٥

685 66 108
                                    


التاسعة مساءًا بتوقيت فرنسا، باريس.

دفنَ هاري رأسهُ بينَ كفيّه بإرهَاق، وازالِهَا ساحبًا شعرهُ الى الوراء.
مُمددًا فوق السرير براحة، ينظرُ الى السّقف بشرودٍ، ولا شيء عدا السقف.

أرخى أعصابهِ بهدوء، وعادَ يُفكّر فِي كل شيءٍ ببساطَة..
ظهور اليزآ في حياتهِ فجأة، أرجعَ اليهِ ذكرياتٍ لهُ دامت عشرون عامًا حتى الآن.
ذكريات، ظنّ هو بأنهُ قد نساهَا للأبد..
وفي لحظة سريعة! في لمح البصَر.
تدفقَ الماضِي المؤلم إليهِ..

عندما يراهَا تذرفُ الدموع، بجهشاتٍ موجعة.
يرى نفسَ المنظَر لأحدٍ كاد ان يقتلهُ.
طلبَ منهَا ذاك اليومَ أن تتوقَف عنْ البُكَاء حتى لا يزْداد قلبهُ ألمًا.
حتى لا يتذكر شيئًا لا يُحب أن يتذكره..

عناقِهَا..
عناقهَا ذكرّه بوالدتهُ، نفسَ التصَارُع، نفسَ التشبث..
نفسَ الألم، ونفسَ المشاعر بالضياع.

قاطع تفكيره رنين هاتفهُ، لينتفض بخفة على صوتهُ

"هاري يتحدَث." قال  حين ما وضعَ الهاتف على أُذنه.
"هاري، أنا الطبيبة لورانس."جاءهُ صوت الطبيبة لورانس من على الطرَف الأخر.

"أوه! مرحباً د. لورانس"تمتم شاروخ بنبرة متعَبة، وفرك عينيهِ بكسلٍ.
"أنا جيّدة، ماذا عَن اليزآ الآن؟" سألتهُ  فوراً، وكأنها على عجلٍ ما، وقد لاحظ هاري هذا.

"هيَ.."بدأ هاري يقول مترددًا، ثُم أضاف بينما يغلق باب غرفتهُ بقلق:
"هيَ بخير على ما أعتقد."

"كيفَ على ما أعتقد؟  أكثر"اردَفت الطبيبة لورانس بنبرة فظّة أثارت غضَب هاري قليلاً.
ولكن في لحظة هدّأ أعصابهُ، ففي النهاية هي طبيبة تبحث عن هذه الحالة الغريبة.

"منذُ أن جاءَت من المشفى وهيَ لا تخرُج من الغرفة، حتى عندما أطرقُ الباب تقول ليِ بأنهَا نائِمة."ردّ هاري بصراحة وجلسَ فوق كرسيه بجانب السرير.

"حاول أن تتقرَب منهَا وسنجد جميعَ الإجاباَت."

"لِمَ أشعر بأننا نُحقق معهَا كشرطيين، كي نعرِف قصتهَا فقط وليسَ حالتهَا؟"سأل هاري في المقابل، عاقدًا حاجبيه.
"كيف سنعرِف حالتها دون معرفة قصتهَا منذَ البداية؟ هذا يعتمد عليك الآن."

"حسنًا."أجاب هاري ببساطة، والتفت للباب بقلق، كي لا تدخُل هي فجأة.
"تذكَر أن تتعامل معهَا ببساطة، وتُشعرهَا بأنك قريبٌ منهَا، وهي بدورها ستشعر بالراحة." ذكرتهُ الطبيبة لورانس بنبرة بهَا شيءٌ من التحذير.

"سأفعل."ردّ هاري بنفسٍ ثقيل، ثُم أغلقَ الخطْ.

في لحظةٍ ما، شعرَ بأنهُ تورط في كل هذا، تورط بهَا، وبحالتِهَا، وبالطبيبة لورانس..
وفي ايامٍ قليلة فقط!
ما الذي حدثَ معهُ وما الذي فعلهُ لتقتحم هذه الفتاة حياتهُ بهذا الشّكل.
لِمَ هوَ؟

عزيزتي باريس | نغم غنّام.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن