى فور سماع خبر إفاقة چودى
تشعر آلاء أن روحها عادت إليها اخيرا بعد أن فارقتها طيلة فترة رقاد ابنتها فى تلك الغرفة الباردة .
أعلن الطبيب أن الأمر يستغرق بضع ساعات حتى تستقر مؤشراتها الحيوية ثم تنقل لغرفة أخرى حيث يمكن للجميع رؤيتها .
*************************
وقف طايع على أمل رؤيتها حين تغادر لكن خاب أمله فقد تاهت منه بين الجموع ، هو لا يدرى أنها هربت منه برغبتها .
هى لا تريد أن تراه ؛ أو لا تريد أن يراها ترتدى ملابس غير ما أهداها إياه .
تعجب الجميع حين ارتدت أحد فساتينها لقد ألحت لشراء فستان جديد ، وحين أصبح لديها اهملته عمدا .
لا أحد يفهم ما تفكر به حقا ، لقد أرادت أن ترتدى أولى هداياه له وحده .
أرادت أن تشاركه تلك السعادة التى شعرت بها حين وصلها الفستان .
**************************
مرت الليلة مؤرقة على الجميع منهم من يعانى شوقا ، ومنهم من يعانى أرقا لم يفهم سببه بعد ، ومنهم من ينتظر أن تتكحل عيناه بالرؤية بعد طول فراق .
قلوب تأن هنا وهناك .
وليل طويل يرهق الأبدان .
وأخيراً يأتى الصباح
مع ساعات الصباح الأولى تم نقل چودى لغرفة أخرى حيث ينتظر الجميع منذ الأمس ، الجميع رفض المغادرة .
وحده محمود عاد للمنزل صاحبا دنيته الصغيرة وكأنه يعلم أن وجودها معه أصبحت نهايته وشيكة فأراد أن يحظى بكل لحظة بقربها .
دخلوا جميعا للغرفة حين سمح لهم الطبيب ، ينظرون لجسدها المسجى بأمل أن تفتح عينيها لتطمئن قلوبهم .
مر نصف ساعة تقريبا قبل أن تستيقظ چودى وتفتح عينيها لتقلبها فى الوجوه الحبيبة إلى قلبها ليهرع الجميع إليها .
ابتسمت بشحوب لتحرك كفها تتلمس بطنها فتصاب بصدمة . ترفع رأسها تنظر لبطنها المنتفخ فلا تجد له أثر .
تسرع إليها آلاء وماسة : حمدالله على سلامتك يا حبيبتى .
چودى بوهن : ماما .. بنتى
ماسة : بنتك مع محمود يا حبيبتى .
تقترب رنوة : انت ولدتى من شهر ونص يا چودى .
چودى بتعجب : ياااه شهر ونص !!!!
حازم : الحمدلله إنك قمتى بالسلامة . مش عاوزين اكتر من كدة .
حمزة : ربنا يتم شفاكى يا بنتى .
تبحث بعينيها عنه لتجده فى أقصى الغرفة ينظر لها بشوق دون أن يقترب . يلحظ حازم نظرات ابنته فينظر له فورا : واقف بعيد ليه يا ساهر ؟
لم يجب ساهر وغادر الغرفة مسرعا . أسرع حازم ليلحق به لكنه رأى محمود مقبلا فترك له الأمر .
تعجب محمود من مغادرة ساهر ليقف أمامه فورا : ساهر رايح فين ؟
ساهر : مش قادر اوريها وشى يا محمود . انا السبب في كل اللى حصل .
يربت محمود على كتفه : انت السبب ازاى بس ده قضاء ربنا ، والحمدلله جت سليمة .
مد ذراعيه بالصغيرة وهو يقول : خد دنيا علشان چودى تفرح بيها .
ساهر : يعنى هى هتسامحنى ؟
محمود : هى اكيد مش زعلانة اصلا . يلا يا ساهر . خد بنتك وروح لمراتك .
يحمل ساهر الصغيرة ويسير نحو الغرفة بينما يقف محمود يراقب دون أن يدخل . يروى عينيه من تلك الابتسامة التى حرمت عليه .
أقترب ساهر من الفراش لتتعلق عينا چودى بالطفلة . يفسح الجميع له المجال حتى وقف أمامها لتقول بلهفة : قربها يا ساهر . عاوزة أشوفها كويس .
يقرب ساهر الصغيرة لتدمع عيني جودى وعينيه ايضا .
يشير حمزة لزوجته لتغادر ولاخيه ايضا .
كان محمود بالخارج حين اقترب محمد واضعا ذراعه فوق كتفه ، حين ذاق الحب عرف كم معاناة أخيه .
إلتفت محمود له ليقول : يلا يا محمود نروح .
محمود بصوت مختنق : يلا يا محمد . انا هستنى فى العربية وانت هات ماما .
يومأ محمد موافقا ويترك لأخيه مساحة لينفس عن أحزانه .
غادروا الغرفة ليقترب محمد : حمدالله على سلامة جودى يا عمى . ربنا يطمنكم عليها .
حازم : محمود فين ؟
محمد : مستنى فى العربية . مين هيروح معانا .
حازم : خد رنوة وألاء .
آلاء : لا يا حازم أنا هقعد مع بنتى
حمزة : آلاء معاها حق . كلنا هنروح نرتاح ونيجى بعد الضهر . هى دلوقتي محتاجة آلاء وساهر بس .
رنوة : ماما خلينى معاكى .
آلاء : لا يا حبيبتي روحى وتعالى مع بابا وعمك بعد الضهر .
وهكذا انصرف الجميع لتتجه آلاء نحو الغرفة لتجد ساهر محتضنا كف چودى يقبله بلهفة ، تتراجع وتجلس فوق مقعد معدنى أمام الغرفة .
******************
بمنزل رفاعى
تم إعداد الفطور للجميع ليجتمع الرجال بمكان والنساء بمكان
صالح : واچب نروحوا نطمنوا على البنية .
رفاعى : هنروحوا بعد العصر إن شاء الله يكونوا ارتاحو .
رفيع : خدنى وياك يا عمى .
ينظر له أبيه بحدة فيحمحم بحرج : محمد صاحبى جبل أى حاچة .
مهران : بوى وعمى يروحوا العصرية . واحنا نروحوا ل محمد المسا .
أحبطت محاولة رفيع فى مهدها، فقد كان يتمنى أن يرى تلك المجنونة الصغيرة التى غادرت بالأمس صاحبة جزء من كيانه .
حسنا سيحاول أن يصل إليها ، لن يحاول رؤيتها خلسة فهذا ليس من شيم الرجال ، لكنه سيحاول التقرب منها . يخشى فقط أن ترفض قربه لمجرد أنه صعيدى .
لقد وصفته بذلك وهوكذلك ، لكن هل سيحول انتماءه للصعيد بينه وبينها !!!؟
************************
فى منزل تاج
جلسوا يتناولون الفطور بينما تأكل ليليان بروية على عكس عادتها ، هى دائما متعجلة .ينظر لها تاج بتعجب : لى لى انت مش هتروحى شغلك ؟
ليليان : لا يا بابا . هاخد إجازة كام يوم
غالية : مالك يا حبيبتي؟ حاجة تعباكى ؟
ليليان : لا ابدا أنا كويسة بس عاوزة ارتاح يومين
ريان : أحسن حبيبتي اصلا لازم تاخدى إجازة قبل كتب الكتاب .
واقترب برأسه منها : حبيبة قلبي تحب تنزل أمته تجيب الفستان ؟
نظرت له بشك ليقول : لا ده هدية منى مفيش قدامك حل تانى .
ابتسمت ليليان إنها تحظى بأخ حنون واب حنون ، كم تتمنى أن يكون طايع مثلهما ، هى تحبه لا تنكر ذلك . لكنها تخشى أن تكتشف فى شخصية لاحقا ما يفرق بينهما .
*********************
بمنزل حمزة
استلقى فوق الفراش بعد حمام دافئ أدى لارتخاء عضلاته المتيبسة ، نظرت له ماسة بشفقة وحنان ، كم تشتاق إليه !!!!
هى لا تدرى كيف تحملت كل تلك الليالي الطويلة بدونه .
لم يفترقا مطلقا منذ زواجهما ، لذا لم تكن تعلم أن الفراق مؤلم لهذه الدرجة ، اقتربت تستلقى بجواره ليفتح عينيه وينظر لها مبتسما .
بادلته ليقترب منها : وحشتينى أوى يا ماسة . حقك عليا قصرت في حقك كتير .
تضع اصبعها فوق شفتيه : هشششش خلى عينى تشبع منك . اجل اى كلام بعدين .
حمزة : يعنى ماينفعش احضنك ؟
اقتربت فورا لتلتصق به وهى تستنشق رائحته وكأن الهواء كان هاربا منها .
*********************
لازال يجلس بجوارها منذ غادر الجميع حتى صغيرته تولت الاء حملها ورعايتها لينفرد هو بالجلوس بقربها .كم كانت أياما طويلة قاسية منذ إفاقته حتى إفاقتها .
كانت حياته خالية من الحياة . تسربت منها روح حبيبته وها هي تعود إليه بعد غياب طويل.
اقترب بجذعه العلوى من الفراش يتلمس ملامحها الشاحبة . لقد فقدت وزنا بشكل ملحوظ . وغابت نضرة وجهها نهائيا . حتى عينيها الرماديتين تخلوان من البريق .
فتحت عينيها بوهن تنظر له ليمنحها ابتسامة راضية : وحشتيني اوي يا چودى .
ابتسمت بشحوب وهى تقول: انت ماوحشتنيش . كنت معايا علطول ماسبتنيش ولا لحظة .
صمتت لحظة لتقول: كنت بحلم بيك
زاد قربا من الفراش ليضم رأسها لصدره ويترك العنان لتلك الدموع التى تخنقه وتكاد تزهق أنفاسه أن تفر معبرة عن كل الألم الذى يمزق قلبه .
ما كان ليسامح نفسه مطلقا إن لم تعد إليه . هز رأسه يريد أن ينفض تلك الأفكار العقيمة منه .لقد عادت حبيبته ، عليه أن يكون أسعد من تحملهم الارض وسيصب كل هذه السعادة بقلب حبيبته ، سينزع عنها هذا الشحوب ، هذا الألم ، هذا الهزال ، سينزع عنها كل ما يحزنها . ستظل حبيبته مصب سعادته للأبد
********************
يجتمع مظهر برجاله فى نفس الغرفة ، لم يزد عليهم سوى شابين في مقتبل العمر اقنعهما مظهر بكل أفكاره ليتبعاه بلا تردد
مظهر : إحنا استنينا كتير وچه وجت الچد
انتبه الجميع له وهو يشرح لهم ما سيقومون به خلال أيام قليلة دون أن يحدد مكان او هدف ،هو فقط يخبرهم بمهمة قادمة يجب أن تكون مؤلمة للجميع .
لم يعترض أحد ، بل الكل يرحب بالجهاد .
******
فى الشقة المجاورة حيث تعيش أرملة وابنتها التى تشعر بالقلق منذ سكن ذلك الشيخ جوارهم . فهى تراه مريبا .
تجلس هيام وابنتها حياة على طاولة متواضعة تتناولان فطورا بسيطا
هيام : هتخرجى يا حبيبتي ؟
حياة : فى شركة هروح اقدم فيها . ادعى لى يا ماما .
هيام : ربنا يوفقك حبيبتي.
حياة : انا نفسى بس ننقل من هنا ، جيرنا دول شكلهم يخوف .
هيام بقلق : حد منهم اتعرض لك ؟
تبدأ حياة تبث أمها شكوكها حول الجار المريب الذى يتردد عليه أناس اكثر ريبة ، لم يتعرض لها أحد منهم لكن نظراتهم مخيفة . تجعل الدماء تبرد فى عروقها . أصبحت تكره المنزل وتتمنى أن ترحل عن الحى بأكمله .
تحاول هيام ان تطمأن ابنتها بينما هى نفسها تشعر بالقلق فقد لاحظت من شباك المطبخ وجود العديد من الفتيات فى تلك الشقة رغم أن الجميع يعلم أن ذلك الشيخ يسكن وزوجته فقط .
تنهيان الطعام وتستعد حياة للمغادرة وهى تحث أمها على عدم مغادرة المنزل وعدم التعاطى مع أولئك الناس المريبون .
وصلت للباب لتوقفها أمها : حياة . هاتى بخور وانت جاية .
تلتفت لها حياة فتقول بحزن : لما بشم ريحته بحس إن أسعد موجود معايا .
تغالب حياة دموعها فأمها رغم مرور كل تلك السنوات تشتاق لأبيها ولا ترى رجالا بعده على وجه البسيطة
تغادر وهى بداخلها لمحة من سعادة تحاول تجاهلها . فهى ستتوجه لمتجر العطارة وهذا يعنى رؤيتها لذلك الغامض الذى تشتاق حقا لرؤيته .