٩

602 77 160
                                    


________________________

"اليزآ، كفى لِمَ تتذمرين؟ نستطيع فعل غيرها." تحدّث هاري حانِقًا ثُم تنهدْ بحزن وهو ينظر الى الشطائر المحترقة.

"هاري، لقد تعبناَ ونحنُ نصنعهَا! كيفَ لا أتذمر؟"

"وذنب من هذا؟"سأل هاري ساخرًا، وبدأ ينظف الفرن من الشطائر المحترقة
"ماذا تقصد؟ أهو ذنبي؟" سألتهُ اليزآ متلعثمة ووضعت خُصلات شعرِها وراء اذنيها وشبكت ساعديها ببعضهما.

"ذنب ثرثرتك على ما أعتقد." أجابها هاري ضاحكاً وأقترب منهَا

"أنت السبب، مدبّر منزل سيء!" صرخت في وجهه كالطفلة، ليرفع هو كلتا حاجبيه ثم قهقه على طفولتها.

لم تضحك اليزآ وظلت ترمقه بنظرات هجومية.
لاحظ هاري هذا، فتنهد قائلاً بإنزعاج: "حسناً، كفى نظراتٍ كهذه!"

تأفأفت اليزآ بملل، وكانت ستخرُج لولا أنهُ أوقفهَا مجددًا، بقوله:
"هلّا تتناولين الغداء في الخارج أفضل؟"
التفتت لهُ اليزآ بتردد، ثُم فكرت جيدًا قبل ان توافق على إقتراحه، فهو مدبّر منزل سيء على كُل حال، وبالرُغم من هذا فهيَ لا تنكِر مدى لطافته، لقد أخبرها بأنهُ لا يُجيد الطهي، واليوم فعل هذا من اجلها، حتى لو كانَ الطعام سيئاً! محترقاً..

ففي النهاية لا يوجد أجمل من شخصٍ يحاول ان يفعل أي شيء من أجلك حتى لو كان لا يُجيد فعله.

"إنتظري قليلاً.."قال هاري، ثُم سحب هاتفهُ ونقرَ فوقه قليلاً بإصبعه.

رفعَت اليزآ حاجبيهَا بإستغراب مما يفعلهُ، ثُم أقتربَت خلسَة من وراءه وراقبت الهاتف الذي يحمله بين يدهُ.

لا شعورياً مدّت إصبعهَا بسرعة لتضغط فوق شاشة هاتفه كما يفعلْ، فصمَت هاري متفاجئًا بينما لا يزال حاملاً هاتفهُ ويراقب إصبعها الذي يتجول فوق شاشة هاتفهُ.

سقطَ فمها وبدَت ملامحها متفاجئة أكثر.
"واو!"همسَت بإنبهار، وعينينْ لامعة.
"هاتف باللمس، رائع!"همسَت أليزآ مجددًا، لينقلب الوضع وتتسع عينين هاري بدلاً منهَا.

أبتلعَ هاري ريقه بصعوبة، وتجمَد في مكانه.
"هذهِ الفتاة مخيفة." همسَ لنفسه، ثُم أغلق هاتفه و وضعهُ في جيبه.

التفتَ لهَا وراقب ملامحها البريئَة، ثُم أتبع بقوله:
"ستكون فكرَة جيّدة فعلاً، لنذهَب."

"الى أين؟" سألته اليزآ في المقابل، بينما مدّ يدهُ لهاَ.
"مطعم دو لوفادو."أجابهَا، ثُم أبتسَم عندماَ أمسكَت هيَ بيدهُ دونَ تردد.

داعبَت بشرة أناملهَا اصابعهُ برقَة وهي تلتف حولَ كفيّه الكبيِر، وقد شعرَ بشيءٍ غريبْ يسير في عروق يدهُ عندما لمسهَا.
"حسناً، سأضطر لإرتداء معطفكَ أيُهَا الشيف."قالت اليزآ بنبرة بهاَ شيئًا من السُخرية، ثُم تقدَمت ساقيهَا لخارج المطبخ، وهي تخفِي شبه شبح الإبتسامة الذي ظهر على شفتيهَا فجأة.

بينما لازالت مُمسكَة بيديهْ وتقدمَت أمامه، لتسير في رواق غرفتهُ، راقب هو خُصلات شعرِهَا البنيّ القصير التي تداعبها نسيم الرياح الباردَة الآتيةَ من النافِذة.
وقميصهُ الذي يحاوط خصرهَا النحيل، ويبدو كفستاناً واسِعاً على جسدهَا.
أبتسمَ بخفَة لمظهرها الطفولي، وهي تدخل لغرفتهُ وتترك يدهُ شيئاً فشيئًا.

فتحَت خِزانة ملابسهُ بثقَة، وراحت تتفقد ملابسهُ بدقّة.
"جاء اليوم الذي أصبحتُ أتشارك فيه بملابسِي مع فتاَة." قال هاري هامسًا، وأطلق بين شفتيهِ قهقهة خفيفة، بينما يُراقبها.

أخرجت هيَ معطفًا بُنيّ من الفرو، وكان يبدو نسائياً للغاية.
عرضتهُ أمام وجهه، ورفعت لهُ حاجبًا قائلةٌ:
"نسائيّ؟."

رفعَ رأسهُ لهَا وخفقَ قلبهُ عندما رآها تحمل المعطف المقصود بين يديهَا ثم  سحبَ منها المعطف بقوة قائلاً:
"لا تلمسيه!"
راقبت تحرّكات وجهه بحذر، بينما تجول عينيه في الفراغ لمدّة حتى أصبحتْ ممتلئَة بالدموع.
رمش كثيرًا حتى أختفت الدموع، وأبتلع ريقهُ بصعوبة بينما يرفع رأسهُ لهَا ببطء، ثُم تنهد بهدوء قائلاً:
"أنهُ لوالدتِي."
أسترخَت ملامح اليزآ، وظلّت تعبث في أصابعهَا طويلاً، في هذهِ اللحظة الهادِئة، لا شيء سوى صوت قلبهَا الذي أصبح في حالة محرجة، وأصبح نبضهَا عالي.

"لقد إعتنيتُ بهِ طوال هذهِ المُدّة، وفي كُل عامٍ في ذكرى عيد ميلادهَا، أقوم بغسله جيدًا وكويه، ثُم أضعهُ في الخزانة.." أكمل شاروخ كلامهُ وقد اعتدلت نبرتهُ المختنقة.

"أعتذر، لم أكُن أعلَم هذا." همسَت اليزآ لهُ وهي تشعر بالأسى حيالهُ في هذهِ اللحظة حرفيًا، ايضًا شعرَت بالراحة كونه أصبح يتعامل معهَا بدون أسرار.

"أعتني بهِ جيدًا.."تحدّث هاري، ثُم أكمل هامسًا بينما يمدّ لهَا المعطف: "رجاءًا"
اومئَت اليزآ بتردد، وأخذت منهُ المعطف، قائِلة:
"بالتأكيد."
رمقته بنظرة أخيرَة مليئَة بالعاطفة قبلْ ان تخرج من الغُرفة.

عزيزتي باريس | نغم غنّام.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن