١٥

660 60 248
                                    


دخلَت آليزا الى المطبخ تسكُب لنفسهَا كأسًا من المياه، لتروي عطشهَا المُفاجئ، تسلسل اليهَا شريطًا من الماضي الذي كانت تنوي أن ترميه خلفهَا، ناقصًا وغير مكتملاً..
كيفَ ستمضي حياتها دون ماضي، ماضي غير مكتمل.
كيف ستضميه لطالما أصبح هو مرتبطًا بماضيهَا. كيف ستعانقهُ وتعتذر منهُ آلاف المرّات، أنها كانَت سببًا وجزءًا من آلامهِ، لِمَ تضع اللوم عليها وحسبْ.
هيَ وهو كانَا الضحيَتان لكُل هذا، لن تستمر حياتِهَا بوجود هذا اللغز، وحتى بعدمَا علِمَت أن والدهُ هو نفسه من كانَ سيتزوج والدتهَا، ويالحظهَا العاثر، السيء.
الى من ستتحدَث، من ستسأل؟
وراحت تسأل نفسهَا بحيرَة كما لو أن منهَا شخصيتين الآن، هل ستخبرهُ؟، كانَ مجرد التفكِير بهذا رعبهَا، هي عالقَة الآن، لا تقدّم، ولا عودَة.
الأغرب، رغم الكمّ الهائِل من صورهُ التي حرقهَا، الا أنهُ يحتفظُ بواحِدة كامِلة في خزانتهُ.
كبرياءُه كانَ أقوى وأضعف في نفسَ الوقت، أقوى من أن يتألم من أجله، وأضعف من أن يُحرق هذهِ الصورة.

"آليزا، لِمَ لم تأتي؟" التفت آليزا الى الخلف سريعًا، متنفضَة من صوته الذي بدا هادئًا جدًا.
راقبت ملامح وجهِه للحظَة، ثُم أجابت متلعثمَة:
"كلاّ، لَقد شعرتُ بالعطَش فقَط."
اومئ متفهمًا ثُم أقترب قليلاً قائِلاً بحيرَة بينما تفحصَ وجهِهَا المرتَبكَ بشدّة منذُ لحظة دخوله: "هَل أنتِ بخير؟ تبدين مرتبِكَة"
وللحظَة شعرَت بالرعب كما لو أن أحدهُم وضعَ قالبًا ثلجيًا في معدتهَا، وكأنهُ شعرَ بقلقهَا، ملامحها البارِدَة والمرتبكَة في ذاتَ الوقت، يديهَا المرتعشتان، خشَت بأنه قد يعرف بأمر الصورَة، انهُ أمر محتمل.
ولكنهُ لا يعلم ان بسبب الصورة قد تترك ملامح الإرتباك والخوف على وجهها، فهو لا يعلم، لا يعلم وحسبْ.
"أنا بخير، لِمَ قد تُخبرني بذلِك؟"سألتهُ آليزا والتفتت لتقوم بغسل كأس المياه، او بالأحرى تتهرب من نظراتهُ
"لا أعلَم، تأخرتِ كثيرًا وقلتِ لي بأنكِ ستجلبين ليِ قميصًا، وملامحكِ غريبَة، مابكِ؟" أجاب هاري غيرَ مُتأكدًا وشبكَ ساعديه ببعضهمَا.

"هل يُمكننَا الخروج سويًا؟"سألتهُ آليزا فجأة.
"ماذا؟"سأل في المقابل متعجبًا.
"أريدُ الخروج معكْ."عادت آليزا تقول مجددًا، وأقتربَت منهُ.
"أليسَ الوقت مُتأخرًا قليلاً؟"أردف هاري ورفعَ حاجبًا، لتجيب مُصرّة:
"كلاّ، اُريد الخروج."
"آليزا هل أنتِ بخير؟" سأل ثانيةً وقد بدأت ملامح الشّك تعتلي وجهِه.
"أجل، انا بخير، ولكني أُريد التنزه." قالت آليزا بهدوء وهي تحدّق في الأرض

"مارأيك بالتنزه عند الدقائِق الأولى من الصباح؟"أقترح هاري وقد إبتسم قليلاً عندما فكّر أنها تُريد ان تكون معهُ، ويتنزهان سويًا.
كانت الفكرَة مذهلة، لطالما هي قالت هذا.
"ولٍمَ الدقائِق الأولى؟"سألتهُ ونظرَت في وجهِه.

عزيزتي باريس | نغم غنّام.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن