الأول بعد الأربعين
وصل الجميع للمشفى ليتم نقل صخر فورا إلى غرفة الكشف فهو بالإضافة لحالته النفسية والصدمة الواضحة عليه غير قادر على الوقوف أو السير وهذا يقلق أخيه كثيرا .
وصل محمود وراجى وريان ليتم إدخال رحمة إلى غرفة العمليات فورا .
تقدمت آلاء من رفيع الجالس أرضا لكن لم تتمكن من مهاجمته . بل رق قلبها له فور رؤيته . بينما أسرعت شريفة تجلس بجوار ابنها وتربت على ذراعه هامسة : عارفة إن المصيبة كبيرة لكن انت رفيع بردك .
تحولت عينيه إليها بلا أى رد فعل اخر وكأنه يخبرها عن مدى كسره تلك الليلة ، لحظات وفتح باب غرفة العمليات ليخرج الطبيب الذى طلبه ضاحى لتقطيب جراح الفتيات بشكل تجميلى لا يترك أثرا .
أسرع نحوه الجميع ليقول : ماتخافوش يا جماعة.هيتنقلوا اوض وتقدروا تشوفوهم . ماعدا البنت اللى فى غيبوبة .
توجه له رفيع فورا : ليه يا دكتور ؟ هى مافاجتش ؟؟
الطبيب: هى فى صدمة شديدة فى مؤخرة الرأس هى سبب الغيبوبة بس لحد دلوقتي مش واضح أى تأثير غير الغيبوبة .هتدخل العناية لحد ما تفوق ونطمن عليها
يتلفت حازم إليهم ، لا ليست ابنته والغيبوبة مجددا .بينما تردد آلاء بانهيار : مين ؟؟ مين فى الغيبوبة ؟
صمت الجميع لتتساقط دموعها فورا بينما يردد حازم : اللهم رد عنا القضاء وارفع عنا شر البلاء.
يقترب حمزة رابتا على كتف أخيه كأنه يخبره أنه ليس وحده وهو هنا لأجله .
خرج مهران بعد قليل بخطوات شبه مترنحه فقد رفض التخدير الكلى . أراد أن يظل بوعيه ليطمئن على شقيقته . تلك العابثة الصغيرة صاحبة الرقة الفطرية التى تأسر القلوب . رؤيتها مضرجة بدمائها سيظل للأبد اقسى ما رأت عيناه .
أسرعت زينب إليه بلهفة ليربت عليها بحنان : ماتخافيش يا أماى ولدك شديد.
ولم ينتظر أن يقبل عليه والده بل توجه من فوره إليه لينظر له رفاعى بقلب منشطر من شدة الألم الذى مر به تلك الليلة .
أيسعد لرؤيته صغيره بخير !!! أم يحتفظ بأحزان الليلة !!!
*******************
وصل الرجل إلى الكهف الذى يختبئون فيه ليقف بالخارج ويطلب مقابلة كبيرهم . خرج إليه سعيدا بعودته إلا أنه أخبره من فوره بكل ما حدث ، وأن الشرطة تحيط المكان . أخبره بما تطرق إليه سمعه أثناء الصعود برفقة الضباط وأن هذا الهمام لم يكن ينتوى إعادة الفتيات كما اخبرهم وقت الإتفاق أنه يؤدبهم فقط وسيعيد فتياتهم سالمات ، بل إنه سيستحل ما حرمه الله ويقدمهن لاعوانه فالأمر ليس له علاقة بالثأر .بل هو أراد إلحاق العار بهذه الأسرة .
رغم أنهم مجرمون .. ورغم أنهم على استعداد لفعل أى شئ مقابل المال .. إلا أنهم يعلمون تماما قيمة العرض والشرف . يمكنهم خطف فتاة للضغط على ذويها . يمكنهم استغلال فتيات لكن ليس بهذه الطريقة .. لن يقبل كبيرهم ابدا بمثل هذا .
هز الكبير رأسه بتفهم : يعنى هو ماكدبش بس فى حكاية الرچالة . هو ناوى على الغدر من الأول .. يبجى هو الچانى على روحه .
نظر الرجل له بتأهب بينما قال : ارمح وجول للرچالة يرچعوا على بطن الچبل . خمس دجايج والچبل هيبلعنا كلنا وهو يلاجى جضاه .
تحرك من فوره لتنفيذ أوامر كبيره بينما توجه الكبير للداخل حيث همام يجلس تحت الرقابة وقف أمامه مدعيا السذاجة : أنى هاخد رچالتى ونستنوا جريبك برا .أول ما يوصل بفلوسنا هنهملك .
وأشار لرجاله ليتبعوه للخارج وفى خلال دقائق اختفى الجميع .
******************
نقلت ريتاچ لغرفة عادية ليبدأ الجميع في تفقدها فورا . كان رأسها محاطا بالأربطة الطبية وقد اختفت أغلب ملامحها البريئة . عينيها منتفختين بشكل مخيف وتأن بخفوت .
رفض الطبيب دخولهم جميعا ليدخل رفاعى وزينب اولا . تبكى زينب بمجرد رؤيتها ليتمتم رفاعى بألم : احمدى ربنا يا زينب . جدر ولطف.
تتمتم بالحمد ويخرجان ليدخل ضاحى ومهران وطايع ، أسرع مهران نحوها : ريتاچ . سمعانى يا خيتى .
تجاهد لتفتح عينيها ، الرؤية مشوشة لكنها ترى اخويها وتراه بالخلف ، لم يقف بالخلف !!
تبلل شفتيها وتهمس : عطشانة يا مهران .
يتلفت مهران حوله لينطلق هو خارجا ويعود لاهثا بعد دقيقة بين يديه زجاجة الماء . أقترب فورا يحاول مساعدتها هو وطايع فإصابة مهران تمنعه من المساعدة .
وضع كفه اسفل رأسها لتأن بشدة فيرتعد ذراعه . اغمضت عينيها مرة أخرى لكنه لم يعيد رأسها للفراش . وظل يرفعه حتى فتحت عينيها مرة أخرى ليقرب طايع الزجاجة من شفتيها : اشربى حبيبتى .
شربت القليل ليبدأ إعادة رأسها للفراش لكنها تتشبث بجلبابه المخضب بدمائها وتقول : حد اجرهم يخطفونا . دى مش حادثة .كانوا مرتبين لها .
نظر لها ضاحى بفزع : مين جالك إكدة؟
ريتاچ بألم : اتكلموا قدامى
يتبادلون النظرات الغاضبة ليقول طايع : ارتاحى دلوك يا ريتاچ . ماتتكلميش .
تهمس بضعف : مهران ...
يقترب مسرعا فتقول : أنا خايفة .
يربت على كفها المتشبث ب ضاحى : ماتخافيش طول ما فينا نفس . إحنا إهنة محدش هيتحرك .
تنظر ل ضاحى بتساؤل : ضاحى مش هتسبنى ؟
ضاحى : مجدرش ابعد خطوة واحدة . نامى ماتخافيش أنى چارك اهه .
تغمض عينيها ولا يتخلى كفها ع صدر جلبابه . دقائق ودخلت غالية وشريفة وماسة لتفقدها ليهمس مهران : ضاحى خليك إهنه لحد ما نرچع .
واتجه هو وطايع للخارج ليخبر الجميع بما أخبرته به شقيقته .
****************
لم يستغرق نصف ساعة وظهر يعدو بإتجاههم ليتأهب الجميع . وقف يلهث : السكة أمان يا بيه . محدش هيجف جصادكم . الكبير أمر نسيبوه لجضاه .
أشار بكفه لاتجاه اليمين : هو فى كهف لحاله .
نظر له أدهم بغير تصديق ليقول عماد فورا : نتحرك أحسن .كل دقيقة هتفرق معانا .
******************
ظل همام لفترة بعد مغادرة الكبير ورجاله يجلس بهدوء ثم حمل سلاحه وقرر الغدر بهم . تسلل للخارج بخفة وقد أعد سلاحه للاطلاق لكن لم يقابله أحد . توجس قلبه فورا فيبدو أنهم ايضا قرروا الغدر مثله ، بدأت خطواته تسرع نحو الخارج وما إن خطت قدمه خارج الكهف حتى استمع لأصوات السلاح نظر حوله بغضب ليقول أدهم الذى يصوب سلاحه نحوه : ماانصحكش فى اللى بتفكر فيه . انت كدة بتقتل نفسك .
همام : انى فى الچنة وانتم فى الچحيم . اخاف من إيه؟؟
عماد : بلاش جنان .. انت مين علشان تقول مين فى الجنة ومين فى النار ؟؟
يضحك همام : مابجيش إلا أنت يا نصرانى اللى تتحدت .
سالم : همام نزل سلاحك . مالاكش دعوة بمسلم ونصرانى مش قضيتنا . انت قتلت وسلم نفسك احسن .
بدأ فى لحظة إطلاق النار ليسدد سالم سلاحه نحو ذراعه ليسقط السلاح ويصوب أدهم على ساقه ليسقطه هو .
إلتف حوله الجنود ليصرخ : الجبض علي مش هيعدى بالساهل وحياتكم ارخص تمن .
لم يعيره أحد الإنتباه ليحمله الجنود ليعودوا ادراجهم نحو السيارة بينما توقفت خطوات أدهم : والمطاريد اللى ساعدوه
عماد : مش قضيتنا دلوقتي يا أدهم ، وفى كل الأحوال هم اختفوا ومش هنلاقى حد منهم .
اقتنع أدهم ليتحرك معهم نزولا من الجبل بينما يهمس سالم : أهل القتيل مش لازم يعرفوا إنه اتقبض عليه وهيبقى معاهم فى المستشفى . هيقتلوه اكيد
عماد : نوديه مستشفى الشرطة محدش هيقدر يوصل له .
أدهم : لا إصابته مش مستاهلة . هيخيطوه وناخده على المديرية مش هيقعد فى المستشفى .
كان إثناء أدهم عن ذلك أمرا صعبا . سيستجوبه بلا رحمة. لكن الغريب أن سالم وعماد لم يتعاطفا مع همام كما كانا يتعاطفا مع الآخرين . وكأن القلوب تؤمن أنه يستحق كل ما يحدث .
****************
طال الوقت والكل ينتظر أن تنتهى جراحة رحمة . ثلاث ساعات قبل أن يخرج الطبيب معلنا نهاية الجراحة ونهاية عذابهم
تحرك صالح نحوه فورا ليقول : خير يا جماعة الحمدلله . نص ساعة وتقدروا تشوفوها .
زناتى : يعنى هتجدر تمشى يا دكتور بعد إكدة ؟
الطبيب : هترجع زى الاول بالضبط بس طبعا الجبس هيفضل تلت شهور .وتتابع معانا .
غادر الطبيب ليتجه صالح نحو الغرفة التى يرقد بها شقيقه . لقد أطاحت تلك الليلة ب صخر كليا . خاصة بعد أن أخبره الطبيب أن عدم قدرته على السير يرجع لصدمة وفاة ولده . ليست مرضا عضويا وربما هذا أسوأ بالفعل .
نصف ساعة واخبرتهم الممرضة أن بإمكانهم تفقد رحمة ، أقترب محمد من رفيع : لازم تكون أول واحد تشوفه.
ينظر له رفيع : لاه انت چوزها ادخل لها الأول . أنى ماخابرش هجولها إيه لما تسألنى على سويلم !!!.
يصر محمد : يبقى ندخل لها سوا . قوم معايا .
رضخ رفيع له فهو من ناحية يتمزق لأجلها ومن ناحية أخرى لايمكنه مواجهتها وحده .
********************
كان حازم وحمزة وألاء يقفون بباب الرعاية حين وصل خبر نهاية جراحة رحمة ليكون أول الاخبار الجيدة .
رفضت آلاء أن تجلس أو تستريح حتى تطمئن على صغيرتها لتأتى رحمة الله مسرعة .
تهرول الممرضة خارج غرفة العناية ليفزع الجميع ويقول حمزة : حصل إيه يابنتى ؟
الممرضة : خير حضرتك . هنادى الدكتور المريضة بتفوق .
تهللت الوجوه ليخرج حازم كل ما بجيبه ويقدمه لها : ربنا يطمن قلبك .
تبتسم بسعادة : بس شوفوا مين رفيع علشان يدخل لها الأول كانت بتنادى عليه حتى قبل ما تفوق .
أغمض حازم عينيه يحمد الله على عودة صغيرته السريعة بينما بكت آلاء ليقول حمزة : الحمدلله مادام فاقت هتبقى كويسة إن شاء الله . أنا هروح انادى رفيع .
*******************
دخل محمد ورفيع إلى غرفة رحمة الغارقة في صمت تام . اقتربا من الفراش حيث ترقد وتتعلق ساقها للأعلى .
وضع محمد كفه فوق كفها : رحمة
فتحت عينيها لتبتسم له . حاول أن يبادلها بسمتها فلم يستطع لتتساءل : رفيع ؟
أقترب فورا : أنى اهه يا جلب اخوكى .
اتسعت ابتسامتها ، هكذا يناديها سويلم دائما . رمشت بعينيها وقد غابت ابتسامتها : سويلم ماچاش وياكوا ليه ؟ هنت عليه يهملنى !!!
نكس رفيع رأسه : مش بخاطره ياخيتى .
رحمة بفزع : ليه !! اتصاب اياك ؟
طفرت دموع رفيع رغما عنه ولم يتمكن من الحديث ليقول محمد : البقاء لله يا رحمة . ادعى له .
اتسعت عينا رحمة بفزع وهى تقول : انت بتجول إيه؟؟ خوى .
محمد : يا رحمة ارجوكى .
لتصرخ رحمة وكأنها لا تستمع إليه : يا خوى . ااااه يا سويلم .
تنظر ل رفيع الذى يقبل عليها فورا : لاه يا رحمة بلاش إكدة ..
تنهمر دموعها وهي تقول : غصب عني .. سويلم يا رفيع . سويلم .
اغمضت عينيها وهى تتذكر ما فعله لأجلها منذ أيام
عودة للوراء
يدخل سويلم غرفة رحمة لتهب واقفة : هاه يا سويلم جالوا إيه ؟؟
يضحك سويلم على لهفتها : مش ده برضك اللى جولتى له مالاكش دية عندينا .
تبتسم بخجل وتضع يديها بخصرها لتقول بقوتها المعهودة : امال يمد يده علي واسكت له إياك .
يضحك سويلم : وطى صوتك. رفيع يسمعك
تضحك بخفوت : لاه وعلى ايه . اترمل جبل ما اتچوز .
تصمت لحظة : جول بجا . جالوا إيه ؟
ليقدم لها هاتفه : وعلى ايه خدى صورتهولك كمان .
تلتقط الهاتف بلهفة وهى تجلس فوق فراشها ليجلس بجوارها مستمتعا بسعادتها وهى تشاهد الڤيديو حتى انتهى ليجذب الهاتف من بين أصابعها : كفاية إكدة.. بعد العجد ابعتهولك .
لتضمه بسعادة بينما تعلو ضحكاته .
تعود من ذكرياتها وهى تجهش بالبكاء ليقترب محمد مقبلا رأسها : وحدى الله يا رحمة بالله عليك .
تشهق رحمة : لا إله إلا الله .
يتسلل رفيع للخارج فقلبه يأن ألما . رأته ماسة وغالية يغادر لتتجهان للغرفة لمواساة رحمة بينما أقبل حمزة : رفيع رنوة فاقت .
ليشعر اخيرا أن بإمكانه التنفس فكلتاهما بخير .
يتوجه أولا إلى أمه التى تقبع أمام فراش والده منذ أعلن الطبيب عدم قدرته على السير ليخبرها أن تتفقد رحمة ثم يتوجه ليتفقد قلبه الذى اودعه ضلوعها
****************
منذ أعلنت عن خوفها وضاحى لم يتحرك من جوارها ليس لتشبثها به بل لتشبث قلبه بها .
لتشعر بمزيد من السكينة قبع عميها أمام باب الغرفة بعد أن اكدا لها عدم مبارحة بابها عليها فقط أن تحظى ببعض الراحة .
أما شباب العائلة فينزون فى أحد الأركان منذ ساعات يشاركهم ريان ومحمود فى محاولة لتهدئة غضبهم .
هم محقون لقد كادوا أن يفقدوا فتياتهم . لكن الصراع وسفك الدماء ليس حلا لإعادة كرامتهم . فكرامتهم لم تمس من الأساس . عليهم التحلى بالحكمة وزيادة تأمين أنفسهم حتى يتضح من تجرأ على هذه الفعلة .
*************
دخل حازم وألاء لابنتهما بمجرد أن سمح الطبيب بذلك . نظرت لهما نظرات زائغة لتتساءل عنه فورا . تغمض آلاء عينيها قهرا ، لقد احتل هذا الصعيدى رغم كل ما حدث قلب ابنتها ولا أمل فى اجلاءه .
اخبرها حازم ما حدث لتزيد صدمتها وتزيد إصرارا على رؤيته .
دقائق وكان يطرق باب الغرفة ويدخل بهدوء . أقترب من فراشها : الف سلامة عليكى .
جذب حازم يد آلاء ليخرجها من الغرفة رغم اعتراضها الواضح بينما نظرت رنوة ل رفيع لترى كسرته فورا فتهمس : تعالى يا رفيع .
جلس بحافة الفراش : أنى چارك اهه .
لم تتمكن من تحريك رأسها لتمد ذراعها هامسة بصوت مبحوح : تعالى في حضنى .
نظر لها دون تعجب من قولها ، بل تعجب من رؤيتها رغبته فى بثها ألمه ، رغبته في الاختباء من كل الألم بين ذراعيها .
اشارت بكفها وهى تؤكد : تعالى علشان مش قادرة اجى لك .
احتقن وجهه واختنقت دموعه ليهرول إلى صدرها تاركا العنان لكل أحزانه لتعبر عن وجودها حيث الأمان بين ذراعيها